الصفحة 1الصفحة 2
المسورة الروم الآية رقم 1
غُلِبَتِ الرُّومُسورة الروم الآية رقم 2
كانت الفرس والروم, في ذلك الوقت, من أقوى دول الأرض.
وكان يكون بينهما من الحروب والقتال, ما يكون بين الدول المتوازنة.
وكانت الفرس مشركين, يعبدون النار.
وكانت الروم, أهل كتاب, ينتسبون إلى التوراة والإنجيل, وهم أقرب إلى المسلمين من الفرس, فكان المسلمون يحبون غلبتهم, وظهورهم على الفرس.
وكان المشركون, لاشتراكهم والفرس في الشرك, يحبون ظهور الفرس على الروم.
فظهر الفرس على الروم, وغلبوهم غلبا لم يحط بملكهم, بل أدنى أرضهم.
ففرح بذلك مشركوا مكة, وحزن المسلمون.
فأخبرهم اللّه, ووعدهم أن الروم ستغلب الفرس.
فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَسورة الروم الآية رقم 3
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَسورة الروم الآية رقم 4
" فِي بِضْعِ سِنِينَ " تسع, أو ثمان, ونحو ذلك, مما لا يزيد على العشر, ولا ينقص عن الثلاث.
وأن غلبة الفرس للروم, ثم غلبة الروم للفرس, كل ذلك بمشيئته وقدره ولهذا قال: " لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ " فليس الغلبة والنصر, لمجرد وجود الأسباب.
وإنما هي, لا بد أن يقترن بها القضاء والقدر.
" وَيَوْمَئِذٍ " أي: يوم يغلب الروم الفرس, ويقهرونهم " يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ " .
أي: يفرحون بانتصارهم على الفرس, وإن كان الجميع كفارا, ولكن بعض الشر أهون من بعض, ويحزن يومئذ, المشركون.
" وَهُوَ الْعَزِيزُ " الذي له العزة, التي قهر بها الخلائق أجمعين " يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء " .
" الرَّحِيمِ " بعباده المؤمنين, حيث قيض لهم من الأسباب التي تسعدهم وتنصرهم, ما لا يدخل في الحساب.
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُسورة الروم الآية رقم 5
وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَسورة الروم الآية رقم 6
وعد الله المؤمنين وعدا جازما لا يتخلف, بنصر الروم النصارى على الفرس الوثنيين, ولكن أكثر كفار (مكة) لا يعلمون أن ما وعد الله به حق,
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَسورة الروم الآية رقم 7
وإنما يعلمون ظواهر الدنيا وزخرفها, وهم عن أمور الآخرة, ما ينفعهم فيها غافلون, لا يفكرون فيها.
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَسورة الروم الآية رقم 8
أو لم يتفكر هؤلاء المكذبون برسل الله ولقائه في خلق الله إياهم, وأنه خلقهم, ولم يكونوا شيئا.
ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا لاقامة العدل والثواب والعقاب, والدلالة على توحيده وقدرته, وأجل مسمى تنتهي إليه وهو يوم القيامة؟ كان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لجاحدون منكرون; جهلا منهم بأن معادهم إلى الله بعد فنائهم, وغفلة منهم عن الآخرة.
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَسورة الروم الآية رقم 9
أولم يسر هؤلاء المكذبون بالله الغافلون عن الآخرة في الأرض سير تأمل واعتبار, فيشاهدوا كيف كان جزاء الأمم الذين كذبوا برسل الله كعاد وثمود؟ وقد كانوا أقوى منهم أجساما, وأقدر على التمتع بالحياة حيث حرثوا الأرض وزرعوها, وبنوا القصور وسكنوها, فعمروا دنياهم أكثر مما عمر أهل (مكة) دنياهم, فلم تنفعهم عمارتهم ولا طول مدتهم, وجاءتهم رسلهم بالحجج الظاهرة والبراهين الساطعة, فكذبوهم فأهلكهم الله, ولم يظلمهم الله بذلك الإهلاك, وإنما ظلموا أنفسهم بالشرك والعصيان.
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُونسورة الروم الآية رقم 10
ثم كانت عاقبة أهل السوء من الطغاة والكفرة أسوأ العواقب وأقبحها; لتكذيبهم بالله وسخريتهم بآياته التي أنزلها على رسله.
اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَسورة الروم الآية رقم 11
الله وحده هو المتفرد بإنشاء المخلوقات كلها, وهو القادر وحده على إعادتها مرة أخرى, ثم إليه يرجع جميع الخلق, فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَسورة الروم الآية رقم 12
ويوم تقوم الساعة ييئس المجرمون من النجاة من العذاب, وتصيبهم الحيرة فتنقطع حجتهم.
وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَسورة الروم الآية رقم 13
ولم يكن للمشركين في ذلك اليوم من آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله شفعاء, بل إنها تتبرأ منهم, ويترؤون منها.
فالشفاعة لله وحده, ولا تطلب من غيره.
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَسورة الروم الآية رقم 14
ويوم تقوم الساعة يفترق أهل الإيمان به وأهل الكفر,
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَسورة الروم الآية رقم 15
فأما المؤمنون بالله ورسوله, العاملون الصالحات فهم في الجنة, يكرمون ويسرون وينغمون.
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَسورة الروم الآية رقم 16
وأما الذين كفروا بالله وكذبوا بما جاءت به الرسل وأنكروا البعث بعد الموت, فأولئك في العذاب مقيمون; جزاء ما كذبوا به في الدنيا.
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَسورة الروم الآية رقم 17
فيا أيها المؤمنون سبحوا الله ونزهوه عن الشريك والصاحبة والولد, وصفوه بصفات الكمال بألسنتكم, وحققوا ذلك بجوارحكم كلها حين تمسون, وحين تصبحون, ووقت العشي, ووقت الظهيرة.
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَسورة الروم الآية رقم 18
وله - سبحانه- الحمد والثناء في السموات والأرض وفي الليل والنهار.
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَسورة الروم الآية رقم 19
يخرج الله الحي من الميت كالإنسان من النطفة والطير من البيضة, ويخرج الميت من الحي, كالنطفة من الإنسان والبيضة من الطير.
ويحيي الأرض بالنبات بعد يبسها وجفافها, ومثل هذا الإحياء تخرجون -أيها الناس- من قبوركم أحياء للحساب والجزاء.
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَسورة الروم الآية رقم 20
ومن آيات الله الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق آباكم آدم من تراب, ثم أنتم بئر تتناسلون منتشرين في الأرض, تبتغون من فضل الله.
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَسورة الروم الآية رقم 21
ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم -أيها الرجال- أزواجا; لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن, وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة, إن في خلق الله ذلك لآيات دالة على قدرة الله ووحدانيته لقوم يتفكرون, ويتدبرون.
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَسورة الروم الآية رقم 22
ومن دلائل القدرة الربانية: خلق السموات وارتفاعها بغير عمد, وخلق الأرض مع اتساعها وامتدادها, واختلاف لغاتكم وتباين ألوانكم, إن في هذا لعبرة لكل ذي علم وبصيرة.
وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَسورة الروم الآية رقم 23
ومن دلائل هذه القدرة أن جعل الله النوم راحة لكم في الليل أو النهار; إذ في النوم حصول الراحة وذهاب التعب, وجعل لكم النهار تنتشرون فيه لطلب الرزق, إن في ذلك لدلائل على كمال قدرة الله ونفوذ مشيئته لقوم يسمعون المواعظ سماع تأمل وتفكر واعتبار.
وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَسورة الروم الآية رقم 24
ومن دلائل قدرته سبحانه أن يريكم البرق, فتخافون من الصواعق, وتطمعون في الغيث, وينزل من السحاب مطرا تحيا به الأرض بعد جدبها وجفافها, إن في هذا لدليلا على كمال قدرة الله وعظيم حكمته وإحسانه لكل من لديه عقل يهتدي به.
وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَسورة الروم الآية رقم 25
ومن آياته الدالة على قدرته قيام الماء والأرض واستقرارهما وثباتهما بأمره, فلم تتزلزلا, ولم تسقط السماء على الأرض, ثم إذا دعاكم الله إلى البعث يوم القيامة, إذا أنتم تخرجون من القبور مسرعين.
وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَسورة الروم الآية رقم 26
ولله وحده كل من في السموات والأرض من الملائكة والإنس والجن والحيوان والنبات والجماد, كل هؤلاء منقادون لأمره خاضعون لكماله.
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُسورة الروم الآية رقم 27
والله وحده الذي يبدأ الخلق من العدم ثم يعيده حيا بعد الموت, وإعادة الخلق حيا بعد الموت أهون على الله من ابتداء خلقهم, وكلاهما عليه هين.
وله سبحانه الوصف الأعلى في كل ما يوصف به, ليس كمثله شيء, وهو السميع البصير.
وهو العزيز الذي لا يغالب, الحكيم في أقواله وأفعاله, وتدبير أمور خلقه.
ضَرَبَ لَكُم مَّثَلا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَسورة الروم الآية رقم 28
ضرب الله مثلا لكم -أيها المشركون -من أنفسكم: هل لكم من عبيدكم وإمائكم من يشارككم في رزقكم, وترون أنكم وإياهم متساوون فيه, تخافونهم كما تخافون الأحرار الشركاء في مقاسمة أموالكم؟ إنكم لن ترضوا بذلك, فكيف ترضون بذلك في جنب الله بأن تجعلوا له شريكا من خلقه؟ وبمثل هذا البيان نبين البراهين والحجج لأصحاب العقول السليمة الذين ينتفعون بها.
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَسورة الروم الآية رقم 29
بل اتبع المشركون أهواءهم بتقليد آبائهم بغير علم, فشاركوهم في الجهل والضلالة; ولا أحد يقدر على هداية من أضله الله بسبب تماديه في الكفر والعناد, وليس لهؤلاء من أنصار يخلصونهم من عذاب الله.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَسورة الروم الآية رقم 30
فأقم -يا محمد أنت ومن اتبعك- وجهك, واستمر على الدين الذي شرعه الله لك, وهو الإسلام الذي فطر الله الناس عليه, فبقاؤكم عليه, وتمسككم به, تمسك بفطرة الله من الإيمان بالله وحده, لا تبديل لخلق الله ودينه, فهو الطريق المستقيم الموصل إلى رضا الله رب العالمين وجنته, ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الذي أمرتك به -يا محمد- هو الدين الحق دون سواه.
الصفحة 1الصفحة 2