الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5
طهسورة طه الآية رقم 1
" طه " من جملة الحروف المقطعة, المفتتح بها كثير من السور, وليست اسما للنبي, صلى الله عليه وسلم.
مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىسورة طه الآية رقم 2
" مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى " أي: ليس المقصود بالوحي, وإنزال القرآن عليك, وشرع الشريعة, لتشقى بذلك, ويكون في الشريعة تكليف, يشق على المكلفين وتعجز عنه قوى العاملين.
وإنما الوحي, والقرآن والشرع, شرعه الرحيم الرحمن, وجعله موصلا للسعادة, والفلاح, والفوز, وسهله غاية التسهيل, ويسر كل طرقه وأبوابه, وجعله غذاء القلوب والأرواح, وراحة للأبدان.
فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة, بالقبول, والإذعان, لعلمها بما احتوى عليه, من الخير في الدنيا والآخرة, ولهذا قال:
إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىسورة طه الآية رقم 3
" إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى " أي: إلا ليتذكر به من يخشى الله تعالى, فيتذكر ما فيه من الترغيب, لأجل المطالب, فيعمل بذلك, ومن الترهيب عن الشقاء والخسران, فيرهب منه, ويتذكر به الأحكام الحسنة الشرعية المفصلة, التي كانت مستقرا في عقله حسنها مجملا, فوافق التفصيل ما يجده في فطرته وعقله, ولهذا سماه الله " تذكرة " .
والتذكرة لشيء كان موجودا, إلا أن صاحبه غافل عنه, أو غير مستحضر لتفصيله.
وخص بالتذكرة " من يخشى " لأن غيره لا ينتفع به.
وكيف ينتفع به من لم يؤمن بجنة ولا نار, ولا في قلبه من خشية الله مثقال ذرة؟ هذا ما لا يكون.
" سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى " .
ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم, وأنه تنزيل خالق الأرض والسماوات, المدبر لجميع المخلوقات.
أي: فاقبلوا تنزيله, بغاية الإذعان, والمحبة, والتسليم, وعظموه نهاية التعظيم.
تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَىسورة طه الآية رقم 4
وكثيرا ما يقرن بين الخلق والأمر, كما في هذة الآية, وكما في قوله: " أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ " وفي قوله: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ " وذلك أنه الخالق الآمر الناهي.
فكما أنه لا خالق سواه, فليس على الخلق إلزام, ولا أمر, ولا نهي إلا من خالقهم.
وأيضا, فإن خلقه للخلق, فيه من التدبير القدري الكوني, وأمره, فيه التدبير الشرعي الديني.
فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة, فلم يخلق شيئا عبثا, فكذلك لا يأمر ولا ينهى, إلا بما هو عدل, وحكمة, وإحسان.
فلما بين أنه الخالق المدبر, الآمر الناهي, أخبر عن عظمته وكبريائه, فقال:
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىسورة طه الآية رقم 5
" الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ " الذي هو أرفع المخلوقات وأعظمها, وأوسعها.
" اسْتَوَى " استواء يليق بجلاله, ويناسب عظمته وجماله, فاستوى على العرش, واحتوى على الملك.
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىسورة طه الآية رقم 6
" لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا " من ملك وإنسي وجني, وحيوان, وجماد, ونبات.
" وَمَا تَحْتَ الثَّرَى " أي: الأرض, فالجميع ملك لله, تعالى, عبيد مدبرون مسخرون, تحت قضائه وتدبيره ليس لهم من الملك شيء, ولا يملكون لأنفسهم, نفعا ولا ضرا, ولا موتا, ولا حياة, ولا نشورا.
وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَىسورة طه الآية رقم 7
" وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ " الكلام الخفي " وَأَخْفَى " من السر, الذي في القلب, ولم ينطق به, أو السر: ما خطر على القلب " وأخفى " : ما لم يخطر, يعلم تعالى أنه يخطر في وقته, وعلى صفته.
المعنى: أن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء, دقيقها, وجليها خفيها, وظاهرها.
فسواء جهرت بقولك أو أسررته, فالكل سواء, بالنسبة لعلمه تعالى.
فلما قرر كماله المطلق, بعموم خلقه, وعموم أمره ونهيه, وعموم رحمته, وسعة عظمته, وعلوه على عرشه, وعموم ملكه, وعموم علمه, نتج من ذلك, أنه المستحق للعبادة, وأن عبادته هي الحق التي يوجبها الشرع, والعقل, والفطرة.
وعبادة غيره باطلة, فقال:
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَىسورة طه الآية رقم 8
" اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " أي: لا معبود بحق, ولا مألوه بالحب والذل, والخوف والرجاء, والمحبة والإنابة والدعاء وإلا هو.
" لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " أي: له الأسماء الكثيرة الكاملة الحسنى.
من حسنها, أنها كلها, أسماء دالة على المدح.
فليس فيها, اسم لا يدل على المدح والحمد ومن حسنها, أنها ليست أعلاما محضة, وإنما هي أسماء وأوصاف.
ومن حسنها, أنها دالة على الصفات الكاملة, وأن له من كل صفة, أكملها, وأعمها, وأجلها.
ومن حسنها, أنه أمر العباد أن يدعوه بها, لأنها وسيلة مقربة إليه, يحبها, ويحب من يحبها, ويحب من يحفظها, ويحب من يبحث عن معانيها ويتعبد له بها, قال تعالى: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " .
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىسورة طه الآية رقم 9
يقول تعالى لنبيه محمد, صلى الله عليه وسلم على وجه الاستفهام التقريري.
والتعظيم لهذه القصة والتفخيم لها: " وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى " في حاله التي هي مبدأ سعادته, ومنشأ نبوته, أنه رأى نارا من بعيد, وكان قد ضل الطريق, وأصابه البرد, ولم يكن عنده, ما يتدفأ به في سفره.
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًىسورة طه الآية رقم 10
" فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ " أي: أبصرت " نَارًا " وكان ذلك في جانب الطور الأيمن.
" لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ " تصطلون به " أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى " .
أي: من يهديني الطريق.
وكان مطلبه, النور الحسي والهداية الحسية.
فوجد ثم النور المعنوي, نور الوحي, الذي تستنير به الأرواح والقلوب, والهداية الحقيقية, هداية الصراط المستقيم, الموصلة إلى جنات النعيم.
فحصل له أمر, لم يكن في حسابه, ولا خطر بباله.
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَىسورة طه الآية رقم 11
" فَلَمَّا أَتَاهَا " أي: النار التي آنسها من بعيد, وكانت - في الحقيقة - نورا, وهي نار تحرق وتشرق, ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " حجابه النور أو النار لو كشفه, لأحرقت سبحات وجهه, ما انتهى إليه بصره " فلما وصل إليها نودي منها أي: ناداه الله كما قال: " وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا "
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًىسورة طه الآية رقم 12
" إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى " أخبره أنه ربه, وأمره أن يستعد ويتهيأ لمناجاته, ويهتم لذلك, ويلقى نعليه, لأنه بالوادي المقدس المطهر المعظم.
ولو لم يكن من تقديسه, إلا أنه اختار لمناجاته, كليمه موسى, لكفى.
وقد قال كثير من المفسرين: " إن الله أمره أن يلقي نعليه, لأنهما من جلد حمار " , فالله أعلم بذلك.
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىسورة طه الآية رقم 13
" وَأَنَا اخْتَرْتُكَ " أي: تخيرتك واصطفيتك من الناس.
وهذه أكبر نعمة ومنة أنعم الله بها عليه, تقتضي من الشكر, ما يليق بها, ولهذا قال: " فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى " أي: ألق سمعك للذي أوحى إليك فإنه حقيق بذلك, لأنه أصل الدين ومبدأه, وعماد الدعوة الإسلامية.
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِيسورة طه الآية رقم 14
ثم بين الذي يوحيه إليه بقوله: " إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا " أي: الله المستحق الألوهية المتصف بها, لأنه الكامل في أسمائه, وصفاته, المنفرد بأفعاله, الذي لا شريك له, ولا مثيل, ولا كفو ولا سمي.
" فَاعْبُدْنِي " بجميع أنواع العبادة, ظاهرها وباطنها, أصولها وفروعها.
ثم خص الصلاة بالذكر وإن كانت داخلة في العبادة, لفضلها وشرفها, وتضمنها عبودية القلب, واللسان, والجوارح.
وقوله: " لِذِكْرِي " اللام للتعليل أي: أقم الصلاة لأجل ذكرك إياي.
لأن ذكره تعالى, أجل المقاعد, وبه عبودية القلب, وبه سعادته.
فالقلب المعطل عن ذكر الله, معطل عن كل خير, وقد خرب كل خراب.
فشرع الله للعباد, أنواع العبادات, التي, المقصود منها, إقامة ذكره وخصوصا, الصلاة.
قال تعالى: " اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ " .
أي: ما فيها من ذكر الله أكبر من نهيها عن الفحشاء والمنكر.
وهذا النوع يقال له توحيد الإلهية, وتوحيد, العبادة فالألوهية, وصفه تعالى, والعبودية, وصف عبده.
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىسورة طه الآية رقم 15
" إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ " أي: لا بد من وقوعها " أَكَادُ أُخْفِيهَا " .
أي: عن نفسي كما في بعض القراءات, كقوله تعالى " يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي " وقال: " وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ " .
فعلمها, قد أخفاه عن الخلائق كلهم, فلا يعلمها ملك مقرب, ولا نبي مرسل.
والحكمة في إتيان الساعة " لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى " من الخير والشر, فهي الباب لدار الجزاء " لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى " .
فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىسورة طه الآية رقم 16
أي: فلا يصدك ويشغلك عن الإيمان بالساعة, والجزاء, والعمل لذلك, من كان كافرا بها, غير معتقد لوقوعها.
يسعى في الشك فيها, والتشكيك, ويجادل فيها, بالباطل, ويقيم من الشبه, ما يقدر عليه, متبعا في ذلك هواه, ليس قصده الوصول إلى الحق, وإنما قصاراه, اتباع هواه.
فإياك أن تصغي إلى من هذه حاله, أو تقبل شيئا, من أقواله وأعماله الصادرة عن الإيمان بها والسعي لها سعيها.
وإنما حذر الله تعالى عمن هذه حاله, لأنه من أخوف ما يكون على المؤمن, بوسوسته وتدجيله, وكون النفوس مجبولة على التشبه, والاقتداء بأبناء الجنس.
وفي هذا تنبيه وإشارة إلى التحذير, عن كل داع إلى باطل, يصد عن الإيمان الواجب, أو عن كماله, أو يوقع الشبهة في القلب.
وعن النظر في الكتب, المشتملة على ذلك.
وذكر في هذا, الإيمان به, وعبادته, والإيمان باليوم الآخر, لأن هذه الأمور الثلاثة, أصول الإيمان, وركن الدين, وإذا تمت تم أمر الدين, ونقصه أو فقده بنقصها, أو نقص شيء منها وهذه نظير قوله تعالى في الإخبار عن ميزان سعادة الفرق, الذين أوتوا الكتاب وشقاوتهم " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " .
وقوله " فَتَرْدَى " أي: تهلك وتشقى, إن اتبعت طريق من يصد عنها
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىسورة طه الآية رقم 17
وقوله تعالى: " وَمَا تِلْكَ " إلى " مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى " .
لما بين الله لموسى أصل الإيمان, أراد أن يبين له, ويريه من آياته, ما يطمئن به قلبه, وتقر به عينه, ويقوي إيمانه, بتأييد الله له على عدوه فقال: " وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى " هذا, مع علمه تعالى, ولكن لزيادة الاهتمام في هذا الموضع, أخرج الكلام بطريق الاستفهام.
فقال موسى: " هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي " ذكر فيها, هاتين المنفعتين, منفعة لجنس الآدمي, وهو أنه يعتمد عليها في قيامه ومشيه, فيحصل فيها معونة.
ومنفعة للبهائم, وهو أنه كان يرعى الغنم, فإذا رعاها في شجر الخبط ونحوه, هش بها, أي: ضرب الشجر, ليتساقط ورقه, فيرعاه الغنم.
هذا الخلق الحسن من موسى عليه السلام, الذي من آثاره, حسن رعاية الحيوان البهيم, والإحسان إليه, دل على عناية من الله له واصطفاء, وتخصيص تقتضيه رحمة الله وحكمته.
" وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ " أي: مقاصد " أُخْرَى " غير هذين الأمرين.
ومن أدب موسى عليه السلام, أن الله لما سأله عما في يمينه, وكان السؤال محتملا عن السؤال عن عينها, أو منفعتها - أجابه بعينها, ومنفعتها فقال الله له: " أَلْقِهَا يَا مُوسَى
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىسورة طه الآية رقم 18
فقال موسى: " هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي " ذكر فيها, هاتين المنفعتين, منفعة لجنس الآدمي, وهو أنه يعتمد عليها في قيامه ومشيه, فيحصل فيها معونة.
ومنفعة للبهائم, وهو أنه كان يرعى الغنم, فإذا رعاها في شجر الخبط ونحوه, هش بها, أي: ضرب الشجر, ليتساقط ورقه, فيرعاه الغنم.
هذا الخلق الحسن من موسى عليه السلام, الذي من آثاره, حسن رعاية الحيوان البهيم, والإحسان إليه, دل على عناية من الله له واصطفاء, وتخصيص تقتضيه رحمة الله وحكمته.
" وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ " أي: مقاصد " أُخْرَى " غير هذين الأمرين.
ومن أدب موسى عليه السلام, أن الله لما سأله عما في يمينه, وكان السؤال محتملا عن السؤال عن عينها, أو منفعتها - أجابه بعينها, ومنفعتها فقال الله له: " أَلْقِهَا يَا مُوسَى
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىسورة طه الآية رقم 19
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى " انقلبت بإذن الله ثعبانا عظيما.
فولى موسى هاربا خائفا, ولم يعقب.
وفي وصفها بأنها تسعى, إزالة لوهم يمكن وجوده, وهو أن يظن أنها تخييل, لا حقيقة.
فكونها تسعى يزيل هذا الوهم
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىسورة طه الآية رقم 20
قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَىسورة طه الآية رقم 21
فقال الله لموسى: " خُذْهَا وَلَا تَخَفْ " أي: ليس عليك منها بأس.
" سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى " أي هيئتها وصفتها, إذ كانت عصا.
فامتثل موسى أمر الله, إيمانا به, وتسليما, فأخذها, فعادت عصاه التي كان يعرفها, هذه آية.
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىسورة طه الآية رقم 22
ثم ذكر الآية الأخرى فقال: " وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ " أي: أدخل يدك إلى جيبك,.
وضم عليك عضدك, الذي هو جناح الإنسان " تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ " أي: بياضا ساطعا, من غير عيب ولا برص " آيَةً أُخْرَى " .
قال الله: " فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " .
لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَىسورة طه الآية رقم 23
" لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى " أي: فعلنا ما ذكرنا, من انقلاب العصا حية تسعى, ومن خرج اليد بيضاء للناظرين, لأجل أن نريك من آياتنا الكبرى, الدالة على صحة رسالتك, وحقيقة ما جئت به, فيطمئن قلبك, ويزداد علمك, وتثق بوعد الله لك, بالحفظ والنصرة, ولتكون حجة وبرهانا, لمن أرسلت إليهم.
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىسورة طه الآية رقم 24
لما أوحى الله إلى موسى, ونبأه, وأراه الآيات الباهرات, أرسله إلى فرعون, ملك مصر فقال: " اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى " أي: تمرد وزاد على الحد, في الكفر والفساد, والعلو في الأرض, والقهر للضعفاء, حتى إنه ادعى الربوبية والألوهية, قبحه الله, أي: وطغيانه سبب لهلاكه.
ولكن من رحمة الله, وحكمته, وعدله, أنه لا يعذب أحدا, إلا بعد قيام الحجة بالرسل.
فحينئذ علم موسى عليه السلام, أنه تحمل حملا عظيما, حيث أرسل إلى هذا الجبار العنيد, الذي ليس له منازع في مصر من الخلق.
وموسى عليه السلام, وحده, وقد جرى منه ما جرى من القتل.
فامتثل أمر ربه, وتلقاه بالانشراح والقبول, وسأله المعونة, وتيسير الأسباب, التي هي من تمام الدعوة فقال:
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِيسورة طه الآية رقم 25
" رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي " أي: وسعه وأفسحه, لأتحمل الأذى القولي والفعلي, ولا يتكدر قلبي بذلك, ولا يضيق صدري, فإن الصدر إذا ضاق, لم يصلح صاحبه لهداية الخلق, ودعوتهم.
قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " وعسى الخلق يقبلون الحق مع اللين وسعة الصدر وانشراحه عليهم.
وَيَسِّرْ لِي أَمْرِيسورة طه الآية رقم 26
" وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي " أي: سهل علي أمر أسلكه وكل طريق أقصده في سبيلك, وهون علي ما أمامي من الشدائد.
ومن تيسير الأمر, أن ييسر للداعي, أن يأتي جميع الأمور من أبوابها, ويخاطب كل أحد بما يناسب له, ويدعوه بأقرب الطرق الموصلة إلى قبول قوله.
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِيسورة طه الآية رقم 27
" وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي " وكان في لسانه ثقل لا يكاد يفهم عنه الكلام, كما قال المفسرون, وكما قال الله عنه أنه قال: " وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا " فسأل الله أن يحل منه عقدة, يفقهوا ما يقول فيحصل المقصود التام من المخاطبة, والمراجعة, والبيان عن المعاني.
يَفْقَهُوا قَوْلِيسورة طه الآية رقم 28
وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِيسورة طه الآية رقم 29
" وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي " أي: معينا يعاونني, ويؤازرني, ويساعدني على من أرسلت إليهم.
وسأل أن يكون من أهله, لأنه من باب البر, وأحق ببر الإنسان, قرابته.
ثم عينه بسؤاله فقال: " هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي " أي: قوني به: وشد به ظهري.
قال الله " سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا " .
هَارُونَ أَخِيسورة طه الآية رقم 30
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5