الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7الصفحة 8
طسمسورة الشعراء الآية رقم 1
سُورَة الشُّعَرَاء : هِيَ مَكِّيَّة فِي قَوْل الْجُمْهُور . وَقَالَ مُقَاتِل : مِنْهَا مَدَنِيّ ; الْآيَة الَّتِي يُذْكَر فِيهَا الشُّعَرَاء , وَقَوْله : " أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَة أَنْ يَعْلَمهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل " [ الشُّعَرَاء : 197 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : مَكِّيَّة إِلَّا أَرْبَع آيَات مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ قَوْله : " وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعهُمْ الْغَاوُونَ " [ الشُّعَرَاء : 224 ] إِلَى آخِرهَا . وَهِيَ مِائَتَانِ وَسَبْع وَعِشْرُونَ آيَة . وَفِي رِوَايَة : سِتّ وَعِشْرُونَ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُعْطِيت السُّورَة الَّتِي تُذْكَر فِيهَا الْبَقَرَة مِنْ الذِّكْر الْأَوَّل وَأُعْطِيت طه وَطسم مِنْ أَلْوَاح مُوسَى وَأُعْطِيت فَوَاتِح الْقُرْآن وَخَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة مِنْ تَحْت الْعَرْش وَأُعْطِيت الْمُفَصَّل نَافِلَة ) . وَعَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه أَعْطَانِي السَّبْع الطِّوَال مَكَان التَّوْرَاة وَأَعْطَانِي الْمُبِين مَكَان الْإِنْجِيل وَأَعْطَانِي الطَّوَاسِين مَكَان الزَّبُور وَفَضَّلَنِي بِالْحَوَامِيمِ وَالْمُفَصَّل مَا قَرَأَهُنَّ نَبِيّ قَبْلِي ) .

قَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى وَأَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف : بِإِمَالَةِ الطَّاء مُشْبَعًا فِي هَذِهِ السُّورَة وَفِي أُخْتَيْهَا . وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَالزُّهْرِيّ : بَيْن اللَّفْظَيْنِ ; وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ مُشْبَعًا . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَهِيَ كُلّهَا لُغَات فَصَيْحَة . وَقَدْ مَضَى فِي " طه " قَوْل النَّحَّاس فِي هَذَا . قَالَ النَّحَّاس : وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ : " طسم " بِإِدْغَامِ النُّون فِي الْمِيم , وَالْفَرَّاء يَقُول بِإِخْفَاءِ النُّون . وَقَرَأَ الْأَعْمَش : وَحَمْزَة : " طسين مِيم " بِإِظْهَارِ النُّون . قَالَ النَّحَّاس : لِلنُّونِ السَّاكِنَة وَالتَّنْوِين أَرْبَعَة أَقْسَام عِنْد سِيبَوَيْهِ : يُبَيَّنَانِ عِنْد حُرُوف الْحَلْق , وَيُدْغَمَانِ عِنْد الرَّاء وَاللَّام وَالْمِيم وَالْوَاو وَالْيَاء , وَيُقْلَبَانِ مِيمًا عِنْد الْبَاء وَيَكُونَانِ مِنْ الْخَيَاشِيم ; أَيْ لَا يُبَيَّنَانِ ; فَعَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَة الْأَقْسَام الَّتِي نَصَّهَا سِيبَوَيْهِ لَا تَجُوز هَذِهِ الْقِرَاءَة ; لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا حَرْف مِنْ حُرُوف الْحَلْق فَتُبَيَّن النُّون عِنْده , وَلَكِنْ فِي ذَلِكَ وُجَيْه : وَهُوَ أَنَّ حُرُوف الْمُعْجَم حُكْمهَا أَنْ يُوقَف عَلَيْهَا , فَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهَا تَبَيَّنَتْ النُّون . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : الْإِدْغَام اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم قِيَاسًا عَلَى كُلّ الْقُرْآن , وَإِنَّمَا أَظْهَرَهَا أُولَئِكَ لِلتَّبْيِينِ وَالتَّمْكِين , وَأَدْغَمَهَا هَؤُلَاءِ لِمُجَاوَرَتِهَا حُرُوف الْفَم . قَالَ النَّحَّاس : وَحَكَى أَبُو إِسْحَاق فِي كِتَابه " فِيمَا يَجْرِي وَفِيمَا لَا يَجْرِي " أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُقَال : " طسين مِيم " بِفَتْحِ النُّون وَضَمّ الْمِيم , كَمَا يُقَال هَذَا مَعْدِي كَرِبُ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : قَرَأَ خَالِد : " طسين مِيم " . اِبْن عَبَّاس : " طسم " قَسَم وَهُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى , وَالْمُقْسَم عَلَيْهِ : " إِنْ نَشَأْ نُنَزِّل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء آيَة " . وَقَالَ قَتَادَة : اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن أَقْسَمَ اللَّه بِهِ . مُجَاهِد : هُوَ اِسْم السُّورَة ; وَيُحَسِّن اِفْتِتَاح السُّورَة . الرَّبِيع : حِسَاب مُدَّة قَوْم . وَقِيلَ : قَارِعَة تَحُلّ بِقَوْمٍ . " طسم " وَ " طس " وَاحِد . قَالَ : وَفَاؤُكُمَا كَالرَّبْعِ أَشْجَاهُ طَاسِمُهْ بِأَنْ تُسْعِدَا وَالدَّمْع أَشْفَاهُ سَاجِمهْ وَقَالَ الْقَرَظِيّ : أَقْسَمَ اللَّه بِطَوْلِهِ وَسَنَائِهِ وَمُلْكه . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل : الطَّاء طُور سَيْنَاء وَالسِّين إِسْكَنْدَرِيَّة وَالْمِيم مَكَّة . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ : الطَّاء شَجَرَة طُوبَى , وَالسِّين سِدْرَة الْمُنْتَهَى , وَالْمِيم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : الطَّاء مِنْ الطَّاهِر وَالسِّين مِنْ الْقُدُّوس - وَقِيلَ : مِنْ السَّمِيع وَقِيلَ : مِنْ السَّلَام - وَالْمِيم مِنْ الْمَجِيد . وَقِيلَ : مِنْ الرَّحِيم . وَقِيلَ : مِنْ الْمَلِك . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّل سُورَة " الْبَقَرَة " . وَالطَّوَاسِيم وَالطَّوَاسِين سُوَر فِي الْقُرْآن جُمِعَتْ عَلَى غَيْر قِيَاس . وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة : وَبِالطَّوَاسِيم الَّتِي قَدْ ثُلِّثَتْ وَبِالْحَوَامِيمِ الَّتِي قَدْ سُبِّعَتْ قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالصَّوَاب أَنْ تُجْمَع بِذَوَاتِ وَتُضَاف إِلَى وَاحِد , فَيُقَال : ذَوَات طسم وَذَوَات حم .
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِسورة الشعراء الآية رقم 2
رُفِعَ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ أَيْ هَذِهِ " تِلْكَ آيَات الْكِتَاب الْمُبِين " الَّتِي كُنْتُمْ وُعِدْتُمْ بِهَا ; لِأَنَّهُمْ قَدْ وُعِدُوا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل بِإِنْزَالِ الْقُرْآن . وَقِيلَ : " تِلْكَ " بِمَعْنَى هَذِهِ .
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَسورة الشعراء الآية رقم 3
أَيْ قَاتِل نَفْسك وَمُهْلِكهَا . وَقَدْ مَضَى فِي " الْكَهْف " بَيَانه .



أَيْ لِتَرْكِهِمْ الْإِيمَان . قَالَ الْفَرَّاء : " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهَا جَزَاء . قَالَ النَّحَّاس : وَإِنَّمَا يُقَال : بِإِنْ مَكْسُورَة لِأَنَّهَا جَزَاء ; كَذَا الْمُتَعَارَف . وَالْقَوْل فِي هَذَا مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاق فِي كِتَابه فِي الْقُرْآن ; قَالَ : " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب مَفْعُول مِنْ أَجْله ; وَالْمَعْنَى لَعَلَّك قَاتِل نَفْسك لِتَرْكِهِمْ الْإِيمَان .
إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَسورة الشعراء الآية رقم 4
أَيْ مُعْجِزَة ظَاهِرَة وَقُدْرَة بَاهِرَة فَتَصِير مَعَارِفهمْ ضَرُورِيَّة , وَلَكِنْ سَبَقَ الْقَضَاء بِأَنْ تَكُون الْمَعَارِف نَظَرِيَّة . وَقَالَ أَبُو حَمْزَة الثُّمَالِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة : بَلَغَنِي أَنَّ لِهَذِهِ الْآيَة صَوْتًا يُسْمَع مِنْ السَّمَاء فِي النِّصْف مِنْ شَهْر رَمَضَان ; تَخْرُج بِهِ الْعَوَاتِق مِنْ الْبُيُوت وَتَضِجّ لَهُ الْأَرْض . وَهَذَا فِيهِ بُعْد ; لِأَنَّ الْمُرَاد قُرَيْش لَا غَيْرهمْ .


أَيْ فَتَظَلّ أَعْنَاقهمْ " لَهَا خَاضِعِينَ " قَالَ مُجَاهِد : أَعْنَاقهمْ كُبَرَاؤُهُمْ ; وَقَالَ النَّحَّاس : وَمَعْرُوف فِي اللُّغَة ; يُقَال : جَاءَنِي عُنُق مِنْ النَّاس أَيْ رُؤَسَاء مِنْهُمْ . أَبُو زَيْد وَالْأَخْفَش : " أَعْنَاقهمْ " جَمَاعَاتهمْ ; يُقَال : جَاءَنِي عُنُق مِنْ النَّاس أَيْ جَمَاعَة . وَقِيلَ : إِنَّمَا أَرَادَ أَصْحَاب الْأَعْنَاق , فَحَذَفَ الْمُضَاف وَأَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه . قَتَادَة : الْمَعْنَى لَوْ شَاءَ لَأَنْزَلَ آيَة يَذِلُّونَ بِهَا فَلَا يَلْوِي أَحَد مِنْهُمْ عُنُقه إِلَى مَعْصِيَة . اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِينَا وَفِي بَنِي أُمَيَّة سَتَكُونُ لَنَا عَلَيْهِمْ الدَّوْلَة فَتَذِلّ لَنَا أَعْنَاقهمْ بَعْد مُعَاوِيَة ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَالْغَزْنَوِيّ فَاَللَّه أَعْلَم . وَخَاضِعِينَ وَخَاضِعَة هُنَا سَوَاء ; قَالَهُ عِيسَى بْن عُمَر وَاخْتَارَهُ الْمُبَرِّد . وَالْمَعْنَى : إِنَّهُمْ إِذَا ذَلَّتْ رِقَابهمْ ذَلُّوا ; فَالْإِخْبَار عَنْ الرِّقَاب إِخْبَار عَنْ أَصْحَابهَا . وَيَسُوغ فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ تَتْرُك الْخَبَر عَنْ الْأَوَّل وَتُخْبِر عَنْ الثَّانِي ; قَالَ الرَّاجِز : طُول اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي طَوَيْنَ طُولِي وَطَوَيْنَ عَرْضِي فَأَخْبَرَ عَنْ اللَّيَالِي وَتَرَكَ الطُّول . وَقَالَ جَرِير : أَرَى مَرّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي كَمَا أَخَذَ السِّرَار مِنْ الْهِلَال وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ أُسْقِطَ مَرّ وَطُول مِنْ الْكَلَام لَمْ يَفْسُد مَعْنَاهُ ; فَكَذَلِكَ رَدّ الْفِعْل إِلَى , الْكِنَايَة فِي قَوْله : " فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ " لِأَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ الْأَعْنَاق لَمَا فَسَدَ الْكَلَام , وَلَأَدَّى مَا بَقِيَ مِنْ الْكَلَام عَنْهُ حَتَّى يَقُول : فَظَلُّوا لَهَا خَاضِعِينَ . وَعَلَى هَذَا اِعْتَمَدَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة . وَالْكِسَائِيّ يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى خَاضِعِيهَا هُمْ , وَهَذَا خَطَأ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ وَالْفَرَّاء . وَمِثْل هَذَا الْحَذْف لَا يَقَع فِي شَيْء مِنْ الْكَلَام ; قَالَهُ النَّحَّاس .
وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَسورة الشعراء الآية رقم 5
وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : " وَهُمْ غَفَلَة مُعْرِضُونَ " يَعْنِي بِالدُّنْيَا عَنْ الْآخِرَة .

الثَّانِي : عَنْ التَّأَهُّب لِلْحِسَابِ وَعَمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا الْوَاو عِنْد سِيبَوَيْهِ بِمَعْنَى " إِذْ " وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النَّحْوِيُّونَ وَاو الْحَال ; كَمَا قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " يَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ " [ آلَ عِمْرَان : 154 ] . قَوْله تَعَالَى : " مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث " " مُحْدَث " نَعْت لِ " ذِكْر " . وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء " مُحْدَثًا " بِمَعْنَى مَا يَأْتِيهِمْ مُحْدَثًا ; نُصِبَ عَلَى الْحَال . وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَيْضًا رَفْع " مُحْدَث " عَلَى النَّعْت لِلذِّكْرِ ; لِأَنَّك لَوْ حَذَفْت " مِنْ " رَفَعْت ذِكْرًا ; أَيْ مَا يَأْتِيهِمْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث ; يُرِيد فِي النُّزُول وَتِلَاوَة جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّهُ كَانَ يُنْزِل سُورَة بَعْد سُورَة , وَآيَة بَعْد آيَة , كَمَا كَانَ يُنْزِل اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ فِي وَقْت بَعْد وَقْت ; لَا أَنَّ الْقُرْآن مَخْلُوق . وَقِيلَ : الذِّكْر مَا يَذْكُرهُمْ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعِظهُمْ بِهِ . وَقَالَ : " مِنْ رَبّهمْ " لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْطِق إِلَّا بِالْوَحْيِ , فَوَعْظ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْذِيره ذِكْر , وَهُوَ مُحْدَث ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر " [ الْغَاشِيَة : 21 ] . وَيُقَال : فُلَان فِي مَجْلِس الذِّكْر . وَقِيلَ : الذِّكْر الرَّسُول نَفْسه ; قَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل بِدَلِيلِ مَا فِي سِيَاق الْآيَة " هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : 3 ] وَلَوْ أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْقُرْآن لَقَالَ : هَلْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ ; وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قَوْله تَعَالَى : " وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُون . وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْر لِلْعَالَمِينَ " [ الْقَلَم : 51 - 52 ] يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ : " قَدْ أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْكُمْ ذِكْرًا . رَسُولًا " [ الطَّلَاق : 10 - 11 ] . " إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ " يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ الْقُرْآن مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ أُمَّته . " وَهُمْ يَلْعَبُونَ " أَيْ يَلْهُونَ . وَقِيلَ : يَشْتَغِلُونَ ; فَإِنْ حُمِلَ تَأْوِيله عَلَى اللَّهْو اِحْتَمَلَ مَا يَلْهُونَ بِهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : بِلَذَّاتِهِمْ . الثَّانِي : بِسَمَاعِ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ . وَإِنْ حُمِلَ تَأْوِيله عَلَى الشُّغْل اِحْتَمَلَ مَا يَتَشَاغَلُونَ بِهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : بِالدُّنْيَا لِأَنَّهَا لَعِب ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو " [ مُحَمَّد : 36 ] . الثَّانِي : يَتَشَاغَلُونَ بِالْقَدْحِ فِيهِ , وَالِاعْتِرَاض عَلَيْهِ . قَالَ الْحَسَن : كُلَّمَا جُدِّدَ لَهُمْ الذِّكْر اِسْتَمَرُّوا عَلَى الْجَهْل وَقِيلَ : يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن مُسْتَهْزِئِينَ .
فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونسورة الشعراء الآية رقم 6
أَيْ أَعْرَضُوا وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ شَيْء وَلَمْ يَقْبَلهُ فَهُوَ تَكْذِيب لَهُ .



وَعِيد لَهُمْ ; أَيْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ عَاقِبَة مَا كَذَّبُوا وَاَلَّذِي اِسْتَهْزَءُوا بِهِ .
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍسورة الشعراء الآية رقم 7
نَبَّهَ عَلَى عَظَمَته وَقُدْرَته وَأَنَّهُمْ لَوْ رَأَوْا بِقُلُوبِهِمْ وَنَظَرُوا بِبَصَائِرِهِمْ لَعَلِمُوا أَنَّهُ الَّذِي يَسْتَحِقّ أَنْ يُعْبَد ; إِذْ هُوَ الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء . وَالزَّوْج هُوَ اللَّوْن ; قَالَهُ الْفَرَّاء . وَ " كَرِيم " حَسَن شَرِيف , وَأَصْل الْكَرَم فِي اللُّغَة الشَّرَف وَالْفَضْل , فَنَخْلَة كَرِيمَة أَيْ فَاضِلَة كَثِيرَة الثَّمَر , وَرَجُل كَرِيم شَرِيف , فَاضِل صَفُوح . وَنَبَتَتْ الْأَرْض وَأَنْبَتَتْ بِمَعْنًى . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة " الْبَقَرَة " وَاَللَّه سُبْحَانه هُوَ الْمُخْرِج وَالْمُنْبِت لَهُ . وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ قَالَ : النَّاس مِنْ نَبَات الْأَرْض فَمَنْ صَارَ مِنْهُمْ إِلَى الْجَنَّة فَهُوَ كَرِيم , وَمَنْ صَارَ إِلَى النَّار فَهُوَ لَئِيم .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَسورة الشعراء الآية رقم 8
أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِنْبَات فِي الْأَرْض لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ اللَّه قَادِر , لَا يُعْجِزهُ شَيْء .



أَيْ مُصَدِّقِينَ لِمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِي فِيهِمْ . وَ " كَانَ " هُنَا صِلَة فِي قَوْل سِيبَوَيْهِ ; تَقْدِيره : وَمَا أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ .
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُسورة الشعراء الآية رقم 9
يُرِيد الْمَنِيع الْمُنْتَقِم مِنْ أَعْدَائِهِ , الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ .
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَسورة الشعراء الآية رقم 10
" إِذْ " فِي مَوْضِع نَصْب ; الْمَعْنَى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ " إِذْ نَادَى رَبّك مُوسَى " وَيَدُلّ عَلَى هَذَا أَنَّ بَعْده . " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ إِبْرَاهِيم " [ الشُّعَرَاء : 69 ] ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; وَاذْكُرْ إِذَا نَادَى كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي قَوْله : " وَاذْكُرْ أَخَا عَاد " [ الْأَحْقَاف : 21 ] وَقَوْله : " وَاذْكُرْ عِبَادنَا إِبْرَاهِيم " [ ص : 45 ] وَقَوْله : " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب مَرْيَم " [ مَرْيَم : 16 ] . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; " وَإِذْ نَادَى رَبّك مُوسَى " كَانَ كَذَا وَكَذَا . وَالنِّدَاء الدُّعَاء بِيَا فُلَان , أَيْ قَالَ رَبّك يَا مُوسَى :


ثُمَّ أَخْبَرَ مَنْ هُمْ فَقَالَ , " قَوْم فِرْعَوْن أَلَا يَتَّقُونَ "
قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَسورة الشعراء الآية رقم 11
فَ " قَوْم " بَدَل ; وَمَعْنَى " أَلَا يَتَّقُونَ " أَلَا يَخَافُونَ عِقَاب اللَّه ؟ وَقِيلَ : هَذَا مِنْ الْإِيمَاء إِلَى الشَّيْء لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ , وَدَلَّ قَوْله : " يَتَّقُونَ " عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَتَّقُونَ , وَعَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالتَّقْوَى . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; قُلْ لَهُمْ " أَلَا تَتَّقُونَ " وَجَاءَ بِالْيَاءِ لِأَنَّهُمْ غُيَّب وَقْت الْخِطَاب , وَلَوْ جَاءَ بِالتَّاءِ لَجَازَ . وَمِثْله " قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ " [ آلَ عِمْرَانَ : 12 ] بِالتَّاءِ وَالْيَاء . وَقَدْ قَرَأَ عُبَيْد بْن عُمَيْر وَأَبُو حَازِم " أَلَا تَتَّقُونَ " بِتَاءَيْنِ أَيْ قُلْ لَهُمْ " أَلَا تَتَّقُونَ " .
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِسورة الشعراء الآية رقم 12
أَيْ قَالَ مُوسَى :



أَيْ فِي الرِّسَالَة وَالنُّبُوَّة .
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَسورة الشعراء الآية رقم 13
لِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " وَيَضِيق " " وَلَا يَنْطَلِق " بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف . وَقَرَأَ يَعْقُوب وَعِيسَى بْن عَمْرو أَبُو حَيْوَة : " وَيَضِيق - وَلَا يَنْطَلِق " بِالنَّصْبِ فِيهِمَا رَدًّا عَلَى قَوْله : " أَنْ يُكَذِّبُونَ " قَالَ الْكِسَائِيّ : الْقِرَاءَة بِالرَّفْعِ ; يَعْنِي فِي " يَضِيق صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِق لَسَانَى " مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا الِابْتِدَاء وَالْآخَر بِمَعْنَى وَإِنِّي يَضِيق صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِق لِسَانِي يَعْنِي نَسَقًا عَلَى " إِنِّي أَخَاف " قَالَ الْفَرَّاء : وَيُقْرَأ بِالنَّصْبِ . حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْأَعْرَج وَطَلْحَة وَعِيسَى بْن عُمَر وَكِلَاهُمَا لَهُ وَجْه . قَالَ النَّحَّاس : الْوَجْه الرَّفْع ; لِأَنَّ النَّصْب عَطْف عَلَى " يُكَذِّبُونَ " وَهَذَا بَعِيد يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " وَاحُلَل عُقْدَة مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي " [ طه : 27 - 28 ] فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ كَذَا .



فِي الْمُحَاجَّة عَلَى مَا أُحِبّ ; وَكَانَ فِي لِسَانه عُقْدَة عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " طه " .



أَرْسِلْ إِلَيْهِ جِبْرِيل بِالْوَحْيِ , وَاجْعَلْهُ رَسُولًا مَعِي لِيُؤَازِرنِي وَيُظَاهِرنِي وَيُعَاوِننِي . وَلَمْ يَذْكُر هُنَا لِيُعِينَنِي ; لِأَنَّ الْمَعْنَى كَانَ مَعْلُومًا , وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي سُورَة " طه " : " وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا " [ طه : 29 ] وَفِي الْقَصَص : " أَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقنِي " [ الْقَصَص : 34 ] وَكَأَنَّ مُوسَى أُذِنَ لَهُ فِي هَذَا السُّؤَال , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اِسْتِعْفَاء مِنْ الرِّسَالَة بَلْ طَلَبَ مَنْ يُعِينهُ . فَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يَسْتَقِلّ بِأَمْرٍ , وَيَخَاف مِنْ نَفْسه تَقْصِيرًا , أَنْ يَأْخُذ مَنْ يَسْتَعِين بِهِ عَلَيْهِ , وَلَا يَلْحَقهُ فِي ذَلِكَ لَوْم .
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِسورة الشعراء الآية رقم 14
الذَّنْب هُنَا قَتْل الْقِبْطِيّ وَاسْمه فَاثُور عَلَى مَا يَأْتِي فِي " الْقَصَص " بَيَانه , وَقَدْ مَضَى فِي " طه " ذِكْره . وَخَافَ مُوسَى أَنْ يَقْتُلُوهُ بِهِ , وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَوْف قَدْ يَصْحَب الْأَنْبِيَاء وَالْفُضَلَاء وَالْأَوْلِيَاء مَعَ مَعْرِفَتهمْ بِاَللَّهِ وَأَنْ لَا فَاعِل إِلَّا هُوَ ; إِذْ قَدْ يُسَلِّط مَنْ شَاءَ عَلَى مَنْ شَاءَ
قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَسورة الشعراء الآية رقم 15
أَيْ كَلَّا لَنْ يَقْتُلُوك . فَهُوَ رَدْع وَزَجْر عَنْ هَذَا الظَّنّ , وَأَمْر بِالثِّقَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ; أَيْ ثِقْ بِاَللَّهِ وَانْزَجِرْ عَنْ خَوْفك مِنْهُمْ ; فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى قَتْلك , وَلَا يَقْوَوْنَ عَلَيْهِ .


أَيْ أَنْتَ وَأَخُوك فَقَدْ جَعَلْته رَسُولًا مَعَك .


أَيْ بِبَرَاهِينِنَا وَبِالْمُعْجِزَاتِ . وَقِيلَ : أَيْ مَعَ آيَاتنَا .


يُرِيد نَفْسه سُبْحَانه وَتَعَالَى .



أَيْ سَامِعُونَ مَا يَقُولُونَ وَمَا يُجَاوِبُونَ . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ تَقْوِيَة قَلْبَيْهِمَا وَأَنَّهُ يُعِينهُمَا وَيَحْفَظهُمَا . وَالِاسْتِمَاع إِنَّمَا يَكُون بِالْإِصْغَاءِ , وَلَا يُوصَف الْبَارِي سُبْحَانه بِذَلِكَ . وَقَدْ وَصَفَ سُبْحَانه نَفْسه بِأَنَّهُ السَّمِيع الْبَصِير . وَقَالَ فِي " طه " : " أَسْمَع وَأَرَى " [ طه : 46 ] وَقَالَ : " مَعَكُمْ " فَأَجْرَاهُمَا مَجْرَى الْجَمْع ; لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمَاعَة . وَيَجُوز أَنْ يَكُون لَهُمَا وَلِمَنْ أُرْسِلَا إِلَيْهِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون لِجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيل .
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الشعراء الآية رقم 16
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : رَسُول بِمَعْنَى رِسَالَة وَالتَّقْدِير عَلَى هَذَا ; إِنَّا ذَوُو رِسَالَة رَبّ الْعَالَمِينَ . قَالَ الْهُذَلِيّ : أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَيْر الرَّسُول أَعْلَمهمْ بِنَوَاحِي الْخَبَر أَلِكْنِي إِلَيْهَا مَعْنَاهُ أَرْسِلْنِي . وَقَالَ آخَر : لَقَدْ كَذَبَ الْوَاشُونَ مَا بُحْت عِنْدهمْ بِسِرٍّ وَلَا أَرْسَلْتهمْ بِرَسُولِ آخَر : أَلَا أَبْلِغْ بَنِي عَمْرو رَسُولًا بِأَنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيّ وَقَالَ الْعَبَّاس بْن مِرْدَاس : أَلَا مِنْ مُبَلِّغ عَنِّي خُفَافَا رَسُولًا بَيْت أَهْلك مُنْتَهَاهَا يَعْنِي رِسَالَة فَلِذَلِكَ أَنَّثَهَا . قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الرَّسُول فِي مَعْنَى الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع ; فَتَقُول الْعَرَب : هَذَا رَسُولِي وَوَكِيلِي , وَهَذَانِ رَسُولِي وَوَكِيلِي , وَهَؤُلَاءِ رَسُولِي وَوَكِيلِي . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي " [ الشُّعَرَاء : 77 ] . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ إِنَّ كُلّ وَاحِد مِنَّا رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ .
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَسورة الشعراء الآية رقم 17
أَيْ أَطْلِقْهُمْ وَخَلِّ سَبِيلهمْ حَتَّى يَسِيرُوا مَعَنَا إِلَى فِلَسْطِين وَلَا تَسْتَعْبِدهُمْ ; وَكَانَ فِرْعَوْن اِسْتَعْبَدَهُمْ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة , وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْت سِتّمِائَةِ أَلْف وَثَلَاثِينَ أَلْفًا . فَانْطَلَقَا إِلَى فِرْعَوْن فَلَمْ يُؤْذَن لَهُمَا سَنَة فِي الدُّخُول عَلَيْهِ , فَدَخَلَ الْبَوَّاب عَلَى فِرْعَوْن فَقَالَ : هَاهُنَا إِنْسَان يَزْعُم أَنَّهُ رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ . فَقَالَ فِرْعَوْن : ايذَنْ لَهُ لَعَلَّنَا نَضْحَك مِنْهُ ; فَدَخَلَا عَلَيْهِ وَأَدَّيَا الرِّسَالَة . وَرَوَى وَهْب وَغَيْره : أَنَّهُمَا لَمَّا دَخَلَا عَلَى فِرْعَوْن وَجَدَاهُ وَقَدْ أَخْرَجَ سِبَاعًا مِنْ أُسْد وَنُمُور وَفُهُود يَتَفَرَّج عَلَيْهَا , فَخَافَ سُوَّاسهَا أَنْ تَبْطِش بِمُوسَى وَهَارُون , فَأَسْرَعُوا إِلَيْهَا , وَأَسْرَعَتْ السِّبَاع إِلَى مُوسَى وَهَارُون , فَأَقْبَلَتْ تَلْحَس أَقْدَامهمَا , وَتُبَصْبِص إِلَيْهِمَا بِأَذْنَابِهَا , وَتُلْصِق خُدُودهَا بِفَخِذَيْهِمَا , فَعَجِبَ فِرْعَوْن مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : مَا أَنْتُمَا ؟ قَالَا : " إِنَّا رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ " فَعَرَفَ مُوسَى لِأَنَّهُ نَشَأَ فِي بَيْته ;
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَسورة الشعراء الآية رقم 18
عَلَى جِهَة الْمَنّ عَلَيْهِ وَالِاحْتِقَار . أَيْ رَبَّيْنَاك صَغِيرًا وَلَمْ نَقْتُلك فِي جُمْلَة مَنْ قَتَلْنَا


فَمَتَى كَانَ هَذَا الَّذِي تَدَّعِيه . ثُمَّ قَرَّرَهُ بِقَتْلِ الْقِبْطِيّ
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَسورة الشعراء الآية رقم 19
وَالْفَعْلَة بِفَتْحِ الْفَاء الْمَرَّة مِنْ الْفِعْل . وَقَرَأَ الشَّعْبِيّ : " فِعْلَتك " بِكَسْرِ الْفَاء وَالْفَتْح أَوْلَى ; لِأَنَّهَا الْمَرَّة الْوَاحِدَة , وَالْكَسْر بِمَعْنَى الْهَيْئَة وَالْحَال , أَيْ فَعْلَتك الَّتِي تَعْرِف فَكَيْف تَدَّعِي مَعَ عِلْمنَا أَحْوَالك بِأَنَّ اللَّه أَرْسَلَك . وَقَالَ الشَّاعِر : كَأَنَّ مِشْيَتهَا مِنْ بَيْت جَارَتهَا مَرّ السَّحَابَة لَا رَيْث وَلَا عَجَل وَيُقَال : كَانَ ذَلِكَ أَيَّام الرِّدَّة وَالرَّدَّة .


قَالَ الضَّحَّاك : أَيْ فِي قَتْلك الْقِبْطِيّ إِذْ هُوَ نَفْس لَا يَحِلّ قَتْله . وَقِيلَ : أَيْ بِنِعْمَتِي الَّتِي كَانَتْ لَنَا عَلَيْك مِنْ التَّرْبِيَة وَالْإِحْسَان إِلَيْك ; قَالَهُ اِبْن زَيْد . الْحَسَن : " مِنْ الْكَافِرِينَ " فِي أَنِّي إِلَهك . السُّدِّيّ : " مِنْ الْكَافِرِينَ " بِاَللَّهِ لِأَنَّك كُنْت مَعَنَا عَلَى دِيننَا هَذَا الَّذِي تَعِيبهُ . وَكَانَ بَيْن خُرُوج مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَتَلَ الْقِبْطِيّ وَبَيْن رُجُوعه نَبِيًّا أَحَد عَشَر عَامًا غَيْر أَشْهُر .
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَسورة الشعراء الآية رقم 20
أَيْ فَعَلْت تِلْكَ الْفَعْلَة يُرِيد قَتْل الْقِبْطِيّ


إِذْ ذَاكَ




أَيْ مِنْ الْجَاهِلِينَ ; فَنَفَى عَنْ نَفْسه الْكُفْر , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجَهْل . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد ; " مِنْ الضَّالِّينَ " مِنْ الْجَاهِلِينَ . اِبْن زَيْد : مِنْ الْجَاهِلِينَ بِأَنَّ الْوَكْزَة تَبْلُغ الْقَتْل . وَفِي مُصْحَف عَبْد اللَّه " مِنْ الْجَاهِلِينَ " وَيُقَال لِمَنْ جَهِلَ شَيْئًا ضَلَّ عَنْهُ . وَقِيلَ : " وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ " مِنْ النَّاسِينَ ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . وَقِيلَ : " وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ " عَنْ النُّبُوَّة وَلَمْ يَأْتِنِي عَنْ اللَّه فِيهِ شَيْء , فَلَيْسَ عَلَيَّ فِيمَا فَعَلْته فِي تِلْكَ الْحَالَة تَوْبِيخ . وَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ التَّرْبِيَة فِيهِمْ لَا تُنَافِي النُّبُوَّة وَالْحِلْم عَلَى النَّاس , وَأَنَّ الْقَتْل خَطَأ أَوْ فِي وَقْت لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْع لَا يُنَافِي النُّبُوَّة .
فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَسورة الشعراء الآية رقم 21
أَيْ خَرَجْت مِنْ بَيْنكُمْ إِلَى مَدْيَن كَمَا فِي سُورَة " الْقَصَص " : " فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّب " [ الْقَصَص : 21 ] وَذَلِكَ حِين الْقَتْل .


يَعْنِي النُّبُوَّة ; عَنْ السُّدِّيّ وَغَيْره . الزَّجَّاج : تَعْلِيم التَّوْرَاة الَّتِي فِيهَا حُكْم اللَّه . وَقِيلَ : عِلْمًا وَفَهْمًا .
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَسورة الشعراء الآية رقم 22
اِخْتَلَفَ النَّاسِي مَعْنَى هَذَا الْكَلَام ; فَقَالَ السُّدِّيّ وَالطَّبَرِيّ وَالْفَرَّاء : هَذَا الْكَلَام مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى جِهَة الْإِقْرَار بِالنِّعْمَةِ ; كَأَنَّهُ يَقُول : نَعَمْ ؟ وَتَرْبِيَتك نِعْمَة عَلَيَّ مِنْ حَيْثُ عَبَّدْت غَيْرِي وَتَرَكْتنِي , وَلَكِنْ لَا يَدْفَع ذَلِكَ رِسَالَتِي . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى جِهَة الْإِنْكَار ; أَيْ أَتَمُنُّ عَلَيَّ بِأَنْ رَبَّيْتنِي وَلِيدًا وَأَنْتَ قَدْ اِسْتَعْبَدْت بَنِي إِسْرَائِيل وَقَتَلْتهمْ ؟ ! أَيْ لَيْسَتْ بِنِعْمَةٍ ؟ لِأَنَّ الْوَاجِب كَانَ أَلَّا تَقْتُلهُمْ وَلَا تَسْتَعْبِدهُمْ فَإِنَّهُمْ قَوْمِي ; فَكَيْف تَذْكُر إِحْسَانك إِلَيَّ عَلَى الْخُصُوص ؟ ! قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَة وَغَيْره . وَقِيلَ : فِيهِ تَقْدِير اِسْتِفْهَام ; أَيْ أَوَتِلْكَ نِعْمَة ؟ قَالَهُ الْأَخْفَش وَالْفَرَّاء أَيْضًا وَأَنْكَرَهُ النَّحَّاس وَغَيْره . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا لَا يَجُوز لِأَنَّ أَلِف الِاسْتِفْهَام تُحْدِث مَعْنًى , وَحَذْفهَا مُحَال إِلَّا أَنْ يَكُون فِي الْكَلَام أَمْ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : تَرُوح مِنْ الْحَيّ أَمْ تَبْتَكِر وَلَا أَعْلَم بَيْن النَّحْوِيِّينَ اِخْتِلَافًا فِي هَذَا إِلَّا شَيْئًا قَالَهُ الْفَرَّاء . قَالَ : يَجُوز أَلِف الِاسْتِفْهَام فِي أَفْعَال الشَّكّ , وَحُكِيَ تَرَى زَيْدًا مُنْطَلِقًا ؟ بِمَعْنَى أَتَرَى . وَكَانَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَقُول فِي هَذَا : إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ أَلْفَاظ الْعَامَّة . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : قَالَ الْفَرَّاء وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا إِنْكَار قَالَ مَعْنَاهُ أَوَتِلْكَ نِعْمَة ؟ عَلَى طَرِيق الِاسْتِفْهَام ; كَقَوْلِهِ : " هَذَا رَبِّي " [ الْأَنْعَام : 76 ] " فَهُمْ الْخَالِدُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : 34 ] . قَالَ الشَّاعِر : رَفَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِد لَا تُرَع فَقُلْت وَأَنْكَرْت الْوُجُوه هُمُ هُمُ وَأَنْشَدَ الْغَزْنَوِيّ شَاهِدًا عَلَى تَرْك الْأَلِف قَوْلهمْ : لَمْ أَنْسَ يَوْم الرَّحِيل وَقَفْتهَا وَجَفْنهَا مِنْ دُمُوعهَا شَرِق وَقَوْلهَا وَالرِّكَاب وَاقِفَة /و تَرَكْتنِي هَكَذَا وَتَنْطَلِق قُلْت : فَفِي هَذَا حَذْف أَلِف الِاسْتِفْهَام مَعَ عَدَم أَمْ خِلَاف قَوْل النَّحَّاس . وَقَالَ الضَّحَّاك : إِنَّ الْكَلَام خَرَجَ مَخْرَج التَّبْكِيت وَالتَّبْكِيت يَكُون , بِاسْتِفْهَامٍ وَبِغَيْرِ اِسْتِفْهَام ; وَالْمَعْنَى : لَوْ . لَمْ تَقْتُل بَنِي إِسْرَائِيل لَرَبَّانِي أَبَوَايَ ; فَأَيّ نِعْمَة لَك عَلَيَّ ! فَأَنْتَ تَمُنّ عَلَيَّ بِمَا لَا يَجِب أَنْ تَمُنّ بِهِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ كَيْف تَمُنّ بِالتَّرْبِيَةِ وَقَدْ أَهَنْت قَوْمِي ؟ وَمَنْ أُهِينَ قَوْمه ذَلَّ . وَ " أَنْ عَبَّدْت " فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الْبَدَل مِنْ " نِعْمَة " وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى : لِأَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل ; أَيْ اِتَّخَذْتهمْ عَبِيدًا . يُقَال : عَبَّدْته وَأَعْبَدْته بِمَعْنًى ; قَالَهُ الْفَرَّاء وَأَنْشَدَ : عَلَامَ يُعْبِدنِي قَوْمِي وَقَدْ كَثُرَتْ /و فِيهِمْ أَبَاعِر مَا شَاءُوا وَعِبْدَان
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَسورة الشعراء الآية رقم 23
لَمَّا غَلَبَ مُوسَى فِرْعَوْن بِالْحُجَّةِ وَلَمْ يَجِد اللَّعِين مِنْ تَقْرِيره عَلَى التَّرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ حُجَّة رَجَعَ إِلَى مُعَارَضَة مُوسَى فِي قَوْله : رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ ; فَاسْتَفْهَمَهُ اِسْتِفْهَامًا عَنْ مَجْهُول مِنْ الْأَشْيَاء . قَالَ مَكِّيّ وَغَيْره : كَمَا يُسْتَفْهَم عَنْ الْأَجْنَاس فَلِذَلِكَ اِسْتَفْهَمَ بِ " مَا " . قَالَ مَكِّيّ : وَقَدْ وَرَدَ لَهُ اِسْتِفْهَام بِ " مَنْ " فِي مَوْضِع آخَر وَيُشْبِه أَنَّهَا مَوَاطِن ; فَأَتَى مُوسَى بِالصِّفَاتِ الدَّالَّة عَلَى اللَّه مِنْ مَخْلُوقَاته الَّتِي لَا يُشَارِكهُ فِيهَا مَخْلُوق , وَقَدْ سَأَلَ فِرْعَوْن عَنْ الْجِنْس وَلَا جِنْس لِلَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ الْأَجْنَاس مُحْدَثَة , فَعَلِمَ مُوسَى جَهْله فَأَضْرَبَ عَنْ سُؤَاله وَأَعْلَمَهُ بِعَظِيمِ قُدْرَة اللَّه الَّتِي تُبَيِّن لِلسَّامِعِ أَنَّهُ لَا مُشَارَكَة لِفِرْعَوْنَ فِيهَا .
قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَسورة الشعراء الآية رقم 24
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَسورة الشعراء الآية رقم 25
فَقَالَ فِرْعَوْن : " أَلَا تَسْتَمِعُونَ " عَلَى مَعْنَى الْإِغْرَاء وَالتَّعَجُّب مِنْ سَفَه الْمَقَالَة إِذْ كَانَتْ عَقِيدَة الْقَوْم أَنَّ فِرْعَوْن رَبّهمْ وَمَعْبُودهمْ وَالْفَرَاعِنَة قَبْله كَذَلِكَ .
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَسورة الشعراء الآية رقم 26
فَزَادَ مُوسَى فِي الْبَيَان بِقَوْلِهِ : " رَبّكُمْ وَرَبّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ " فَجَاءَ بِدَلِيلٍ يَفْهَمُونَهُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ آبَاء وَأَنَّهُمْ قَدْ فَنُوا وَأَنَّهُ لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ مُغَيِّر , وَأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا بَعْد أَنْ لَمْ يَكُونُوا , وَأَنَّهُمْ لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ مُكَوِّن . فَقَالَ فِرْعَوْن حِينَئِذٍ عَلَى جِهَة الِاسْتِخْفَاف :
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌسورة الشعراء الآية رقم 27
أَيْ لَيْسَ يُجِيبنِي عَمَّا أَسْأَل ; فَأَجَابَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ هَذَا بِأَنْ قَالَ : " رَبّ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب "
قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَسورة الشعراء الآية رقم 28
أَيْ لَيْسَ مُلْكه كَمُلْكِك ; لِأَنَّك إِنَّمَا تَمْلِك بَلَدًا وَاحِدًا لَا يَجُوز أَمْرك فِي غَيْره , وَيَمُوت مَنْ لَا تُحِبّ أَنْ يَمُوت , وَاَلَّذِي أَرْسَلَنِي يَمْلِك الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب ;



وَقِيلَ عَلِمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ قَصْده فِي السُّؤَال مَعْرِفَة مَنْ سَأَلَ عَنْهُ , فَأَجَابَ بِمَا هُوَ الطَّرِيق إِلَى مَعْرِفَة الرَّبّ الْيَوْم . ثُمَّ لَمَّا اِنْقَطَعَ فِرْعَوْن لَعَنَهُ اللَّه فِي بَاب الْحُجَّة رَجَعَ إِلَى الِاسْتِعْلَاء وَالتَّغَلُّب فَتَوَعَّدَ مُوسَى بِالسَّجْنِ , وَلَمْ يَقُلْ مَا دَلِيلك عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِلَه أَرْسَلَك ; لِأَنَّ فِيهِ الِاعْتِرَاف بِأَنَّ ثَمَّ إِلَهًا غَيْره .
قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَسورة الشعراء الآية رقم 29
وَفِي تَوَعُّده بِالسَّجْنِ ضَعْف . وَكَانَ فِيمَا يُرْوَى أَنَّهُ يَفْزَع مِنْهُ فَزَعًا شَدِيدًا حَتَّى كَانَ اللَّعِين لَا يُمْسِك بَوْله . وَرُوِيَ أَنَّ سَجْنه كَانَ أَشَدّ مِنْ الْقَتْل . وَكَانَ إِذَا سَجَنَ أَحَدًا لَمْ يُخْرِجهُ مِنْ سَجْنه حَتَّى يَمُوت , فَكَانَ مَخُوفًا . ثُمَّ لَمَّا كَانَ عِنْد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ أَمْر اللَّه تَعَالَى مَا لَا يَرُعْهُ تَوَعَّدَ فِرْعَوْن " قَالَ " لَهُ عَلَى جِهَة اللُّطْف بِهِ وَالطَّمَع فِي إِيمَانه :
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍسورة الشعراء الآية رقم 30
فَيَتَّضِح لَك بِهِ صِدْقِي , فَلَمَّا سَمِعَ فِرْعَوْن ذَلِكَ طَمِعَ فِي أَنْ يَجِد أَثْنَاءَهُ مَوْضِع مُعَارَضَة " فَقَالَ " لَهُ " فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ "
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7الصفحة 8