الصفحة 1الصفحة 2
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْسورة محمد الآية رقم 1
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه أَضَلَّ أَعْمَالهمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه وَعَبَدُوا غَيْره وَصَدُّوا مَنْ أَرَادَ عِبَادَته وَالْإِقْرَار بِوَحْدَانِيِّتِهِ , وَتَصْدِيق نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الَّذِي أَرَادَ مِنْ الْإِسْلَام وَالْإِقْرَار وَالتَّصْدِيق { أَضَلَّ أَعْمَالهمْ } يَقُول : جَعَلَ اللَّه أَعْمَالهمْ ضَلَالًا عَلَى غَيْر هُدًى وَغَيْر رَشَاد , لِأَنَّهَا عُمِلَتْ فِي سَبِيل الشَّيْطَان وَهِيَ عَلَى غَيْر اِسْتِقَامَة
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْسورة محمد الآية رقم 2
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ , وَاتَّبَعُوا أَمْره وَنَهْيه . وَذُكِرَ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ كَفَرُوا } . .. الْآيَة أَهْل مَكَّة , { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } . .. الْآيَة , أَهْل الْمَدِينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24245 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن وَهْب الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّات , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْل مَكَّة { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } قَالَ : الْأَنْصَار .


يَقُول : وَصَدَّقُوا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُحَمَّد

يَقُول : مَحَا اللَّه عَنْهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ سَيِّئ مَا عَمِلُوا مِنْ الْأَعْمَال , فَلَمْ يُؤَاخِذهُمْ بِهِ , وَلَمْ يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهِ

يَقُول : وَأَصْلَحَ شَأْنهمْ وَحَالهمْ فِي الدُّنْيَا عِنْد أَوْلِيَائِهِ , وَفِي الْآخِرَة بِأَنْ أَوْرَثَهُمْ نَعِيم الْأَبَد وَالْخُلُود الدَّائِم فِي جِنَانه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24246 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن وَهْب الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّات , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : أَمْرهمْ . 24247 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : شَأْنهمْ. 24248 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : أَصْلَحَ بَالهمْ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ : حَالهمْ . 24249 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَصْلَحَ بَالهمْ } قَالَ حَالهمْ. وَالْبَال : كَالْمَصْدَرِ مِثْل الشَّأْن لَا يُعْرَف مِنْهُ فِعْل , وَلَا تَكَاد الْعَرَب تَجْمَعهُ إِلَّا فِي ضَرُورَة شِعْر , فَإِذَا جَمَعُوهُ قَالُوا بَالَات.
ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْسورة محمد الآية رقم 3
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اِتَّبَعُوا الْبَاطِل وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّبَعُوا الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا بِهَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ إِضْلَالنَا أَعْمَال الْكَافِرِينَ , وَتَكْفِيرنَا عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات , جَزَاء مِنَّا لِكُلِّ فَرِيق مِنْهُمْ عَلَى فِعْله . أَمَّا الْكَافِرُونَ فَأَضْلَلْنَا أَعْمَالهمْ , وَجَعَلْنَاهَا عَلَى غَيْر اِسْتِقَامَة وَهُدًى , بِأَنَّهُمْ اِتَّبَعُوا الشَّيْطَان فَأَطَاعُوهُ , وَهُوَ الْبَاطِل . كَمَا : 24250 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى ابْن أَبِي زَائِدَة , وَعَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَا : ثَنَا حَجَّاج بْن مُحَمَّد , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي خَالِد أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول { ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اِتَّبَعُوا الْبَاطِل } قَالَ : الْبَاطِل : الشَّيْطَان . وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ , وَأَصْلَحْنَا لَهُمْ حَالهمْ بِأَنَّهُمْ اِتَّبَعُوا الْحَقّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ رَبّهمْ , وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه مِنْ النُّور وَالْبُرْهَان .

يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : كَمَا بَيَّنْت لَكُمْ أَيّهَا النَّاس فِعْلِي بِفَرِيقِ الْكُفْر وَالْإِيمَان , كَذَلِكَ نُمَثِّل لِلنَّاسِ الْأَمْثَال , وَنُشَبِّه لَهُمْ الْأَشْبَاه , فَنُلْحِق بِكُلِّ قَوْم مِنْ الْأَمْثَال أَشْكَالًا .
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْسورة محمد الآية رقم 4
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْب الرِّقَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِفَرِيقِ الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } بِاَللَّهِ وَرَسُوله مِنْ أَهْل الْحَرْب , فَاضْرِبُوا رِقَابهمْ .

وَقَوْله : { حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ } يَقُول : حَتَّى إِذَا غَلَبْتُمُوهُمْ وَقَهَرْتُمْ مَنْ لَمْ تَضْرِبُوا رَقَبَته مِنْهُمْ , فَصَارُوا فِي أَيْدِيكُمْ أَسْرَى .

يَقُول : فَشُدُّوهُمْ فِي الْوَثَاق كَيْلَا يَقْتُلُوكُمْ , فَيَهْرُبُوا مِنْكُمْ .

وَقَوْله : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } يَقُول : فَإِذَا أَسَرْتُمُوهُمْ بَعْد الْإِثْخَان , فَإِمَّا أَنْ تَمُنُّوا عَلَيْهِمْ بَعْد ذَلِكَ بِإِطْلَاقِكُمْ إِيَّاهُمْ مِنْ الْأَسْر , وَتُحَرِّرُوهُمْ بِغَيْرِ عِوَض وَلَا فِدْيَة , وَإِمَّا أَنْ يُفَادُوكُمْ فِدَاء بِأَنْ يُعْطُوكُمْ مِنْ أَنْفُسهمْ عِوَضًا حَتَّى تُطْلِقُوهُمْ , وَتُخَلُّوا لَهُمْ السَّبِيل . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي قَوْله : { حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاق , فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَنْسُوخ نَسَخَهُ قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 قَوْله { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } 8 57 . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24251 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن عِيسَى الدَّامْغَانِيّ , قَالَا : ثَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج أَنَّهُ كَانَ يَقُول , فِي قَوْله : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } نَسَخَهَا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 . 24252 -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } قَالَ : نَسَخَهَا { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 . 24253 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } نَسَخَهَا قَوْله : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } 8 57 . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } إِلَى قَوْله : { وَإِمَّا فِدَاء } كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا لَقُوا الْمُشْرِكِينَ قَاتَلُوهُمْ , فَإِذَا أَسَرُوا مِنْهُمْ أَسِيرًا , فَلَيْسَ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يُفَادُوهُ , أَوْ يَمُنُّوا عَلَيْهِ , ثُمَّ يُرْسِلُوهُ , فَنُسِخَ ذَلِكَ بَعْد قَوْله : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } 8 57 . أَيْ عِظْ بِهِمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ النَّاس لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ . 24254 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , قَالَ : كُتِبَ إِلَى أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي أَسِير أُسِرَ , فَذَكَرَ أَنَّهُمْ اِلْتَمَسُوهُ بِفِدَاءِ كَذَا وَكَذَا , فَقَالَ أَبُو بَكْر : اُقْتُلُوهُ , لَقَتْل رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ , أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا . 24255 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْب الرِّقَاب }. .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : الْفِدَاء مَنْسُوخ , نَسَخَتْهَا : { فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم } . .. 9 5 إِلَى { كُلّ مَرْصَد } س 9 5 . قَالَ : فَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَهْد وَلَا حُرْمَة بَعْد بَرَاءَة , وَانْسِلَاخ الْأَشْهُر الْحُرُم . 24256 -حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } هَذَا مَنْسُوخ , نَسَخَهُ قَوْله : { فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 . فَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَهْد وَلَا ذِمَّة بَعْد بَرَاءَة . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مُحْكَمَة وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ , وَقَالُوا : لَا يَجُوز قَتْل الْأَسِير , وَإِنَّمَا يَجُوز الْمَنّ عَلَيْهِ وَالْفِدَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24257 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَتَّاب سَهْل بْن حَمَّاد , قَالَ : ثَنَا خَالِد بْن جَعْفَر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : أُتِيَ الْحَجَّاج بِأُسَارَى , فَدَفَعَ إِلَى اِبْن عُمَر رَجُلًا يَقْتُلهُ , فَقَالَ اِبْن عُمَر : لَيْسَ بِهَذَا أُمِرْنَا , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاق , فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } قَالَ : الْبُكَاء بَيْن يَدَيْهِ فَقَالَ الْحَسَن : لَوْ كَانَ هَذَا وَأَصْحَابه لَابْتَدَرُوا إِلَيْهِمْ. 24258 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن عِيسَى الدَّامْغَانِيّ , قَالَا : ثَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه قَتْل الْمُشْرِك صَبْرًا , قَالَ : وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَة { فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء } . 24259 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَا تَقْتُل الْأُسَارَى إِلَّا فِي الْحَرْب يُهَيَّب بِهِمْ الْعَدُوّ . 24260 - قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : كَانَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز يَفْدِيهِمْ الرَّجُل بِالرَّجُلِ , وَكَانَ الْحَسَن يَكْرَه أَنْ يُفَادَى بِالْمَالِ . 24261 - قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الشَّام مِمَّنْ كَانَ يَحْرُس عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , وَهُوَ مِنْ بَنِي أَسَد , قَالَ : مَا رَأَيْت عُمَر رَحِمَهُ اللَّه قَتَلَ أَسِيرًا إِلَّا وَاحِدًا مِنْ التُّرْك كَانَ جِيءَ بِأُسَارَى مِنْ التُّرْك , فَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يُسْتَرَقُّوا , فَقَالَ رَجُل مِمَّنْ جَاءَ بِهِمْ : يَا أَمِير الْمُومِنِينَ , لَوْ كُنْت رَأَيْت هَذَا لِأَحَدِهِمْ وَهُوَ يَقْتُل الْمُسْلِمِينَ لَكَثُرَ بُكَاؤُك عَلَيْهِمْ , فَقَالَ عُمَر : فَدُونك فَاقْتُلْهُ , فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مُحْكَمَة غَيْر مَنْسُوخَة , وَذَلِكَ أَنَّ صِفَة النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْر مَوْضِع فِي كِتَابنَا إِنَّهُ مَا لَمْ يَجُزْ اِجْتِمَاع حُكْمَيْهِمَا فِي حَال وَاحِدَة , أَوْ مَا قَامَتْ الْحُجَّة بِأَنَّ أَحَدهمَا نَاسِخ الْآخَر , وَغَيْر مُسْتَنْكَر أَنْ يَكُون جُعِلَ الْخِيَار فِي الْمَنّ وَالْفِدَاء وَالْقَتْل إِلَى الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِلَى الْقَائِمِينَ بَعْده بِأَمْرِ الْأُمَّة , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَتْل مَذْكُورًا فِي هَذِهِ الْآيَة , لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ بِقَتْلِهِمْ فِي آيَة أُخْرَى , وَذَلِكَ قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 . بَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ كَانَ يَفْعَل فِيمَنْ صَارَ أَسِيرًا فِي يَده مِنْ أَهْل الْحَرْب , فَيَقْتُل بَعْضًا , وَيُفَادِي بِبَعْضٍ , وَيَمُنّ عَلَى بَعْض , مِثْل يَوْم بَدْر قَتَلَ عُقْبَة ابْن أَبِي مُعَيْط وَقَدْ أُتِيَ بِهِ أَسِيرًا , وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَة , وَقَدْ نَزَلُوا عَلَى حُكْم سَعْد , وَصَارُوا فِي يَده سَلَمًا , وَهُوَ عَلَى فِدَائِهِمْ , وَالْمَنّ عَلَيْهِمْ قَادِر , وَفَادَى بِجَمَاعَةٍ أُسَارَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أُسِرُوا بِبَدْرٍ , وَمَنَّ عَلَى ثُمَامَة بْن أَثَال الْحَنَفِيّ , وَهُوَ أَسِير فِي يَده , وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ ثَابِتًا مِنْ سِيَره فِي أَهْل الْحَرْب مِنْ لَدُنْ إِذْن اللَّه لَهُ بِحَرْبِهِمْ , إِلَى أَنْ قَبَضَهُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمًا ذَلِكَ فِيهِمْ , وَإِنَّمَا ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَة الْمَنّ وَالْفِدَاء فِي الْأُسَارَى , فَخَصَّ ذِكْرهمَا فِيهَا , لِأَنَّ الْأَمْر بِقَتْلِهِمَا وَالْإِذْن مِنْهُ بِذَلِكَ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ فِي سَائِر آي تَنْزِيله مُكَرَّرًا , فَأَعْلَمَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ الْمَنّ وَالْفِدَاء مَا لَهُ فِيهِمْ مَعَ الْقَتْل .

وَقَوْله : { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَاضْرِبُوا رِقَابهمْ , وَافْعَلُوا بِأَسْرَاهُمْ مَا بَيَّنْت لَكُمْ , حَتَّى تَضَع الْحَرْب آثَامهَا وَأَثْقَال أَهْلهَا , الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ بِأَنْ يَتُوبُوا إِلَى اللَّه مِنْ شِرْكهمْ , فَيُؤْمِنُوا بِهِ وَبِرَسُولِهِ , وَيُطِيعُوهُ فِي أَمْره وَنَهْيه , فَذَلِكَ وَضْع الْحَرْب أَوْزَارهَا , وَقِيلَ : { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } وَالْمَعْنَى : حَتَّى تُلْقِي الْحَرْب أَوْزَار أَهْلهَا . وَقِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : حَتَّى يَضَع الْمُحَارِب أَوْزَاره. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24262 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى : وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } قَالَ : حَتَّى يَخْرُج عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَيُسْلِم كُلّ يَهُودِيّ وَنَصْرَانِيّ وَصَاحِب مِلَّة , وَتَأْمَن الشَّاة مِنْ الذِّئْب , وَلَا تُقْرِض فَأْرَة جِرَابًا , وَتَذْهَب الْعَدَاوَة مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا , ذَلِكَ ظُهُور الْإِسْلَام عَلَى الدِّين كُلّه , وَيَنْعَم الرَّجُل الْمُسْلِم حَتَّى تَقْطُر رِجْله دَمًا إِذَا وَضَعَهَا . 24263 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } حَتَّى لَا يَكُون شِرْك . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } قَالَ : حَتَّى لَا يَكُون شِرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِالْحَرْبِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْمُحَارِبُونَ. 24264 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { حَتَّى تَضَع الْحَرْب أَوْزَارهَا } قَالَ الْحَرْب : مَنْ كَانَ يُقَاتِلهُمْ سَمَّاهُمْ حَرْبًا .

وَقَوْله : { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّه لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ قَتْل الْمُشْرِكِينَ إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي حَرْب , وَشَدّهمْ وَثَاقًا بَعْد قَهْرهمْ , وَأَسْرهمْ , وَالْمَنّ وَالْفِدَاء { وَلَوْ يَشَاء اللَّه لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ } هُوَ الْحَقّ الَّذِي أَلْزَمَكُمْ رَبّكُمْ وَلَوْ يَشَاء رَبّكُمْ , وَيُرِيد لَانْتَصَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَيَّنَ هَذَا الْحُكْم فِيهِمْ بِعُقُوبَةٍ مِنْهُ لَهُمْ عَاجِلَة , وَكَفَاكُمْ ذَلِكَ كُلّه , وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره كَرِهَ الِانْتِصَار مِنْهُمْ , وَعُقُوبَتهمْ عَاجِلًا إِلَّا بِأَيْدِيكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24265 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَوْ يَشَاء اللَّه لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ } إِي وَاَللَّه بِجُنُودِهِ الْكَثِيرَة كُلّ خَلْقه لَهُ جُنْد , وَلَوْ سَلَّطَ أَضْعَف خَلْقه لَكَانَ جُنْدًا.

يَقُول : لِيَخْتَبِركُمْ بِهِمْ , فَيَعْلَم الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ , وَيَبْلُوهُمْ بِكُمْ , فَيُعَاقِب بِأَيْدِيكُمْ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ , وَيَتَّعِظ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِمَنْ أَهْلَكَ بِأَيْدِيكُمْ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ حَتَّى يُنِيب إِلَى الْحَقّ .

وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيل اللَّه } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْكُوفَة { وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا } بِمَعْنَى : حَارَبُوا الْمُشْرِكِينَ , وَجَاهَدُوهُمْ , بِالْأَلِفِ ; وَكَانَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقْرَأهُ { قُتِّلُوا } بِضَمِّ الْقَاف وَتَشْدِيد التَّاء , بِمَعْنَى : أَنَّهُ قَتَلَهُمْ الْمُشْرِكُونَ بَعْضهمْ بَعْد بَعْض , غَيْر أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ الْفَاعِلُونَ. وَذُكِرَ عَنْ الْجَحْدَرِيّ عَاصِم أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأهُ " وَاَلَّذِينَ قَتَلُوا " بِفَتْحِ الْقَاف وَتَخْفِيف التَّاء , بِمَعْنَى : وَاَلَّذِينَ قَتَلُوا الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ . وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقْرَأهُ { قُتِلُوا } بِضَمِّ الْقَاف وَتَخْفِيف التَّاء بِمَعْنَى : وَاَلَّذِينَ قَتَلَهُمْ الْمُشْرِكُونَ , ثُمَّ أَسْقَطَ الْفَاعِلِينَ , فَجَعَلَهُمْ لَمْ يُسَمَّ فَاعِل ذَلِكَ بِهِمْ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَات بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ " وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا " لِاتِّفَاقِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء , وَإِنْ كَانَ لِجَمِيعِهَا وُجُوه مَفْهُومَة. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى الْقِرَاءَات عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَعْدَاء اللَّه مِنْ الْكُفَّار فِي دِين اللَّه , وَفِي نُصْرَة مَا بَعَثَ بِهِ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهُدَى , فَجَاهِدُوهُمْ فِي ذَلِكَ { فَلَنْ يُضِلّ أَعْمَالهمْ } فَلَنْ يَجْعَل اللَّه أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا ضَلَالًا عَلَيْهِمْ كَمَا أَضَلَّ أَعْمَال الْكَافِرِينَ . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة عُنِيَ بِهَا أَهْل أُحُد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24266 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه فَلَنْ يُضِلّ أَعْمَالهمْ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ يَوْم أُحُد وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْب , وَقَدْ فَشَتْ فِيهِمْ الْجِرَاحَات وَالْقَتْل , وَقَدْ نَادَى الْمُشْرِكُونَ يَوْمئِذٍ : أُعْلُ هُبَل , فَنَادَى الْمُسْلِمُونَ : اللَّه أَعْلَى وَأَجَلّ , فَنَادَى الْمُشْرِكُونَ : يَوْم بِيَوْمٍ , إِنَّ الْحَرْب سِجَال , إِنَّ لَنَا عُزَّى , وَلَا عُزَّى لَكُمْ , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ . إِنَّ الْقَتْلَى مُخْتَلِفَة , أَمَّا قَتْلَانَا فَأَحْيَاء يُرْزَقُونَ , وَأَمَّا قَتْلَاكُمْ فَفِي النَّار يُعَذَّبُونَ " . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَاَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه فَلَنْ يُضِلّ أَعْمَالهمْ } قَالَ : الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْم أُحُد .
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْسورة محمد الآية رقم 5
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِح بَالهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سَيُوَفِّقُ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْعَمَلِ بِمَا يَرْضَى وَيُحِبّ , هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيله , { وَيُصْلِح بَالهمْ } وَيُصْلِح أَمْرهمْ وَحَالهمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْسورة محمد الآية رقم 6
يَقُول : وَيُدْخِلهُمْ اللَّه جَنَّته عَرَّفَهَا , يَقُول : عَرَّفَهَا وَبَيَّنَهَا لَهُمْ , حَتَّى إِنَّ الرَّجُل لَيَأْتِي مَنْزِله مِنْهَا إِذَا دَخَلَهَا كَمَا كَانَ يَأْتِي مَنْزِله فِي الدُّنْيَا , لَا يُشْكِل عَلَيْهِ ذَلِكَ . كَمَا : 24267 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : إِذَا نَجَّى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ مِنْ النَّار حُبِسُوا عَلَى قَنْطَرَة بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار , فَاقْتَصَّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض مَظَالِم كَثِيرَة كَانَتْ بَيْنهمْ فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ يُؤْذَن لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِي الْجَنَّة , قَالَ : فَمَا كَانَ الْمُؤْمِن بِأَدَلّ بِمَنْزِلِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّة حِين يَدْخُلهَا . * -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ } قَالَ : أَيْ مَنَازِلهمْ فِيهَا. 24268 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ } قَالَ : يَهْتَدِي أَهْلهَا إِلَى بُيُوتهمْ وَمَسَاكِنهمْ , وَحَيْثُ قَسَمَ اللَّه لَهُمْ لَا يُخْطِئُونَ , كَأَنَّهُمْ سُكَّانهَا مُنْذُ خُلِقُوا لَا يَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهَا أَحَدًا . 24269 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ } قَالَ : بَلَغَنَا عَنْ غَيْر وَاحِد قَالَ : يَدْخُل أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة , وَلَهُمْ أَعْرَف بِمَنَازِلِهِمْ فِيهَا مِنْ مَنَازِلهمْ فِي الدُّنْيَا الَّتِي يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهَا فِي عُمْر الدُّنْيَا ; قَالَ : فَتِلْكَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ } .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْسورة محمد الآية رقم 7
وَقَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّه يَنْصُركُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , إِنْ تَنْصُرُوا اللَّه يَنْصُركُمْ بِنَصْرِكُمْ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ وَجِهَادكُمْ إِيَّاهُمْ مَعَهُ لِتَكُونَ كَلِمَته الْعُلْيَا يَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ , وَيُظْفِركُمْ بِهِمْ , فَإِنَّهُ نَاصِر دِينه وَأَوْلِيَاءَهُ . كَمَا : 24270 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّه يَنْصُركُمْ } لِأَنَّهُ حَقّ عَلَى اللَّه أَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ , وَيَنْصُر مَنْ نَصَرَهُ .

وَقَوْله : { وَيُثَبِّت أَقْدَامكُمْ } يَقُول : وَيُقَوِّكُمْ عَلَيْهِمْ , وَيُجَرِّئكُمْ , حَتَّى لَا تَوَلَّوْا عَنْهُمْ , وَإِنْ كَثُرَ عَدَدهمْ , وَقَلَّ عَدَدكُمْ .
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْسورة محمد الآية رقم 8
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا } بِاَللَّهِ , فَجَحَدُوا تَوْحِيده { فَتَعْسًا لَهُمْ } يَقُول : فَخِزْيًا لَهُمْ وَشَقَاء وَبَلَاء . كَمَا : 24271 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ } قَالَ : شَقَاء لَهُمْ . وَقَوْله : { وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ } يَقُول وَجَعَلَ أَعْمَالهمْ مَعْمُولَة عَلَى غَيْر هُدًى وَلَا اِسْتِقَامَة , لِأَنَّهَا عُمِلَتْ فِي طَاعَة الشَّيْطَان , لَا فِي طَاعَة الرَّحْمَن . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24272 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ } قَالَ : الضَّلَالَة الَّتِي أَضَلَّهُمْ اللَّه لَمْ يَهْدِهِمْ كَمَا هَدَى الْآخَرِينَ , فَإِنَّ الضَّلَالَة الَّتِي أَخْبَرَك اللَّه : يُضِلّ مَنْ يَشَاء , وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء ; قَالَ : وَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ جُعِلَ عَمَله ضَلَالًا , وَرَدَّ قَوْله : { وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ } عَلَى قَوْله : { فَتَعْسًا لَهُمْ } وَهُوَ فِعْل مَاضٍ , وَالتَّعْس اِسْم , لِأَنَّ التَّعْس وَإِنْ كَانَ اِسْمًا فَفِي مَعْنَى الْفِعْل لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الدُّعَاء , فَهُوَ بِمَعْنَى : أَتْعَسَهُمْ اللَّه , فَلِذَلِكَ صَلُحَ رَدّ أَضَلَّ عَلَيْهِ , لِأَنَّ الدُّعَاء يَجْرِي مَجْرَى الْأَمْر وَالنَّهْي , وَكَذَلِكَ قَوْله : { حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاق } 47 4 مَرْدُودَة عَلَى أَمْر مُضْمَر نَاصِب لِضَرْب .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْسورة محمد الآية رقم 9
وَقَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا بِهِمْ مِنْ الْإِتْعَاس وَإِضْلَال الْأَعْمَال مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ كَرِهُوا كِتَابنَا الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَخِطُوهُ , فَكَذَّبُوا بِهِ , وَقَالُوا : هُوَ سِحْر مُبِين .

وَقَوْله : { فَأَحْبَطَ أَعْمَالهمْ } يَقُول : فَأَبْطَلَ أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا , وَذَلِكَ عِبَادَتهمْ الْآلِهَة , لَمْ يَنْفَعهُمْ اللَّه بِهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة , بَلْ أَوْبَقَهُمْ بِهَا , فَأَصْلَاهُمْ سَعِيرًا , وَهَذَا حُكْم اللَّه جَلَّ جَلَاله فِي جَمِيع مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ أَجْنَاس الْأُمَم , كَمَا قَالَ قَتَادَة . 24273 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَتَعْسًا لَهُمْ } قَالَ : هِيَ عَامَّة لِلْكُفَّارِ .
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَاسورة محمد الآية رقم 10
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ دَمَّرَ اللَّه عَلَيْهِمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَلَمْ يَسِرْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْكِرُو مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَاب فِي الْأَرْض سَفَرًا , وَإِنَّمَا هَذَا تَوْبِيخ مِنْ اللَّه لَهُمْ , لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يُسَافِرُونَ إِلَى الشَّام , فَيَرَوْنَ نِقْمَة اللَّه الَّتِي أَحَلَّهَا بِأَهْلِ حَجْر ثَمُود , وَيَرَوْنَ فِي سَفَرهمْ إِلَى الْيَمَن مَا أَحَلَّ اللَّه بِسَبَأٍ , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : أَفَلَمْ يَسِرْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ سَفَرًا فِي الْبِلَاد فَيَنْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة تَكْذِيب الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا الرَّادَّة نَصَائِحهَا أَلَمْ نُهْلِكهَا فَنُدَمِّر عَلَيْهَا مَنَازِلهَا وَنُخَرِّبهَا , فَيَتَّعِظُوا بِذَلِكَ , وَيَحْذَرُوا أَنْ يَفْعَل اللَّه ذَلِكَ بِهِمْ فِي تَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ , فَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَة اللَّه فِي تَصْدِيقك .

ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَأَخْبَرَهُمْ إِنْ هُمْ أَقَامُوا عَلَى تَكْذِيبهمْ رَسُوله , أَنَّهُ مُحِلّ بِهِمْ مِنْ الْعَذَاب مَا أَحَلَّ بِاَلَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم , فَقَالَ : { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالهَا } يَقُول : وَلِلْكَافِرِينَ مِنْ قُرَيْش الْمُكَذِّبِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَذَاب الْعَاجِل , أَمْثَال عَاقِبَة تَكْذِيب الْأُمَم الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلهمْ رُسُلهمْ عَلَى تَكْذِيبهمْ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24274 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالهَا } قَالَ : مِثْل مَا دُمِّرَتْ بِهِ الْقُرُون الْأُولَى وَعِيد مِنْ اللَّه لَهُمْ .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْسورة محمد الآية رقم 11
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الْفِعْل الَّذِي فَعَلْنَا بِهَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ : فَرِيق الْإِيمَان , وَفَرِيق الْكُفْر , مِنْ نُصْرَتنَا فَرِيق الْإِيمَان بِاَللَّهِ , وَتَثْبِيتنَا أَقْدَامهمْ , وَتَدْمِيرنَا عَلَى فَرِيق الْكُفْر { بِأَنَّ اللَّه مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول : مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه وَلِيّ مَنْ آمَنَ بِهِ , وَأَطَاعَ رَسُوله. كَمَا : 24275 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ : وَلِيّهمْ . وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه وَلِيّ الَّذِينَ آمَنُوا " و " أَنَّ " الَّتِي فِي الْمَائِدَة الَّتِي هِيَ فِي مَصَاحِفنَا { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله } 5 5 . " إِنَّمَا مَوْلَاكُمْ اللَّه " فِي قِرَاءَته .

وَقَوْله : { وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ } يَقُول : وَبِأَنَّ الْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ لَا وَلِيّ لَهُمْ , وَلَا نَاصِر.
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْسورة محمد الآية رقم 12
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه يُدْخِل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه لَهُ الْأُلُوهَة الَّتِي لَا تَنْبَغِي لِغَيْرِهِ , يُدْخِل الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ بَسَاتِين تَجْرِي مِنْ تَحْت أَشْجَارهَا الْأَنْهَار , يَفْعَل ذَلِكَ بِهِمْ تَكْرِمَة عَلَى إِيمَانهمْ بِهِ وَبِرَسُولِهِ.

وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَلَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه , وَكَذَّبُوا رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَتَّعُونَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِحُطَامِهَا وَرِيَاشهَا وَزِينَتهَا الْفَانِيَة الدَّارِسَة , وَيَأْكُلُونَ فِيهَا غَيْر مُفَكِّرِينَ فِي الْمَعَاد , وَلَا مُعْتَبِرِينَ بِمَا وَضَعَ اللَّه لِخَلْقِهِ مِنْ الْحُجَج الْمُؤَدِّيَة لَهُمْ إِلَى عِلْم تَوْحِيد اللَّه وَمَعْرِفَة صِدْق رُسُله , فَمَثَّلَهُمْ فِي أَكْلهمْ مَا يَأْكُلُونَ فِيهَا مِنْ غَيْر عِلْم مِنْهُمْ بِذَلِكَ , وَغَيْر مَعْرِفَة , مِثْل الْأَنْعَام مِنْ الْبَهَائِم الْمُسَخَّرَة الَّتِي لَا هِمَّة لَهَا إِلَّا فِي الِاعْتِلَاف دُون غَيْره .

يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَالنَّار نَار جَهَنَّم مَسْكَن لَهُمْ , وَمَأْوَى , إِلَيْهَا يَصِيرُونَ مِنْ بَعْد مَمَاتهمْ .
وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْسورة محمد الآية رقم 13
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَة هِيَ أَشَدّ قُوَّة مِنْ قَرْيَتك الَّتِي أَخْرَجَتْك أَهْلَكْنَاهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَمْ يَا مُحَمَّد مِنْ قَرْيَة هِيَ أَشَدّ قُوَّة مِنْ قَرْيَتك , يَقُول أَهْلهَا أَشَدّ بَأْسًا , وَأَكْثَر جَمْعًا , وَأَعَدّ عَدِيدًا مِنْ أَهْل قَرْيَتك , وَهِيَ مَكَّة , وَأَخْرَجَ الْخَبَر عَنْ الْقَرْيَة , وَالْمُرَاد بِهِ أَهْلهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24276 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَة هِيَ أَشَدّ قُوَّة مِنْ قَرْيَتك الَّتِي أَخْرَجَتْك أَهْلَكْنَاهُمْ } قَالَ : هِيَ مَكَّة . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَة هِيَ أَشَدّ قُوَّة مِنْ قَرْيَتك } قَالَ : قَرْيَته مَكَّة . 24277 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حُبَيْش , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْغَار , أَرَاهُ قَالَ : اِلْتَفَتَ إِلَى مَكَّة , فَقَالَ : " أَنْتِ أَحَبّ بِلَاد اللَّه إِلَى اللَّه , وَأَنْتِ أَحَبّ بِلَاد اللَّه إِلَيَّ , فَلَوْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُخْرِجُونِي لَمْ أَخْرُج مِنْك , فَأَعْتَى الْأَعْدَاء مَنْ عَتَا عَلَى اللَّه فِي حَرَمه , أَوْ قَتَلَ غَيْر قَاتِله , أَوْ قَتَلَ بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّة " , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَة هِيَ أَشَدّ قُوَّة مِنْ قَرْيَتك الَّتِي أَخْرَجَتْك أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِر لَهُمْ } وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَخْرَجَتْك , فَأَخْرَجَ الْخَبَر عَنْ الْقَرْيَة , فَلِذَلِكَ أُنِّثَ , ثُمَّ قَالَ : أَهْلَكْنَاهُمْ , لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْله أَخْرَجَتْك , مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ أَهْل الْقَرْيَة , فَأَخْرَجَ الْخَبَر مَرَّة عَلَى اللَّفْظ , وَمَرَّة عَلَى الْمَعْنَى .


وَقَوْله : { فَلَا نَاصِر لَهُمْ } فِيهِ وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ , وَإِنْ كَانَ قَدْ نُصِبَ النَّاصِر بِالتَّبْرِئَةِ , فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَاصِر , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب قَدْ تُضْمِر كَانَ أَحْيَانًا فِي مِثْل هَذَا . وَالْآخَر أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : فَلَا نَاصِر لَهُمْ الْآن مِنْ عَذَاب اللَّه يَنْصُرهُمْ .
أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْسورة محمد الآية رقم 14
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { أَفَمَنْ كَانَ } عَلَى بُرْهَان وَحُجَّة وَبَيَان { مِنْ } أَمْر { رَبّه } وَالْعِلْم بِوَحْدَانِيَّتِهِ , فَهُوَ يَعْبُدهُ عَلَى بَصِيرَة مِنْهُ , بِأَنَّ لَهُ رَبًّا يُجَازِيه عَلَى طَاعَته إِيَّاهُ الْجَنَّة , وَعَلَى إِسَاءَته وَمَعْصِيَته إِيَّاهُ النَّار , { كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله } يَقُول : كَمَنْ حَسَّنَ لَهُ الشَّيْطَان قَبِيح عَمَله وَسَيِّئَهُ , فَأَرَاهُ جَمِيلًا , فَهُوَ عَلَى الْعَمَل بِهِ مُقِيم , وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } نَبِيّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَإِنَّ الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله } هُمْ الْمُشْرِكُونَ .

يَقُول : وَاتَّبَعُوا مَا دَعَتْهُمْ إِلَيْهِ أَنْفُسهمْ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه , وَعِبَادَة الْأَوْثَان مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون عِنْدهمْ بِمَا يَعْمَلُونَ مِنْ ذَلِكَ بُرْهَان وَحُجَّة .
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْسورة محمد الآية رقم 15
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَثَل الْجَنَّة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : صِفَة الْجَنَّة الَّتِي وُعِدَهَا الْمُتَّقُونَ , وَهُمْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا فِي الدُّنْيَا عِقَابه بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه { فِيهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن } يَقُول تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْجَنَّة الَّتِي ذَكَرَهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر مُتَغَيِّر الرِّيح , يُقَال مِنْهُ : قَدْ أَسِنَ مَاء هَذِهِ الْبِئْر : إِذَا تَغَيَّرَتْ رِيح مَائِهَا فَأَنْتَنَتْ , فَهُوَ يَأْسَن أَسَنًا , وَكَذَلِكَ يُقَال لِلرَّجُلِ إِذَا أَصَابَتْهُ رِيح مُنْتِنَة : قَدْ أَسِنَ فَهُوَ يَأْسَن . وَأَمَّا إِذَا أَجَنَ الْمَاء وَتَغَيَّرَ , فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ : أَسِنَ فَهُوَ يَأْسَن , وَيَأْسِن أُسُونًا , وَمَاء أَسَنّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله { مِنْ مَاء غَيْر آسِن } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24278 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فِيهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن } يَقُول : غَيْر مُتَغَيِّر . 24279 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن } قَالَ : مِنْ مَاء غَيْر مُنْتِن . 24380 -حَدَّثَنِي عِيسَى بْن عَمْرو , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا مُصْعَب بْن سَلَّام , عَنْ سَعْد بْن طَرِيف , قَالَ : سَأَلْت أَبَا إِسْحَاق عَنْ { مَاء غَيْر آسِن } قَالَ : سَأَلْت عَنْهَا الْحَارِث , فَحَدَّثَنِي أَنَّ الْمَاء الَّذِي غَيْر آسِن تَسْنِيم , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُ لَا تَمَسّهُ يَد , وَأَنَّهُ يَجِيء الْمَاء هَكَذَا حَتَّى يَدْخُل فِي فِيهِ .

وَقَوْله : { وَأَنْهَار مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَفِيهَا أَنْهَار مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه لِأَنَّهُ لَمْ يُحْلَب مِنْ حَيَوَان فَيَتَغَيَّر طَعْمه بِالْخُرُوجِ مِنْ الضُّرُوع , وَلَكِنَّهُ خَلَقَهُ اللَّه اِبْتِدَاء فِي الْأَنْهَار , فَهُوَ بِهَيْئَتِهِ لَمْ يَتَغَيَّر عَمَّا خَلَقَهُ عَلَيْهِ .

وَقَوْله : { وَأَنْهَار مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ } يَقُول : وَفِيهَا أَنْهَار مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ يَلْتَذُّونَ بِشُرْبِهَا . كَمَا : 24281 - حَدَّثَنِي عِيسَى , قَالَ : ثَنَا . إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا مُصْعَب , عَنْ سَعْد بْن طَرِيف , قَالَ : سَأَلْت عَنْهَا الْحَارِث , فَقَالَ : لَمْ تَدُسّهُ الْمَجُوس , وَلَمْ يَنْفُخ فِيهِ الشَّيْطَان , وَلَمْ تُؤْذِهَا شَمْس , وَلَكِنَّهَا فَوْحَاء , قَالَ : قُلْت لِعِكْرِمَة : مَا الْفَوْحَاء : قَالَ : الصَّفْرَاء . وَكَمَا : 24282 - حَدَّثَنِي سَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثَنَا حَفْص , بْن عُمَر , قَالَ : ثَنَا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه } قَالَ : لَمْ يُحْلَب , وَخُفِضَتْ اللَّذَّة عَلَى النَّعْت لِلْخَمْرِ , وَلَوْ جَاءَتْ رَفْعًا عَلَى النَّعْت لِلْأَنْهَارِ جَازَ , أَوْ نَصْبًا عَلَى يَتَلَذَّذ بِهَا لَذَّة , كَمَا يُقَال : هَذَا لَك هِبَة . كَانَ جَائِزًا ; فَأَمَّا الْقِرَاءَة فَلَا أَسْتَجِيزُهَا فِيهَا إِلَّا خَفْضًا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا .

وَقَوْله : { وَأَنْهَار مِنْ عَسَل مُصَفًّى } يَقُول : وَفِيهَا أَنْهَار مِنْ عَسَل قَدْ صُفِّيَ مِنْ الْقَذَى , وَمَا يَكُون فِي عَسَل أَهْل الدُّنْيَا قَبْل التَّصْفِيَة , إِنَّمَا أَعْلَمَ تَعَالَى ذِكْره عِبَاده بِوَصْفِهِ ذَلِكَ الْعَسَل بِأَنَّهُ مُصَفًّى أَنَّهُ خُلِقَ فِي الْأَنْهَار اِبْتِدَاء سَائِلًا جَارِيًا سَيْل الْمَاء وَاللَّبَن الْمَخْلُوقَيْنِ فِيهَا , فَهُوَ مِنْ أَجْل ذَلِكَ مُصَفًّى , قَدْ صَفَّاهُ اللَّه مِنْ الْأَقْذَاء الَّتِي تَكُون فِي عَسَل أَهْل الدُّنْيَا الَّذِي لَا يَصْفُو مِنْ الْأَقْذَاء إِلَّا بَعْد التَّصْفِيَة , لِأَنَّهُ كَانَ فِي شَمْع فَصُفِّيَ مِنْهُ .

{15} مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ

وَقَوْله : { كَمَنْ هُوَ خَالِد فِي النَّار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمَّنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْجَنَّة الَّتِي صِفَتهَا مَا وَصَفْنَا , كَمَنْ هُوَ خَالِد فِي النَّار . وَابْتُدِئَ الْكَلَام بِصِفَةِ الْجَنَّة , فَقِيلَ : مَثَل الْجَنَّة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ , وَلَمْ يَقُلْ : أَمَّنْ هُوَ فِي الْجَنَّة . ثُمَّ قِيلَ بَعْد اِنْقِضَاء الْخَبَر عَنْ الْجَنَّة وَصِفَتهَا { كَمَنْ هُوَ خَالِد فِي النَّار } . وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , اِسْتِغْنَاء بِمَعْرِفَةِ السَّامِع مَعْنَى الْكَلَام , وَلِدَلَالَةِ قَوْله : { كَمْ هُوَ خَالِد فِي النَّار } عَلَى مَعْنَى قَوْله : { مَثَل الْجَنَّة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } .

وَقَوْله : { وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسُقِيَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ خُلُود فِي النَّار مَاء قَدْ اِنْتَهَى حَرّه فَقَطَّعَ ذَلِكَ الْمَاء مِنْ شِدَّة حَرّه أَمْعَاءَهُمْ . كَمَا : 24283 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثَنَا حَيْوَة بْن شُرَيْح الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثَنَا بَقِيَّة , عَنْ صَفْوَان بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنِي عُبَيْد اللَّه بْن بِشْر , عَنْ أَبِي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { وَيُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد يَتَجَرَّعهُ } 14 16 قَالَ : " يُقَرَّب إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّههُ , فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهه , وَوَقَعَتْ فَرْوَة رَأْسه , فَإِذَا شَرِبَ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُج مِنْ دُبُره " . قَالَ : يَقُول اللَّه { وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا , فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { يَشْوِي الْوُجُوه , بِئْسَ الشَّرَاب وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } 18 29 .
وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْسورة محمد الآية رقم 16
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدك قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مَاذَا قَالَ آنِفًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار يَا مُحَمَّد { مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك } وَهُوَ الْمُنَافِق , فَيَسْتَمِع مَا تَقُول فَلَا يَعِيه وَلَا يَفْهَمهُ , تَهَاوُنًا مِنْهُ بِمَا تَتْلُو عَلَيْهِ مِنْ كِتَاب رَبّك , تَغَافُلًا عَمَّا تَقُولهُ , وَتَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ الْإِيمَان , { حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدك } قَالُوا إِعْلَامًا مِنْهُمْ لِمَنْ حَضَرَ مَعَهُمْ مَجْلِسك مِنْ أَهْل الْعِلْم بِكِتَابِ اللَّه , وَتِلَاوَتك عَلَيْهِمْ مَا تَلَوْت , وَقِيلك لَهُمْ مَا قُلْت إِنَّهُمْ لَنْ يُصْغُوا أَسْمَاعهمْ لِقَوْلِك وَتِلَاوَتك { مَاذَا قَالَ } لَنَا مُحَمَّد { آنِفًا } ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24284 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدك } هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ , دَخَلَ رَجُلَانِ : رَجُل مِمَّنْ عَقَلَ عَنْ اللَّه وَانْتَفَعَ بِمَا سَمِعَ وَرَجُل لَمْ يَعْقِل عَنْ اللَّه , فَلَمْ يَنْتَفِع بِمَا سَمِعَ , كَانَ يُقَال : النَّاس ثَلَاثَة : فَسَامِع عَامِل , وَسَامِع غَافِل , وَسَامِع تَارِك . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك } قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ . وَكَانَ يُقَال : النَّاس ثَلَاثَة : سَامِع فَعَامِل , وَسَامِع فَغَافِل , وَسَامِع فَتَارِك . 24285 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ عُثْمَان أَبِي الْيَقْظَان , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار , أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدك قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مَاذَا قَالَ آنِفًا } قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَنَا مِنْهُمْ , وَقَدْ سُئِلْت فِيمَنْ سُئِلَ . 24286 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدك } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ , وَاَلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم : الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ .

وَقَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ هُمْ الْقَوْم الَّذِينَ خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ , فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ لِلْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّه بِهِ رَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام { وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } يَقُول : وَرَفَضُوا أَمْر اللَّه , وَاتَّبَعُوا مَا دَعَتْهُمْ إِلَيْهِ أَنْفُسهمْ , فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ إِلَى حَقِيقَة وَلَا بُرْهَان , وَسَوَّى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْن صِفَة هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَبَيْن الْمُشْرِكِينَ , فِي أَنَّ جَمِيعهمْ إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاقهمْ دِين اللَّه , الَّذِي اُبْتُعِثَ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْوَاءَهُمْ , فَقَالَ فِي هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } وَقَالَ فِي أَهْل الْكُفْر بِهِ مِنْ أَهْل الشِّرْك , { كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله , وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } 9 37 .
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْسورة محمد الآية رقم 17
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ اِهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَمَّا الَّذِينَ وَفَّقَهُمْ اللَّه لِاتِّبَاعِ الْحَقّ , وَشَرَحَ صُدُورهمْ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ الَّذِينَ اِسْتَمَعُوا إِلَيْك يَا مُحَمَّد , فَإِنَّ مَا تَلَوْته عَلَيْهِمْ , وَسَمِعُوهُ مِنْك { زَادَهُمْ هُدًى } يَقُول : زَادَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ إِيمَانًا إِلَى إِيمَانهمْ , وَبَيَانًا لِحَقِيقَةِ مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه إِلَى الْبَيَان الَّذِي كَانَ عِنْدهمْ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الَّذِي تَلَا عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُرْآن , فَقَالَ أَهْل النِّفَاق مِنْهُمْ لِأَهْلِ الْإِيمَان , مَاذَا قَالَ آنِفًا , وَزَادَ اللَّه أَهْل الْهُدَى مِنْهُمْ هُدًى , كَانَ بَعْض مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْقُرْآن يَنْسَخ بَعْض مَا قَدْ كَانَ الْحُكْم مَضَى بِهِ قَبْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24287 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ اِهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } قَالَ : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه الْقُرْآن آمَنُوا بِهِ , فَكَانَ هُدًى , فَلَمَّا تَبَيَّنَ النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ زَادَهُمْ هُدًى. وَقَوْله : { وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَعْطَى اللَّه هَؤُلَاءِ الْمُهْتَدِينَ تَقْوَاهُمْ , وَذَلِكَ اِسْتِعْمَاله إِيَّاهُمْ تَقْوَاهُمْ إِيَّاهُ .
فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْسورة محمد الآية رقم 18
وَقَوْله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَة أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَهَلْ يَنْظُر هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّه مِنْ أَهْل الْكُفْر وَالنِّفَاق إِلَّا السَّاعَة الَّتِي وَعَدَ اللَّه خَلْقه بَعَثَهُمْ فِيهَا مِنْ قُبُورهمْ أَحْيَاء , أَنْ تَجِيئهُمْ فَجْأَة لَا يَشْعُرُونَ بِمَجِيئِهَا . وَالْمَعْنَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَة , هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَة . و { أَنْ } مِنْ قَوْله : { إِلَّا أَنْ } فِي مَوْضِع نَصْب بِالرَّدِّ عَلَى السَّاعَة , وَعَلَى فَتْح الْأَلِف مِنْ { أَنْ تَأْتِيَهُمْ } وَنَصْب { تَأْتِيَهُمْ } بِهَا قِرَاءَة أَهْل الْكُوفَة. وَقَدْ : 24288 - حُدِّثْت عَنْ الْفَرَّاء , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَر الرُّؤَاسِيّ , قَالَ : قُلْت لِأَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء : مَا هَذِهِ الْفَاء الَّتِي فِي قَوْله : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطهَا } قَالَ : جَوَاب الْجَزَاء , قَالَ : قُلْت : إِنَّهَا إِنْ تَأْتِيهِمْ , قَالَ : فَقَالَ : مَعَاذ اللَّه , إِنَّمَا هِيَ " إِنْ تَأْتِهِمْ " ; قَالَ الْفَرَّاء : فَظَنَنْت أَنَّهُ أَخَذَهَا عَنْ أَهْل مَكَّة , لِأَنَّهُ قَرَأَ , قَالَ الْفَرَّاء : وَهِيَ أَيْضًا فِي بَعْض مَصَاحِف الْكُوفِيِّينَ بِسَنَةٍ وَاحِدَة " تَأْتِهِمْ " وَلَمْ يَقْرَأ بِهَا أَحَد مِنْهُمْ. وَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِكَسْرِ أَلِف " إِنْ " وَجَزْم " تَأْتِهِمْ " فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَة ؟ فَيُحْمَل الْخَبَر عَنْ اِنْتِظَار هَؤُلَاءِ الْكُفَّار السَّاعَة مُتَنَاهِيًا عِنْد قَوْله : { إِلَّا السَّاعَة } , ثُمَّ يُبْتَدَأ الْكَلَام فَيُقَال : إِنْ تَأْتِهِمْ السَّاعَة بَغْتَة فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطهَا , فَتَكُون الْفَاء مِنْ قَوْله : { فَقَدْ جَاءَ } بِجَوَابِ الْجَزَاء .

وَقَوْله : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطهَا } يَقُول : فَقَدْ جَاءَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ السَّاعَة وَأَدِلَّتهَا وَمُقَدِّمَاتهَا , وَوَاحِد الْأَشْرَاط : شَرْط , كَمَا قَالَ جَرِير : تَرَى شَرَطَ الْمِعْزَى مُهُور نِسَائِهِمْ وَفِي شُرَط الْمِعْزَى لَهُنَّ مُهُور وَيُرْوَى : " تَرَى قَزَم الْمِعْزَى " , يُقَال مِنْهُ : أَشْرَطَ فُلَان نَفْسه : إِذَا عَلَّمَهَا بِعَلَامَةٍ , كَمَا قَالَ أَوْس بْن حُجْر : فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسه وَهُوَ مُعْصِم وَأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وَتَوَكَّلَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24289 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطهَا } يَعْنِي : أَشْرَاط السَّاعَة . 24290 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَة أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَة } قَدْ دَنَتْ السَّاعَة وَدَنَا مِنْ اللَّه فَرَاغ الْعِبَاد . 24291 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطهَا } قَالَ : أَشْرَاطهَا : آيَاتهَا .

وَقَوْله : { فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمِنْ أَيّ وَجْه لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه ذِكْرَى مَا قَدْ ضَيَّعُوا وَفَرَّطُوا فِيهِ مِنْ طَاعَة اللَّه إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَة , يَقُول : لَيْسَ ذَلِكَ بِوَقْتٍ يَنْفَعهُمْ التَّذَكُّر وَالنَّدَم , لِأَنَّهُ وَقْت مُجَازَاة لَا وَقْت اِسْتِعْتَاب وَلَا اِسْتِعْمَال . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24292 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } يَقُول : إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَة أَنَّى لَهُمْ أَنْ يَتَذَكَّرُوا وَيَعْرِفُوا وَيَعْقِلُوا * -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } قَالَ : أَنَّى لَهُمْ أَنْ يَتَذَكَّرُوا أَوْ يَتُوبُوا إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَة . 24293 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } قَالَ : السَّاعَة , لَا يَنْفَعهُمْ عِنْد السَّاعَة ذِكْرَاهُمْ , وَالذِّكْرَى فِي مَوْضِع رَفْع بِقَوْلِهِ : { فَأَنَّى لَهُمْ } لِأَنَّ تَأْوِيل الْكَلَام : فَأَنَّى لَهُمْ ذِكْرَاهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَة .
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْسورة محمد الآية رقم 19
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاعْلَمْ يَا مُحَمَّد أَنَّهُ لَا مَعْبُود تَنْبَغِي أَوْ تَصْلُح لَهُ الْأُلُوهَة , وَيَجُوز لَك وَلِلْخَلْقِ عِبَادَته , إِلَّا اللَّه الَّذِي هُوَ خَالِق الْخَلْق , وَمَالِك كُلّ شَيْء , يَدِين لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ كُلّ مَا دُونه { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك } وَسَلْ رَبّك غُفْرَان سَالِف ذُنُوبك وَحَادِثهَا , وَذُنُوب أَهْل الْإِيمَان بِك مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء . وَقَدْ : 24294 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَرْجِس , قَالَ : أَكَلْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْت : غَفَرَ اللَّه لَك يَا رَسُول اللَّه , فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم : أَسْتَغْفِر لَك يَا رَسُول اللَّه , قَالَ : " نَعَمْ وَلَك " , ثُمَّ قَرَأَ { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات } .

يَقُول : فَإِنَّ اللَّه يَعْلَم مُتَصَرَّفكُمْ فِيمَا تَتَصَرَّفُونَ فِيهِ فِي يَقَظَتكُمْ مِنْ الْأَعْمَال , وَمَثْوَاكُمْ إِذَا ثَوَيْتُمْ فِي مَضَاجِعكُمْ لِلنَّوْمِ لَيْلًا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ , وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيع ذَلِكَ .
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْسورة محمد الآية رقم 20
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَة فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَة مُحْكَمَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَقُول الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله : هَلَّا نَزَلَتْ سُورَة مِنْ اللَّه تَأْمُرنَا بِجِهَادِ أَعْدَاء اللَّه مِنْ الْكُفَّار { فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَة مُحْكَمَة } يَعْنِي : أَنَّهَا مُحْكَمَة بِالْبَيَانِ وَالْفَرَائِض . وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " فَإِذْ أُنْزِلَتْ سُورَة مُحْدَثَة " .

وَقَوْله : { وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَال } يَقُول : وَذُكِرَ فِيهَا الْأَمْر بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 24295 -حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَة فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَة مُحْكَمَة وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَال } قَالَ : كُلّ سُورَة ذُكِرَ فِيهَا الْجِهَاد فَهِيَ مُحْكَمَة , وَهِيَ أَشَدّ الْقُرْآن عَلَى الْمُنَافِقِينَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَال } قَالَ : كُلّ سُورَة ذُكِرَ فِيهَا الْقِتَال فَهِيَ مُحْكَمَة .

وَقَوْله : { رَأَيْت الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } يَقُول : رَأَيْت الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ شَكّ فِي دِين اللَّه وَضَعْف.

{ يَنْظُرُونَ إِلَيْك } يَا مُحَمَّد , { نَظَر الْمَغْشِيّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْت } , خَوْفًا أَنْ تَغْزِيهِمْ وَتَأْمُرهُمْ بِالْجِهَادِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ , فَهُمْ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ وَتَجَبُّنًا عَنْ لِقَاء الْعَدُوّ يَنْظُرُونَ إِلَيْك نَظَر الْمَغْشِيّ عَلَيْهِ الَّذِي قَدْ صُرِعَ . وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { مِنْ الْمَوْت } مِنْ خَوْف الْمَوْت , وَكَانَ هَذَا فِعْل أَهْل النِّفَاق . كَاَلَّذِي : 24296 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَنْظُرُونَ إِلَيْك نَظَر الْمَغْشِيّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْت } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ , فَلَا يَفْقَهُونَ مَا يَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَوْله : { فَأَوْلَى لَهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَوْلَى لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض . وَقَوْله : { فَأَوْلَى لَهُمْ } وَعِيد تَوَعَّدَ اللَّه بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ . كَمَا : 24297 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { فَأَوْلَى لَهُمْ } قَالَ : هَذِهِ وَعِيد , فَأَوْلَى لَهُمْ , ثُمَّ اِنْقَطَعَ الْكَلَام فَقَالَ : { طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف } . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { فَأَوْلَى لَهُمْ } قَالَ : وَعِيد كَمَا تَسْمَعُونَ.
طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْسورة محمد الآية رقم 21
وَقَوْله : { طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ قِيل هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل سُورَة مُحْكَمَة , وَيُذْكَر فِيهَا الْقِتَال , وَأَنَّهُمْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ : إِنَّ اللَّه مُفْتَرِض عَلَيْكُمْ الْجِهَاد , قَالُوا : سَمْع وَطَاعَة , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ { إِذَا أُنْزِلَتْ سُورَة } وَفُرِضَ الْقِتَال فِيهَا عَلَيْهِمْ , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , وَكَرِهُوهُ { طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف } قَبْل وُجُوب الْفَرْض عَلَيْكُمْ , فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْر كَرِهْتُمُوهُ وَشَقَّ عَلَيْكُمْ . وَقَوْله : { طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف } مَرْفُوع بِمُضْمَرٍ , وَهُوَ قَوْلكُمْ قَبْل نُزُول فَرْض الْقِتَال { طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف } . 24298 - رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس بِإِسْنَادٍ غَيْر مُرْتَضًى أَنَّهُ قَالَ : قَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَأَوْلَى لَهُمْ } ثُمَّ قَالَ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ { طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف } فَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَمَام الْوَعِيد فَأَوْلَى , ثُمَّ يَسْتَأْنِف بَعْد , فَيُقَال لَهُمْ { طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف } فَتَكُون الطَّاعَة مَرْفُوعَة بِقَوْلِهِ : { لَهُمْ } . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ كَمَا : 24299 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف } قَالَ : أَمَرَ اللَّه بِذَلِكَ الْمُنَافِقِينَ .

وَقَوْله : { فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْر } يَقُول : فَإِذَا وَجَبَ الْقِتَال وَجَاءَ أَمْر اللَّه بِفَرْضِ ذَلِكَ كَرِهْتُمُوهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24300 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْر } قَالَ : إِذَا جَدَّ الْأَمْر , هَكَذَا . * - قَالَ مُحَمَّد بْن عَمْرو فِي حَدِيثه , عَنْ أَبِي عَاصِم , وَقَالَ الْحَارِث فِي حَدِيثه , عَنْ الْحَسَن يَقُول : جَدَّ الْأَمْر .

وَقَوْله : { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّه لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَوْ صَدَقُوا اللَّه مَا وَعَدُوهُ قَبْل نُزُول السُّورَة بِالْقِتَالِ بِقَوْلِهِمْ : إِذْ قِيلَ لَهُمْ : إِنَّ اللَّه سَيَأْمُرُكُمْ بِالْقِتَالِ طَاعَة , فَوَفَّوْا لَهُ بِذَلِكَ , لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ فِي عَاجِل دُنْيَاهُمْ , وَآجِل مَعَادهمْ . كَمَا : 24301 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْر } يَقُول : طَوَاعِيَة اللَّه وَرَسُوله , وَقَوْل مَعْرُوف عِنْد حَقَائِق الْأُمُور خَيْر لَهُمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة يَقُول : طَاعَة اللَّه وَقَوْل بِالْمَعْرُوفِ عِنْد حَقَائِق الْأُمُور خَيْر لَهُمْ
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْسورة محمد الآية رقم 22
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ أَنَّهُمْ إِذَا نَزَلَتْ سُورَة مُحْكَمَة , وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَال نَظَرُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَر الْمَغْشِيّ عَلَيْهِ { فَهَلْ عَسَيْتُمْ } أَيّهَا الْقَوْم , يَقُول : فَلَعَلَّكُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ عَنْ تَنْزِيل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَفَارَقْتُمْ أَحْكَام كِتَابه , وَأَدْبَرْتُمْ عَنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّا جَاءَكُمْ بِهِ { أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض } يَقُول : أَنْ تَعْصُوا اللَّه فِي الْأَرْض , فَتَكْفُرُوا بِهِ , وَتَسْفِكُوا فِيهَا الدِّمَاء { وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامكُمْ } وَتَعُودُوا لِمَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ فِي جَاهِلِيَّتكُمْ مِنْ التَّشَتُّت وَالتَّفَرُّق بَعْد مَا قَدْ جَمَعَكُمْ اللَّه بِالْإِسْلَامِ , وَأَلَّفَ بِهِ بَيْن قُلُوبكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24302 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ } . .. الْآيَة . يَقُول : فَهَلْ عَسَيْتُمْ كَيْف رَأَيْتُمْ الْقَوْم حِين تَوَلَّوْا عَنْ كِتَاب اللَّه , أَلَمْ يَسْفِكُوا الدَّم الْحَرَام , وَقَطَّعُوا الْأَرْحَام , وَعَصَوْا الرَّحْمَن . 24303 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامكُمْ } قَالَ : فَعَلُوا . 24304 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَسُلَيْمَان بْن بِلَال , قَالَا : ثَنَا مُعَاوِيَة ابْن أَبِي الْمُزَرِّد الْمَدِينِيّ , عَنْ سَعِيد بْن يَسَار , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " خَلَقَ اللَّه الْخَلْق , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ تَعَلَّقَتْ الرَّحِم بِحَقْوِ الرَّحْمَن " فَقَالَ مَهْ : فَقَالَتْ : هَذَا مَقَام الْعَائِذ بِك مِنْ الْقَطِيعَة , قَالَ : أَفَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَقْطَع مَنْ قَطَعَك , وَأَصِل مَنْ وَصَلَك ؟ قَالَتْ : نَعَمْ , قَالَ : فَذَلِكَ لَك . قَالَ سُلَيْمَان فِي حَدِيثه : قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامكُمْ } وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضهمْ : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أُمُور النَّاس أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بِمَعْنَى الْوِلَايَة , وَأَجْمَعَتْ الْقُرَّاء غَيْر نَافِع عَلَى فَتْح السِّين مِنْ { عَسَيْتُمْ } , وَكَانَ نَافِع يَكْسِرهَا " عَسِيتُمْ " . وَالصَّوَاب عِنْدنَا قِرَاءَة ذَلِكَ بِفَتْحِ السِّين لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا , وَأَنَّهُ لَمْ يُسْمَع فِي الْكَلَام : عَسِيَ أَخُوك يَقُوم , بِكَسْرِ السِّين وَفَتْح الْيَاء ; وَلَوْ كَانَ صَوَابًا كَسَرَهَا إِذَا اِتَّصَلَ بِهَا مُكَنًّى , جَاءَتْ بِالْكَسْرِ مَعَ غَيْر الْمُكَنَّى , وَفِي إِجْمَاعهمْ عَلَى فَتْحهَا مَعَ الِاسْم الظَّاهِر , الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّهَا كَذَلِكَ مَعَ الْمُكَنَّى , وَإِنَّ الَّتِي تَلِي عَسَيْتُمْ مَكْسُورَة , وَهِيَ حَرْف حَزَّاء , و " أَنَّ " الَّتِي مَعَ تُفْسِدُوا فِي مَوْضِع نَصْب بِعَسَيْتُمْ .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْسورة محمد الآية رقم 23
وَقَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ هَذَا , يَعْنِي الَّذِينَ يُفْسِدُونَ وَيُقَطِّعُونَ الْأَرْحَام الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّه , فَأَبْعَدَهُمْ مِنْ رَحْمَته .

قَوْل : فَسَلَبَهُمْ فَهُمْ مَا يَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ مِنْ مَوَاعِظ اللَّه فِي تَنْزِيله .

يَقُول : وَسَلَبَهُمْ عُقُولهمْ , فَلَا يَتَبَيَّنُونَ حُجَج اللَّه , وَلَا يَتَذَكَّرُونَ مَا يَرَوْنَ مِنْ عِبَره وَأَدِلَّته .
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَاسورة محمد الآية رقم 24
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَلَا يَتَدَبَّر هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مَوَاعِظ اللَّه الَّتِي يَعِظهُمْ بِهَا فِي آي الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَيَتَفَكَّرُونَ فِي حُجَجه الَّتِي بَيَّنَهَا لَهُمْ فِي تَنْزِيله فَيَعْلَمُوا بِهَا خَطَأ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ { أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالهَا } يَقُول : أَمْ أَقْفَلَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ فَلَا يَعْقِلُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه مِنْ الْمَوَاعِظ وَالْعِبَر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24305 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالهَا } إِذًا وَاَللَّه يَجِدُونَ فِي الْقُرْآن زَاجِرًا عَنْ مَعْصِيَة اللَّه , لَوْ تَدَبَّرَهُ الْقَوْم فَعَقَلُوهُ , وَلَكِنَّهُمْ أَخَذُوا بِالْمُتَشَابِهِ فَهَلَكُوا عِنْد ذَلِكَ . 24306 -حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن حَفْص الْأَيْلِيّ , قَالَ : ثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ ثَوْر بْن يَزِيد , عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان , قَالَ : مَا مِنْ آدَمِيّ إِلَّا وَلَهُ أَرْبَع أَعْيُن : عَيْنَانِ فِي رَأْسه لِدُنْيَاهُ , وَمَا يُصْلِحهُ مِنْ مَعِيشَته , وَعَيْنَانِ فِي قَلْبه لِدِينِهِ , وَمَا وَعَدَ اللَّه مِنْ الْغَيْب , فَإِذَا أَرَادَ اللَّه بِعَبْدٍ خَيْرًا أَبْصَرَتْ عَيْنَاهُ اللَّتَانِ فِي قَلْبه , وَإِذَا أَرَادَ اللَّه بِهِ غَيْر ذَلِكَ طُمِسَ عَلَيْهِمَا , فَذَلِكَ قَوْله : { أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالهَا } . * -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا ثَوْر بْن يَزِيد , قَالَ : ثَنَا خَالِد بْن مَعْدَان , قَالَ : مَا مِنْ النَّاس أَحَد إِلَّا وَلَهُ أَرْبَع أَعْيُن , عَيْنَانِ فِي وَجْهه لِمَعِيشَتِهِ , وَعَيْنَانِ فِي قَلْبه , وَمَا مِنْ أَحَد إِلَّا وَلَهُ شَيْطَان مُتَبَطِّن فَقَار ظَهْره , عَاطِف عُنُقه عَلَى عُنُقه , فَاغِر فَاهُ إِلَى ثَمَرَة قَلْبه , فَإِذَا أَرَادَ اللَّه بِعَبْدٍ خَيْرًا أَبْصَرَتْ عَيْنَاهُ اللَّتَانِ فِي قَلْبه مَا وَعَدَ اللَّه مِنْ الْغَيْب , فَعَمِلَ بِهِ , وَهُمَا غَيْب , فَعَمِلَ بِالْغَيْبِ , وَإِذَا أَرَادَ اللَّه بِعَبْدٍ شَرًّا تَرَكَهُ , ثُمَّ قَرَأَ { أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالهَا } . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا الْحَكَم , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , عَنْ ثَوْر , عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : تَرْك الْقَلْب عَلَى مَا فِيهِ . 24307 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد بْن زَيْد , قَالَ : ثَنَا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالهَا } فَقَالَ شَابّ مِنْ أَهْل الْيَمَن : بَلْ عَلَيْهَا أَقْفَالهَا , حَتَّى يَكُون اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَفْتَحهَا أَوْ يُفَرِّجهَا , فَمَا زَالَ الشَّابّ فِي نَفْس عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَتَّى وَلِيَ فَاسْتَعَانَ بِهِ .
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْسورة محمد الآية رقم 25
وَقَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ اِرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارهمْ مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى } يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الَّذِينَ رَجَعُوا الْقَهْقَرَى عَلَى أَعْقَابهمْ كُفَّارًا بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ وَقَصْد السَّبِيل , فَعَرَفُوا وَاضِح الْحُجَّة , ثُمَّ آثَرُوا الضَّلَال عَلَى الْهُدَى عِنَادًا لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره مِنْ بَعْد الْعِلْم . كَمَا : 24308 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ اِرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارهمْ مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى } هُمْ أَعْدَاء اللَّه أَهْل الْكِتَاب , يَعْرِفُونَ بَعْث مُحَمَّد نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه عِنْدهمْ , ثُمَّ يَكْفُرُونَ بِهِ . 24309 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى } إِنَّهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ أَهْل النِّفَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24310 -حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { إِنَّ الَّذِينَ اِرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارهمْ } ... إِلَى قَوْله { فَأَحْبَطَ أَعْمَالهمْ } هُمْ أَهْل النِّفَاق . 24311 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ اِرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارهمْ } . .. إِلَى { إِسْرَارهمْ } هُمْ أَهْل النِّفَاق . وَهَذِهِ الصِّفَة بِصِفَةِ أَهْل النِّفَاق عِنْدنَا , أَشْبَه مِنْهَا بِصِفَةِ أَهْل الْكِتَاب , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّ رِدَّتهمْ كَانَتْ بِقِيلِهِمْ { لِلَّذِينَ كَرِهُوا , مَا نَزَّلَ اللَّه سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْض الْأَمْر } 47 26 . وَلَوْ كَانَتْ مِنْ صِفَة أَهْل الْكِتَاب , لَكَانَ فِي وَصْفهمْ بِتَكْذِيبِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِفَايَة مِنْ الْخَبَر عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا اِرْتَدُّوا مِنْ أَجْل قِيلهمْ مَا قَالُوا .

وَقَوْله : { الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الشَّيْطَان زَيَّنَ لَهُمْ اِرْتِدَادهمْ عَلَى أَدْبَارهمْ , مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24312 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ } يَقُول : زَيَّنَ لَهُمْ . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { سَوَّلَ لَهُمْ } يَقُول : زَيَّنَ لَهُمْ .

وَقَوْله : { وَأَمْلَى لَهُمْ } يَقُول : وَمَدَّ اللَّه لَهُمْ فِي آجَالهمْ مُلَاوَة مِنْ الدَّهْر , وَمَعْنَى الْكَلَام : الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُمْ , وَاَللَّه أَمْلَى لَهُمْ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْكُوفَة { وَأَمْلَى لَهُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْهَا بِمَعْنَى : وَأَمْلَى اللَّه لَهُمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة " وَأُمْلِيَ لَهُمْ " عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَقَرَأَ مُجَاهِد فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ " وَأُمْلِيَ " بِضَمِّ الْأَلِف وَإِرْسَال الْيَاء عَلَى وَجْه الْخَيْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ نَفْسه أَنَّهُ يَفْعَل ذَلِكَ بِهِمْ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَات بِالصَّوَابِ , الَّتِي عَلَيْهَا عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْكُوفَة مِنْ فَتْح الْأَلِف فِي ذَلِكَ , لِأَنَّهَا الْقِرَاءَة الْمُسْتَفِيضَة فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , وَإِنْ كَانَ يَجْمَعهَا مَذْهَب تَتَقَارَب مَعَانِيهَا فِيهِ .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْسورة محمد الآية رقم 26
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّه سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْض الْأَمْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْلَى اللَّه لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَتَرَكَهُمْ , وَالشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُمْ , فَلَمْ يُوَفِّقهُمْ لِلْهُدَى مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ { قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّه } مِنْ الْأَمْر بِقِتَالِ أَهْل الشِّرْك بِهِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ : { سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْض الْأَمْر } الَّذِي هُوَ خِلَاف لِأَمْرِ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى , وَأَمْر رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَمَا : 24313 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّه سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْض الْأَمْر } فَهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه يَعْلَم إِسْرَار هَذَيْنِ الْحِزْبَيْنِ الْمُتَظَاهِرَيْنِ مِنْ أَهْل النِّفَاق , عَلَى خِلَاف أَمْر اللَّه وَأَمْر رَسُوله , إِذْ يَتَسَارُّونَ فِيمَا بَيْنهمْ بِالْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَمَعْصِيَة الرَّسُول , وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا غَيْره مِنْ الْأُمُور كُلّهَا . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة " أَسْرَارهمْ " بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ أَسْرَارهمْ عَلَى وَجْه جِمَاع سِرّ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة { إِسْرَارهُمْ } بِكَسْرِ الْأَلِف عَلَى أَنَّهُ مَصْدَر مِنْ أَسْرَرْت إِسْرَارًا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْسورة محمد الآية رقم 27
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكَيْف إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَة يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه يَعْلَم إِسْرَار هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ , فَكَيْف لَا يَعْلَم حَالهمْ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَة , وَهُمْ يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ , يَقُول : فَحَالهمْ أَيْضًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَيَعْنِي بِالْأَدْبَارِ : الْأَعْجَاز , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْسورة محمد الآية رقم 28
وَقَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اِتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَفْعَل الْمَلَائِكَة هَذَا الَّذِي وَصَفْت بِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ اِتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّه , فَأَغْضَبَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَة الشَّيْطَان { وَكَرِهُوا رِضْوَانه } يَقُول : وَكَرِهُوا مَا يُرْضِيه عَنْهُمْ مِنْ قِتَال الْكُفَّار بِهِ , بَعْد مَا اِفْتَرَضَهُ عَلَيْهِمْ .


وَقَوْله : { فَأَحْبَطَ أَعْمَالهمْ } يَقُول : فَأَبْطَلَ اللَّه ثَوَاب أَعْمَالهمْ وَأَذْهَبَهُ , لِأَنَّهَا عَمِلَتْ فِي غَيْر رِضَاهُ وَلَا مَحَبَّته , فَبَطَلَتْ , وَلَمْ تَنْفَع عَامِلهَا.
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْسورة محمد الآية رقم 29
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض أَنْ لَنْ يُخْرِج اللَّه أَضْغَانهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَحَسِبَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ شَكّ فِي دِينهمْ , وَضَعْف فِي يَقِينهمْ , فَهُمْ حَيَارَى فِي مَعْرِفَة الْحَقّ أَنْ لَنْ يُخْرِج اللَّه مَا فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْأَضْغَان عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , فَيُبْدِيه لَهُمْ وَيُظْهِرهُ , حَتَّى يَعْرِفُوا نِفَاقهمْ , وَحِيرَتهمْ فِي دِينهمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24314 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض أَنْ لَنْ يُخْرِج اللَّه أَضْغَانهمْ } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هُمْ أَهْل النِّفَاق , وَقَدْ عَرَّفَهُ إِيَّاهُمْ فِي بَرَاءَة , فَقَالَ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا , وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْره } 9 84 وَقَالَ : { قُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا } 9 83 . 24315 -حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } . .. الْآيَة , هُمْ أَهْل النِّفَاق { فَلَعَرَفْتهمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُم فِي لَحْن الْقَوْل } فَعَرَّفَهُ اللَّه إِيَّاهُمْ فِي سُورَة بَرَاءَة , فَقَالَ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا } 9 84 . وَقَالَ { قُلْ لَنْ تَنْفِرُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا } 9 83 . 24316 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض أَنْ لَنْ يُخْرِج اللَّه أَضْغَانهمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ , قَالَ : وَاَلَّذِي أَسَرُّوا مِنْ النِّفَاق هُوَ الْكُفْر . 24317 -قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتهمْ بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ , قَالَ : وَقَدْ أَرَاهُ اللَّه إِيَّاهُمْ , وَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْمَسْجِد , قَالَ : فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ تَمَسَّكُوا بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه ; فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا أَنْ تَمَسَّكُوا بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه حُقِنَتْ دِمَاؤُهُمْ , وَنَكَحُوا وَنُوكِحُوا بِهَا .
وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْسورة محمد الآية رقم 30
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ نَشَاء يَا مُحَمَّد لَعَرَّفْنَاك هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى تَعْرِفهُمْ مِنْ قَوْل الْقَائِل : سَأُرِيك مَا أَصْنَع , بِمَعْنَى سَأُعَلِّمُك.

وَقَوْله : { فَلَعَرَفْتهمْ بِسِيمَاهُمْ } يَقُول : فَلَتَعْرِفَنَّهُم بِعَلَامَاتِ النِّفَاق الظَّاهِرَة مِنْهُمْ فِي فَحْوَى كَلَامهمْ , وَظَاهِر أَفْعَالهمْ , ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَرَّفَهُ إِيَّاهُمْ .

وَقَوْله : { وَلَتَعْرِفَنَّهُم فِي لَحْن الْقَوْل } يَقُول : وَلَتَعْرِفَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ فِي مَعْنَى قَوْلهمْ نَحْوه . 24318 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فِي لَحْن الْقَوْل } قَالَ قَوْلهمْ : { وَاَللَّه يَعْلَم أَعْمَالكُمْ } لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْعَامِل مِنْكُمْ بِطَاعَتِهِ , وَالْمُخَالِف ذَلِكَ , وَهُوَ مُجَازِي جَمِيعكُمْ عَلَيْهَا .
الصفحة 1الصفحة 2