الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًاسورة الأحزاب الآية رقم 1
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ اتَّقِ اللَّه وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ اتَّقِ اللَّهَ } بِطَاعَتِهِ , وَأَدَاء فَرَائِضه , وَوَاجِب حُقُوقه عَلَيْك , وَالِانْتِهَاء عَنْ مَحَارِمه , وَانْتِهَاك حُدُوده { وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ } الَّذِينَ يَقُولُونَ لَك : اطْرُدْ عَنْك أَتْبَاعك مِنْ ضُعَفَاء الْمُؤْمِنِينَ بِك حَتَّى نُجَالِسَك { وَالْمُنَافِقِينَ } الَّذِينَ يُظْهِرُونَ لَك الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَالنَّصِيحَةَ لَك , وَهُمْ لَا يَأْلُونَك وَأَصْحَابَك وَدِينَك خَبَالًا , فَلَا تَقْبَل مِنْهُمْ رَأْيًا , وَلَا تَسْتَشِرْهُمْ مُسْتَنْصِحًا بِهِمْ , فَإِنَّهُمْ لَك أَعْدَاء { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْم بِمَا تُضْمِرهُ نُفُوسهمْ , وَمَا الَّذِي يَقْصِدُونَ فِي إِظْهَارهمْ لَك النَّصِيحَةَ , مَعَ الَّذِي يَنْطَوُونَ لَك عَلَيْهِ , حَكِيم فِي تَدْبِير أَمْرك وَأَمْر أَصْحَابك وَدِينك , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ تَدْبِير جَمِيع خَلْقه . { وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْك مِنْ رَبّك } يَقُول : وَاعْمَلْ بِمَا يُنْزِل اللَّه عَلَيْك مِنْ وَحْيه , وَآيِ كِتَابه { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَل بِهِ أَنْتَ وَأَصْحَابك مِنْ هَذَا الْقُرْآن , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوركُمْ وَأُمُور عِبَاده { خَبِيرًا } أَيْ ذَا خِبْرَة , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنَ الْجَزَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْك مِنْ رَبّك } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21575 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْك مِنْ رَبّك } أَيْ هَذَا الْقُرْآن { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } .
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًاسورة الأحزاب الآية رقم 2
{ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْك مِنْ رَبّك } يَقُول : وَاعْمَلْ بِمَا يُنَزِّل اللَّه عَلَيْك مِنْ وَحْيه , وَآيِ كِتَابه { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَل بِهِ أَنْتَ وَأَصْحَابك مِنْ هَذَا الْقُرْآن , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوركُمْ وَأُمُور عِبَاده { خَبِيرًا } أَيْ ذَا خِبْرَة , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنَ الْجَزَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْك مِنْ رَبّك } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21575 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْك مِنْ رَبّك } أَيْ هَذَا الْقُرْآنَ { إِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } .
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاسورة الأحزاب الآية رقم 3
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَفَوِّضْ إِلَى اللَّه أَمْرك يَا مُحَمَّد , وَثِقْ بِهِ { وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا } يَقُول : وَحَسْبك بِاللَّهِ فِيمَا يَأْمُرك وَكِيلًا , وَحَفِيظًا بِك .
مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّلائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَسورة الأحزاب الآية رقم 4
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفه } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُرَاد مِنْ قَوْل اللَّه { مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفه } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ تَكْذِيبَ قَوْم مِنْ أَهْل النِّفَاق , وَصَفُوا نَبِيَّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ ذُو قَلْبَيْنِ , فَنَفَى اللَّه ذَلِكَ عَنْ نَبِيّه , وَكَذَّبَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21576 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن نُفَيْل , قَالَ : ثنا زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة , عَنْ قَابُوس بْن أَبِي ظَبْيَان أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ , قَالَ : قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاس : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه { مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفه } مَا عَنَى بِذَلِكَ ؟ قَالَ : قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَصَلَّى , فَخَطَرَ خَطْرَة فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ مَعَهُ : إِنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ , قَلْبًا مَعَكُمْ , وَقَلْبًا مَعَهُمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفه } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : رَجُل مِنْ قُرَيْش كَانَ يُدْعَى ذَا الْقَلْبَيْنِ مِنْ دِهْيِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21577 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفه } قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ قُرَيْش يُسَمَّى مِنْ دِهْيِهِ ذَا الْقَلْبَيْنِ , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذَا فِي شَأْنه . 21578 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفه } قَالَ : إِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْر , قَالَ : إِنَّ فِي جَوْفِي قَلْبَيْنِ , أَعْقِل بِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا أَفْضَل مِنْ عَقْل مُحَمَّد " وَكَذَبَ " . 21579 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفه } قَالَ قَتَادَة : كَانَ رَجُل عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمَّى ذَا الْقَلْبَيْنِ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ. 21580 - قَالَ قَتَادَة : وَكَانَ الْحَسَن يَقُول : كَانَ رَجُل يَقُول : لِي نَفْس تَأْمُرنِي , وَنَفْس تَنْهَانِي , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ. 21581 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ رَجُل يُسَمَّى ذَا الْقَلْبَيْنِ , فَنَزَلَتْ { مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفه } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ زَيْد بْن حَارِثَة مِنْ أَجْل أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَبَنَّاهُ , فَضَرَبَ اللَّه بِذَلِكَ مَثَلًا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21582 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , فِي قَوْله : { مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفه } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَيْد بْن حَارِثَة , ضَرَبَ لَهُ مَثَلًا يَقُول : لَيْسَ ابْن رَجُل آخَر ابْنك . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : ذَلِكَ تَكْذِيب مِنَ اللَّه تَعَالَى قَوْل مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي جَوْفه قَلْبَانِ يَعْقِل بِهِمَا , عَلَى النَّحْو الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْن عَبَّاس وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ تَكْذِيبًا مِنَ اللَّه لِمَنْ وَصَفَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , وَأَنْ يَكُونَ تَكْذِيبًا لِمَنْ سَمَّى الْقُرَشِيّ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ سُمِّيَ ذَا الْقَلْبَيْنِ مِنْ دِهْيِهِ , وَأَيّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فَهُوَ نَفْي مِنَ اللَّه عَنْ خَلْقه مِنْ الرِّجَال أَنْ يَكُونُوا بِتِلْكَ الصِّفَة.

وَقَوْله : { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَمْ يَجْعَل اللَّه أَيّهَا الرِّجَال نِسَاءَكُمْ اللَّائِي تَقُولُونَ لَهُنَّ : أَنْتُنَّ عَلَيْنَا كَظُهُورِ أُمَّهَاتنَا أُمَّهَاتكُمْ , بَلْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلكُمْ كَذِبًا , وَأَلْزَمَكُمْ عُقُوبَة لَكُمْ كَفَّارَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21583 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتكُمْ } : أَيْ مَا جَعَلَهَا أُمَّك فَإِذَا ظَاهَرَ الرَّجُل مِنْ امْرَأَته , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلهَا أُمّه , وَلَكِنْ جَعَلَ فِيهَا الْكَفَّارَة .


وَقَوْله : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } يَقُول : وَلَمْ يَجْعَل اللَّه مَنْ ادَّعَيْت أَنَّهُ ابْنَك , وَهُوَ ابْن غَيْرك ابْنَك بِدَعْوَاك , وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل تَبَنِّيه زَيْد بْن حَارِثَة . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 21584 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي زَيْد بْن حَارِثَة . 21585 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } قَالَ : كَانَ زَيْد بْن حَارِثَة حِين مَنّ اللَّه وَرَسُوله عَلَيْهِ , يُقَال لَهُ : زَيْد بْن مُحَمَّد , كَانَ تَبَنَّاهُ , فَقَالَ اللَّه : { مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالكُمْ } 33 40 قَالَ : وَهُوَ يَذْكُر الْأَزْوَاج وَالْأُخْت , فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْأَزْوَاجَ لَمْ تَكُنْ بِالْأُمَّهَاتِ أُمَّهَاتكُمْ , وَلَا أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ . 21586 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } وَمَا جَعَلَ دَعِيّك ابْنَك , يَقُول : إِذَا ادَّعَى رَجُل رَجُلًا وَلَيْسَ بِابْنِهِ { ذَلِكُمْ قَوْلكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ } ... الْآيَة . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْر أَبِيهِ مُتَعَمِّدًا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة " . 21587 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ أَشْعَث , عَنْ عَامِر , قَالَ : لَيْسَ فِي الْأَدْعِيَاء زَيْد .

وَقَوْله { ذَلِكُمْ قَوْلكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره هَذَا الْقَوْل وَهُوَ قَوْل الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي , وَدُعَاؤُهُ مَنْ لَيْسَ بِابْنِهِ أَنَّهُ ابْنه , إِنَّمَا هُوَ قَوْلكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ لَا حَقِيقَة لَهُ , لَا يَثْبُت بِهَذِهِ الدَّعْوَى نَسَب الَّذِي ادُّعِيَتْ بُنُوَّته , وَلَا تَصِير الزَّوْجَة أُمًّا بِقَوْلِ الرَّجُل لَهَا : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي { وَاللَّه يَقُول الْحَقَّ } يَقُول : وَاللَّه هُوَ الصَّادِق الَّذِي يَقُول الْحَقَّ , وَبِقَوْلِهِ يَثْبُت نَسَب مَنْ أَثْبَت نَسَبَهُ , وَبِهِ تَكُون الْمَرْأَة لِلْمَوْلُودِ , أَمَّا إِذَا حَكَمَ بِذَلِكَ { وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه يُبَيِّن لِعِبَادِهِ سَبِيلَ الْحَقّ , وَيُرْشِدهُمْ لِطَرِيقِ الرَّشَاد .
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًاسورة الأحزاب الآية رقم 5
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَط عِنْدَ اللَّه فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين وَمَوَالِيكُمْ } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : انْسُبُوا أَدْعِيَاءَكُمْ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ أَنْسَابَهُمْ بِكُمْ لِآبَائِهِمْ . يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلْحِقْ نَسَبَ زَيْد بِأَبِيهِ حَارِثَة , وَلَا تَدْعُهُ زَيْد بْن مُحَمَّد . وَقَوْله { هُوَ أَقْسَط عِنْدَ اللَّه } يَقُول : دُعَاؤُكُمْ إِيَّاهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَعْدَل عِنْد اللَّه , وَأَصْدَق وَأَصْوَب مِنْ دُعَائِكُمْ إِيَّاهُمْ لِغَيْرِ آبَائِهِمْ وَنِسْبَتُكُمُوهُم إِلَى مَنْ تَبَنَّاهُمْ وَادَّعَاهُمْ وَلَيْسُوا لَهُ بَنِينَ . كَمَا : 21588 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَط عِنْد اللَّه } : أَيْ أَعْدَل عِنْدَ اللَّه , وَقَوْله : { فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين وَمَوَالِيكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاس لَمْ تَعْلَمُوا آبَاء أَدْعِيَائِكُمْ مَنْ هُمْ فَتَنْسُبُوهُمْ إِلَيْهِمْ , وَلَمْ تَعْرِفُوهُمْ , فَتُلْحِقُوهُمْ بِهِمْ , { فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين } يَقُول : فَهُمْ إِخْوَانكُمْ فِي الدِّين , إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْل مِلَّتكُمْ , وَمَوَالِيكُمْ إِنْ كَانُوا مُحَرَّرِيكُمْ وَلَيْسُوا بِبَنِيكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21589 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَط عِنْدَ اللَّه } : أَيْ أَعْدَل عِنْدَ اللَّه { فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين وَمَوَالِيكُمْ } فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا مَنْ أَبُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك . 21590 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ عُيَيْنَةَ بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرَة : قَالَ اللَّه { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَط عِنْدَ اللَّه فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين وَمَوَالِيكُمْ } فَأَنَا مِمَّنْ لَا يُعْرَف أَبُوهُ , وَأَنَا مِنْ إِخْوَانكُمْ فِي الدِّين , قَالَ : قَالَ أَبِي : وَاللَّه إِنِّي لَأَظُنّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ حَمَّارًا لَانْتَمَى إِلَيْهِ .

وَقَوْله : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } يَقُول : وَلَا حَرَج عَلَيْكُمْ وَلَا وِزْر فِي خَطَأ يَكُون مِنْكُمْ فِي نِسْبَة بَعْض مَنْ تَنْسُبُونَهُ إِلَى أَبِيهِ , وَأَنْتُمْ تَرَوْنَهُ ابْن مَنْ يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ , وَهُوَ ابْن لِغَيْرِهِ { وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبكُمْ } يَقُول : وَلَكِنَّ الْإِثْمَ وَالْحَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي نِسْبَتِكُمُوهُ إِلَى غَيْر أَبِيهِ , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَهُ ابْن غَيْر مَنْ تَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21591 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } يَقُول : إِذَا دَعَوْت الرَّجُلَ لِغَيْرِ أَبِيهِ , وَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ { وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبكُمْ } يَقُول اللَّه : لَا تَدْعُهُ لِغَيْرِ أَبِيهِ مُتَعَمِّدًا . أَمَّا الْخَطَأ فَلَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِهِ وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبكُمْ. 21592 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { تَعَمَّدَتْ قُلُوبكُمْ } قَالَ : فَالْعَمْد مَا أَتَى بَعْد الْبَيَان وَالنَّهْي فِي هَذَا وَغَيْره. و " مَا " الَّتِي فِي قَوْله { وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبكُمْ } خُفِضَ رَدًّا عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله { فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ , وَلَكِنْ فِيمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبكُمْ .


وَقَوْله : { وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ اللَّه ذَا سِتْر عَلَى ذَنْب مَنْ ظَاهَرَ زَوْجَته فَقَالَ الْبَاطِل وَالزُّور مِنَ الْقَوْل , وَذَنْب مَنْ ادَّعَى وَلَد غَيْره ابْنًا لَهُ , إِذَا تَابَا وَرَاجَعَا أَمْر اللَّه , وَانْتَهَيَا عَنْ قِيلِ الْبَاطِل بَعْد أَنْ نَهَاهُمَا رَبُّهُمَا عَنْهُ ذَا رَحْمَة بِهِمَا أَنْ يُعَاقِبهُمَا عَلَى ذَلِكَ بَعْد تَوْبَتهمَا مِنْ خَطِيئَتهمَا .
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًاسورة الأحزاب الآية رقم 6
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : النَّبِيّ مُحَمَّد أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ , يَقُول : أَحَقّ بِالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ , أَنْ يَحْكُم فِيهِمْ بِمَا يَشَاء مِنْ حُكْم , فَيَجُوز ذَلِكَ عَلَيْهِمْ . كَمَا : 21593 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد { النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ } كَمَا أَنْتَ أَوْلَى بِعَبْدِك مَا قَضَى فِيهِمْ مِنْ أَمْر جَازَ , كَمَا كُلَّمَا قَضَيْت عَلَى عَبْدك جَازَ . 2194 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : هُوَ أَبٌ لَهُمْ. 21595 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن عُمَر , قَالَ : ثنا فُلَيْح , عَنْ هِلَال بْن عَلِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عَمْرَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ مُؤْمِن إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاس بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } وَأَيّمَا مُؤْمِن تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَعَصَبَته مَنْ كَانُوا , وَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي وَأَنَا مَوْلَاهُ " . 21596 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَسَن بْن عَلِيّ , عَنْ أَبِي مُوسَى إِسْرَائِيل بْن مُوسَى , قَالَ : قَرَأَ الْحَسَن هَذِهِ الْآيَة { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ , وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتُهُمْ } قَالَ : قَالَ الْحَسَن : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِن مِنْ نَفْسه " قَالَ الْحَسَن : وَفِي الْقِرَاءَة الْأُولَى : " أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ , وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ " . 21597 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ فِي بَعْض الْقِرَاءَة : " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ " وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَيّمَا رَجُل تَرَكَ ضَيَاعًا فَأَنَا أَوْلَى بِهِ , وَإِنْ تَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ " .

وَقَوْله : { وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتهمْ } يَقُول : وَحُرْمَة أَزْوَاجه حُرْمَة أُمَّهَاتهمْ عَلَيْهِمْ , فِي أَنَّهُنَّ يَحْرُم عَلَيْهِنَّ نِكَاحهنَّ مِنْ بَعْد وَفَاته , كَمَا يَحْرُم عَلَيْهِمْ نِكَاح أُمَّهَاتهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21598 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتهمْ } يُعَظِّم بِذَلِكَ حَقّهنَّ , وَفِي بَعْض الْقِرَاءَة : " وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ " . 21599 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتهمْ } مُحَرَّمَات عَلَيْهِمْ .


وَقَوْله : { وَأُولُوا الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَأُولُوا الْأَرْحَام الَّذِينَ وَرِثَتْ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , هُمْ أَوْلَى بِمِيرَاثِ بَعْض مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ أَنْ يَرِث بَعْضهمْ بَعْضًا , بِالْهِجْرَةِ وَالْإِيمَان دُون الرَّحِم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21600 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأُولُوا الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ } لَبِثَ الْمُسْلِمُونَ زَمَانًا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ , وَالْأَعْرَابِيّ الْمُسْلِم لَا يَرِث مِنْ الْمُهَاجِرِينَ شَيْئًا , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة , فَخَلَطَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , فَصَارَتْ الْمَوَارِيث بِالْمِلَلِ . 21601 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ آخَى بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار أَوَّل مَا كَانَتْ الْهِجْرَة , وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ عَلَى ذَلِكَ , وَقَالَ اللَّه { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبهمْ } 4 33 قَالَ : إِذَا لَمْ يَأْتِ رَحِم لِهَذَا يَحُول دُونهمْ , قَالَ : فَكَانَ هَذَا أَوَّلًا , فَقَالَ اللَّه : { إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } يَقُول : إِلَّا أَنْ تُوصُوا لَهُمْ { كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَاب مَسْطُورًا } أَنَّ أُولِي الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه , قَالَ : وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُهَاجِرُونَ لَا يَتَوَارَثُونَ إِنْ كَانُوا أُولِي رَحِم , حَتَّى يُهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَة , وَقَرَأَ قَالَ اللَّه : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } 8 72 إِلَى قَوْله { وَفَسَاد كَبِير } 8 73 فَكَانُوا لَا يَتَوَارَثُونَ , حَتَّى إِذَا كَانَ عَام الْفَتْح , انْقَطَعَتْ الْهِجْرَة , وَكَثُرَ الْإِسْلَام , وَكَانَ لَا يُقْبَل مِنْ أَحَد أَنْ يَكُون عَلَى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ وَمَنْ مَعَهُ إِلَّا أَنْ يُهَاجِر ; قَالَ : وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ بَعَثَ : " اغْدُوا عَلَى اسْم اللَّه لَا تَغْلُوا وَلَا تَوَلَّوْا , ادْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَام , فَإِنْ أَجَابُوكُمْ فَاقْبَلُوا وَادْعُوهُمْ إِلَى الْهِجْرَة , فَإِذَا هَاجَرُوا مَعَكُمْ , فَلَهُمْ مَا لَكُمْ , وَعَلَيْكُمْ , فَإِنْ أَبَوْا وَلَمْ يُهَاجِرُوا وَاخْتَارُوا دَارهمْ فَأَقِرُّوهُمْ فِيهَا , فَهُمْ كَالْأَعْرَابِ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَام الْإِسْلَام , وَلَيْسَ لَهُمْ فِي هَذَا الْفَيْء نَصِيب " . قَالَ : فَلَمَّا جَاءَ الْفَتْح , وَانْقَطَعَتْ الْهِجْرَة , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح " وَكَثُرَ الْإِسْلَام , وَتَوَارَثَ النَّاس عَلَى الْأَرْحَام حَيْثُ كَانُوا , وَنَسَخَ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ , وَكَانَ لَهُمْ فِي الْفَيْء نَصِيب , وَإِنْ أَقَامُوا وَأَبَوْا , وَكَانَ حَقّهمْ فِي الْإِسْلَام وَاحِدًا , الْمُهَاجِر وَغَيْر الْمُهَاجِر وَالْبَدْوِيّ وَكُلّ أَحَد , حِين جَاءَ الْفَتْح . فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : وَأُولُوا الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ بِبَعْضِهِمْ أَنْ يَرِثُوهُمْ بِالْهِجْرَةِ , وَقَدْ يَحْتَمِل ظَاهِر هَذَا الْكَلَام أَنْ يَكُونَ مِنْ صِلَة الْأَرْحَام مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ , أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ , مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِن , وَلَمْ يُهَاجِر .

وَقَوْله : { إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِلَّا أَنْ تُوصُوا لِذَوِي قَرَابَتكُمْ مِنْ غَيْر أَهْل الْإِيمَان وَالْهِجْرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21602 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ سَالِم , عَنِ ابْن الْحَنَفِيَّة { إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } قَالُوا : يُوصِي لِقَرَابَتِهِ مِنْ أَهْل الشِّرْك . 21603 - قَالَ : ثنا عَبْدَة , قَالَ : قَرَأْت عَلَى ابْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة { إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } قَالَ : لِلْقَرَابَةِ مِنْ أَهْل الشِّرْك وَصِيَّة , وَلَا مِيرَاثَ لَهُمْ . * حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } قَالَ : إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مِنْ أَهْل الشِّرْك وَصِيَّة , وَلَا مِيرَاثَ لَهُمْ . 21604 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ وَيَحْيَى بْن آدَم , عَنِ ابْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ عِكْرِمَة { إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } قَالَ : وَصِيَّة . 21605 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : مَا قَوْله { إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } فَقَالَ : الْعَطَاء , فَقُلْت لَهُ : الْمُؤْمِن لِلْكَافِرِ بَيْنَهُمَا قَرَابَة ؟ قَالَ : نَعَمْ عَطَاؤُهُ إِيَّاهُ حِبَاء وَوَصِيَّة لَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِلَّا أَنْ تَمَسَّكُوا بِالْمَعْرُوفِ بَيْنَكُمْ بِحَقِّ الْإِيمَان وَالْهِجْرَة وَالْحَلِف , فَتُؤْتُونَهُمْ حَقَّهُمْ مِنْ النُّصْرَة وَالْعَقْل عَنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21606 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } قَالَ : حُلَفَاؤُكُمْ الَّذِينَ وَالَى بَيْنَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , إِمْسَاك بِالْمَعْرُوفِ وَالْعَقْل وَالنَّصْر بَيْنَهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنْ تُوصُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَصِيَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21607 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد { إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } يَقُول : إِلَّا أَنْ تُوصُوا لَهُمْ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : مَعْنَى ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ الَّذِينَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , مَعْرُوفًا مِنَ الْوَصِيَّة لَهُمْ , وَالنُّصْرَة وَالْعَقْل عَنْهُمْ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوف الَّذِي قَدْ حَثّ اللَّه عَلَيْهِ عِبَاده . وَإِنَّمَا اخْتَرْت هَذَا الْقَوْل , وَقُلْت : هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قِيلِ مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ الْوَصِيَّةَ لِلْقَرَابَةِ مِنْ أَهْل الشِّرْك ; لِأَنَّ الْقَرِيبَ مِنَ الْمُشْرِك , وَإِنْ كَانَ ذَا نَسَب فَلَيْسَ بِالْمَوْلَى , وَذَلِكَ أَنَّ الشِّرْكَ يَقْطَع وِلَايَة مَا بَيْن الْمُؤْمِن وَالْمُشْرِك , وَقَدْ نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا بِقَوْلِهِ : { لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } 60 1 وَغَيْر جَائِز أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ اتِّخَاذهمْ أَوْلِيَاء , ثُمَّ يَصِفهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ لَهُمْ أَوْلِيَاء , وَمَوْضِع " أَنْ " مِنْ قَوْله { إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا } نَصْب عَلَى الِاسْتِثْنَاء , وَمَعْنَى الْكَلَام : وَأُولُوا الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ الَّذِينَ لَيْسُوا بِأُولِي أَرْحَام مِنْكُمْ مَعْرُوفًا .


وَقَوْله : { كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَاب مَسْطُورًا } يَقُول : كَانَ أُولُوا الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه : أَيْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ { مَسْطُورًا } أَيْ مَكْتُوبًا , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : فِي الصُّحُف الْأُولَى الَّتِي كَانَ سَطَرْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : . 21608 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَاب مَسْطُورًا } : أَيْ أَنَّ أُولِي الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَاب مَسْطُورًا : لَا يَرِث الْمُشْرِك الْمُؤْمِنَ .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًاسورة الأحزاب الآية رقم 7
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْك وَمِنْ نُوح وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَاب مَسْطُورًا , إِذْ كَتَبْنَا كُلّ مَا هُوَ كَائِن فِي الْكِتَاب { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ } كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْكِتَاب مَسْطُورًا , وَيَعْنِي بِالْمِيثَاقِ : الْعَهْد , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل . { وَمِنْك } يَا مُحَمَّد { وَمِنْ نُوح وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } يَقُول : وَأَخَذْنَا مِنْ جَمِيعهمْ عَهْدًا مُؤَكَّدًا أَنْ يُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا . كَمَا : 21609 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْك وَمِنْ نُوح } قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " كُنْت أَوَّل الْأَنْبِيَاء فِي الْخَلْق , وَآخِرهمْ فِي الْبَعْث " , { وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } مِيثَاق أَخَذَهُ اللَّه عَلَى النَّبِيِّينَ , خُصُوصًا أَنْ يُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا , وَأَنْ يَتَّبِع بَعْضهمْ بَعْضًا . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : كَانَ قَتَادَة إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَة { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْ نُوح } قَالَ : كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّل النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْق. 21610 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه { مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْك وَمِنْ نُوح } قَالَ : فِي ظَهْر آدَم . 21611 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } قَالَ : الْمِيثَاق الْغَلِيظ : الْعَهْد .
لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًاسورة الأحزاب الآية رقم 8
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَخَذْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء مِيثَاقَهُمْ كَيْمَا أَسْأَل الْمُرْسَلِينَ عَمَّا أَجَابَتْهُمْ بِهِ أُمَمُهُمْ , وَمَا فَعَلَ قَوْمهمْ فِيمَا أَبْلَغُوهُمْ عَنْ رَبّهمْ مِنْ الرِّسَالَة. وَبِنَحْوِ قَوْلنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21612 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد { لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقهمْ } قَالَ : الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنْ الرُّسُل . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { لِيَسْأَل الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقهمْ } قَالَ : الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنْ الرُّسُل . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد { لِيَسْأَل الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقهمْ } قَالَ : الرُّسُل الْمُؤَدِّينَ الْمُبَلِّغِينَ .

وَقَوْله : { وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا } يَقُول : وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ بِاللَّهِ مِنَ الْأُمَم عَذَابًا مُوجِعًا.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًاسورة الأحزاب الآية رقم 9
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُمْ } الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى جَمَاعَتكُمْ وَذَلِكَ حِين حُوصِرَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّام الْخَنْدَق { إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُود } : جُنُود الْأَحْزَاب : قُرَيْش , وَغَطَفَان , وَيَهُود بَنِي النَّضِير { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا } وَهِيَ فِيمَا ذُكِرَ : رِيح الصَّبَا . كَمَا : 21613 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَالَتْ الْجَنُوب لِلشَّمَالِ لَيْلَة الْأَحْزَاب : انْطَلِقِي نَنْصُر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ الشَّمَال : إِنَّ الْحَرَّة لَا تَسْرِي بِاللَّيْلِ , قَالَ : فَكَانَتْ الرِّيح الَّتِي أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الصَّبَا . 21614 -حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثني الزُّبَيْر , يَعْنِي ابْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني رَبِيح بْن أَبِي سَعِيد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : قُلْنَا يَوْم الْخَنْدَق : يَا رَسُولَ اللَّه بَلَغَتْ الْقُلُوب الْحَنَاجِرَ , فَهَلْ مِنْ شَيْء تَقُولهُ ؟ قَالَ : " نَعَمْ قُولُوا : اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتنَا , وَآمِنْ رَوْعَاتنَا " , فَضَرَبَ اللَّه وُجُوهَ أَعْدَائِهِ بِالرِّيحِ , فَهَزَمَهُمْ اللَّه بِالرِّيحِ . 21615 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , عَنْ نَافِع , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : أَرْسَلَنِي خَالِي عُثْمَان بْن مَظْعُون لَيْلَة الْخَنْدَق فِي بَرْد شَدِيد وَرِيح , إِلَى الْمَدِينَة , فَقَالَ : ائْتِنَا بِطَعَامٍ وَلِحَاف قَالَ : فَاسْتَأْذَنْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَذِنَ لِي وَقَالَ : " مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِي فَمُرْهُمْ يَرْجِعُوا " . قَالَ : فَذَهَبْت وَالرِّيح تَسْفِي كُلَّ شَيْء , فَجَعَلْت لَا أَلْقَى أَحَدًا إِلَّا أَمَرْته بِالرُّجُوعِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَمَا يَلْوِي أَحَد مِنْهُمْ عُنُقه ; قَالَ : وَكَانَ مَعِي تُرْس لِي , فَكَانَتْ الرِّيح تَضْرِبهُ عَلَيَّ , وَكَانَ فِيهِ حَدِيد , قَالَ : فَضَرَبَتْهُ الرِّيح حَتَّى وَقَعَ بَعْض ذَلِكَ الْحَدِيد عَلَى كَفِّي , فَأَنْفَذهَا إِلَى الْأَرْض . 21616 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة : قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن زِيَاد , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : قَالَ فَتًى مِنْ أَهْل الْكُوفَة لِحُذَيْفَة بْن الْيَمَان : يَا أَبَا عَبْد اللَّه , رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحِبْتُمُوهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا ابْن أَخِي , قَالَ : فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قَالَ : وَاللَّه لَقَدْ كُنَّا نُجْهَد , قَالَ الْفَتَى : وَاللَّه لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْض , لَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقنَا . قَالَ حُذَيْفَة : يَا ابْن أَخِي , وَاللَّه لَقَدْ رَأَيْتنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ , وَصَلَّى رَسُول اللَّه هَوِيًّا مِنْ اللَّيْل , ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ : " مَنْ رَجُل يَقُوم فَيَنْظُر لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْم ؟ يَشْرِط لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يَرْجِع أَدْخَلَهُ اللَّه الْجَنَّةَ " , فَمَا قَامَ أَحَد , ثُمَّ صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوِيًّا مِنْ اللَّيْل , ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ مِثْله , فَمَا قَامَ مِنَّا رَجُل , ثُمَّ صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوِيًّا مِنْ اللَّيْل , ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ : " مَنْ رَجُل يَقُوم فَيَنْظُر لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْم ثُمَّ يَرْجِع , يَشْتَرِط لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجْعَة , أَسْأَل اللَّهَ أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّة " فَمَا قَامَ رَجُل مِنْ شِدَّة الْخَوْف , وَشِدَّة الْجُوع , وَشِدَّة الْبَرْد ; فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَد , دَعَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدّ مِنَ الْقِيَام حِين دَعَانِي , فَقَالَ : " يَا حُذَيْفَة اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْم فَانْظُرْ مَا يَفْعَلُونَ , وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا " . قَالَ : فَذَهَبْت فَدَخَلْت فِي الْقَوْم , وَالرِّيح وَجُنُود اللَّه تَفْعَل بِهِمْ مَا تَفْعَل , لَا تُقِرّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاء ; فَقَامَ أَبُو سُفْيَان فَقَالَ : يَا مَعْشَر قُرَيْش , لِيَنْظُر امْرُؤٌ مَنْ جَلِيسه , فَقَالَ حُذَيْفَة : فَأَخَذْت بِيَدِ الرَّجُل الَّذِي إِلَى جَنْبِي , فَقُلْت : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : أَنَا فُلَان بْن فُلَان ; ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَان : يَا مَعْشَر قُرَيْش , إِنَّكُمْ وَاللَّه مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مَقَام , وَلَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاع وَالْخُفّ , وَاخْتَلَفَتْ بَنُو قُرَيْظَة , وَبَلَغَنَا عَنْهُمُ الَّذِي نَكْرَهُ , وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ الرِّيح مَا تَرَوْنَ , وَاللَّه مَا يَطْمَئِنّ لَنَا قِدْر , وَلَا تَقُوم لَنَا نَار , وَلَا يَسْتَمْسِك لَنَا بِنَاء , فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِل , ثُمَّ قَامَ إِلَى جَمَله وَهُوَ مَعْقُول , فَجَلَسَ عَلَيْهِ , ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ بِهِ عَلَى ثَلَاث , فَمَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إِلَّا وَهُوَ قَائِم . وَلَوْلَا عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَنْ " لَا تُحْدِث شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي " , لَوْ شِئْت لَقَتَلْته بِسَهْمٍ ; قَالَ حُذَيْفَة : فَرَجَعْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي مِرْط لِبَعْضِ نِسَائِهِ ; فَلَمَّا رَآنِي أَدْخَلَنِي بَيْنَ رِجْلَيْهِ , وَطَرَحَ عَلَيَّ طَرَفَ الْمِرْط , ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَإِنِّي لَفِيهِ ; فَلَمَّا سَلَّمَ أَخْبَرْته الْخَبَرَ , وَسَمِعَتْ غَطَفَان بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْش , فَانْشَمَرُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادهمْ . 21617 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُود } قَالَ : الْأَحْزَاب : عُيَيْنَةُ بْن بَدْر , وَأَبُو سُفْيَان , وَقُرَيْظَة .

وَقَوْله : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا } قَالَ : رِيح الصَّبَا أُرْسِلَتْ عَلَى الْأَحْزَاب يَوْم الْخَنْدَق , حَتَّى كَفَأَتْ قُدُورَهُمْ عَلَى أَفْوَاههَا , وَنَزَعَتْ فَسَاطِيطَهُمْ حَتَّى أَظْعَنَتْهُمْ , وَقَوْله : { وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا } قَالَ : الْمَلَائِكَة وَلَمْ تُقَاتِل يَوْمَئِذٍ . 21618 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُود فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا } قَالَ : يَعْنِي الْمَلَائِكَة , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة يَوْم الْأَحْزَاب وَقَدْ حُصِرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فَخَنْدَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَان بِقُرَيْشٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ النَّاس , حَتَّى نَزَلُوا بِعَقْوَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَقْبَلَ عُيَيْنَةُ بْن حِصْن , أَحَد بَنِي بَدْر وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ النَّاس حَتَّى نَزَلُوا بِعَقْوَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَاتَبَتْ الْيَهُود أَبَا سُفْيَان وَظَاهَرُوهُ , فَقَالَ حَيْثُ يَقُول اللَّه تَعَالَى : { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ } فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ الرُّعْب وَالرِّيح , فَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا أَطْفَأَهَا اللَّه , حَتَّى لَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سَيِّدَ كُلّ حَيّ يَقُول : يَا بَنِي فُلَان هَلُمَّ إِلَيَّ , حَتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ فَقَالَ : النَّجَاء النَّجَاء , أُتِيتُمْ لِمَا بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الرُّعْب . 21619 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُمْ } . . . الْآيَة , قَالَ : كَانَ يَوْم أَبِي سُفْيَان يَوْم الْأَحْزَاب . 21620 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان , فِي قَوْل اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُود فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا } وَالْجُنُود قُرَيْش وَغَطَفَان وَبَنُو قُرَيْظَة , وَكَانَتْ الْجُنُود الَّتِي أَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَعَ الرِّيح : الْمَلَائِكَة .

وَقَوْله : { وَكَانَ اللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ اللَّه بِأَعْمَالِكُمْ يَوْمَئِذٍ , وَذَلِكَ صَبْرهمْ عَلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجَهْد وَالشِّدَّة , وَثَبَاتهمْ لِعَدُوِّهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالهمْ , بَصِيرًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , يُحْصِيه عَلَيْهِمْ , لِيَجْزِيَهُمْ عَلَيْهِ .
إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاسورة الأحزاب الآية رقم 10
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ اللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا , إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُود الْأَحْزَاب مِنْ فَوْقكُمْ , وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ , وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِينَ أَتَوْهُمْ مِنْ أَسْفَل مِنْهُمْ , أَبُو سُفْيَان فِي قُرَيْش وَمَنْ مَعَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21621 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقكُمْ } قَالَ عُيَيْنَةُ بْن بَدْر فِي أَهْل نَجْد , وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ , قَالَ : أَبُو سُفْيَان . قَالَ : وَوَاجَهَتْهُمْ قُرَيْظَة . 21622 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة : ذَكَرَتْ يَوْمَ الْخَنْدَق وَقَرَأَتْ : { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَار وَبَلَغَتِ الْقُلُوب الْحَنَاجِرَ } قَالَتْ : هُوَ يَوْم الْخَنْدَق. 21623 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن رُومَان مَوْلَى آل الزُّبَيْر , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , وَعَمَّنْ لَا أَتَّهِم , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك , وَعَنْ الزُّهْرِيّ , وَعَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم , وَعَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , وَعَنْ غَيْرهمْ مِنْ عُلَمَائِنَا : أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَدِيث الْخَنْدَق , أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُود , مِنْهُمْ سَلَّام بْن أَبِي الْحَقِيق النَّضْرِيّ , وَحُيَيّ بْن أَخْطَبَ النَّضْرِيّ , وَكِنَانَة بْن الرَّبِيع بْن أَبِي الْحُقَيْق النَّضْرِيّ , وَهَوْذَة بْن قَيْس الْوَائِلِيّ , وَأَبُو عَمَّار الْوَائِلِيّ , فِي نَفَر مِنْ بَنِي النَّضِير , وَنَفَر مِنْ بَنِي وَائِل , وَهُمْ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , خَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا مَكَّة عَلَى قُرَيْش , فَدَعَوْهُمْ إِلَى حَرْب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : إِنَّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ , حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُ , فَقَالَ لَهُمْ قُرَيْش : يَا مَعْشَر يَهُود , إِنَّكُمْ أَهْل الْكِتَاب الْأَوَّل , وَالْعِلْم بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِف فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمَّد , أَفَدِينُنَا خَيْر أَمْ دِينه ؟ قَالُوا : بَلْ دِينكُمْ خَيْر مِنْ دِينه , وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْهُ . قَالَ : فَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَاب يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوت وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا } 4 51 إِلَى قَوْله : { وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } 4 55 فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ , سَرَّهُمْ مَا قَالُوا , وَنَشِطُوا لِمَا دَعَوْهُمْ لَهُ مِنْ حَرْب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ , وَاتَّعَدُوا لَهُ , ثُمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَر مِنْ الْيَهُود , حَتَّى جَاءُوا غَطَفَان مِنْ قَيْس عَيْلَان , فَدَعَوْهُمْ إِلَى حَرْب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ سَيَكُونُونَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ , وَأَنَّ قُرَيْشًا قَدْ تَابَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ , فَاجْتَمَعُوا فِيهِ , فَأَجَابُوهُمْ فَخَرَجَتْ قُرَيْش وَقَائِدهَا أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب , وَخَرَجَتْ غَطَفَان وَقَائِدهَا عُيَيْنَةُ بْن حِصْن بْن حُذَيْفَة بْن بَدْر فِي بَنِي فَزَارَة , وَالْحَارِث بْن عَوْف بْن أَبِي حَارِثَة الْمُرِّيّ فِي بَنِي مُرَّة , وَمِسْعَر بْن رُخَيْلَة بْن نُوَيْرَة بْن طَرِيف بْن سَحْمَةَ بْن عَبْد اللَّه بْن هِلَال بْن خلاوة بْن أَشْجَع بْن رَيْث بْن غَطَفَان , فِيمَنْ تَابَعَهُ مِنْ قَوْمه مِنْ أَشْجَع ; فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا اجْتَمَعُوا لَهُ مِنَ الْأَمْر ضَرَبَ الْخَنْدَق عَلَى الْمَدِينَة ; فَلَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَنْدَق , أَقْبَلَتْ قُرَيْش حَتَّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَة بَيْن الْجُرُف وَالْغَابَة فِي عَشْرَة آلَاف مِنْ أَحَابِيشهمْ , وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَة وَأَهْل تِهَامَة , وَأَقْبَلَتْ غَطَفَان وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ أَهْل نَجْد , حَتَّى نَزَلُوا بِذَنَبِ نَقَمَى إِلَى جَانِب أُحُد , وَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى سِلَع فِي ثَلَاثَة آلَاف مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرَهُ , وَالْخَنْدَق بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْم , وَأَمَرَ بِالذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاء , فَرُفِعُوا فِي الْآطَام , وَخَرَجَ عَدُوّ اللَّه حُيَيّ بْن أَخْطَبَ النَّضْرِيّ , حَتَّى أَتَى كَعْبَ بْن أَسَد الْقُرَظِيّ , صَاحِب عَقْد بَنِي قُرَيْظَة وَعَهْدهمْ , وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمه , وَعَاهَدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَاقَدَهُ , فَلَمَّا سَمِعَ كَعْب بِحُيَيِّ بْن أَخْطَبَ , أَغْلَقَ دُونَهُ حِصْنه , فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ , فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ , فَنَادَاهُ حُيَيّ : يَا كَعْب افْتَحْ لِي , قَالَ : وَيْحك يَا حُيَيّ , إِنَّك امْرُؤٌ مَشْئُوم , إِنِّي قَدْ عَاهَدْت مُحَمَّدًا , فَلَسْت بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ , وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إِلَّا وَفَاء وَصِدْقًا ; قَالَ : وَيْحَك افْتَحْ لِي أُكَلِّمك , قَالَ : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ . قَالَ : وَاللَّه إِنْ أَغْلَقْت دُونِي إِلَّا تَخَوَّفْت عَلَى جَشِيشَتك أَنْ آكُلَ مَعَك مِنْهَا , فَأَحْفَظَ الرَّجُل , فَفَتَحَ لَهُ , فَقَالَ : يَا كَعْب جِئْتُك بِعِزِّ الدَّهْر , وَبِبَحْرِ طَمّ , جِئْتُك بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَاتِهَا وَسَادَاتهَا , حَتَّى أَنْزَلْتهمْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ , وَبِغَطَفَانَ عَلَى قَادَاتِهَا وَسَادَاتهَا حَتَّى أَنْزَلْتهمْ بِذَنَبِ نَقَمَى إِلَى جَانِب أُحُد , قَدْ عَاهَدُونِي وَعَاقَدُونِي أَنْ لَا يَبْرَحُوا حَتَّى يَسْتَأْصِلُوا مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ , فَقَالَ لَهُ كَعْب بْن أَسَد : جِئْتنِي وَاللَّه بِذُلِّ الدَّهْر , وَبِجَهَامٍ قَدْ هَرَاقَ مَاءَهُ , يَرْعَد وَيَبْرُق , لَيْسَ فِيهِ شَيْء , فَدَعْنِي وَمُحَمَّدًا وَمَا أَنَا عَلَيْهِ , فَلَمْ أَرَ مِنْ مُحَمَّد إِلَّا صِدْقًا وَوَفَاء ; فَلَمْ يَزَلْ حُيَيّ بِكَعْبٍ يَفْتِلهُ فِي الذُّرْوَة وَالْغَارِب حَتَّى سَمَحَ لَهُ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُمْ عَهْدًا مِنَ اللَّه وَمِيثَاقًا لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْش وَغَطَفَان وَلَمْ يُصِيبُوا مُحَمَّدًا أَنْ أَدْخُل مَعَك فِي حِصْنك حَتَّى يُصِيبنِي مَا أَصَابَك , فَنَقَضَ كَعْب بْن أَسَد عَهْدَهُ , وَبَرِئَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ , فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَر , وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ , بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْد بْن مُعَاذ بْن النُّعْمَان بْن امْرِئِ الْقَيْس , أَحَد بَنِي الْأَشْهَل , وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّد الْأَوْس , وَسَعْد بْن عُبَادَة بْن دَيْلَم أَخِي بَنِي سَاعِدَة بْن كَعْب بْن الْخَزْرَج , وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّد الْخَزْرَج , وَمَعَهُمَا عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة أَخُو بَلْحَرْثِ بْن الْخَزْرَج , وَخَوَّات بْن جُبَيْر أَخُو بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , فَقَالَ : انْطَلِقُوا حَتَّى تَنْظُرُوا أَحَقّ مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم أَمْ لَا ؟ , فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفهُ , وَلَا تَفُتُّوا فِي أَعْضَاد النَّاس , وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاء فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ , فَاجْهَرُوا بِهِ لِلنَّاسِ , فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْهُمْ , فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَث مَا بَلَغَهُمْ عَنْهُمْ , وَنَالُوا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : لَا عَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّد وَلَا عَقْد , فَشَاتَمَهُمْ سَعْد بْن عُبَادَة وَشَاتَمُوهُ , وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدَّة , فَقَالَ لَهُ سَعْد بْن مُعَاذ : دَعْ عَنْك مُشَاتَمَتهمْ , فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنَ الْمُشَاتَمَة , ثُمَّ أَقْبَلَ سَعْد وَسَعْد وَمَنْ مَعَهُمَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالُوا : عَضَل وَالْقَارَّة : أَيْ كَغَدَرَ عَضَلَ وَالْقَارَّة بِأَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَاب الرَّجِيع خُبَيْب بْن عَدِيّ وَأَصْحَابه , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّه أَكْبَر , أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ " , وَعَظُمَ عِنْد ذَلِكَ الْبَلَاء , وَاشْتَدَّ الْخَوْف , وَأَتَاهُمْ عَدُوّهُمْ مِنْ فَوْقهمْ , وَمِنْ أَسْفَل مِنْهُمْ , حَتَّى ظَنَّ الْمُسْلِمُونَ كُلَّ ظَنّ , وَنَجَمَ النِّفَاق مِنْ بَعْض الْمُنَافِقِينَ , حَتَّى قَالَ مُعَتِّب بْن قُشَيْر أَخُو بَنِي عَمْرو بْن عَوْف : كَانَ مُحَمَّد يَعِدنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوز كِسْرَى وَقَيْصَر , وَأَحَدنَا لَا يَقْدِر أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِط , وَحَتَّى قَالَ أَوْس بْن قَيْظِيّ أَحَد بَنِي حَارِثَة بْن الْحَارِث : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ بُيُوتَنَا لَعَوْرَة مِنَ الْعَدُوّ , وَذَلِكَ عَنْ مَلَإٍ مِنْ رِجَال قَوْمه , فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إِلَى دَارنَا , وَإِنَّهَا خَارِجَة مِنَ الْمَدِينَة , فَأَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة قَرِيبًا مِنْ شَهْر , وَلَمْ يَكُنْ بَيْن الْقَوْم حَرْب إِلَّا الرَّمْي بِالنَّبْلِ وَالْحِصَار " . 21624 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَانَ , قَوْله { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ } فَالَّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ فَوْقهمْ : قُرَيْظَة , وَالَّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ : قُرَيْش وَغَطَفَان .

وَقَوْله : { وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَار } يَقُول : وَحِين عَدَلَتْ الْأَبْصَار عَنْ مَقَرّهَا , وَشَخَصَتْ طَامِحَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21625 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَار } : شَخَصَتْ . وَقَوْله : { وَبَلَغَتِ الْقُلُوب الْحَنَاجِرَ } يَقُول : نَبَتْ الْقُلُوب عَنْ أَمَاكِنهَا مِنْ الرُّعْب وَالْخَوْف , فَبَلَغَتْ إِلَى الْحَنَاجِر. كَمَا : 21626 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن عَمْرو , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة : { وَبَلَغَتِ الْقُلُوب الْحَنَاجِرَ } قَالَ : مِنَ الْفَزَع .


وَقَوْله : { وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } يَقُول : وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُون الْكَاذِبَة , وَذَلِكَ كَظَنِّ مَنْ ظَنَّ مِنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْلِب , وَأَنَّ مَا وَعَدَهُ اللَّه مِنَ النَّصْر أَنْ لَا يَكُون , وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ ظُنُونهمْ الْكَاذِبَة الَّتِي ظَنَّهَا مَنْ ظَنَّ مِمَّنْ كَانَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَسْكَره . 21627 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا هَوْذَة بْن خَلِيفَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنِ الْحَسَن { وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } قَالَ : ظُنُونًا مُخْتَلِفَة : ظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه يُسْتَأْصَلُونَ , وَأَيْقَنَ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ مَا وَعَدَهُمْ اللَّه حَقّ , أَنَّهُ سَيُظْهِرُهُ عَلَى الدِّين كُلّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة , وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { الظُّنُونَا } بِإِثْبَاتِ الْأَلِف , وَكَذَلِكَ { وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا } { فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } فِي الْوَصْل وَالْوَقْف ; وَكَانَ اعْتِلَال الْمُعْتَلّ فِي ذَلِكَ لَهُمْ , أَنَّ ذَلِكَ فِي كُلّ مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ بِإِثْبَاتِ الْأَلِف فِي هَذِهِ الْأَحْرُف كُلّهَا , وَكَانَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة يُثْبِت الْأَلِف فِيهِنَّ فِي الْوَقْف , وَيَحْذِفهَا فِي الْوَصْل اعْتِلَالًا بِأَنَّ الْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي قَوَافِي الشِّعْر وَمَصَارِيعهَا , فَتُلْحِق الْأَلِفَ فِي مَوْضِع الْفَتْح لِلْوُقُوفِ , وَلَا تَفْعَل ذَلِكَ فِي حَشْو الْأَبْيَات , فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْرُف , حَسُنَ فِيهَا إِثْبَات الْأَلِفَات ; لِأَنَّهُنَّ رُءُوس الْآي تَمْثِيلًا لَهَا بِالْقَوَافِي , وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْبَصْرَة وَالْكُوفَة بِحَذْفِ الْأَلِف مِنْ جَمِيعه فِي الْوَقْف وَالْوَصْل , اعْتِلَالًا بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْر مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب إِلَّا فِي قَوَافِي الشِّعْر دُونَ غَيْرهَا مِنْ كَلَامهمْ , وَأَنَّهَا إِنَّمَا تَفْعَل ذَلِكَ فِي الْقَوَافِي طَلَبًا لِإِتْمَامِ وَزْن الشِّعْر , إِذْ لَوْ لَمْ تَفْعَل ذَلِكَ فِيهَا لَمْ يَصِحّ الشِّعْر , وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْقُرْآن ; لِأَنَّهُ لَا شَيْء يَضْطَرّهُمْ إِلَى ذَلِكَ فِي الْقُرْآن , وَقَالُوا : هُنَّ مَعَ ذَلِكَ فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه بِغَيْرِ أَلِف . وَأَوْلَى الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِحَذْفِ الْأَلِف فِي الْوَصْل وَالْوَقْف ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْكَلَام الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب , مَعَ شُهْرَة الْقِرَاءَة بِذَلِكَ فِي قُرَّاء الْمِصْرَيْنِ : الْكُوفَة , وَالْبَصْرَة ; ثُمَّ الْقِرَاءَة بِإِثْبَاتِ الْأَلِف فِيهِنَّ فِي حَالَة الْوَقْف وَالْوَصْل ; لِأَنَّ عِلَّةَ مَنْ أَثْبَت ذَلِكَ فِي حَال الْوَقْف أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي خُطُوط مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ , وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّة فِي إِثْبَات الْأَلِف فِي بَعْض الْأَحْوَال كَوْنه مُثْبَتًا فِي مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ , فَالْوَاجِب أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة فِي كُلّ الْأَحْوَال ثَابِتَةً ; لِأَنَّهُ مُثْبَت فِي مَصَاحِفهمْ , وَغَيْر جَائِز أَنْ تَكُونَ الْعِلَّة الَّتِي تُوجِب قِرَاءَة ذَلِكَ عَلَى وَجْه مِنَ الْوُجُوه فِي بَعْض الْأَحْوَال مَوْجُودَةً فِي حَال أُخْرَى , وَالْقِرَاءَة مُخْتَلِفَة , وَلَيْسَ ذَلِكَ لِقَوَافِي الشِّعْر بِنَظِيرٍ ; لِأَنَّ قَوَافِيَ الشِّعْر إِنَّمَا تُلْحَق فِيهَا الْأَلِفَات فِي مَوَاضِع الْفَتْح , وَالْيَاء فِي مَوَاضِع الْكَسْر , وَالْوَاو فِي مَوَاضِع الضَّمّ طَلَبًا لِتَتِمَّةِ الْوَزْن , وَأَنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يُفْعَل كَذَلِكَ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ شِعْرًا لِاسْتِحَالَتِهِ عَنْ وَزْنه , وَلَا شَيْء يَضْطَرّ تَالِيَ الْقُرْآن إِلَى فِعْل ذَلِكَ فِي الْقُرْآن .
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًاسورة الأحزاب الآية رقم 11
وَقَوْله : { هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ } يَقُول : عِنْدَ ذَلِكَ اخْتُبِرَ إِيمَان الْمُؤْمِنِينَ , وَمُحِّصَ الْقَوْم وَعُرِفَ الْمُؤْمِن مِنْ الْمُنَافِق . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21628 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ } قَالَ : مُحِّصُوا .


وَقَوْله : { وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا } يَقُول : وَحُرِّكُوا بِالْفِتْنَةِ تَحْرِيكًا شَدِيدًا , وَابْتُلُوا وَفُتِنُوا.
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًاسورة الأحزاب الآية رقم 12
وَقَوْله : { وَإِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } : شَكّ فِي الْإِيمَان , وَضَعْف فِي اعْتِقَادهمْ إِيَّاهُ : مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله إِلَّا غُرُورًا , وَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ قَوْل مُعَتِّب بْن قُشَيْر. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21629 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { وَإِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله إِلَّا غُرُورًا } يَقُول : مُعَتِّب بْن قُشَيْر , إِذْ قَالَ مَا قَالَ يَوْم الْخَنْدَق . 21630 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { وَإِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } قَالَ : تَكَلُّمهمْ بِالنِّفَاقِ يَوْمئِذٍ , وَتَكَلَّمَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْحَقِّ وَالْإِيمَان , قَالُوا : هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله . 21631 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَإِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض : مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله إِلَّا غُرُورًا } قَالَ : قَالَ ذَلِكَ أُنَاس مِنَ الْمُنَافِقِينَ : قَدْ كَانَ مُحَمَّد يَعِدنَا فَتْحَ فَارِس وَالرُّوم , وَقَدْ حُصِرْنَا هَا هُنَا , حَتَّى مَا يَسْتَطِيع أَحَدنَا أَنْ يَبْرُز لِحَاجَتِهِ ; مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله إِلَّا غُرُورًا . 21632 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , قَالَ : قَالَ رَجُل يَوْم الْأَحْزَاب لِرَجُلٍ مِنْ صَحَابَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا فُلَان أَرَأَيْت إِذْ يَقُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا هَلَكَ قَيْصَر فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ , وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيل اللَّه " . فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا , وَأَحَدنَا لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَخْرُجَ يَبُول مِنَ الْخَوْف ؟ { مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله إِلَّا غُرُورًا } , فَقَالَ لَهُ : كَذَبْت , لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَك , قَالَ : فَأَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبَرَهُ , فَدَعَاهُ فَقَالَ : " مَا قُلْت ؟ " فَقَالَ : كَذَبَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهَ , مَا قُلْت شَيْئًا , مَا خَرَجَ هَذَا مِنْ فَمِي قَطُّ ! قَالَ اللَّه : { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْر } 9 74 حَتَّى بَلَغَ { وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْض مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِير } 9 74 قَالَ : " فَهَذَا قَوْل اللَّه : { إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَة مِنْكُمْ نُعَذِّب طَائِفَة } 9 66 21633 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن خَالِد بْن عَثْمَة , قَالَ : ثنا كَثِير بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن عَوْف الْمُزَنِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : خَطَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ عَامَ ذُكِرَتْ الْأَحْزَاب , مِنْ أَحْمَر الشَّيْخَيْنِ , طَرَف بَنِي حَارِثَة , حَتَّى بَلَغَ الْمَذَاد , ثُمَّ جَعَلَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا بَيْنَ كُلّ عَشْرَة , فَاخْتَلَفَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فِي سَلْمَان الْفَارِسِيّ , وَكَانَ رَجُلًا قَوِيًّا , فَقَالَ الْأَنْصَار : سَلْمَان مِنَّا , وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ : سَلْمَان مِنَّا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَلْمَان مِنَّا أَهْل الْبَيْت " . قَالَ عَمْرو بْن عَوْف : فَكُنْت أَنَا وَسَلْمَان وَحُذَيْفَة بْن الْيَمَان وَالنُّعْمَان بْن مُقَرِّن الْمُزَنِيّ , وَسِتَّة مِنَ الْأَنْصَار , فِي أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا , فَحَفَرْنَا تَحْت دُوبَار حَتَّى بَلَغْنَا الصَّرَى , أَخْرَجَ اللَّه مِنْ بَطْن الْخَنْدَق صَخْرَة بَيْضَاءَ مَرْوَة , فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا , وَشَقَّتْ عَلَيْنَا , فَقُلْنَا : يَا سَلْمَان , ارْقَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبِرْهُ خَبَرَ هَذِهِ الصَّخْرَة , فَإِمَّا أَنْ نَعْدِلَ عَنْهَا , فَإِنَّ الْمَعْدِل قَرِيب , وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا فِيهَا بِأَمْرِهِ , فَإِنَّا لَا نُحِبّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّهُ . فَرَقِيَ سَلْمَان حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ضَارِب عَلَيْهِ قُبَّة تُرْكِيَّة , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّهَ بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمّنَا , خَرَجَتْ صَخْرَة بَيْضَاء مِنْ بَطْن الْخَنْدَق , مَرْوَة , فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا , وَشَقَّتْ عَلَيْنَا , حَتَّى مَا يَجِيء مِنْهَا قَلِيل وَلَا كَثِير , فَمُرْنَا فِيهَا بِأَمْرِك , فَإِنَّا لَا نُحِبّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّك , فَهَبَطَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ سَلْمَان فِي الْخَنْدَق , وَرَقِينَا نَحْنُ التِّسْعَة عَلَى شَفَة الْخَنْدَق , فَأَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِعْوَل مِنْ سَلْمَان , فَضَرَبَ الصَّخْرَة ضَرْبَة صَدَعَهَا , وَبَرَقَتْ مِنْهَا بَرْقَةً أَضَاءَتْ مَا بَيْن لَابَتَيْهَا , يَعْنِي : لَابَتَيْ الْمَدِينَة , حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْف بَيْت مُظْلِم , فَكَبَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِير فَتْح , وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ , ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّانِيَةَ , فَصَدَعَهَا وَبَرَقَتْ مِنْهَا بَرْقَةً أَضَاءَتْ مَا بَيْن لَابَتَيْهَا , حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْف بَيْت مُظْلِم , فَكَبَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِير فَتْح , وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ , ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَة , فَكَسَرَهَا , وَبَرَقَتْ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَتْ مَا بَيْن لَابَتَيْهَا , حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْف بَيْت مُظْلِم , فَكَبَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِير فَتْح , ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ سَلْمَان فَرَقِيَ , فَقَالَ سَلْمَان : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّه , لَقَدْ رَأَيْت شَيْئًا مَا رَأَيْته قَطُّ , فَالْتَفَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقَوْم , فَقَالَ : " هَلْ رَأَيْتُمْ مَا يَقُول سَلْمَان ؟ " قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه , بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمّنَا ! وَقَدْ رَأَيْنَاك تَضْرِب , فَيَخْرُج بَرْق كَالْمَوْجِ , فَرَأَيْنَاك تُكَبِّر فَنُكَبِّر , وَلَا نَرَى شَيْئًا غَيْر ذَلِكَ , قَالَ : " صَدَقْتُمْ ضَرَبْت ضَرْبَتِي الْأُولَى , فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ , أَضَاءَ لِي مِنْهُ قُصُور الْحِيرَة وَمَدَائِن كِسْرَى , كَأَنَّهَا أَنْيَاب الْكِلَاب , فَأَخْبَرَنِي جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَة عَلَيْهَا , ثُمَّ ضَرَبْت ضَرْبَتِي الثَّانِيَة , فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ , أَضَاءَ لِي مِنْهُ قُصُور الْحُمْر مِنْ أَرْض الرُّوم , كَأَنَّهَا أَنْيَاب الْكِلَاب , وَأَخْبَرَنِي جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَة عَلَيْهَا , ثُمَّ ضَرَبْت ضَرْبَتِي الثَّالِثَة , وَبَرَقَ مِنْهَا الَّذِي رَأَيْتُمْ , أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُور صَنْعَاء , كَأَنَّهَا أَنْيَاب الْكِلَاب , وَأَخْبَرَنِي جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَة عَلَيْهَا , فَأَبْشِرُوا , يُبَلِّغهُمْ النَّصْر , وَأَبْشِرُوا , يُبَلِّغهُمْ النَّصْر , وَأَبْشِرُوا يُبَلِّغهُمْ النَّصْر " , فَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ , وَقَالُوا : الْحَمْد لِلَّهِ مَوْعُود صِدْق , بِأَنْ وَعَدَنَا النَّصْرَ بَعْد الْحَصْر , فَطَبَّقَتْ الْأَحْزَاب , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ { هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله } . . . الْآيَة , وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : أَلَا تَعْجَبُونَ . ؟ يُحَدِّثكُمْ وَيُمَنِّيكُمْ وَيَعِدكُمْ الْبَاطِلَ , يُخْبِركُمْ أَنَّهُ يُبْصِر مِنْ يَثْرِبَ قُصُور الْحِيرَة وَمَدَائِن كِسْرَى , وَأَنَّهَا تُفْتَح لَكُمْ , وَأَنْتُمْ تَحْفِرُونَ الْخَنْدَق مِنَ الْفَرَق , وَلَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَبْرُزُوا ؟ وَأَنْزَلَ الْقُرْآن : { وَإِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله إِلَّا غُرُورًا }
وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًاسورة الأحزاب الآية رقم 13
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَام لَكُمْ فَارْجِعُوا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَام لَكُمْ } وَإِذْ قَالَ بَعْضهمْ : يَا أَهْل يَثْرِبَ , وَيَثْرِب : اسْم أَرْض , فَيُقَال : إِنَّ مَدِينَةَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاحِيَة مِنْ يَثْرِب , وَقَوْله : " لَا مَقَام لَكُمْ فَارْجِعُوا " بِفَتْحِ الْمِيم مِنْ مَقَام . يَقُول : لَا مَكَانَ لَكُمْ , تَقُومُونَ فِيهِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَأَيِّي مَا وَأَيّك كَانَ شَرًّا فَقِيدَ إِلَى الْمَقَامَة لَا يَرَاهَا قَوْله { فَارْجِعُوا } يَقُول : فَارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلكُمْ أَمَرَهُمْ بِالْهَرَبِ مِنْ عَسْكَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفِرَار مِنْهُ , وَتَرْك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيل أَوْس بْن قَيْظِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى رَأْيه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21634 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِب } . . . إِلَى { فِرَارًا } يَقُول : أَوْس بْن قَيْظِيّ , وَمَنْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ رَأْيه مِنْ قَوْمه , وَالْقِرَاءَة عَلَى فَتْح الْمِيم مِنْ قَوْله : " لَا مَقَام لَكُمْ " بِمَعْنَى : لَا مَوْضِعَ قِيَام لَكُمْ , وَهِيَ الْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِخِلَافِهَا ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا , وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : { لَا مُقَام لَكُمْ } بِضَمِّ الْمِيم , يَعْنِي : لَا إِقَامَة لَكُمْ .

وَقَوْله : { وَيَسْتَأْذِن فَرِيق مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَة وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَسْتَأْذِن بَعْضهمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِذْن بِالِانْصِرَافِ عَنْهُ إِلَى مَنْزِله , وَلَكِنَّهُ يُرِيد الْفِرَار وَالْهَرَب مِنْ عَسْكَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21635 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَيَسْتَأْذِن فَرِيق مِنْهُمْ النَّبِيَّ } . . . إِلَى قَوْله { إِلَّا فِرَارًا } قَالَ : هُمْ بَنُو حَارِثَة , قَالُوا : بُيُوتنَا مُخْلِيَة نَخْشَى عَلَيْهَا السُّرَّاق . 21636 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَة } قَالَ : نَخْشَى عَلَيْهَا السَّرَق . 21637 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَيَسْتَأْذِن فَرِيق مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَة وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } وَإِنَّهَا مِمَّا يَلِي الْعَدُوَّ , وَإِنَّا نَخَاف عَلَيْهَا السُّرَّاق , فَبَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَا يَجِد بِهَا عَدُوًّا , قَالَ اللَّه : { إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا } يَقُول : إِنَّمَا كَانَ قَوْلهمْ ذَلِكَ { إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَة } إِنَّمَا كَانَ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْفِرَار . 21638 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن حُمْرَان , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن شَدَّاد أَبُو طَالُوت عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْآيَة { إِنَّ بُيُوتنَا عَوْرَة وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } قَالَ : ضَائِعَة .
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًاسورة الأحزاب الآية رقم 14
وَقَوْله : { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارهَا } يَقُول : وَلَوْ دُخِلَتْ الْمَدِينَة عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ { إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَة } مِنْ أَقْطَارهَا , يَعْنِي : مِنْ جَوَانِبهَا وَنَوَاحِيهَا , وَاحِدهَا : قُطْر , وَفِيهَا لُغَة أُخْرَى : قُتْر , وَأَقْتَار ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : إِنْ شِئْت أَنْ تُدْهِن أَوْ تَمُرَّا فَوَلِّهِنَّ قُتْرك الْأَشَرَّا وَقَوْله : { ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ } يَقُول : ثُمَّ سُئِلُوا الرُّجُوعَ مِنَ الْإِيمَان إِلَى الشِّرْك { لَأَتَوْهَا } يَقُول : لَفَعَلُوا وَرَجَعُوا عَنِ الْإِسْلَام وَأَشْرَكُوا , وَقَوْله : { وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا } يَقُول : وَمَا احْتَبَسُوا عَنْ إِجَابَتهمْ إِلَى الشِّرْك إِلَّا يَسِيرًا قَلِيلًا , وَلَأَسْرَعُوا إِلَى ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21639 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارهَا } أَيْ لَوْ دُخِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَة { ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ } : أَيْ الشِّرْك { لَآتَوْهَا } يَقُول : لَأَعْطَوْهَا , { وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا } يَقُول : إِلَّا أَعْطَوْهُ طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسهمْ مَا يَحْتَبِسُونَهُ . 21640 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارهَا } يَقُول : لَوْ دُخِلَتْ الْمَدِينَةُ عَلَيْهِمْ مِنْ نَوَاحِيهَا { ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَأَتَوْهَا } سُئِلُوا أَنْ يَكْفُرُوا لَكَفَرُوا ; قَالَ : وَهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ الْجُيُوش , وَالَّذِينَ يُرِيدُونَ قِتَالهمْ ثُمَّ سُئِلُوا أَنْ يَكْفُرُوا لَكَفَرُوا ; قَالَ : وَالْفِتْنَة : الْكُفْر , وَهِيَ الَّتِي يَقُول اللَّه { الْفِتْنَة أَشَدّ مِنَ الْقَتْل } 2 191 أَيْ الْكُفْر يَقُول : يَحْمِلهُمُ الْخَوْف مِنْهُمْ , وَخُبْث الْفِتْنَة الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا مِنْ النِّفَاق عَلَى أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { لَأَتَوْهَا } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض قُرَّاء مَكَّة : " لَأَتَوْهَا " بِقَصْرِ الْأَلِف , بِمَعْنَى جَاءُوهَا , وَقَرَأَهُ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { لَآتَوْهَا } بِمَدِّ الْأَلِف , بِمَعْنَى : لَأَعْطَوْهَا , لِقَوْلِهِ : ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ ; وَقَالُوا : إِذَا كَانَ سُؤَال كَانَ إِعْطَاء , وَالْمَدّ أَحَبّ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ لِمَا ذَكَرْت , وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى جَائِزَة .
وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاسورة الأحزاب الآية رقم 15
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْل لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْد اللَّه مَسْئُولًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِانْصِرَاف عَنْهُ , وَيَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَة , عَاهَدُوا اللَّه مِنْ قَبْل ذَلِكَ , أَنْ لَا يُوَلُّوا عَدُوَّهُمُ الْأَدْبَارَ , لِقَوْلِهِمْ فِي مَشْهَد لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ , فَمَا أَوْفَوْا بِعَهْدِهِمْ { وَكَانَ عَهْد اللَّه مَسْئُولًا } يَقُول : فَيَسْأَل اللَّه ذَلِكَ مَنْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ مِنْ نَفْسه , وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي بَنِي حَارِثَة لِمَا كَانَ مِنْ فِعْلهمْ فِي الْخَنْدَق بَعْد الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ بِأُحُدٍ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21641 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْل لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْد اللَّه مَسْئُولًا } وَهُمْ بَنُو حَارِثَة , وَهُمُ الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَفْشَلُوا يَوْمَ أُحُد مَعَ بَنِي سَلَمَة حِين هَمَّا بِالْفَشَلِ يَوْمَ أُحُد , ثُمَّ عَاهَدُوا اللَّهَ لَا يَعُودُونَ لِمِثْلِهَا , فَذَكَرَ اللَّه لَهُمُ الَّذِي أَعْطَوْهُ مِنْ أَنْفُسهمْ. 21642 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْل لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْد اللَّه مَسْئُولًا } قَالَ : كَانَ نَاس غَابُوا عَنْ وَقْعَة بَدْر , وَرَأَوْا مَا أَعْطَى اللَّه أَصْحَابَ بَدْر مِنَ الْكَرَامَة وَالْفَضِيلَة , فَقَالُوا : لَئِنْ أَشْهَدَنَا اللَّه قِتَالًا لَنُقَاتِلَنَّ , فَسَاقَ اللَّه ذَلِكَ إِلَيْهِمْ حَتَّى كَانَ فِي نَاحِيَة الْمَدِينَة .
قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لّا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاسورة الأحزاب الآية رقم 16
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَار إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْت أَوِ الْقَتْل وَإذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُوك فِي الِانْصِرَاف عَنْك وَيَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَة : { لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَار إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْت أَوِ الْقَتْل } يَقُول : لِأَنَّ ذَلِكَ , أَوْ مَا كَتَبَ اللَّه مِنْهُمَا وَاصِل إِلَيْكُمْ بِكُلِّ حَال , كَرِهْتُمْ أَوْ أَحْبَبْتُمْ . { وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول : وَإِذَا فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْت أَوْ الْقَتْل لَمْ يَزِدْ فِرَاركُمْ ذَلِكَ فِي أَعْمَاركُمْ وَآجَالكُمْ , بَلْ إِنَّمَا تُمَتَّعُونَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَى الْوَقْت الَّذِي كُتِبَ لَكُمْ , ثُمَّ يَأْتِيكُمْ مَا كُتِبَ لَكُمْ وَعَلَيْكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21643 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَار إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْت أَوِ الْقَتْل وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا } وَإِنَّمَا الدُّنْيَا كُلّهَا قَلِيل . 21644 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ رَبِيع بْن خَيْثَم { وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : إِلَى آجَالهمْ . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ رَبِيع بْن خَيْثَمَ { وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَجَل . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنِ الرَّبِيع بْن خَيْثَمَ مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آجَالهمْ. 21645 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة { فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا } 9 82 قَالَ : لِيَضْحَكُوا فِي الدُّنْيَا قَلِيلًا , وَلْيَبْكُوا فِي النَّار كَثِيرًا , وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : إِلَى آجَالهمْ. أَحَد هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ رَفَعَهُ إِلَى رَبِيع بْن خَيْثَمَ . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنِ الرَّبِيع بْن خَيْثَمَ { وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : الْأَجَل , وَرُفِعَ قَوْله { تُمَتَّعُونَ } وَلَمْ يُنْصَب بِإِذَنْ لِلْوَاوِ الَّتِي مَعَهَا , وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَبْلَهَا وَاو , كَانَ مَعْنَى " إِذًا " التَّأْخِير بَعْد الْفِعْل , كَأَنَّهُ قِيلَ : وَلَوْ فَرُّوا لَا يُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا إذًا , وَقَدْ يُنْصَب بِهَا أَحْيَانًا , وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَاو ; لِأَنَّ الْفِعْلَ مَتْرُوك , فَكَأَنَّهَا لِأَوَّلِ الْكَلَام .
قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًاسورة الأحزاب الآية رقم 17
قَوْله { قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمكُمْ مِنَ اللَّه إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَك وَيَقُولُونَ : إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَة هَرَبًا مِنَ الْقَتْل : مَنْ ذَا الَّذِي يَمْنَعكُمْ مِنَ اللَّه إِنْ هُوَ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ قَتْل أَوْ بَلَاء أَوْ غَيْر ذَلِكَ , أَوْ عَافِيَة وَسَلَامَة ؟ وَهَلْ مَا يَكُون بِكُمْ فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ سُوء أَوْ رَحْمَة إِلَّا مِنْ قِبَله ؟ كَمَا : 21646 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمكُمْ مِنَ اللَّه إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْر إِلَّا مَا قَضَيْت .


وَقَوْله : { وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يَجِد هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ إِنْ أَرَادَ اللَّه بِهِمْ سُوءًا فِي أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ مِنْ دُون اللَّه وَلِيًّا يَلِيهِمْ بِالْكِفَايَةِ وَلَا نَصِيرًا يَنْصُرهُمْ مِنْ اللَّه فَيَدْفَع عَنْهُمْ مَا أَرَادَ اللَّه بِهِمْ مِنْ سُوء ذَلِكَ .
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاسورة الأحزاب الآية رقم 18
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَدْ يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ يُعَوِّقُونَ النَّاسَ مِنْكُمْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصُدُّونَهُمْ عَنْهُ , وَعَنْ شُهُود الْحَرْب مَعَهُ , نِفَاقًا مِنْهُمْ , وَتَخْذِيلًا عَنْ الْإِسْلَام وَأَهْله { وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } : أَيْ تَعَالَوْا إِلَيْنَا , وَدَعُوا مُحَمَّدًا , فَلَا تَشْهَدُوا مَعَهُ مَشْهَدَهُ , فَإِنَّا نَخَاف عَلَيْكُمْ الْهَلَاك بِهَلَاكِهِ. { وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول : وَلَا يَشْهَدُونَ الْحَرْبَ وَالْقِتَالَ إِنْ شَهِدُوا إِلَّا تَعْذِيرًا , وَدَفْعًا عَنْ أَنْفُسهمْ الْمُؤْمِنِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21647 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ نَاس مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمْ : مَا مُحَمَّد وَأَصْحَابه إِلَّا أَكْلَة رَأْس , وَلَوْ كَانُوا لَحْمًا لَالْتَهَمَهُمْ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه , دَعُوا هَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّهُ هَالِك .

وَقَوْله : { وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا } : أَيْ لَا يَشْهَدُونَ الْقِتَالَ , يَغِيبُونَ عَنْهُ . 21648 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن رُومَان { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ } : أَيْ أَهْل النِّفَاق { وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا } : أَيْ إِلَّا دَفْعًا وَتَعْذِيرًا . 21649 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ } .. . إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هَذَا يَوْم الْأَحْزَاب , انْصَرَفَ رَجُل مِنْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدَ أَخَاهُ بَيْن يَدَيْهِ شِوَاء وَرَغِيف وَنَبِيذ , فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ هَهُنَا فِي الشِّوَاء وَالرَّغِيف وَالنَّبِيذ , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الرِّمَاح وَالسُّيُوف ؟ فَقَالَ : هَلُمَّ إِلَى هَذَا , فَقَدْ بَلَغَ بِك وَبِصَاحِبِك , وَالَّذِي يُحْلَف بِهِ لَا يَسْتَقْبِلهَا مُحَمَّد أَبَدًا , فَقَالَ : كَذَبْت وَالَّذِي يُحْلَف بِهِ ; قَالَ , وَكَانَ أَخَاهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمّه : أَمَا وَاللَّه لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَك ; قَالَ : وَذَهَبَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ ; قَالَ : فَوَجَدَهُ قَدْ نَزَلَ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِخَبَرِهِ { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْس إِلَّا قَلِيلًا } .
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًاسورة الأحزاب الآية رقم 19
وَقَوْله { أَشِحَّة عَلَيْكُمْ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ اللَّه بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ , فِي هَذَا الْمَوْضِع مِنْ الشُّحّ , فَقَالَ بَعْضهمْ : وَصَفَهُمْ بِالشُّحِّ عَلَيْهِمْ فِي الْغَنِيمَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21650 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَشِحَّة عَلَيْكُمْ } فِي الْغَنِيمَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ وَصَفَهُمْ بِالشُّحِّ عَلَيْهِمْ بِالْخَيْرِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21651 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { أَشِحَّة عَلَيْكُمْ } قَالَ : بِالْخَيْرِ , الْمُنَافِقُونَ , وَقَالَ غَيْره : مَعْنَاهُ : أَشِحَّة عَلَيْكُمْ بِالنَّفَقَةِ عَلَى ضُعَفَاء الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ بِالْجُبْنِ وَالشُّحّ , وَلَمْ يُخَصِّص وَصْفَهُمْ مِنْ مَعَانِي الشُّحّ , بِمَعْنًى دُون مَعْنًى , فَهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ أَشِحَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْغَنِيمَةِ وَالْخَيْر وَالنَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه , عَلَى أَهْل مَسْكَنَة الْمُسْلِمِينَ. وَنُصِبَ قَوْله { أَشِحَّة عَلَيْكُمْ } عَلَى الْحَال مِنْ ذِكْر الِاسْم الَّذِي فِي قَوْله { وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ } , كَأَنَّهُ قِيلَ : هُمْ جُبَنَاء عِنْدَ الْبَأْس , أَشِحَّاء عِنْدَ قَسْم الْغَنِيمَة بِالْغَنِيمَةِ , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ قَطْعًا مِنْ قَوْله : { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ } فَيَكُون تَأْوِيله : قَدْ يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ يُعَوِّقُونَ النَّاسَ عَلَى الْقِتَال , وَيَشِحُّونَ عِنْدَ الْفَتْح بِالْغَنِيمَةِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُونَ أَيْضًا قَطْعًا مِنْ قَوْله : { هَلُمَّ إِلَيْنَا } أَشِحَّة , وَهُمْ هَكَذَا أَشِحَّة , وَوَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا وَصَفَهُمْ مِنْ الشُّحّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , لِمَا فِي أَنْفُسهمْ لَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالضِّغْن . كَمَا : 21652 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { أَشِحَّة عَلَيْكُمْ } أَيْ لِلضِّغْنِ الَّذِي فِي أَنْفُسهمْ .


وَقَوْله : { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْف } . .. إِلَى قَوْله { مِنَ الْمَوْت } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا حَضَرَ الْبَأْس , وَجَاءَ الْقِتَال , خَافُوا الْهَلَاكَ وَالْقَتْلَ , رَأَيْتهمْ يَا مُحَمَّد يَنْظُرُونَ إِلَيْك لِوَاذًا بِك , تَدُور أَعْيُنهمْ , خَوْفًا مِنْ الْقَتْل , وَفِرَارًا مِنْهُ . { كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت } يَقُول : كَدَوَرَانِ عَيْن الَّذِي يَغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْت النَّازِل بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21653 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْف رَأَيْتهمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك تَدُور أَعْيُنهمْ } مِنَ الْخَوْف . 21654 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْف رَأَيْتهمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك تَدُور أَعْيُنهمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت } : أَيْ إِعْظَامًا وَفَرْقًا مِنْهُ .


{ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْف } يَقُول : فَإِذَا انْقَطَعَتْ الْحَرْب وَاطْمَأَنُّوا { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } . وَأَمَّا قَوْله { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } , فَإِنَّهُ يَقُول : عَضُّوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ ذَرِبَة , وَيُقَال لِلرَّجُلِ الْخَطِيب الذَّرِب اللِّسَان : خَطِيب مُسْلِق وَمُصْلِق , وَخَطِيب سَلَّاق وَصَلَّاق . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ تَعَالَى ذِكْره هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ يَسْلُقُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ سَلْقهمْ إِيَّاهُمْ عِنْدَ الْغَنِيمَة , بِمَسْأَلَتِهِمْ الْقَسْم لَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21655 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْف سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } أَمَّا عِنْد الْغَنِيمَة , فَأَشَحّ قَوْم , وَأَسْوَأ مُقَاسَمَة : أَعْطُونَا أَعْطُونَا , فَإِنَّا قَدْ شَهِدْنَا مَعَكُمْ , وَأَمَّا عِنْدَ الْبَأْس فَأَجْبَن قَوْم , وَأَخْذَله لِلْحَقِّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ سَلْقهمْ إِيَّاهُمْ بِالْأَذَى . ذُكِرَ ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس : 21656 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } قَالَ : اسْتَقْبَلُوكُمْ . 21657 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } قَالَ : كَلَّمُوكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُمْ يَسْلُقُونَهُمْ مِنَ الْقَوْل بِمَا تُحِبُّونَ , نِفَاقًا مِنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21658 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْف سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } فِي الْقَوْل بِمَا تُحِبُّونَ , لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ آخِرَة , وَلَا تَحْمِلهُمْ حِسْبَة , فَهُمْ يَهَابُونَ الْمَوْتَ هَيْبَةَ مَنْ لَا يَرْجُو مَا بَعْدَهُ . وَأَشْبَه هَذِهِ الْأَقْوَال بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل قَوْل مَنْ قَالَ { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد أَشِحَّة عَلَى الْخَيْر } فَأَخْبَرَ أَنَّ سَلْقهمْ الْمُسْلِمِينَ شُحًّا مِنْهُمْ عَلَى الْغَنِيمَة وَالْخَيْر , فَمَعْلُوم إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , أَنَّ ذَلِكَ لِطَلَبِ الْغَنِيمَة . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِطَلَبِ الْغَنِيمَة , دَخَلَ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : سَلَقُوكُمْ بِالْأَذَى ; لِأَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لَا شَكَّ أَنَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَذًى , وَقَوْله : { أَشِحَّة عَلَى الْخَيْر } يَقُول : أَشِحَّة عَلَى الْغَنِيمَة , إِذَا ظَفِرَ الْمُؤْمِنُونَ . وَقَوْله : { لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّه أَعْمَالَهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات , لَمْ يُصَدِّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَلَكِنَّهُمْ أَهْل كُفْر وَنِفَاق. { فَأَحْبَطَ اللَّه أَعْمَالَهُمْ } يَقُول : فَأَذْهَبَ اللَّه أُجُور أَعْمَالهمْ وَأَبْطَلَهَا , وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِي وُصِفَ بِهَذِهِ الصِّفَة كَانَ بَدْرِيًّا , فَأَحْبَطَ اللَّه عَمَلَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21659 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا } قَالَ : فَحَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ بَدْرِيًّا , وَأَنَّ قَوْله : { أَحْبَطَ اللَّه أَعْمَالَهُمْ } : أَحْبَطَ اللَّه عَمَلَهُ يَوْمَ بَدْر . وَقَوْله : { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ إِحْبَاط عَمَلهمْ الَّذِي كَانُوا عَمِلُوا قَبْل ارْتِدَادهمْ وَنِفَاقهمْ عَلَى اللَّه يَسِيرًا .
يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاسورة الأحزاب الآية رقم 20
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَحْسِب هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْأَحْزَابَ , وَهُمْ قُرَيْش وَغَطَفَان . كَمَا : 21660 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { يَحْسِبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } قُرَيْش وَغَطَفَان . وَقَوْله : { لَمْ يَذْهَبُوا } يَقُول : لَمْ يَنْصَرِفُوا , وَإِنْ كَانُوا قَدْ انْصَرَفُوا جُبْنًا وَهَلَعًا مِنْهُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21661 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } قَالَ : يَحْسَبُونَهُمْ قَرِيبًا. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ قَدْ ذَهَبُوا , فَإِذَا وَجَدُوهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا وَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَاب " .

وَقَوْله : { وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَاب يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ يَأْتِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَحْزَابُ وَهُمْ الْجَمَاعَة : وَاحِدهمْ حِزْب { يَوَدُّوا } يَقُول : يَتَمَنَّوْا مِنَ الْخَوْف وَالْجُبْن أَنَّهُمْ غُيَّب عَنْكُمْ فِي الْبَادِيَة مَعَ الْأَعْرَاب خَوْفًا مِنَ الْقَتْل , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ : { لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَاب } تَقُول : قَدْ بَدَا فُلَان إِذَا صَارَ فِي الْبَدْو فَهُوَ يَبْدُو , وَهُوَ بَادٍ ; وَأَمَّا الْأَعْرَاب : فَإِنَّهُمْ جَمْع أَعْرَابِيّ , وَوَاحِد الْعَرَب عَرَبِيّ , وَإِنَّمَا قِيلَ أَعْرَابِيّ لِأَهْلِ الْبَدْو , فَرْقًا بَيْنَ أَهْل الْبَوَادِي وَالْأَمْصَار , فَجَعَلَ الْأَعْرَاب لِأَهْلِ الْبَادِيَة , وَالْعَرَب لِأَهْلِ الْمِصْر .


وَقَوْله : { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ } يَقُول : يَسْتَخْبِر هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ النَّاسَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ , يَعْنِي عَنْ أَخْبَاركُمْ بِالْبَادِيَةِ , هَلْ هَلَكَ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ؟ نَقُول : يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَسْمَعُوا أَخْبَارَكُمْ بِهَلَاكِكُمْ , أَنْ لَا يَشْهَدُوا مَعَكُمْ مَشَاهِدكُمْ . { وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : وَلَوْ كَانُوا أَيْضًا فِيكُمْ مَا نَفَعُوكُمْ , وَمَا قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَّا قَلِيلًا . يَقُول : إِلَّا تَعْذِيرًا ; لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَهُمْ حِسْبَة وَلَا رَجَاء ثَوَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21662 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ } قَالَ : أَخْبَاركُمْ , وَقَرَأَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار جَمِيعًا سِوَى عَاصِم الْجَحْدَرِيّ : { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ } بِمَعْنَى : يَسْأَلُونَ مَنْ قَدَمَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّاس عَنْ أَنْبَاء عَسْكَركُمْ وَأَخْبَاركُمْ , وَذُكِرَ عَنْ عَاصِم الْجَحْدَرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " يَسَّاءَلُونَ " بِتَشْدِيدِ السِّين , بِمَعْنَى : يَتَسَاءَلُونَ : أَيْ يَسْأَل بَعْضهمْ بَعْضًا عَنْ ذَلِكَ. وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ.
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًاسورة الأحزاب الآية رقم 21
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { أُسْوَة } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : " إِسْوَةٌ " بِكَسْرِ الْأَلِف , خَلَا عَاصِم بْن أَبِي النَّجُود , فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالضَّمِّ : { أُسْوَة } , وَكَانَ يَحْيَى بْن وَثَّاب يَقْرَأ هَذِهِ بِالْكَسْرِ , وَيَقْرَأ قَوْله { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَة } بِالضَّمِّ , وَهُمَا لُغَتَانِ , وَذُكِرَ أَنَّ الْكَسْر فِي أَهْل الْحِجَاز , وَالضَّمّ فِي قَيْس . يَقُولُونَ : أُسْوَة , وَأُخْوَة . وَهَذَا عِتَاب مِنَ اللَّه لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَسْكَره بِالْمَدِينَةِ , مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ . يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة , أَنْ تَتَأَسَّوْا بِهِ , وَتَكُونُوا مَعَهُ حَيْثُ كَانَ , وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَنْهُ . { لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ } يَقُول : فَإِنَّ مَنْ يَرْجُو ثَوَابَ اللَّه وَرَحْمَتَهُ فِي الْآخِرَة لَا يَرْغَب بِنَفْسِهِ , وَلَكِنَّهُ تَكُون لَهُ بِهِ أُسْوَة فِي أَنْ يَكُون مَعَهُ حَيْثُ يَكُون هُوَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21663 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان , قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر } أَنْ لَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسه , وَلَا عَنْ مَكَان هُوَ بِهِ . { وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } يَقُول : وَأَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّه فِي الْخَوْف وَالشِّدَّة وَالرَّخَاء .
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًاسورة الأحزاب الآية رقم 22
وَقَوْله : { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَاب } يَقُول : وَلَمَّا عَايَنَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُوله جَمَاعَات الْكُفَّار قَالُوا تَسْلِيمًا مِنْهُمْ لِأَمْرِ اللَّه , وَإِيقَانًا مِنْهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنْجَاز وَعْده لَهُمْ , الَّذِي وَعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ } 2 214 إِلَى قَوْله { قَرِيب } هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله , وَصَدَقَ اللَّه وَرَسُوله , فَأَحْسَنَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ يَقِينهمْ , وَتَسْلِيمهمْ لِأَمْرِهِ الثَّنَاء , فَقَالَ : وَمَا زَادَهُمْ اجْتِمَاع الْأَحْزَاب عَلَيْهِمْ إِلَّا إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَسْلِيمًا لِقَضَائِهِ وَأَمْره , وَرَزَقَهُمْ بِهِ النَّصْر وَالظَّفَر عَلَى الْأَعْدَاء , وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21664 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ } . . . الْآيَة قَالَ : ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهُمْ فِي سُورَة الْبَقَرَة { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ } 2 214 ... إِلَى قَوْله { إِنَّ نَصْر اللَّه قَرِيب } قَالَ : فَلَمَّا مَسَّهُمُ الْبَلَاء حَيْثُ رَابَطُوا الْأَحْزَاب فِي الْخَنْدَق , تَأَوَّلَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ , وَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا . 21665 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان , قَالَ : ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَصِدْقهمْ وَتَصْدِيقهمْ بِمَا وَعَدَهُمْ اللَّه مِنَ الْبَلَاء يَخْتَبِرهُمْ بِهِ { قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله وَصَدَقَ اللَّه وَرَسُوله وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } : أَيْ صَبْرًا عَلَى الْبَلَاء , وَتَسْلِيمًا لِلْقَضَاءِ , وَتَصْدِيقًا بِتَحْقِيقِ مَا كَانَ اللَّه وَعَدَهُمْ وَرَسُوله . 21666 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله وَصَدَقَ اللَّه وَرَسُوله } وَكَانَ اللَّه قَدْ وَعَدَهُمْ فِي سُورَة الْبَقَرَة فَقَالَ : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَل الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُول وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } خَيْرهمْ وَأَصْبَرهمْ وَأَعْلَمهُمْ بِاللَّهِ { مَتَى نَصْر اللَّه أَلَا إِنَّ نَصْر اللَّه قَرِيب } هَذَا وَاللَّه الْبَلَاء وَالنَّقْص الشَّدِيد , وَإِنَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَوْا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الشِّدَّة وَالْبَلَاء { قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله وَصَدَقَ اللَّه وَرَسُوله وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } وَتَصْدِيقًا بِمَا وَعَدَهُمْ اللَّه , وَتَسْلِيمًا لِقَضَاءِ اللَّه.
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاسورة الأحزاب الآية رقم 23
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } بِاللَّهِ وَرَسُوله { رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ } يَقُول : أَوْفَوْا بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّبْر عَلَى الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء , وَحِين الْبَأْس { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } يَقُول : فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَغَ مِنَ الْعَمَل الَّذِي كَانَ نَذَرَهُ اللَّه وَأَوْجَبَهُ لَهُ عَلَى نَفْسه , فَاسْتُشْهِدَ بَعْض يَوْم بَدْر , وَبَعْض يَوْم أُحُد , وَبَعْض فِي غَيْر ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاطِن { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } قَضَاءَهُ وَالْفَرَاغ مِنْهُ , كَمَا قَضَى مَنْ مَضَى مِنْهُمْ عَلَى الْوَفَاء لِلَّهِ بِعَهْدِهِ , وَالنَّصْر مِنَ اللَّه , وَالظَّفَر عَلَى عَدُوّه , وَالنَّحْب : النَّذْر فِي كَلَام الْعَرَب , وَلِلنَّحْبِ أَيْضًا فِي كَلَامهمْ وُجُوه غَيْر ذَلِكَ , مِنْهَا الْمَوْت , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : قَضَى نَحْبه فِي مُلْتَقَى الْقَوْم هَوْبَر يَعْنِي : مَنِيَّته وَنَفْسه ; وَمِنْهَا الْخَطَر الْعَظِيم , كَمَا قَالَ جَرِير : بِطَخْفَةَ جَالَدْنَا الْمُلُوك وَخَلَّيْنَا عَشِيَّةَ بِسِطَامٍ جَرَيْنَ عَلَى نَحْب أَيْ عَلَى خَطَر عَظِيم ; وَمِنْهَا النَّحِيب , يُقَال : نَحَبَ فِي سَيْره يَوْمه أَجْمَعَ : إِذَا مَدّ فَلَمْ يَنْزِل يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ ; وَمِنْهَا التَّنْحِيب , وَهُوَ الْخِطَار , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَإِذْ نَحَّبَتْ كَلْب عَلَى النَّاس أَيّهمْ أَحَقّ بِتَاجِ الْمَاجِد الْمُتَكَوِّم ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21667 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } : أَيْ وَفُّوا اللَّهَ بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } أَيْ فَرَغَ مِنْ عَمَله , وَرَجَعَ إِلَى رَبّه , كَمَنْ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْر وَيَوْم أُحُد { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } مَا وَعَدَ اللَّه مِنْ نَصْره وَالشَّهَادَة عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَصْحَابه . 21668 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : عَهْدَهُ فَقُتِلَ أَوْ عَاشَ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } يَوْمًا فِيهِ جِهَاد , فَيَقْضِي نَحْبه عَهْده , فَيُقْتَل أَوْ يَصْدُق فِي لِقَائِهِ . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : عَهْدَهُ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } قَالَ : يَوْمًا فِيهِ قِتَال , فَيَصْدُق فِي اللِّقَاء . * قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : مَاتَ عَلَى الْعَهْد . 21669 -قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن فُلَان - قَدْ سَمَّاهُ ذَهَبَ عَنِّي اسْمه -عَنْ أَبِيهِ { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : نَذْرَهُ . 21670 -حَدَّثَنَا ابْن إِدْرِيس , عَنْ طَلْحَة بْن يَحْيَى , عَنْ عَمّه عِيسَى بْن طَلْحَة : أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَأَلَهُ : مَنْ الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبهمْ ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ , ثُمَّ سَأَلَهُ , فَأَعْرَضَ عَنْهُ , وَدَخَلَ طَلْحَة مِنْ بَاب الْمَسْجِد وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ , فَقَالَ : " هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبهمْ " . 21671 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنِ الْحَسَن , قَوْله { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : مَوْته عَلَى الصِّدْق وَالْوَفَاء . { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } الْمَوْت عَلَى مِثْل ذَلِكَ , وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ تَبْدِيلًا . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق , عَنْ مُجَاهِد { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } قَالَ : النَّحْب : الْعَهْد . 21672 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } عَلَى الصِّدْق وَالْوَفَاء { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } مِنْ نَفْسه الصِّدْق وَالْوَفَاء . 21673 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : مَاتَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ التَّصْدِيق وَالْإِيمَان { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } ذَلِكَ . 21674 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي بُكَيْر , قَالَ شَرِيك بْن عَبْد اللَّه , أُخْبِرْنَاهُ عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : الْمَوْت عَلَى مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } الْمَوْت عَلَى مَا عَاهَدَ اللَّه عَلَيْهِ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا , فَعَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ يَفُوا قِتَالًا لِلْمُشْرِكِينَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْفَى فَقَضَى نَحْبه , وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ , وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْفَى وَلَمْ يَقْضِ نَحْبه , وَكَانَ مُنْتَظِرًا , عَلَى مَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ صِفَاتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21675 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ ثَابِت , عَنْ أَنَس , أَنَّ أَنَسَ بْن النَّضْر تَغَيَّبَ عَنْ قِتَال بَدْر , فَقَالَ : تَغَيَّبْت عَنْ أَوَّل مَشْهَد شَهِدَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَئِنْ رَأَيْت قِتَالًا لَيَرَيَنَّ اللَّه مَا أَصْنَع ; فَلَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد , وَهُزِمَ النَّاس , لَقِيَ سَعْد بْن مُعَاذ فَقَالَ : وَاللَّه إِنِّي لَأَجِد رِيح الْجَنَّة , فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ , فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا حُمَيْد , قَالَ : زَعَمَ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : غَابَ أَنَس بْن النَّضْر , عَنْ قِتَال يَوْم بَدْر , فَقَالَ : غِبْت عَنْ قِتَال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ , لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّه قِتَالًا , لَيَرَيَنَّ اللَّه مَا أَصْنَع ; فَلَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد , انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ , فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ , وَأَعْتَذِر إِلَيْك مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ , يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ , فَمَشَى بِسَيْفِهِ , فَلَقِيَهُ سَعْد بْن مُعَاذ , فَقَالَ : أَيْ سَعْد إِنِّي لَأَجِد رِيحَ الْجَنَّة دُونَ أُحُد , فَقَالَ سَعْد : يَا رَسُول اللَّه فَمَا اسْتَطَعْت أَنْ أَصْنَع مَا صَنَعَ . قَالَ أَنَس بْن مَالِك : فَوَجَدْنَاهُ بَيْن الْقَتْلَى , بِهِ بِضْع ثَمَانُونَ جِرَاحَة , بَيْن ضَرْبَة بِسَيْفٍ , وَطَعْنَة بِرُمْحٍ , وَرَمْيَة بِسَهْمٍ , فَمَا عَرَفْنَاهُ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْته بِبَنَانِهِ . قَالَ أَنَس : فَكُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ هَذِهِ الْآيَة { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } نَزَلَتْ فِيهِ , وَفِي أَصْحَابه. * حَدَّثَنَا سِوَار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت حُمَيْدًا يُحَدِّث , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , أَنَّ أَنَس بْن النَّضْر , غَابَ عَنْ قِتَال بَدْر , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 21676 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا طَلْحَة بْن يَحْيَى , عَنْ مُوسَى وَعِيسَى بْن طَلْحَة عَنْ طَلْحَة أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : وَكَانُوا لَا يَجْرُءُونَ عَلَى مَسْأَلَته , فَقَالُوا لِلْأَعْرَابِيِّ : سَلْهُ { مَنْ قَضَى نَحْبه } مَنْ هُوَ ؟ فَسَأَلَهُ , فَأَعْرَضَ عَنْهُ , ثُمَّ سَأَلَهُ , فَأَعْرَضَ عَنْهُ , ثُمَّ دَخَلْت مِنْ بَاب الْمَسْجِد وَعَلَيَّ ثِيَاب خُضْر ; فَلَمَّا رَآنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَيْنَ السَّائِلِي عَمَّنْ قَضَى نَحْبه ؟ " قَالَ الْأَعْرَابِيّ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه , قَالَ : " هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبه " . 21677 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الْحَمِيد الْحِمَّانِيّ , عَنْ إِسْحَاق بْن يَحْيَى الطَّلْحِيّ , عَنْ مُوسَى بْن طَلْحَة , قَالَ : قَامَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان , فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " طَلْحَة مِمَّنْ قَضَى نَحْبه " . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن تَمَّام الْكَلْبِيّ , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن أَيُّوب , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ إِسْحَاق , عَنْ يَحْيَى بْن طَلْحَة , عَنْ عَمّه مُوسَى بْن طَلْحَة , عَنْ أَبِيهِ طَلْحَة , قَالَ : لَمَّا قَدِمْنَا مِنْ أُحُد وَصِرْنَا بِالْمَدِينَةِ , صَعِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَر , فَخَطَبَ النَّاس وَعَزَّاهُمْ , وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْأَجْر , ثُمَّ قَرَأَ : { رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } . . . الْآيَة , قَالَ : فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُل فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَالْتَفَتَ وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ , فَقَالَ : " أَيّهَا السَّائِل هَذَا مِنْهُمْ ".

وَقَوْله : { وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } : وَمَا غَيَّرُوا الْعَهْدَ الَّذِي عَاقَدُوا رَبَّهُمْ تَغْيِيرًا , كَمَا غَيَّرَهُ الْمُعَوِّقُونَ الْقَائِلُونَ لِإِخْوَانِهِمْ : هَلُمَّ إِلَيْنَا , وَالْقَائِلُونَ : إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21678 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } يَقُول : مَا شَكُّوا وَمَا تَرَدَّدُوا فِي دِينهمْ , وَلَا اسْتَبْدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ . 21679 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } : لَمْ يُغَيِّرُوا دِينَهُمْ كَمَا غَيَّرَ الْمُنَافِقُونَ .
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًاسورة الأحزاب الآية رقم 24
وَقَوْله : { لِيَجْزِيَ اللَّه الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ - لِيَجْزِيَ اللَّه الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } : يَقُول : لِيُثِيبَ اللَّه أَهْل الصِّدْق بِصِدْقِهِمْ اللَّه بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ , وَوَفَائِهِمْ لَهُ بِهِ { وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ } بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَنِفَاقهمْ { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } مِنْ نِفَاقهمْ , فَيَهْدِيهِمْ لِلْإِيمَانِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21680 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } يَقُول : إِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ النِّفَاق إِلَى الْإِيمَان. إِنْ قَالَ قَائِل : مَا وَجْه الشَّرْط فِي قَوْله { وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ } بِقَوْلِهِ : { إِنْ شَاءَ } وَالْمُنَافِق كَافِر وَهَلْ يَجُوز أَنْ لَا يَشَاءَ تَعْذِيبَ الْمُنَافِقَ , فَيُقَال وَيُعَذِّبهُ إِنْ شَاءَ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْوَجْه الَّذِي تَوَهَّمْته . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ بِأَنْ لَا يُوَفِّقَهُمْ لِلتَّوْبَةِ مِنْ نِفَاقهمْ حَتَّى يَمُوتُوا عَلَى كُفْرهمْ إِنْ شَاءَ , فَيَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ الْعَذَاب , فَالِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا هُوَ مِنْ التَّوْفِيق لَا مِنَ الْعَذَاب إِنْ مَاتُوا عَلَى نِفَاقهمْ . وَقَدْ بَيَّنَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَوْله : { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَنْ : وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ إِذْ لَمْ يَهْدِهِمْ لِلتَّوْبَةِ , فَيُوَفِّقهُمْ لَهَا , أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فَلَا يُعَذِّبهُمْ .


وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ كَانَ ذَا سِتْر عَلَى ذُنُوب التَّائِبِينَ , رَحِيمًا بِالتَّائِبِينَ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بَعْدَ التَّوْبَة .
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًاسورة الأحزاب الآية رقم 25
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَرَدَّ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَرَدَّ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا } بِهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ قُرَيْش وَغَطَفَان { بِغَيْظِهِمْ } يَقُول : بِكَرْبِهِمْ وَغَمّهمْ , بِفَوْتِهِمْ مَا أَمَلُوا مِنْ الظَّفَر , وَخَيْبَتهمْ مِمَّا كَانُوا طَمِعُوا فِيهِ مِنَ الْغَلَبَة { لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } يَقُول : لَمْ يُصِيبُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَالًا وَلَا إِسَارًا { وَكَفَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } بِجُنُودٍ مِنَ الْمَلَائِكَة وَالرِّيح الَّتِي بَعَثَهَا عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21681 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَرَدَّ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } الْأَحْزَاب . 21682 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَرَدَّ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } وَذَلِكَ يَوْم أَبِي سُفْيَان وَالْأَحْزَاب , رَدَّ اللَّه أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا { وَكَفَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } بِالْجُنُودِ مِنْ عِنْده , وَالرِّيح الَّتِي بَعَثَ عَلَيْهِمْ . 21683 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { وَرَدَّ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } : أَيْ قُرَيْش وَغَطَفَان . 21684 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا شَبَابَة , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي ذِئْب , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَق عَنِ الصَّلَاة , فَلَمْ نُصَلِّ الظُّهْرَ , وَلَا الْعَصْرَ , وَلَا الْمَغْرِبَ , وَلَا الْعِشَاءَ , حَتَّى كَانَ بَعْد الْعِشَاء بِهَوِيٍّ كُفِينَا , وَأَنْزَلَ اللَّه : { وَكَفَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّه قَوِيًّا عَزِيزًا } فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا , فَأَقَامَ الصَّلَاةَ , وَصَلَّى الظُّهْرَ , فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا , كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتهَا , ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ كَذَلِكَ , ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ كَذَلِكَ , ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ كَذَلِكَ , جَعَلَ لِكُلِّ صَلَاة إِقَامَة , وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ صَلَاة الْخَوْف { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } 2 239 * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي فُدَيْك , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي ذِئْب , عَنِ الْمَقْبُرِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي سَعِيد , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَق , فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

وَقَوْله : { وَكَانَ اللَّه قَوِيًّا عَزِيزًا } يَقُول : وَكَانَ اللَّه قَوِيًّا عَلَى فِعْل مَا يَشَاء فِعْله بِخَلْقِهِ , فَيَنْصُر مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ شَاءَ أَنْ يَخْذُلَهُ , لَا يَغْلِبهُ غَالِب ; { عَزِيزًا } يَقُول : هُوَ شَدِيد انْتِقَامه مِمَّنْ انْتَقَمَ مِنْهُ مِنْ أَعْدَائِهِ . كَمَا : 21685 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَكَانَ اللَّه قَوِيًّا عَزِيزًا } : قَوِيًّا فِي أَمْره , عَزِيزًا فِي نِقْمَته .
وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًاسورة الأحزاب الآية رقم 26
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ صَيَاصِيهمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبهمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنْزَلَ اللَّه الَّذِينَ أَعَانُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْش وَغَطَفَان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , وَذَلِكَ هُوَ مُظَاهَرَتهمْ إِيَّاهُ , وَعَنَى بِذَلِكَ بَنِي قُرَيْظَةَ , وَهُمُ الَّذِينَ ظَاهَرُوا الْأَحْزَاب عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَوْله { مِنْ أَهْل الْكِتَاب } يَعْنِي : مِنْ أَهْل التَّوْرَاة , وَكَانُوا يَهُود : وَقَوْله : { مِنْ صَيَاصِيهمْ } يَعْنِي : مِنْ حُصُونهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21686 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب } قَالَ قُرَيْظَة , يَقُول : أَنْزَلَهُمْ مِنْ صَيَاصِيهمْ . 21687 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب } وَهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ , ظَاهَرُوا أَبَا سُفْيَان وَرَاسَلُوهُ , فَنَكَثُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نَبِيّ اللَّه . قَالَ : فَبَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْت جَحْش يَغْسِل رَأْسَهُ , وَقَدْ غَسَلَتْ شِقّه , إِذْ أَتَاهُ جَبْرَائِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : عَفَا اللَّه عَنْك , مَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَة سِلَاحَهَا مُنْذُ أَرْبَعِينَ لَيْلَة , فَانْهَضْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة , فَإِنِّي قَدْ قَطَعْت أَوْتَارهمْ , وَفَتَحْت أَبْوَابَهُمْ , وَتَرَكْتهمْ فِي زِلْزَال وَبِلْبَال ; قَالَ : فَاسْتَلْأَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ سَلَكَ سِكَّة بَنِي غَنْم , فَاتَّبَعَهُ النَّاس وَقَدْ عَصَبَ حَاجِبَهُ بِالتُّرَابِ ; قَالَ : فَأَتَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرُوهُمْ وَنَادَاهُمْ : يَا إِخْوَان الْقِرَدَةِ , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم مَا كُنْت فَحَّاشًا , فَنَزَلُوا عَلَى حُكْم ابْن مُعَاذ , وَكَانَ بَيْنهمْ وَبَيْنَ قَوْمه حِلْف , فَرَجَوْا أَنْ تَأْخُذَهُ فِيهِمْ هَوَادَة , وَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَبُو لُبَابَة أَنَّهُ الذَّبْح , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } 8 27 فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَل مُقَاتِلَتهمْ , وَأَنْ تُسْبَى ذَرَارِيّهمْ , وَأَنَّ عَقَارَهُمْ لِلْمُهَاجِرِينَ دُونَ الْأَنْصَار , فَقَالَ قَوْمه وَعَشِيرَته : آثَرْت الْمُهَاجِرِينَ بِالْعَقَارِ عَلَيْنَا ; قَالَ : فَإِنَّكُمْ كُنْتُمْ ذَوِي عَقَار , وَإِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا لَا عَقَار لَهُمْ , وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ وَقَالَ : " قَضَى فِيكُمْ بِحُكْمِ اللَّه " . 21688 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : لَمَّا انْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَنْدَق رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَة وَالْمُسْلِمُونَ , وَوَضَعُوا السِّلَاحَ , فَلَمَّا كَانَتْ الظُّهْر أَتَى جِبْرِيل رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَمَا : 21689 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ ابْن شِهَاب الزُّهْرِيّ - مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَق , عَلَى بَغْلَة عَلَيْهَا رَحَّالَة , عَلَيْهَا قَطِيفَة مِنْ دِيبَاج ; فَقَالَ : أَقَدْ وَضَعْت السِّلَاحَ يَا رَسُولَ اللَّه ؟ قَالَ : " نَعَمْ " , قَالَ جِبْرِيل : مَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَة السِّلَاحَ بَعْدُ مَا رَجَعْت الْآنَ إِلَّا مِنْ طَلَب الْقَوْم , إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرك يَا مُحَمَّد بِالسَّيْرِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة , وَأَنَا عَامِد إِلَى بَنِي قُرَيْظَة , فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا , فَأَذَّنَ فِي النَّاس : إِنَّ مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا فَلَا يُصَلِّيَنَّ الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة , وَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِرَايَتِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة وَابْتَدَرَهَا النَّاس , فَسَارَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الْحُصُون , سَمِعَ مِنْهَا مَقَالَة قَبِيحَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ فَرَجَعَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّرِيقِ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه لَا عَلَيْك أَلَّا تَدْنُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَخْبَاث , قَالَ : " لِمَ ؟ أَظُنّك سَمِعْت لِي مِنْهُمْ أَذًى " , قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّه . قَالَ : " لَوْ قَدْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا " . فَلَمَّا دَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُصُونهمْ قَالَ : " يَا إِخْوَان الْقِرَدَة هَلْ أَخْزَاكُمْ اللَّه وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَته ؟ " قَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم , مَا كُنْت جَهُولًا ; وَمَرَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابه بِالصُّورَيْنِ قَبْل أَنْ يَصِل إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ , فَقَالَ : " هَلْ مَرَّ بِكُمْ أَحَد ؟ " فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه , قَدْ مَرَّ بِنَا دِحْيَة بْن خَلِيفَة الْكَلْبِيّ عَلَى بَغْلَة بَيْضَاء عَلَيْهَا رَحَّالَة عَلَيْهَا قَطِيفَة دِيبَاج , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ذَاكَ جَبْرَائِيل بُعِثَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة يُزَلْزِل بِهِمْ حُصُونهمْ , وَيَقْذِف الرُّعْب فِي قُلُوبهمْ " ; فَلَمَّا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَة ; نَزَلَ عَلَى بِئْر مِنْ آبَارهَا فِي نَاحِيَة مِنْ أَمْوَالهمْ يُقَال لَهَا : بِئْر أَنَّا , فَتَلَاحَقَ بِهِ النَّاس , فَأَتَاهُ رِجَال مِنْ بَعْد الْعِشَاء الْآخِرَة , وَلَمْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ لِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَد الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة " , فَصَلَّوْا الْعَصْر فَمَا عَابَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ فِي كِتَابه وَلَا عَنَّفَهُمْ بِهِ رَسُوله . 21690 -وَالْحَدِيث عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مَعْبَد بْن كَعْب بْن مَالِك الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : وَحَاصَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة حَتَّى جَهَدَهُمْ الْحِصَار وَقَذَفَ اللَّه فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب , وَقَدْ كَانَ حُيَيّ بْن أَخْطَبَ دَخَلَ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنهمْ حِين رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْش وَغَطَفَان وَفَاءً لِكَعْبِ بْن أَسَد بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ ; فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر مُنْصَرِف عَنْهُمْ حَتَّى يُنَاجِزَهُمْ , قَالَ كَعْب بْن أَسَد لَهُمْ : يَا مَعْشَر يَهُود , إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْأَمْر مَا تَرَوْنَ , وَإِنِّي عَارِض عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا , فَخُذُوا أَيّهَا ; قَالُوا : وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : نُبَايِع هَذَا الرَّجُلَ وَنُصَدِّقهُ , فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَنَبِيّ مُرْسَل , وَأَنَّهُ الَّذِي كُنْتُمْ تَجِدُونَهُ فِي كِتَابكُمْ , فَتَأْمَنُوا عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ , قَالُوا : لَا نُفَارِق حُكْم التَّوْرَاة أَبَدًا , وَلَا نَسْتَبْدِل بِهِ غَيْره ; قَالَ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ هَذِهِ عَلَيَّ , فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا , ثُمَّ نَخْرُج إِلَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه رِجَالًا مُصْلَتِينَ بِالسُّيُوفِ , وَلَمْ نَتْرُك وَرَاءَنَا ثِقَلًا يُهِمّنَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّه بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّد , فَإِنْ نَهْلِك نَهْلِك وَلَمْ نَتْرُك وَرَاءَنَا شَيْئًا نَخْشَى عَلَيْهِ , وَإِنْ نَظْهَر فَلَعَمْرِي لَنَتَّخِذَنَّ النِّسَاء وَالْأَبْنَاءَ , قَالُوا : نَقْتُل هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِين , فَمَا خَيْر الْعَيْش بَعْدَهُمْ ; قَالَ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ هَذِهِ عَلَيَّ , فَإِنَّ اللَّيْلَة لَيْلَة السَّبْت , وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُون مُحَمَّد وَأَصْحَابه قَدْ أَمِنُوا , فَانْزِلُوا لَعَلَّنَا أَنْ نُصِيبَ مِنْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه غِرَّة . قَالُوا : نُفْسِد سَبْتَنَا وَنُحْدِث فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَحْدَثَ فِيهِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا ؟ أَمَّا مَنْ قَدْ عَلِمْت فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْمَسْخ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك ؟ قَالَ : مَا بَاتَ رَجُل مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمّه لَيْلَة وَاحِدَة مِنْ الدَّهْر حَازِمًا , قَالَ : ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعَثُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَة بْن عَبْد الْمُنْذِر أَخَا بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَكَانُوا مِنْ حُلَفَاء الْأَوْس , نَسْتَشِيرهُ فِي أَمْرنَا ; فَأَرْسَلَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَال , وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاء وَالصِّبْيَان يَبْكُونَ فِي وَجْهه , فَرَقَّ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ : يَا أَبَا لُبَابَة , أَتَرَى أَنْ نَنْزِل عَلَى حُكْم مُحَمَّد ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقه , إِنَّهُ الذَّبْح ; قَالَ أَبُو لُبَابَة : فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ حَتَّى عَرَفْت أَنِّي قَدْ خُنْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ ; ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَة عَلَى وَجْهه , وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِد إِلَى عَمُود مِنْ عُمُده وَقَالَ : لَا أَبْرَح مَكَانِي حَتَّى يَتُوبَ اللَّه عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْت وَعَاهَدَ اللَّه لَا يَطَأ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا وَلَا يَرَانِي اللَّه فِي بَلَد خُنْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا . فَلَمَّا بَلَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَره , وَكَانَ قَدْ اسْتَبْطَأَهُ , قَالَ : " أَمَّا إِنَّهُ لَوْ كَانَ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْت لَهُ . أَمَا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ , فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقهُ مِنْ مَكَانه حَتَّى يَتُوبَ اللَّه عَلَيْهِ " ; ثُمَّ إِنَّ ثَعْلَبَةَ بْن سعية , وَأُسِيد بْن سعية , وَأَسَد بْن عُبَيْد , وَهُمْ نَفَر مِنْ بَنِي هُذَيْل لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَة , وَلَا النَّضِير , نَسَبهمْ فَوْق ذَلِكَ , هُمْ بَنُو عَمّ الْقَوْم , أَسْلَمُوا تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا قُرَيْظَة عَلَى حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة عَمْرو بْن سُعْدَى الْقُرَظِيّ , فَمَرَّ بِحَرَسِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَلَيْهِ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيّ تِلْكَ اللَّيْلَة ; فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : عَمْرو بْن سُعْدَى ; وَكَانَ عَمْرو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُل مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرهمْ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : لَا أَغْدِر بِمُحَمَّدٍ أَبَدًا , فَقَالَ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ حِين عَرَفَهُ : اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنِي إِقَالَة عَثَرَات الْكِرَام , ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ ; فَخَرَجَ عَلَى وَجْهه حَتَّى بَاتَ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ اللَّيْلَة , ثُمَّ ذَهَبَ , فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ مِنْ أَرْض اللَّه إِلَى يَوْمه هَذَا ; فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنُهُ , فَقَالَ : " ذَاكَ رَجُل نَجَّاهُ اللَّه بِوَفَائِهِ " . قَالَ : وَبَعْض النَّاس كَانَ يَزْعُم أَنَّهُ كَانَ أُوثِق بِرُمَّةٍ فِيمَنْ أُوثِق مِنْ بَنِي قُرَيْظَة حِين نَزَلُوا عَلَى حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَصْبَحَتْ رُمَّته مُلْقَاة , وَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْمَقَالَة , فَاللَّه أَعْلَم . فَلَمَّا أَصْبَحُوا , نَزَلُوا عَلَى حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَوَاثَبَتْ الْأَوْس , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُمْ مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَج , وَقَدْ فَعَلْت فِي مَوَالِي الْخَزْرَج بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْت , وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل بَنِي قُرَيْظَة حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاع , وَكَانُوا حُلَفَاء الْخَزْرَج , فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمه , فَسَأَلَهُ إِيَّاهُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول , فَوَهَبَهُمْ لَهُ ; فَلَمَّا كَلَّمَتْهُ الْأَوْس , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَر الْأَوْس أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُل مِنْكُمْ ؟ " قَالُوا : بَلَى , قَالَ : " فَذَاكَ إِلَى سَعْد بْن مُعَاذ " ; وَكَانَ سَعْد بْن مُعَاذ قَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْمَة امْرَأَة مِنْ أَسْلَمَ يُقَال لَهَا رُفَيْدَةُ فِي مَسْجِده , كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى , وَتَحْتَسِب بِنَفْسِهَا عَلَى خِدْمَة مَنْ كَانَتْ بِهِ ضَيْعَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ حِين أَصَابَهُ السَّهْم بِالْخَنْدَقِ : " اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَة رُفَيْدَةَ حَتَّى أَعُودهُ مِنْ قَرِيب " ; فَلَمَّا حَكَّمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَة , أَتَاهُ قَوْمه فَاحْتَمَلُوهُ عَلَى حِمَار , وَقَدْ وَطَّئُوا لَهُ بِوِسَادَةٍ مِنْ أَدَم , وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا , ثُمَّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُمْ يَقُولُونَ : يَا أَبَا عَمْرو أَحْسِنْ فِي مَوَالِيك , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّاك ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ ; فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ : قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللَّه لَوْمَةُ لَائِم , فَرَجَعَ بَعْض مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمه إِلَى دَار بَنِي عَبْد الْأَشْهَل , فَنَعَى إِلَيْهِمْ رِجَال بَنِي قُرَيْظَة قَبْل أَنْ يَصِل إِلَيْهِمْ سَعْد بْن مُعَاذ مِنْ كَلِمَته الَّتِي سَمِعَ مِنْهُ ; فَلَمَّا انْتَهَى سَعْد إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ , قَالَ : قُومُوا إِلَى سَيِّدكُمْ , فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا : يَا أَبَا عَمْرو إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّاك مَوَالِيَك لِتَحْكُمَ فِيهِمْ , فَقَالَ سَعْد : عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْد اللَّه وَمِيثَاقه , إِنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ كَمَا حَكَمْت , قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : وَعَلَى مَنْ هَهُنَا فِي النَّاحِيَة الَّتِي فِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ مُعْرِض عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجْلَالًا لَهُ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ " , قَالَ سَعْد : فَإِنِّي أَحْكُم فِيهِمْ أَنْ تُقْتَل الرِّجَال , وَتُقَسَّم الْأَمْوَال , وَتُسْبَى الذَّرَارِيّ وَالنِّسَاء . 21691 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : فَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ , عَنْ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص اللَّيْثِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّه مِنْ فَوْق سَبْعَة أَرْقِعَة " , ثُمَّ اسْتُنْزِلُوا , فَحَبَسَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَار ابْنَة الْحَارِث امْرَأَة مِنْ بَنِي النَّجَّار , ثُمَّ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُوق الْمَدِينَة , الَّتِي هِيَ سُوقهَا الْيَوْم , فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِق , ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ , فَضَرَبَ أَعْنَاقهمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِق , يَخْرُج بِهِمْ إِلَيْهِ أَرْسَالًا , وَفِيهِمْ عَدُوّ اللَّه حُيَيّ بْن أَخْطَبَ , وَكَعْب بْن أَسَد رَأْس الْقَوْم , وَهُمْ سِتُّمِائَةٍ أَوْ سَبْعُمِائَةٍ , وَالْمُكَثِّر مِنْهُمْ يَقُول : كَانُوا مِنْ الثَّمَانِمِائَةِ إِلَى التِّسْعِمِائَةِ , وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْن أَسَد وَهُمْ يُذْهَب بِهِمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا : يَا كَعْب , مَا تَرَى مَا يُصْنَع بِنَا ؟ فَقَالَ كَعْب : أَفِي كُلّ مَوْطِن لَا تَعْقِلُونَ ؟ أَلَا تَرَوْنَ الدَّاعِيَ لَا يَنْزِع , وَإِنَّهُ مَنْ يُذْهَب بِهِ مِنْكُمْ فَمَا يَرْجِع , هُوَ وَاللَّه الْقَتْل ; فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأْب حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأُتِيَ بِحُيَيِّ بْن أَخْطَبَ عَدُوّ اللَّه , وَعَلَيْهِ حُلَّة لَهُ فُقَّاحِيَّة قَدْ شَقَّقَهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلّ نَاحِيَة كَمَوْضِعِ الْأُنْمُلَة أُنْمُلَة أُنْمُلَة , لِئَلَّا يُسْلَبهَا ; مَجْمُوعَة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه بِحَبْلٍ , فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ مَا لُمْت نَفْسِي فِي عَدَاوَتك , وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُل اللَّه يُخْذَل ; ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاس فَقَالَ : أَيّهَا النَّاس , إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللَّه , كِتَاب اللَّه وَقَدَره , وَمَلْحَمَة قَدْ كُتِبَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقه ; فَقَالَ جَبَل بْن جَوَّال الثَّعْلَبِيّ : لَعَمْرك مَا لَامَ ابْن أَخْطَبَ نَفْسَهُ وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُل اللَّهَ يُخْذَل لَجَاهَدَ حَتَّى أَبْلَغَ النَّفْسَ عُذْرَهَا وَقَلْقَلَ يَبْغِي الْعِزَّ كُلَّ مُقَلْقَل 21692 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : لَمْ يُقْتَل مِنْ نِسَائِهِمْ إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة , قَالَتْ : وَاللَّه إِنَّهَا لَعِنْدِي تَحَدَّثُ مَعِي وَتَضْحَك ظُهْرًا , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُل رِجَالَهُمْ بِالسُّوقِ , إِذْ هَتَفَ هَاتِف بِاسْمِهَا : أَيْنَ فُلَانَة ؟ قَالَتْ : أَنَا وَاللَّه . قَالَتْ : قُلْت : وَيْلَك مَا لَك ؟ قَالَتْ : أُقْتَل ؟ قُلْت : وَلِمَ ؟ قَالَتْ : لِحَدَثٍ أَحْدَثْته ; قَالَ : فَانْطُلِقَ بِهَا , فَضُرِبَتْ عُنُقهَا , فَكَانَتْ عَائِشَة تَقُول : مَا أَنْسَى عَجَبِي مِنْهَا طِيب نَفْس , وَكَثْرَة ضَحِكٍ , وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تُقْتَل . 21693 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني زَيْد بْن رُومَان { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ صَيَاصِيهمْ } وَالصَّيَاصِي : الْحُصُون وَالْآطَام الَّتِي كَانُوا فِيهَا { وَقَذَفَ فِي قُلُوبهمُ الرُّعْبَ } . 21694 -حَدَّثَنَا عَمْرو بْن مَالِك الْبَكْرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع بْن الْجَرَّاح ; وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنِ ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة { مِنْ صَيَاصِيهمْ } قَالَ : مِنْ حُصُونهمْ . 21695 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { مِنْ صَيَاصِيهمْ } يَقُول : أَنْزَلَهُمْ مِنْ صَيَاصِيهمْ , قَالَ : قُصُورهمْ . 21696 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { مِنْ صَيَاصِيهمْ } : أَيْ مِنْ حُصُونهمْ وَآطَامهمْ . 21697 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ صَيَاصِيهمْ } قَالَ : الصَّيَاصِي : حُصُونهمْ الَّتِي ظَنُّوا أَنَّهَا مَانِعَتهمْ مِنَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى . وَأَصْل الصَّيَاصِي : جَمْع صِيصَة ; يُقَال : وَعَنَى بِهَا هَهُنَا : حُصُونَهُمْ ; وَالْعَرَب تَقُول لِطَرَفِ الْجَبَل : صِيصَة ; وَيُقَال لِأَصْلِ الشَّيْء : صِيصَة ; يُقَال : جَزّ اللَّه صِيصَةَ فُلَان : أَيْ أَصْله ; وَيُقَال لِشَوْكِ الْحَاكَة : صَيَاصِي , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : كَوَقْعِ الصَّيَاصِي فِي النَّسِيج الْمُمَدَّد وَهِيَ شَوْكَتَا الدِّيك . وَقَوْله : { وَقَذَفَ فِي قُلُوبهمُ الرُّعْبَ } يَقُول : وَأَلْقَى فِي قُلُوبهمُ الْخَوْفَ مِنْكُمْ { فَرِيقًا تَقْتُلُونَ } يَقُول : تَقْتُلُونَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً , وَهُمُ الَّذِينَ قَتَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ حِين ظَهَرَ عَلَيْهِمْ { وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } يَقُول : وَتَأْسِرُونَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً , وَهُمْ نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمُ الَّذِينَ سُبُوا , كَمَا : 21698 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَرِيقًا تَقْتُلُونَ } الَّذِينَ ضُرِبَتْ أَعْنَاقهمْ { وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } الَّذِينَ سُبُوا . 21699 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } أَيْ قَتَلَ الرِّجَالَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ وَالنِّسَاءَ .
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًاسورة الأحزاب الآية رقم 27
{ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } يَقُولُ : وَمَلَّكَكُمْ بَعْدَ مَهْلِكهمْ أَرْضَهُمْ , يَعْنِي مَزَارِعهمْ وَمَغَارِسَهُمْ { وَدِيَارَهُمْ } يَقُول : وَمَسَاكِنَهُمْ { وَأَمْوَالَهُمْ } يَعْنِي سَائِرَ الْأَمْوَال غَيْر الْأَرْض وَالدُّور . وَقَوْله : { وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهَا , أَيّ أَرْضٍ هِيَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الرُّوم وَفَارِس وَنَحْوهَا مِنَ الْبِلَاد الَّتِي فَتَحَهَا اللَّه بَعْد ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21700 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } قَالَ : قَالَ الْحَسَن : هِيَ الرُّوم وَفَارِس , وَمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مَكَّةُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ خَيْبَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21701 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان { وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } قَالَ : خَيْبَر. 21702 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ } قَالَ : قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ أَهْلُ الْكِتَاب { وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } قَالَ : خَيْبَر. وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّهُ أَوْرَثَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ , وَأَرْضًا لَمْ يَطَئُوهَا يَوْمَئِذٍ وَلَمْ تَكُنْ مَكَّةَ وَلَا خَيْبَرَ , وَلَا أَرْضَ فَارِس وَالرُّوم وَلَا الْيَمَن , مِمَّا كَانَ وَطِئُوهُ يَوْمَئِذٍ , ثُمَّ وَطِئُوا ذَلِكَ بَعْدُ , وَأَوْرَثَهُمُوهُ اللَّهُ , وَذَلِكَ كُلّه دَاخِل فِي قَوْله { وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره لَمْ يُخَصِّص مِنْ ذَلِكَ بَعْضًا دُونَ بَعْض . { وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ اللَّه عَلَى أَنْ أَوْرَثَ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ , وَعَلَى نَصْره إِيَّاهُمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأُمُور قُدْرَة , لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ فِعْل شَيْء حَاوَلَ فِعْله .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاسورة الأحزاب الآية رقم 28
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد { لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ } يَقُول فَإِنِّي أُمَتِّعكُنَّ مَا أَوْجَبَ اللَّه عَلَى الرِّجَال لِلنِّسَاءِ مِنَ الْمُتْعَة عِنْدَ فِرَاقهمْ إِيَّاهُنَّ بِالطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ : { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِع قَدَره وَعَلَى الْمُقْتِر قَدَره مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } 2 236 وَقَوْله : { وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } يَقُول : وَأُطَلِّقكُنَّ عَلَى مَا أَذِنَ اللَّه بِهِ , وَأَدَّبَ بِهِ عِبَاده بِقَوْلِهِ : { إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } 65 1 { وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } يَقُول : وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ رِضَا اللَّه وَرِضَا رَسُوله وَطَاعَتهمَا فَأَطِعْنَهُمَا { فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ } وَهُنَّ الْعَامِلَات مِنْهُنَّ بِأَمْرِ اللَّه وَأَمْر رَسُوله { أَجْرًا عَظِيمًا } , وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل أَنَّ عَائِشَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ عَرَض الدُّنْيَا , إِمَّا زِيَادَة فِي النَّفَقَة , أَوْ غَيْر ذَلِكَ , فَاعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا فِيمَا ذُكِرَ , ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الصَّبْر عَلَيْهِ , وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ لَهُنَّ , وَالْعَمَل بِطَاعَةِ اللَّه , وَبَيْن أَنْ يُمَتِّعهُنَّ وَيُفَارِقهُنَّ إِنْ لَمْ يَرْضَيْنَ بِالَّذِي يُقْسَم لَهُنَّ , وَقِيلَ : كَانَ سَبَب ذَلِكَ غَيْرَة كَانَتْ عَائِشَة غَارَتهَا . ذِكْر الرِّوَايَة بِقَوْلِ مَنْ قَالَ : كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل شَيْء مِنْ النَّفَقَة وَغَيْرهَا . 21703 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْرُج صَلَوَات , فَقَالُوا : مَا شَأْنه ؟ فَقَالَ عُمَر : إِنْ شِئْتُمْ لَأَعْلَمَنَّ لَكُمْ شَأْنَهُ ; فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَ يَتَكَلَّم وَيَرْفَع صَوْتَهُ , حَتَّى أَذِنَ لَهُ . قَالَ : فَجَعَلْت أَقُول فِي نَفْسِي : أَيّ شَيْء أُكَلِّم بِهِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهُ يَضْحَك , أَوْ كَلِمَة نَحْوَهَا ؟ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّه لَوْ رَأَيْت فُلَانَة وَسَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَصَكَكْتهَا صَكَّة , فَقَالَ : " ذَلِكَ حَبَسَنِي عَنْكُمْ " ; قَالَ : فَأَتَى حَفْصَة , فَقَالَ : لَا تَسْأَلِي رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا , مَا كَانَتْ لَك مِنْ حَاجَة فَإِلَيَّ ; ثُمَّ تَتَبَّعَ نِسَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَ يُكَلِّمهُنَّ , فَقَالَ لِعَائِشَةَ : أَيَغُرُّك أَنَّك امْرَأَة حَسْنَاء , وَأَنَّ زَوْجَك يُحِبّك ؟ لَتَنْتَهِيَنَّ , أَوْ لَيَنْزِلَنَّ فِيك الْقُرْآن ! قَالَ : فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَة : يَا ابْن الْخَطَّاب , أَوَمَا بَقِيَ لَك إِلَّا أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ نِسَائِهِ , وَلَنْ تَسْأَل الْمَرْأَة إِلَّا لِزَوْجِهَا ! قَالَ : وَنَزَلَ الْقُرْآن { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } . . . إِلَى قَوْله { أَجْرًا عَظِيمًا } قَالَ : فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَخَيَّرَهَا , وَقَرَأَ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ , فَقَالَتْ : هَلْ بَدَأْت بِأَحَدٍ مِنْ نِسَائِك قَبْلِي ؟ قَالَ : " لَا " , قَالَتْ : فَإِنِّي أَخْتَار اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَالدَّارَ الْآخِرَةَ , وَلَا تُخْبِرهُنَّ بِذَلِكَ ; قَالَ : ثُمَّ تَتَبَّعَهُنَّ فَجَعَلَ يُخَيِّرهُنَّ وَيَقْرَأ عَلَيْهِنَّ الْقُرْآنَ , وَيُخْبِرهُنَّ بِمَا صَنَعَتْ عَائِشَة , فَتَتَابَعْنَ عَلَى ذَلِكَ . 21704 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } . . . إِلَى قَوْله : { أَجْرًا عَظِيمًا } قَالَ : قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْجَنَّة وَالنَّار فِي شَيْء كُنَّ أَرَدْنَهُ مِنْ الدُّنْيَا , وَقَالَ عِكْرِمَة فِي غَيْرَة : كَانَتْ غَارَتهَا عَائِشَة , وَكَانَ تَحْته يَوْمئِذٍ تِسْع نِسْوَة , خَمْس مِنْ قُرَيْش : عَائِشَة , وَحَفْصَة , وَأُمّ حَبِيبَة بِنْت أَبِي سُفْيَان , وَسَوْدَة بِنْت زَمْعَةَ , وَأُمّ سَلَمَة بِنْت أَبِي أُمَيَّة , وَكَانَتْ تَحْته صَفِيَّة ابْنَة حُيَيّ الْخَيْبَرِيَّة , وَمَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة , وَزَيْنَب بِنْت جَحْش الْأَسَدِيَّة , وَجُوَيْرِيَّة بِنْت الْحَارِث مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِق , وَبَدَأَ بِعَائِشَةَ , فَلَمَّا اخْتَارَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ , رُئِيَ الْفَرَح فِي وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَتَابَعْنَ كُلّهنَّ عَلَى ذَلِكَ وَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة , فِي قَوْل اللَّه { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } . . . إِلَى قَوْله { عَظِيمًا } قَالَا : أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْجَنَّة وَالنَّار ; قَالَ قَتَادَة : وَهِيَ غَيْرَة مِنْ عَائِشَة فِي شَيْء أَرَادَتْهُ مِنْ الدُّنْيَا , وَكَانَ تَحْتَهُ تِسْع نِسْوَة : عَائِشَة , وَحَفْصَة , وَأُمّ حَبِيبَة بِنْت أَبِي سُفْيَان , وَسَوْدَة بِنْت زَمْعَةَ , وَأُمّ سَلَمَة بِنْت أَبِي أُمَيَّة , وَزَيْنَب بِنْت جَحْش , وَمَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة , وَجُوَيْرِيَّة بِنْت الْحَارِث مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِق , وَصَفِيَّة بِنْت حُيَيّ بْن أَخْطَبَ ; فَبَدَأَ بِعَائِشَة , وَكَانَتْ أَحَبَّهُنَّ إِلَيْهِ ; فَلَمَّا اخْتَارَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ , رُئِيَ الْفَرَح فِي وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَابَعْنَ عَلَى ذَلِكَ . 21705 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة قَالَ : لَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَكَرَهُنَّ اللَّه عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنهنَّ } 33 52 فَقَصَرَهُ اللَّه عَلَيْهِنَّ , وَهُنَّ التِّسْع اللَّاتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل الْغَيْرَة : 21706 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } 33 51 الْآيَة , قَالَ : كَانَ أَزْوَاجه قَدْ تَغَايَرْنَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهَجَرَهُنَّ شَهْرًا , نَزَلَ التَّخْيِير مِنَ اللَّه لَهُ فِيهِنَّ { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } 33 33 فَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ أَنْ يَخْتَرْنَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُنَّ وَيُسَرِّحهُنَّ , وَبَيْن أَنْ يُقِمْنَ إِنْ أَرَدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَى أَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ , لَا يُنْكَحْنَ أَبَدًا , وَعَلَى أَنَّهُ يُؤْوِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاء مِنْهُنَّ , لِمَنْ وَهَبَ نَفْسَهُ لَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَع رَأْسَهُ إِلَيْهَا , وَيُرْجِي مَنْ يَشَاء حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَع رَأْسَهُ إِلَيْهَا , وَمَنْ ابْتَغَى مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ وَعَزَلَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ , { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرّ أَعْيُنهنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ } إِذَا عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ قَضَائِي عَلَيْهِنَّ , إِيثَار بَعْضهنَّ عَلَى بَعْض , أَدْنَى أَنْ يَرْضَيْنَ ; قَالَ : { وَمَنِ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت } مَنْ ابْتَغَى أَصَابَهُ , وَمَنْ عَزَلَ لَمْ يُصِبْهُ , فَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ أَنْ يَرْضَيْنَ بِهَذَا , أَوْ يُفَارِقهُنَّ , فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَةً بَدْوِيَّة ذَهَبَتْ ; وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ , وَقَدْ شَرَطَ لَهُ هَذَا الشَّرْطَ , مَا زَالَ يَعْدِل بَيْنَهُنَّ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ . 21707 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : لَمَّا نَزَلَ الْخِيَار , قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي أُرِيد أَنْ أَذْكُر لَك أَمْرًا فَلَا تَقْضِي فِيهِ شَيْئًا حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك " ; قَالَتْ : قُلْت : وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّه ؟ قَالَ : فَرَدَّهُ عَلَيْهَا , فَقَالَتْ : مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّه ؟ قَالَ : فَقَرَأَ عَلَيْهِنَّ { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } . . . إِلَى آخِر الْآيَة ; قَالَتْ : قُلْت : بَلْ نَخْتَار اللَّهَ وَرَسُولَهُ ; قَالَتْ : فَفَرِحَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : لَمَّا نَزَلَتْ آيَة التَّخْيِير , بَدَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَائِشَة , فَقَالَ : " يَا عَائِشَة إِنِّي عَارِض عَلَيْك أَمْرًا فَلَا تَفْتَاتِي فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَعْرِضِيهِ عَلَى أَبَوَيْك , أَبِي بَكْر وَأُمّ رُومَان " فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّه وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : " قَالَ اللَّه { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } إِلَى { عَظِيمًا } , فَقُلْت : إِنِّي أُرِيد اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَالدَّارَ الْآخِرَةَ , وَلَا أُؤَامِر فِي ذَلِكَ أَبَوِيّ أَبَا بَكْر وَأُمَّ رُومَان , فَضَحِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ اسْتَقْرَأَ الْحُجَرَ فَقَالَ : " إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَذَا " , فَقُلْنَ : وَنَحْنُ نَقُول مِثْلُ مَا قَالَتْ عَائِشَة. * حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ ابْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , عَنْ عَمْرَة , عَنْ عَائِشَة , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ إِلَى نِسَائِهِ أُمِرَ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ , فَدَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ : " سَأَذْكُرُ لَك أَمْرًا وَلَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَاك " , فَقُلْت : وَمَا هُوَ يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : " إِنِّي أُمِرْت أَنْ أُخَيِّرَكُنَّ " , وَتَلَا عَلَيْهَا آيَة التَّخْيِير إِلَى آخِر الْآيَتَيْنِ ; قَالَتْ : قُلْت : وَمَا الَّذِي تَقُول ؟ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَاك , فَإِنِّي أَخْتَار اللَّهَ وَرَسُولَهُ ; فَسُرَّ بِذَلِكَ , وَعَرَضَ عَلَى نِسَائِهِ , فَتَتَابَعْنَ كُلّهنَّ , فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . * حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُوسَى بْن عَلِيّ , وَيُونُس بْن يَزِيد , عَنِ ابْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْن عَبْد الرَّحْمَن , أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : لَمَّا أُمِرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجه , بَدَأَنِي , فَقَالَ : " إِنِّي ذَاكِر لَك أَمْرًا , فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك " ; قَالَتْ : قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ ; قَالَتْ : ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } قَالَتْ : فَقُلْت : فَفِي أَيّ هَذَا أَسْتَأْمِر أَبَوَيَّ ؟ فَإِنِّي أُرِيد اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ; قَالَتْ عَائِشَة : ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْل مَا فَعَلْت , فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِين قَالَهُ لَهُنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاخْتَرْنَهُ طَلَاقًا مِنْ أَجْل أَنَّهُنَّ اخْتَرْنَهُ.
وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًاسورة الأحزاب الآية رقم 29
يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًاسورة الأحزاب الآية رقم 30
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا نِسَاءَ النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا نِسَاءَ النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة } يَقُول : مَنْ يَزْنِ مِنْكُنَّ الزِّنَا الْمَعْرُوف الَّذِي أَوْجَبَ اللَّه عَلَيْهِ الْحَدَّ , يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب عَلَى فُجُورهَا فِي الْآخِرَة ضِعْفَيْنِ عَلَى فُجُور أَزْوَاج النَّاس غَيْرهمْ , كَمَا : 21708 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس { يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ } قَالَ : يَعْنِي عَذَاب الْآخِرَة. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب } بِالْأَلِفِ , غَيْر أَبِي عَمْرو , فَإِنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : " يُضَعَّف " بِتَشْدِيدِ الْعَيْن تَأَوُّلًا مِنْهُ فِي قِرَاءَته ذَلِكَ أَنَّ يُضَعَّف بِمَعْنَى : تَضْعِيف الشَّيْء مَرَّة وَاحِدَة , وَذَلِكَ أَنْ يُجْعَل الشَّيْء شَيْئَيْنِ , فَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عِنْدَهُ : أَنْ يَجْعَل عَذَاب مَنْ يَأْتِي مِنْ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , مِثْلَيْ عَذَاب سَائِر النِّسَاء غَيْرهنَّ , وَيَقُول : إِنَّ { يُضَاعَف } بِمَعْنَى أَنْ يُجْعَل إِلَى الشَّيْء مِثْلَاهُ , حَتَّى يَكُونَ ثَلَاثَة أَمْثَاله فَكَأَنَّ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ { يُضَاعَف } عِنْدَهُ كَانَ أَنَّ عَذَابهَا ثَلَاثَة أَمْثَال عَذَاب غَيْرهَا مِنْ النِّسَاء مِنْ غَيْر أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلِذَلِكَ اخْتَارَ " يُضَعَّف " عَلَى يُضَاعَف , وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ يُضَاعَف مَا كَانَ يَقُول فِي ذَلِكَ , وَيَقُولُونَ : لَا نَعْلَم بَيْنَ وَيُضَاعَف وَيُضَعَّف فَرْقًا . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَذَلِكَ { يُضَاعَف } , وَأَمَّا التَّأْوِيل الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَمْرو , فَتَأْوِيل لَا نَعْلَم أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم ادَّعَاهُ غَيْره , وَغَيْر أَبِي عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى , وَلَا يَجُوز خِلَاف مَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّة مُجْمِعَة عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ لَا بُرْهَانَ لَهُ مِنَ الْوَجْه الَّذِي يَجِب التَّسْلِيم لَهُ .

وَقَوْله : { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَتْ مُضَاعَفَة الْعَذَاب عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ عَلَى اللَّه يَسِيرًا , وَاللَّه أَعْلَم .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3