الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَسورة الأنبياء الآية رقم 1
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { اِقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابهمْ وَهُمْ فِي غَفْلَة مُعْرِضُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : دَنَا حِسَاب النَّاس عَلَى أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي دُنْيَاهُمْ وَنِعَمهمْ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ فِيهَا فِي أَبْدَانهمْ , وَأَجْسَامهمْ , وَمَطَاعِمهمْ , وَمَشَارِبهمْ , وَمَلَابِسهمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ نِعَمه عِنْدهمْ , وَمَسْأَلَته إِيَّاهُمْ مَاذَا عَمِلُوا فِيهَا وَهَلْ أَطَاعُوهُ فِيهَا , فَانْتَهَوْا إِلَى أَمْره وَنَهْيه فِي جَمِيعهَا , أَمْ عَصَوْهُ فَخَالَفُوا أَمْره فِيهَا ؟ { وَهُمْ فِي غَفْلَة مُعْرِضُونَ } يَقُول : وَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَمَّا اللَّه فَاعِل بِهِمْ مِنْ ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة , وَعَنْ دُنُوّ مُحَاسَبَته إِيَّاهُمْ مِنْهُمْ , وَاقْتِرَابه لَهُمْ فِي سَهْو وَغَفْلَة , وَقَدْ أَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ , فَتَرَكُوا الْفِكْر فِيهِ وَالِاسْتِعْدَاد لَهُ وَالتَّأَهُّب , جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَا هُمْ لَاقُوهُ عِنْد ذَلِكَ مِنْ عَظِيم الْبَلَاء وَشَدِيد الْأَهْوَال . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله { وَهُمْ فِي غَفْلَة مُعْرِضُونَ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , وَجَاءَ الْأَثَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18462 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثني أَبُو مُعَاوِيَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَهُمْ فِي غَفْلَة مُعْرِضُونَ } قَالَ : " فِي الدُّنْيَا "
مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَسورة الأنبياء الآية رقم 2
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا يُحْدِث اللَّه مِنْ تَنْزِيل شَيْء مِنْ هَذَا الْقُرْآن لِلنَّاسِ وَيُذَكِّرهُمْ بِهِ وَيَعِظهُمْ إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَة قُلُوبهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18463 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث } . . . الْآيَة , يَقُول : مَا يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْء مِنْ الْقُرْآن إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ .
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَسورة الأنبياء الآية رقم 3
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَاهِيَة قُلُوبهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { لَاهِيَة قُلُوبهمْ } غَافِلَة , يَقُول : مَا يَسْتَمِع هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ هَذَا الْقُرْآن إِلَّا وَهُمْ يَلْعَبُونَ غَافِلَة عَنْهُ قُلُوبهمْ , لَا يَتَدَبَّرُونَ حُكْمه وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا أَوْدَعَهُ اللَّه مِنْ الْحُجَج عَلَيْهِمْ . كَمَا : 18464 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَاهِيَة قُلُوبهمْ } يَقُول : غَافِلَة قُلُوبهمْ .

وَقَوْله : { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } يَقُول : وَأَسَرَّ هَؤُلَاءِ النَّاس الَّذِينَ اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة مِنْهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَة مُعْرِضُونَ , لَاهِيَة قُلُوبهمْ , النَّجْوَى بَيْنهمْ , يَقُول : وَأَظْهَرُوا الْمُنَاجَاة بَيْنهمْ فَقَالُوا : هَلْ هَذَا الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ رَسُول مِنْ اللَّه أَرْسَلَهُ إِلَيْكُمْ { إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ } ؟ يَقُولُونَ : هَلْ هُوَ إِلَّا إِنْسَان مِثْلكُمْ فِي صُوَركُمْ وَخَلْقكُمْ ؟ يَعْنُونَ بِذَلِكَ مُحَمَّدًا . وَقَالَ الَّذِينَ ظَلَمُوا فَوَصَفَهُمْ بِالظُّلْمِ بِفِعْلِهِمْ وَقِيلهمْ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَات أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ وَيَقُولُونَ مِنْ الْإِعْرَاض عَنْ ذِكْر اللَّه وَالتَّكْذِيب بِرَسُولِهِ . وَلِ " الَّذِينَ " مِنْ قَوْله : { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } فِي الْإِعْرَاب وَجْهَانِ : الْخَفْض عَلَى أَنَّهُ تَابِع لِلنَّاسِ فِي قَوْله : { اِقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابهمْ } وَالرَّفْع عَلَى الرَّدّ عَلَى الْأَسْمَاء الَّذِينَ فِي قَوْله : { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى } مِنْ ذِكْر النَّاس , كَمَا قِيلَ : { ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِير مِنْهُمْ } . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء , وَيَكُون مَعْنَاهُ : وَأَسَرُّوا النَّجْوَى , ثُمَّ قَالَ : هُمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا .


وَقَوْله : { أَفَتَأْتُونَ السِّحْر وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } يَقُول : وَأَظْهَرُوا هَذَا الْقَوْل بَيْنهمْ , وَهِيَ النَّجْوَى الَّتِي أَسَرُّوهَا بَيْنهمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَتَقْبَلُونَ السِّحْر وَتُصَدِّقُونَ بِهِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ سِحْر ؟ يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْقُرْآن كَمَا : 18465 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَفَتَأْتُونَ السِّحْر وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } قَالَ : قَالَ أَهْل الْكُفْر لِنَبِيِّهِمْ لِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , زَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِر , وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ سِحْر , قَالُوا : أَتَأْتُونَ السِّحْر وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ؟
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُسورة الأنبياء الآية رقم 4
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ رَبِّي يَعْلَم الْقَوْل فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } . اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : " قُلْ رَبِّي " فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : " قُلْ رَبِّي " عَلَى وَجْه الْأَمْر . وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء مَكَّة وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { قَالَ رَبِّي } عَلَى وَجْه الْخَبَر . وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوهُ عَلَى وَجْه الْأَمْر أَرَادُوا مِنْ تَأْوِيله : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْقَائِلِينَ { أَفَتَأْتُونَ السِّحْر وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } رَبِّي يَعْلَم قَوْل كُلّ قَائِل فِي السَّمَاء وَالْأَرْض , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء ; وَهُوَ السَّمِيع لِذَلِكَ كُلّه وَلِمَا يَقُولُونَ مِنْ الْكَذِب , الْعَلِيم بِصِدْقِي وَحَقِيقَة مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ وَبَاطِل مَا تَقُولُونَ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا . وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ قَالَ عَلَى وَجْه الْخَبَر أَرَادُوا : قَالَ مُحَمَّد : رَبِّي يَعْلَم الْقَوْل ; خَبَرًا مِنْ اللَّه عَنْ جَوَاب نَبِيّه إِيَّاهُمْ . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء , وَجَاءَتْ بِهِمَا مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه إِذَا أَمَرَ مُحَمَّدًا بِقِيلِ ذَلِكَ قَالَهُ , وَإِذَا قَالَهُ فَعَنْ أَمْر اللَّه قَالَهُ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب فِي قِرَاءَته .
بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَسورة الأنبياء الآية رقم 5
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ قَالُوا أَضْغَاث أَحْلَام بَلْ اِفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِر فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا صَدَّقُوا بِحِكْمَةِ هَذَا الْقُرْآن وَلَا أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه , وَلَا أَقَرُّوا بِأَنَّهُ وَحْي أَوْحَى اللَّه إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; بَلْ قَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَهَاوِيل رُؤْيَا رَآهَا فِي النَّوْم , وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ فِرْيَة وَاخْتِلَاق اِفْتَرَاهُ وَاخْتَلَقَهُ مِنْ قِبَل نَفْسه , وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ مُحَمَّد شَاعِر , وَهَذَا الَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ شِعْر . { فَلْيَأْتِنَا } يَقُول : قَالُوا فَلْيَجِئْنَا مُحَمَّد إِنْ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْله إِنَّ اللَّه بَعَثَهُ رَسُولًا إِلَيْنَا وَإِنَّ هَذَا الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْنَا وَحْي مِنْ اللَّه أَوْحَاهُ إِلَيْنَا , { بِآيَةٍ } يَقُول : بِحُجَّةٍ وَدَلَالَة عَلَى حَقِيقَة مَا يَقُول وَيَدَّعِي , { كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ } يَقُول : كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُل الْأَوَّلُونَ مِنْ قَوْله مِنْ إِحْيَاء الْمَوْتَى وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَكَنَاقَةِ صَالِح , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْجِزَات الَّتِي لَا يَقْدِر عَلَيْهَا إِلَّا اللَّه وَلَا يَأْتِي بِهَا إِلَّا الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18466 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَضْغَاث أَحْلَام } أَيْ فِعْل حَالِم , إِنَّمَا هِيَ رُؤْيَا رَآهَا . { بَلْ اِفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِر } كُلّ هَذَا قَدْ كَانَ مِنْهُمْ . وَقَوْله " { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ } يَقُول : كَمَا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَمُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ , وَالرُّسُل . 18467 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَضْغَاث أَحْلَام } قَالَ : مُشْتَبِهَة . 18468 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أَضْغَاث أَحْلَام } قَالَ أَهَاوِيلهَا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { بَلْ قَالُوا } وَلَا جَحْد فِي الْكَلَام ظَاهِر فَيُحَقَّق بِ " بَلْ " , لِأَنَّ الْخَبَر عَنْ أَهْل الْجُحُود وَالتَّكْذِيب , فَاجْتُزِيَ بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله " بَلْ " مِنْ ذِكْر الْخَبَر عَنْهُمْ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا .
مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَسورة الأنبياء الآية رقم 6
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا آمَنَتْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا آمَنَ مِنْ قَبْل هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ مُحَمَّدًا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمه الَّذِينَ قَالُوا فَلْيَأْتِنَا مُحَمَّد بِآيَةٍ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُل قَبْله مِنْ أَهْل قَرْيَة عَذَّبْنَاهُمْ بِالْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا , إِذْ جَاءَهُمْ رَسُولنَا إِلَيْهِمْ بِآيَةٍ مُعْجِزَة . { أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } يَقُول : أَفَهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا السَّائِلُوهُ الْآيَة يُؤْمِنُونَ بِهِ إِنْ جَاءَتْهُمْ آيَة وَلَمْ تُؤْمِن قَبْلهمْ أَسْلَافهمْ مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا بِرُسُلِهَا مَعَ مَجِيئِهَا ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18469 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } يُصَدِّقُونَ بِذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18470 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَا آمَنَتْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } أَيْ الرُّسُل كَانُوا إِذَا جَاءُوا قَوْمهمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَلَمْ يُؤْمِنُوا وَلَمْ يَنْظُرُوا .
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَسورة الأنبياء الآية رقم 7
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : وَمَا أَرْسَلْنَا يَا مُحَمَّد قَبْلك رَسُولًا إِلَى أُمَّة مِنْ الْأُمَم الَّتِي خَلَتْ قَبْل أُمَّتك إِلَّا رِجَالًا مِثْلهمْ نُوحِي إِلَيْهِمْ مَا نُرِيد أَنْ نُوحِيه إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرنَا وَنَهْينَا , لَا مَلَائِكَة ; فَمَاذَا أَنْكَرُوا مِنْ إِرْسَالنَا لَك إِلَيْهِمْ وَأَنْتَ رَجُل كَسَائِرِ الرُّسُل الَّذِينَ قَبْلك إِلَى أُمَمهمْ ؟ .

وَقَوْله : { فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول لِلْقَائِلِينَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَنَاجِيهمْ بَيْنهمْ " هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ " فَإِنْ أَنْكَرْتُمْ وَجَهِلْتُمْ أَمْر الرُّسُل الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْل مُحَمَّد , فَلَمْ تَعْلَمُوا أَيّهَا الْقَوْم أَمْرهمْ إِنْسًا كَانُوا أَمْ مَلَائِكَة , فَاسْأَلُوا أَهْل الْكُتُب مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مَا كَانُوا يُخْبِرُوكُمْ عَنْهُمْ ! كَمَا : 18471 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول فَاسْأَلُوا أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل - قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَرَاهُ أَنَا قَالَ : يُخْبِرُوكُمْ أَنَّ الرُّسُل كَانُوا رِجَالًا يَأْكُلُونَ الطَّعَام , وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق . وَقِيلَ : أَهْل الذِّكْر : أَهْل الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18472 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثني عَبْد الرَّحْمَن بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُوسَى بْن عُثْمَان , عَنْ جَابِر الْجُعْفِيّ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } قَالَ عَلِيّ : نَحْنُ أَهْل الذِّكْر . 18473 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } قَالَ : أَهْل الْقُرْآن , وَالذِّكْر : الْقُرْآن . وَقَرَأَ : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } 15 9
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَسورة الأنبياء الآية رقم 8
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَام } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا جَعَلْنَا الرُّسُل الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ مِنْ قَبْلك يَا مُحَمَّد إِلَى الْأُمَم الْمَاضِيَة قَبْل أُمَّتك , { جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَام } يَقُول : لَمْ نَجْعَلهُمْ مَلَائِكَة لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَام , وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُمْ أَجْسَادًا مِثْلك يَأْكُلُونَ الطَّعَام . كَمَا : 18474 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَام } يَقُول : مَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا إِلَّا لِيَأْكُلُوا الطَّعَام . 18475 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَام } يَقُول : لَمْ أَجْعَلهُمْ جَسَدًا لَيْسَ فِيهِمْ أَرْوَاح لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَام , وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا فِيهَا أَرْوَاح يَأْكُلُونَ الطَّعَام . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَالَ { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا } فَوَحَّدَ " الْجَسَد " وَجَعَلَهُ مُوَحَّدًا , وَهُوَ مِنْ صِفَة الْجَمَاعَة , وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَسَد بِمَعْنَى الْمَصْدَر , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : وَمَا جَعَلْنَاهُمْ خَلْقًا لَا يَأْكُلُونَ .

وَقَوْله : { وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } يَقُول : وَلَا كَانُوا أَرْبَابًا لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَفْنَوْنَ , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا بَشَرًا أَجْسَادًا فَمَاتُوا ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمَا قَدْ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ : { لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنْ الْأَرْض يَنْبُوعًا } . 17 90 إِلَى قَوْله : { أَوْ تَأْتِي بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا } 17 92 قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمْ : مَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِأَحَدٍ قَبْلكُمْ فَنَفْعَل بِكُمْ , وَإِنَّمَا كُنَّا نُرْسِل إِلَيْهِمْ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا نُوحِي إِلَيْهِ أَمْرنَا وَنَهْينَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18476 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } : أَيْ لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ الْمَوْت أَنْ يَمُوتُوا .
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَسورة الأنبياء الآية رقم 9
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمْ الْوَعْد } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ صَدَقْنَا رُسُلنَا الَّذِينَ كَذَّبَتْهُمْ أُمَمهمْ وَسَأَلَتْهُمْ الْآيَات , فَأَتَيْنَاهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَقَامُوا عَلَى تَكْذِيبهمْ إِيَّاهَا , وَأَصَرُّوا عَلَى جُحُودهمْ نُبُوَّتهَا بَعْد الَّذِي أَتَتْهُمْ بِهِ مِنْ آيَات رَبّهَا , وَعَدْنَا الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ مِنْ الْهَلَاك عَلَى إِقَامَتهمْ عَلَى الْكُفْر بِرَبِّهِمْ بَعْد مَجِيء الْآيَة الَّتِي سَأَلُوا . وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } 5 115 وَكَقَوْلِهِ : { وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذكُمْ عَذَاب قَرِيب } 11 64 وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاعِيد الَّتِي وَعَدَ الْأُمَم مَعَ مَجِيء الْآيَات .

وَقَوْله : { فَأَنْجَيْنَاهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَنْجَيْنَا الرُّسُل عِنْد إِصْرَار أُمَمهَا عَلَى تَكْذِيبهَا بَعْد الْآيَات , { وَمَنْ نَشَاء } وَهُمْ أَتْبَاعهَا الَّذِينَ صَدَّقُوهَا وَآمَنُوا بِهَا .


وَقَوْله : { وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَهْلَكْنَا الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ , كَمَا : 18477 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ } وَالْمُسْرِفُونَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ .
لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَسورة الأنبياء الآية رقم 10
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ , لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ , فِيهِ حَدِيثكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18478 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فِيهِ ذِكْركُمْ } قَالَ : حَدِيثكُمْ . 18479 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ } قَالَ : حَدِيثكُمْ : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } قَالَ : فِي " قَدْ أَفْلَحَ " { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرهمْ مُعْرِضُونَ } . 23 71 18480 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا سُفْيَان : نَزَلَ الْقُرْآن بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاق , أَلَمْ تَسْمَعهُ يَقُول : { لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } ؟ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِالذِّكْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الشَّرَف , وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام : لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ شَرَفكُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي أَشْبَه بِمَعْنَى الْكَلِمَة , وَهُوَ نَحْو مِمَّا قَالَ سُفْيَان الَّذِي حَكَيْنَا عَنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّهُ شَرَف لِمَنْ اِتَّبَعَهُ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ .
وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَسورة الأنبياء الآية رقم 11
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَة كَانَتْ ظَالِمَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَثِيرًا قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَة . وَالْقَصْم : أَصْله الْعُسْر , يُقَال مِنْهُ : قَصَمْت ظَهْر فُلَان إِذَا كَسَرْته , وَانْقَصَمَتْ سِنّه : إِذَا اِنْكَسَرَتْ . وَهُوَ هَاهُنَا مَعْنِيّ بِهِ " أَهْلَكْنَا " , وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18481 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَكَمْ قَصَمْنَا } قَالَ : أَهْلَكْنَا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَة } قَالَ : أَهْلَكْنَاهَا . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَة , قَالَ : بِالْيَمَنِ , قَصَمْنَا , بِالسَّيْفِ أُهْلِكُوا . 18482 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه { قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَة } قَالَ : قَصَمَهَا أَهْلهَا . وَقَوْله : { مِنْ قَرْيَة كَانَتْ ظَالِمَة } أَجْرَى الْكَلَام عَلَى الْقَرْيَة , وَالْمُرَاد بِهَا أَهْلهَا لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ . وَكَأَنَّ ظُلْمهَا كُفْرهَا بِاَللَّهِ وَتَكْذِيبهَا رُسُله .

وَقَوْله : { وَأَنْشَأْنَا بَعْدهَا قَوْمًا آخَرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَحْدَثنَا بَعْد مَا أَهْلَكْنَا هَؤُلَاءِ الظَّلَمَة مِنْ أَهْل هَذِهِ الْقَرْيَة الَّتِي قَصَمْنَاهَا بِظُلْمِهَا قَوْمًا آخَرِينَ سِوَاهُمْ .
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَسورة الأنبياء الآية رقم 12
وَقَوْله : { فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسنَا } يَقُول : فَلَمَّا عَايَنُوا عَذَابنَا قَدْ حَلَّ بِهِمْ وَرَأَوْهُ قَدْ وَجَدُوا مَسّه , يُقَال مِنْهُ : قَدْ أَحْسَسْت مِنْ فُلَان ضَعْفًا , وَأَحَسْتُهُ مِنْهُ .


يَقُول : إِذَا هُمْ مِمَّا أَحَسُّوا بَأْسنَا النَّازِل بِهِمْ يَهْرُبُونَ سِرَاعًا عَجْلَى يَعْدُونَ مُنْهَزِمِينَ , يُقَال مِنْهُ : رَكَضَ فُلَان فَرَسه : إِذَا كَدَّهُ بِسِيَاقَتِهِ .
لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَسورة الأنبياء الآية رقم 13
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنكُمْ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تَهْرُبُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ : يَقُول : إِلَى مَا أُنْعِمْتُمْ فِيهِ مِنْ عِيشَتكُمْ وَمَسَاكِنكُمْ ; كَمَا : 18483 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } يَعْنِي مَنْ نَزَلَ بِهِ الْعَذَاب فِي الدُّنْيَا مِمَّنْ كَانَ يَعْصِي اللَّه مِنْ الْأُمَم . 18484 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَا تَرْكُضُوا } : لَا تَفِرُّوا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18485 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } يَقُول : اِرْجِعُوا إِلَى دُنْيَاكُمْ الَّتِي أُتْرِفْتُمْ فِيهَا . 18486 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } قَالَ : إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ مِنْ دُنْيَاكُمْ .

وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لَعَلَّكُمْ تَفْقَهُونَ وَتَفْهَمُونَ بِالْمَسْأَلَةِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18487 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } قَالَ : تَفْقَهُونَ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } قَالَ : تَفْقَهُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ مِنْ دُنْيَاكُمْ شَيْئًا ; عَلَى وَجْه السُّخْرِيَة وَالِاسْتِهْزَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18488 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } اِسْتِهْزَاء بِهِمْ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } مِنْ دُنْيَاكُمْ شَيْئًا , اِسْتِهْزَاء بِهِمْ .
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَسورة الأنبياء الآية رقم 14
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحَلَّ اللَّه بِهِمْ بَأْسه . بِظُلْمِهِمْ لَمَّا نَزَلَ بِهِمْ بَأْس اللَّه : يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ بِكُفْرِنَا بِرَبِّنَا !
فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَسورة الأنبياء الآية رقم 15
يَقُول : فَلَمْ تَزَلْ دَعْوَاهُمْ , حِين أَتَاهُمْ بَأْس اللَّه , بِظُلْمِهِمْ أَنْفُسهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18489 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } . . . الْآيَة . فَلَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب وَعَايَنُوهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ هِجِّيرَى إِلَّا قَوْلهمْ : { يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } حَتَّى دَمَّرَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَأَهْلَكَهُمْ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { قَالُوا يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ } يَقُول : حَتَّى هَلَكُوا .

حَتَّى قَتَلَهُمْ اللَّه , فَحَصَدَهُمْ بِالسَّيْفِ كَمَا يُحْصَد الزَّرْع وَيُسْتَأْصَل قِطَعًا بِالْمَنَاجِلِ .


وَقَوْله : { خَامِدِينَ } يَقُول : هَالِكِينَ قَدْ اِنْطَفَأَتْ شَرَارَتهمْ , وَسَكَنَتْ حَرَكَتهمْ , فَصَارُوا هُمُودًا كَمَا تَخْمُد النَّار . كَمَا : 18490 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : { حَصِيدًا } الْحَصَاد . { خَامِدِينَ } خُمُود النَّار إِذَا طَفِئَتْ . 18491 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِنَّهُمْ كَانُوا أَهْل حُصُون , وَإِنَّ اللَّه بَعَثَ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّر , فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا فَقَتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ , وَقَتَلُوا نَبِيًّا لَهُمْ فَحُصِدُوا بِالسَّيْفِ ; وَذَلِكَ قَوْله { فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ } بِالسَّيْفِ .
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَسورة الأنبياء الآية رقم 16
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا لَاعِبِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا } إِلَّا حُجَّة عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَلِتَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ كُلّه , فَتَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي دَبَّرَهُ وَخَلَقَهُ لَا يُشْبِههُ شَيْء , وَأَنَّهُ لَا تَكُون الْأُلُوهَة إِلَّا لَهُ , وَلَا تَصْلُح الْعِبَادَة لِشَيْءٍ غَيْره , وَلَمْ يَخْلُق ذَلِكَ عَبَثًا وَلَعِبًا . كَمَا : 18492 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا لَاعِبِينَ } يَقُول : مَا خَلَقْنَاهُمَا عَبَثًا وَلَا بَاطِلًا .
لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَسورة الأنبياء الآية رقم 17
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا لَاِتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ زَوْجَة وَوَلَدًا لَاِتَّخَذْنَا ذَلِكَ مِنْ عِنْدنَا , وَلَكِنَّا لَا نَفْعَل ذَلِكَ , وَلَا يَصْلُح لَنَا فِعْله وَلَا يَنْبَغِي ; لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون لِلَّهِ وَلَد وَلَا صَاحِبَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18493 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن عُبَيْد اللَّه الغيداني , قَالَ : ثنا أَبُو قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا سَلَّام بْن مِسْكِين , قَالَ : ثنا عُقْبَة بْن أَبِي حَمْزَة , قَالَ : شَهِدْت الْحَسَن بِمَكَّة , قَالَ : وَجَاءَهُ طَاوُس وَعَطَاء وَمُجَاهِد , فَسَأَلُوهُ عَنْ قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا لَاِتَّخَذْنَا } قَالَ الْحَسَن : اللَّهْو : الْمَرْأَة . 18494 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , عَنْ عَلِيّ بْن هَارُون , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا } قَالَ : زَوْجَة . 18495 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا } . . . الْآيَة , أَيْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون وَلَا يَنْبَغِي . وَاللَّهْو بِلُغَةِ أَهْل الْيَمَن : الْمَرْأَة . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا } قَالَ : اللَّهْو فِي بَعْض لُغَة أَهْل الْيَمَن : الْمَرْأَة . { لَاِتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا } . وَقَوْله : { إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ } . 18496 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ } يَقُول : مَا كُنَّا فَاعِلِينَ . 18497 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالُوا مَرْيَم صَاحِبَته , وَعِيسَى وَلَده , فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا } نِسَاء وَوَلَدًا , { لَاِتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ } قَالَ : مِنْ عِنْدنَا , وَلَا خَلَقْنَا جَنَّة وَلَا نَارًا وَلَا مَوْتًا وَلَا بَعْثًا وَلَا حِسَابًا . 18498 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { لَاِتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا } مِنْ عِنْدنَا , وَمَا خَلَقْنَا جَنَّة وَلَا نَارًا وَلَا مَوْتًا وَلَا بَعْثًا .
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَسورة الأنبياء الآية رقم 18
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ نَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِل فَيَدْمَغهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِق } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكِنْ نُنَزِّل الْحَقّ مِنْ عِنْدنَا , وَهُوَ كِتَاب اللَّه وَتَنْزِيله عَلَى الْكُفْر بِهِ وَأَهْله , { فَيَدْمَغهُ } يَقُول : فَيُهْلِكهُ كَمَا يَدْمَغ الرَّجُل الرَّجُل بِأَنْ يَشُجّهُ عَلَى رَأْسه شَجَّة تَبْلُغ الدِّمَاغ , وَإِذَا بَلَغَتْ الشَّجَّة ذَلِكَ مِنْ الْمَشْجُوج لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدهَا حَيَاة . وَقَوْله { فَإِذَا هُوَ زَاهِق } يَقُول : فَإِذَا هُوَ هَالِك مُضْمَحِلّ ; كَمَا : 18499 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَإِذَا هُوَ زَاهِق } قَالَ : هَالِك . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَإِذَا هُوَ زَاهِق } قَالَ : ذَاهِب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18500 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { بَلْ نَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِل فَيَدْمَغهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِق } وَالْحَقّ كِتَاب اللَّه الْقُرْآن , وَالْبَاطِل : إِبْلِيس , { فَيَدْمَغهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِق } أَيْ ذَاهِب .

وَقَوْله : { وَلَكُمْ الْوَيْل مِمَّا تَصِفُونَ } يَقُول : وَلَكُمْ الْوَيْل مِنْ وَصْفكُمْ رَبّكُمْ بِغَيْرِ صِفَته , وَقِيلكُمْ إِنَّهُ اِتَّخَذَ زَوْجَة وَوَلَدًا , وَفِرْيَتكُمْ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , إِلَّا أَنَّ بَعْضهمْ قَالَ : مَعْنَى تَصِفُونَ تَكْذِبُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : تُشْرِكُونَ . وَذَلِكَ وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ بِهِ الْأَلْفَاظ فَمُتَّفِقَة مَعَانِيه ; لِأَنَّ مَنْ وَصَفَ اللَّه بِأَنَّ لَهُ صَاحِبَة فَقَدْ كَذَبَ فِي وَصْفه إِيَّاهُ بِذَلِكَ , وَأَشْرَكَ بِهِ , وَوَصَفَهُ بِغَيْرِ صِفَته . غَيْر أَنَّ أَوْلَى الْعِبَارَات أَنْ يُعَبَّر بِهَا عَنْ مَعَانِي الْقُرْآن أَقْرَبهَا إِلَى فَهْم سَامِعِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ : 18501 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَكُمْ الْوَيْل مِمَّا تَصِفُونَ } أَيْ تَكْذِبُونَ . 18502 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَلَكُمْ الْوَيْل مِمَّا تَصِفُونَ } قَالَ : تُشْرِكُونَ وَقَوْله { عَمَّا يَصِفُونَ } 6 100 قَالَ : يُشْرِكُونَ قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِد : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفهمْ } 6 139 قَالَ : قَوْلهمْ الْكَذِب فِي ذَلِكَ .
وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَسورة الأنبياء الآية رقم 19
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَنْ عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَيْف يَجُوز أَنْ يَتَّخِذ اللَّه لَهْوًا , وَلَهُ مُلْك جَمِيع مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَاَلَّذِينَ عِنْده مِنْ خَلْقه لَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ وَلَا يُعْيَوْنَ مِنْ طُول خِدْمَتهمْ لَهُ , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْبِد وَالِد وَلَده وَلَا صَاحِبَته , وَكُلّ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض عَبِيده , فَأَنَّى يَكُون لَهُ صَاحِبَة وَوَلَد ! يَقُول : أَوَلَا تَتَفَكَّرُونَ فِيمَا تَفْتَرُونَ مِنْ الْكَذِب عَلَى رَبّكُمْ ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18503 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ } لَا يَرْجِعُونَ . 18504 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ } لَا يُحْسَرُونَ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18505 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ } قَالَ : لَا يَعْيَوْنَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ } قَالَ : لَا يَعْيَوْنَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة مِثْله . 18506 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ } قَالَ : لَا يَسْتَحْسِرُونَ , لَا يَمَلُّونَ ذَلِكَ الِاسْتِحْسَار , قَالَ : وَلَا يَفْتَرُونَ , وَلَا يَسْأَمُونَ . هَذَا كُلّه مَعْنَاهُ وَاحِد وَالْكَلَام مُخْتَلِف , وَهُوَ مِنْ قَوْلهمْ : بَعِير حَسِير : إِذَا أَعْيَا وَقَامَ ; وَمِنْهُ قَوْل عَلْقَمَة بْن عَبْدَة : بِهَا جِيَف الْحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامهَا فَبِيض , وَأَمَّا جِلْدهَا فَصَلِيب
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَسورة الأنبياء الآية رقم 20
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُسَبِّح هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عِنْده مِنْ مَلَائِكَة رَبّهمْ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتَرُونَ مِنْ تَسْبِيحهمْ إِيَّاهُ . كَمَا : 18507 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُمَيْد , عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِيهِ أَنَّ اِبْن عَبَّاس سَأَلَ كَعْبًا عَنْ قَوْله : { يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتَرُونَ } وَ " يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَسْأَمُونَ " فَقَالَ : هَلْ يَئُودك طَرْفك ؟ هَلْ يَئُودك نَفَسك ؟ قَالَ : لَا قَالَ : فَإِنَّهُمْ أُلْهِمُوا التَّسْبِيح كَمَا أُلْهِمْتُمْ الطَّرْف وَالنَّفَس . 18508 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ , عَنْ حَسَّان بْن مُخَارِق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , قَالَ : قُلْت : لِكَعْبِ الْأَحْبَار : { يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتَرُونَ } أَمَا يَشْغَلهُمْ رِسَالَة أَوْ عَمَل ؟ قَالَ : يَا اِبْن أَخِي إِنَّهُمْ جُعِلَ لَهُمْ التَّسْبِيح كَمَا جُعِلَ لَكُمْ النَّفَس , أَلَسْت تَأْكُل وَتَشْرَب وَتَقُوم وَتَقْعُد وَتَجِيء وَتَذْهَب وَأَنْتَ تَنَفَّس ؟ قُلْت : بَلَى قَالَ : فَكَذَلِكَ جُعِلَ لَهُمْ التَّسْبِيح . 18509 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن وَأَبُو دَاوُد , قَالَا : ثنا عِمْرَان الْقَطَّان , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ عَمْرو الْبِكَالِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : إِنَّ اللَّه خَلَقَ عَشَرَة أَجْزَاء , فَجَعَلَ تِسْعَة أَجْزَاء الْمَلَائِكَة وَجُزْءًا سَائِر الْخَلْق . وَجَزَّأَ الْمَلَائِكَة عَشَرَة أَجْزَاء , فَجَعَلَ تِسْعَة أَجْزَاء يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتَرُونَ وَجُزْءًا لِرِسَالَتِهِ . وَجَزَّأَ الْخَلْق عَشَرَة أَجْزَاء , فَجَعَلَ تِسْعَة أَجْزَاء الْجِنّ وَجُزْءًا سَائِر بَنِي آدَم . وَجَزَّأَ بَنِي آدَم عَشَرَة أَجْزَاء , فَحَمَلَ يَأْجُوج وَمَأْجُوج تِسْعَة أَجْزَاء وَجُزْءًا سَائِر بَنِي آدَم . 18510 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتَرُونَ } يَقُول : الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ عِنْد الرَّحْمَن لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته وَلَا يَسْأَمُونَ فِيهَا . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِس مَعَ أَصْحَابه , إِذْ قَالَ : " تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَع ؟ " قَالُوا : مَا نَسْمَع مِنْ شَيْء يَا نَبِيّ اللَّه قَالَ : " إِنِّي لَأَسْمَع أَطِيط السَّمَاء , وَمَا تُلَام أَنْ تَئِطّ وَلَيْسَ فِيهَا مَوْضِع رَاحَة إِلَّا وَفِيهِ مَلَك سَاجِد أَوْ قَائِم " .
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَسورة الأنبياء الآية رقم 21
وَقَوْله : { أَمْ اِتَّخَذُوا آلِهَة مِنْ الْأَرْض هُمْ يُنْشِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اِتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ آلِهَة مِنْ الْأَرْض هُمْ يُنْشِرُونَ يَعْنِي بِقَوْلِهِ " هُمْ " : الْآلِهَة . يَقُول : هَذِهِ الْآلِهَة الَّتِي اِتَّخَذُوهَا تَنْشُر الْأَمْوَات يَقُول : يُحْيُونَ الْأَمْوَات , وَيُنْشِرُونَ الْخَلْق , فَإِنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت . كَمَا : 18511 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني عِيسَى " ح " ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يُنْشِرُونَ } يَقُول : يُحْيُونَ . 18512 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَمْ اِتَّخَذُوا آلِهَة مِنْ الْأَرْض هُمْ يُنْشِرُونَ } يَقُول : أَفِي آلِهَتهمْ أَحَد يُحْيِي ذَلِكَ يُنْشِرُونَ ؟ وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { قُلْ مَنْ يَرْزُقكُمْ مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض } 10 31 إِلَى قَوْله : { مَا لَكُمْ كَيْف تَحْكُمُونَ } . 10 35
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَسورة الأنبياء الآية رقم 22
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَة إِلَّا اللَّه لَفَسَدَتَا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَوْ كَانَ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض آلِهَة تَصْلُح لَهُمْ الْعِبَادَة سِوَى اللَّه الَّذِي هُوَ خَالِق الْأَشْيَاء , وَلَهُ الْعِبَادَة وَالْأُلُوهَة الَّتِي لَا تَصْلُح إِلَّا لَهُ ; { لَفَسَدَتَا } يَقُول : لَفَسَدَ أَهْل السَّمَاوَات وَالْأَرْض .

يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَتَنْزِيه لِلَّهِ وَتَبْرِئَة لَهُ مِمَّا يَفْتَرِي بِهِ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ مِنْ الْكَذِب . كَمَا : 18513 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَة إِلَّا اللَّه لَفَسَدَتَا فَسُبْحَان اللَّه رَبّ الْعَرْش عَمَّا يَصِفُونَ } يُسَبِّح نَفْسه إِذْ قِيلَ عَلَيْهِ الْبُهْتَان .
لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَسورة الأنبياء الآية رقم 23
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا سَائِل يَسْأَل رَبّ الْعَرْش عَنْ الَّذِي يَفْعَل بِخَلْقِهِ مِنْ تَصْرِيفهمْ فِيمَا شَاءَ مِنْ حَيَاة وَمَوْت وَإِعْزَاز وَإِذْلَال وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ حُكْمه فِيهِمْ ; لِأَنَّهُمْ خَلْقه وَعَبِيده , وَجَمِيعهمْ فِي مُلْكه وَسُلْطَانه , وَالْحُكْم حُكْمه , وَالْقَضَاء قَضَاؤُهُ , لَا شَيْء فَوْقه يَسْأَلهُ عَمَّا يَفْعَل فَيَقُول لَهُ لِمَ فَعَلْت ؟ وَلِمَ لَمْ تَفْعَل ؟ { وَهُمْ يُسْأَلُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَجَمِيع مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْ عِبَاده مَسْئُولُونَ عَنْ أَفْعَالهمْ , وَمُحَاسَبُونَ عَلَى أَعْمَالهمْ , وَهُوَ الَّذِي يَسْأَلهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُحَاسِبهُمْ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ فَوْقهمْ وَمَالِكهمْ , وَهُمْ فِي سُلْطَانه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18514 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ } يَقُول : لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل بِعِبَادِهِ , وَهُمْ يُسْأَلُونَ عَنْ أَعْمَالهمْ . 18515 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَوْله : { لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ } قَالَ : لَا يُسْأَل الْخَالِق عَنْ قَضَائِهِ فِي خَلْقه , وَهُوَ يَسْأَل الْخَلْق عَنْ عَمَلهمْ . 18516 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ } قَالَ : لَا يُسْأَل الْخَالِق عَمَّا يَقْضِي فِي خَلْقه , وَالْخَلْق مَسْئُولُونَ عَنْ أَعْمَالهمْ .
أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَسورة الأنبياء الآية رقم 24
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونه آلِهَة } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَتَّخِذ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُون اللَّه آلِهَة تَنْفَع وَتَضُرّ وَتَخْلُق وَتُحْيِي وَتُمِيت ؟ .

قُلْ يَا مُحَمَّد لَهُمْ : هَاتُوا بُرْهَانكُمْ ! يَعْنِي حُجَّتكُمْ يَقُول : هَاتُوا إِنْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ مُحِقُّونَ فِي قِيلكُمْ ذَلِكَ حُجَّة وَدَلِيلًا عَلَى صِدْقكُمْ . كَمَا : 18517 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانكُمْ } يَقُول : هَاتُوا بَيِّنَتكُمْ عَلَى مَا تَقُولُونَ .


وَقَوْله : { هَذَا ذِكْر مَنْ مَعِيَ } يَقُول : هَذَا الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْقُرْآن وَالتَّنْزِيل , { ذِكْر مَنْ مَعِيَ } يَقُول : خَبَر مَنْ مَعِيَ مِمَّا لَهُمْ مِنْ ثَوَاب اللَّه عَلَى إِيمَانهمْ بِهِ وَطَاعَتهمْ إِيَّاهُ وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ عِقَاب اللَّه عَلَى مَعْصِيَتهمْ إِيَّاهُ وَكُفْرهمْ بِهِ . { وَذِكْر مَنْ قَبْلِي } يَقُول : وَخَبَر مَنْ قَبْلِي مِنْ الْأُمَم الَّتِي سَلَفَتْ قَبْلِي , وَمَا فَعَلَ اللَّه بِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ فَاعِل بِهِمْ فِي الْآخِرَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18518 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هَذَا ذِكْر مَنْ مَعِيَ } يَقُول : هَذَا الْقُرْآن فِيهِ ذِكْر الْحَلَال وَالْحَرَام . { وَذِكْر مَنْ قَبْلِي } يَقُول : ذِكْر أَعْمَال الْأُمَم السَّالِفَة وَمَا صَنَعَ اللَّه بِهِمْ إِلَى مَا صَارُوا . 18519 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج . { هَذَا ذِكْر مَنْ قَبْلِي } قَالَ : حَدِيث مَنْ مَعِيَ , وَحَدِيث مَنْ قَبْلِي .


وَقَوْله : { بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقّ } يَقُول : بَلْ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ الصَّوَاب فِيمَا يَقُولُونَ وَلَا فِيمَا يَأْتُونَ وَيَذَرُونَ ,


فَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْ الْحَقّ جَهْلًا مِنْهُمْ بِهِ وَقِلَّة فَهْم . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 18520 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ } عَنْ كِتَاب اللَّه .
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِسورة الأنبياء الآية رقم 25
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا أَرْسَلْنَا يَا مُحَمَّد مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول إِلَى أُمَّة مِنْ الْأُمَم إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا مَعْبُود فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض تَصْلُح الْعِبَادَة لَهُ سِوَايَ { فَاعْبُدُونِ } يَقُول : فَأَخْلِصُوا الْعِبَادَة , وَأَفْرِدُوا لِي الْأُلُوهَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18521 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } قَالَ : أُرْسِلَتْ الرُّسُل بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيد , لَا يُقْبَل مِنْهُمْ - قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَظُنّهُ أَنَا قَالَ - عَمَل حَتَّى يَقُولُوهُ وَيُقِرُّوا بِهِ ; وَالشَّرَائِع مُخْتَلِفَة , فِي التَّوْرَاة شَرِيعَة وَفِي الْإِنْجِيل شَرِيعَة وَفِي الْقُرْآن شَرِيعَة حَلَال وَحَرَام . وَهَذَا كُلّه فِي الْإِخْلَاص لِلَّهِ وَالتَّوْحِيد لَهُ .
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَسورة الأنبياء الآية رقم 26
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا اِتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا سُبْحَانه بَلْ عِبَاد مُكْرَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِرَبِّهِمْ : اِتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا مِنْ مَلَائِكَته فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ اِسْتِعْظَامًا مِمَّا قَالُوا وَتَبَرِّيًا مِمَّا وَصَفُوهُ بِهِ سُبْحَانه , يَقُول تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ : مَا ذَلِكَ مِنْ صِفَته { بَلْ عِبَاد مُكْرَمُونَ } يَقُول : مَا الْمَلَائِكَة كَمَا وَصَفَهُمْ بِهِ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ مِنْ بَنِي آدَم , وَلَكِنَّهُمْ عِبَاد مُكْرَمُونَ ; يَقُول : أَكْرَمَهُمْ اللَّه . كَمَا : 18522 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَقَالُوا اِتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا سُبْحَانه بَلْ عِبَاد مُكْرَمُونَ } قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى صَاهَرَ الْجِنّ , فَكَانَتْ مِنْهُمْ الْمَلَائِكَة . قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَكْذِيبًا لَهُمْ وَرَدًّا عَلَيْهِمْ : { بَلْ عِبَاد مُكْرَمُونَ } وَإِنَّ الْمَلَائِكَة لَيْسَ كَمَا قَالُوا , إِنَّمَا هُمْ عِبَاد أَكْرَمَهُمْ اللَّه بِعِبَادَتِهِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة . وَحَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَقَالُوا اِتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا } قَالَتْ الْيَهُود وَطَوَائِف مِنْ النَّاس : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَاتَنَ إِلَى الْجِنّ وَالْمَلَائِكَة مِنْ الْجِنّ ! قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { سُبْحَانه بَلْ عِبَاد مُكْرَمُونَ } .
لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَسورة الأنبياء الآية رقم 27
وَقَوْله : { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِمَا يَأْمُرهُمْ بِهِ رَبّهمْ , وَلَا يَعْمَلُونَ عَمَلًا إِلَّا بِهِ . 18523 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ اللَّه : { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ } يُثْنِي عَلَيْهِمْ { وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } .
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَسورة الأنبياء الآية رقم 28
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِي مَلَائِكَته مَا لَمْ يُبَلِّغُوهُ مَا هُوَ وَمَا هُمْ فِيهِ قَائِلُونَ وَعَامِلُونَ , { وَمَا خَلْفهمْ } يَقُول : وَمَا مَضَى مِنْ قَبْل الْيَوْم مِمَّا خَلَّفُوهُ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْأَزْمَان وَالدُّهُور مَا عَمِلُوا فِيهِ , قَالُوا : ذَلِكَ كُلّه مُحْصًى لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18524 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفهمْ } يَقُول : يَعْلَم مَا قَدَّمُوا وَمَا أَضَاعُوا مِنْ أَعْمَالهمْ .

{ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ اِرْتَضَى } يَقُول : وَلَا تَشْفَع الْمَلَائِكَة إِلَّا لِمَنْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18525 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ اِرْتَضَى } يَقُول : الَّذِينَ اِرْتَضَى لَهُمْ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 18526 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { إِلَّا لِمَنْ اِرْتَضَى } قَالَ : لِمَنْ رَضِيَ عَنْهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18527 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ اِرْتَضَى } يَوْم الْقِيَامَة , { وَهُمْ مِنْ خَشْيَته مُشْفِقُونَ } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة يَقُول : وَلَا يَشْفَعُونَ يَوْم الْقِيَامَة . * حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله .

وَقَوْله : { وَهُمْ مِنْ خَشْيَته مُشْفِقُونَ } يَقُول : وَهُمْ مِنْ خَوْف اللَّه وَحَذَارِ عِقَابه أَنْ يَحِلّ بِهِمْ مُشْفِقُونَ , يَقُول : حَذِرُونَ أَنْ يَعْصُوهُ وَيُخَالِفُوا أَمْره وَنَهْيه .
وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَسورة الأنبياء الآية رقم 29
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَه مِنْ دُونه فَذَلِكَ نَجْزِيه جَهَنَّم } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَقُلْ مِنْ الْمَلَائِكَة إِنَى إِلَه مِنْ دُون اللَّه , { فَذَلِكَ } الَّذِي يَقُول ذَلِكَ مِنْهُمْ { نَجْزِيه جَهَنَّم } يَقُول : نُثِيبهُ عَلَى قِيله ذَلِكَ جَهَنَّم . وَقِيلَ : عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة إِبْلِيس . وَقَالَ قَائِلُو ذَلِكَ : إِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ , لِأَنَّهُ لَا أَحَد مِنْ الْمَلَائِكَة قَالَ إِنِّي إِلَه مِنْ دُون اللَّه سِوَاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18528 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ } قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : مَنْ يَقُلْ مِنْ الْمَلَائِكَة إِنِّي إِلَه مِنْ دُونه ; فَلَمْ يَقُلْهُ إِلَّا إِبْلِيس دَعَا إِلَى عِبَادَة نَفْسه , فَنَزَلَتْ هَذِهِ فِي إِبْلِيس . 18529 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَه مِنْ دُونه فَذَلِكَ نَجْزِيه جَهَنَّم كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَة خَاصَّة لِعَدُوِّ اللَّه إِبْلِيس لَمَّا قَالَ مَا قَالَ لَعَنَهُ اللَّه وَجَعَلَهُ رَجِيمًا , فَقَالَ : { فَذَلِكَ نَجْزِيه جَهَنَّم كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } . 18530 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَه مِنْ دُونه فَذَلِكَ نَجْزِيه جَهَنَّم } قَالَ : هِيَ خَاصَّة لِإِبْلِيس .

يَقُول : كَمَا نَجْزِي مَنْ قَالَ مِنْ الْمَلَائِكَة إِنِّي إِلَه مِنْ دُون اللَّه جَهَنَّم , كَذَلِكَ نَجْزِي ذَلِكَ كُلّ مَنْ ظَلَمَ نَفْسه فَكَفَرَ بِاَللَّهِ وَعَبَدَ غَيْره .
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَسورة الأنبياء الآية رقم 30
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَنْظُر هَؤُلَاءِ الَّذِي كَفَرُوا بِاَللَّهِ بِأَبْصَارِ قُلُوبهمْ , فَيَرَوْا بِهَا , وَيَعْلَمُوا أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا : يَقُول : لَيْسَ فِيهِمَا ثُقْب , بَلْ كَانَتَا مُلْتَصِقَتَيْنِ ; يُقَال مِنْهُ : رَتَقَ فُلَان الْفَتْق : إِذْ شَدَّهُ , فَهُوَ يَرْتُقهُ رَتْقًا وَرُتُوقًا ; وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي فَرْجهَا مُلْتَحِم : رَتْقَاء . وَوَحَّدَ الرَّتْق , وَهُوَ مِنْ صِفَة السَّمَاء وَالْأَرْض , وَقَدْ جَاءَ بَعْد قَوْله : { كَانَتَا } لِأَنَّهُ مَصْدَر , مِثْل قَوْل الزُّور وَالصَّوْم وَالْفِطْر . وَقَوْله : { فَفَتَقْنَاهُمَا } يَقُول : فَصَدَّعْنَاهُمَا وَفَرَّجْنَاهُمَا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى وَصْف اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالرَّتْقِ , وَكَيْف كَانَ الرَّتْق , وَبِأَيِّ مَعْنًى فُتِقَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا مُلْتَصِقَتَيْنِ فَفَصَلَ اللَّه بَيْنهمَا بِالْهَوَاءِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18531 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا } يَقُول : مُلْتَصِقَتَيْنِ . 18532 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } . . . الْآيَة , يَقُول : كَانَتَا مُلْتَصِقَتَيْنِ , فَرَفَعَ السَّمَاء وَوَضَعَ الْأَرْض . 18533 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : كَانَتَا مُلْتَزِقَتَيْنِ , فَفَتَقَهُمَا اللَّه . 18534 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } قَالَ : كَانَ الْحَسَن وَقَتَادَة يَقُولَانِ : كَانَتَا جَمِيعًا , فَفَصَلَ اللَّه بَيْنهمَا بِهَذَا الْهَوَاء وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ السَّمَاوَات كَانَتْ مُرْتَتِقَة طَبَقَة , فَفَتَقَهَا اللَّه فَجَعَلَهَا سَبْع سَمَاوَات وَكَذَلِكَ الْأَرْض كَانَتْ كَذَلِكَ مُرْتَتِقَة , فَفَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْع أَرَضِينَ ذِكْر مَنْ قَالَ : ذَلِكَ : 18535 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } مِنْ الْأَرْض سِتّ أَرَضِينَ مَعَهَا فَتِلْكَ سَبْع أَرَضِينَ مَعَهَا , وَمِنْ السَّمَاء سِتّ سَمَاوَات مَعَهَا فَتِلْكَ سَبْع سَمَاوَات مَعَهَا . قَالَ : وَلَمْ تَكُنْ الْأَرْض وَالسَّمَاء مُتَمَاسَّتَيْنِ . 18536 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } قَالَ : فَتَقَهُنَّ سَبْع سَمَاوَات بَعْضهنَّ فَوْق بَعْض , وَسَبْع أَرَضِينَ بَعْضهنَّ تَحْت بَعْض . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد نَحْو حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي عَاصِم . 18537 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل , قَالَ : سَأَلْت أَبَا صَالِح عَنْ قَوْله : { كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } قَالَ : كَانَتْ الْأَرْض رَتْقًا وَالسَّمَاوَات رَتْقًا , فَفَتَقَ مِنْ السَّمَاء سَبْع سَمَاوَات , وَمِنْ الْأَرْض سَبْع أَرَضِينَ . 18538 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَتْ سَمَاء وَاحِدَة ثُمَّ فَتَقَهَا , فَجَعَلَهَا سَبْع سَمَاوَات فِي يَوْمَيْنِ , فِي الْخَمِيس وَالْجُمُعَة , وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام } 7 54 يَقُول : { كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ السَّمَاوَات كَانَتْ رَتْقًا لَا تُمْطِر وَالْأَرْض كَذَلِكَ رَتْقًا لَا تُنْبِت , فَفَتَقَ السَّمَاء بِالْمَطَرِ وَالْأَرْض بِالنَّبَاتِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18539 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } قَالَ : كَانَتَا رَتْقًا لَا يَخْرُج مِنْهُمَا شَيْء , فَفَتَقَ السَّمَاء بِالْمَطَرِ وَفَتَقَ الْأَرْض بِالنَّبَاتِ . قَالَ : وَهُوَ قَوْله : { وَالسَّمَاء ذَات الرَّجْع وَالْأَرْض ذَات الصَّدْع } . 86 11 : 12 18540 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْفُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة , فِي قَوْله : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } قَالَ : كَانَتْ السَّمَاء رَتْقًا لَا تُمْطِر وَالْأَرْض رَتْقًا لَا تُنْبِت , فَفَتَقَ السَّمَاء بِالْمَطَرِ وَفَتَقَ الْأَرْض بِالنَّبَاتِ وَجَعَلَ مِنْ الْمَاء كُلّ شَيْء حَيّ , أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ؟ 18541 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } قَالَ : كَانَتْ السَّمَاوَات رَتْقًا لَا يَنْزِل مِنْهَا مَطَر , وَكَانَتْ الْأَرْض رَتْقًا لَا يَخْرُج مِنْهَا نَبَات , فَفَتَقَهُمَا اللَّه , فَأَنْزَلَ مَطَر السَّمَاء , وَشَقَّ الْأَرْض فَأَخْرَجَ نَبَاتهَا . وَقَرَأَ : { فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاء كُلّ شَيْء حَيّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا قِيلَ { فَفَتَقْنَاهُمَا } لِأَنَّ اللَّيْل كَانَ قَبْل النَّهَار , فَفَتَقَ النَّهَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18542 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : خُلِقَ اللَّيْل قَبْل النَّهَار . ثُمَّ قَالَ : { كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِي كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا مِنْ الْمَطَر وَالنَّبَات , فَفَتَقْنَا السَّمَاء بِالْغَيْثِ وَالْأَرْض بِالنَّبَاتِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ لِدَلَالَةِ قَوْله : { وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاء كُلّ شَيْء حَيّ } عَلَى ذَلِكَ , وَأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُعَقِّب ذَلِكَ بِوَصْفِ الْمَاء بِهَذِهِ الصِّفَة إِلَّا وَاَلَّذِي تَقَدَّمَهُ مِنْ ذِكْر أَسْبَابه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَكَيْف قِيلَ : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا , وَالْغَيْث إِنَّمَا يَنْزِل مِنْ السَّمَاء الدُّنْيَا ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ مُخْتَلَف فِيهِ , قَدْ قَالَ قَوْم : إِنَّمَا يَنْزِل مِنْ السَّمَاء السَّابِعَة , وَقَالَ آخَرُونَ : مِنْ السَّمَاء الرَّابِعَة , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّهُ يَنْزِل مِنْ السَّمَاء الدُّنْيَا , لَمْ يَكُنْ فِي قَوْله : { أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض } دَلِيل عَلَى خِلَاف مَا قُلْنَا , لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِع أَنْ يُقَال " السَّمَاوَات " وَالْمُرَاد مِنْهَا وَاحِدَة فَتُجْمَع , لِأَنَّ كُلّ قِطْعَة مِنْهَا سَمَاء , كَمَا يُقَال : ثَوْب أَخْلَاق , وَقَمِيص أَسْمَال . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْف قِيلَ إِنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا , فَالسَّمَاوَات جَمْع , وَحُكْم جَمْع الْإِنَاث أَنْ يُقَال فِي قَلِيلَة كُنَّ , وَفِي كَثِيره كَانَتْ ؟ قِيلَ : إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا . صِنْفَانِ , فَالسَّمَاوَات نَوْع , وَالْأَرْض آخَر ; وَذَلِكَ نَظِير قَوْل الْأَسْوَد بْن يَعْفَر : إِنَّ الْمَنِيَّة وَالْحُتُوف كِلَاهُمَا تُوفِي الْمَخَارِم يَرْقُبَانِ سَوَادِي فَقَالَ : " كِلَاهُمَا " , وَقَدْ ذَكَرَ الْمَنِيَّة وَالْحُتُوف لِمَا وُصِفَتْ مِنْ أَنَّهُ عَنَى النَّوْعَيْنِ . وَقَدْ أُخْبِرْت عَنْ أَبِي عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : أَنْشَدَنِي غَالِب النُّفَيْلِيّ لِلْقُطَامِيّ : أَلَمْ يَحْزُنك أَنَّ حِبَال قَيْس وَتَغْلِب قَدْ تَبَايَنَتَا اِنْقِطَاعًا فَجَعَلَ حِبَال قَيْس وَهِيَ جَمْع وَحِبَال تَغْلِب وَهِيَ جَمْع اِثْنَيْنِ .

وَقَوْله : { وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاء كُلّ شَيْء حَيّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَحْيَيْنَا بِالْمَاءِ الَّذِي نُنَزِّلهُ مِنْ السَّمَاء كُلّ شَيْء . كَمَا : 18543 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاء كُلّ شَيْء حَيّ } قَالَا : كُلّ شَيْء حَيّ خُلِقَ مِنْ الْمَاء . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْف خَصَّ كُلّ شَيْء حَيّ بِأَنَّهُ جُعِلَ مِنْ الْمَاء دُون سَائِر الْأَشْيَاء غَيْره , فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يَحْيَا بِالْمَاءِ الزُّرُوع وَالنَّبَات وَالْأَشْجَار وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا حَيَاة لَهُ , وَلَا يُقَال لَهُ حَيّ وَلَا مَيِّت ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ لَا شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِلَّا وَلَهُ حَيَاة وَمَوْت , وَإِنْ خَالَفَ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ مَعْنَى ذَوَات الْأَرْوَاح فِي أَنَّهُ لَا أَرْوَاح فِيهِنَّ وَأَنَّ فِي ذَوَات الْأَرْوَاح أَرْوَاحًا ; فَلِذَلِكَ قِيلَ : { وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاء كُلّ شَيْء حَيّ } .


وَقَوْله : { أَفَلَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول : أَفَلَا يُصَدِّقُونَ بِذَلِكَ , وَيُقِرُّونَ بِأُلُوهَةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَيُفْرِدُونَهُ بِالْعِبَادَةِ ؟
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4