الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3
طسمسورة القصص الآية رقم 1
"طسم" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِسورة القصص الآية رقم 2
"تِلْكَ" أَيْ هَذِهِ الْآيَات "آيَات الْكِتَاب" الْإِضَافَة بِمَعْنَى مِنْ "الْمُبِين" الْمُظْهِر الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل
نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَسورة القصص الآية رقم 3
"نَتْلُو" نَقُصّ "عَلَيْك مِنْ نَبَإِ" خَبَر "مُوسَى وَفِرْعَوْن بِالْحَقِّ" الصِّدْق "لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" لِأَجَلِهِمْ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَسورة القصص الآية رقم 4
"إنَّ فِرْعَوْن عَلَا" تَعَظَّمَ "فِي الْأَرْض" أَرْض مِصْر "وَجَعَلَ أَهْلهَا شِيَعًا" فِرَقًا فِي خِدْمَته "يَسْتَضْعِف طَائِفَة مِنْهُمْ" هُمْ بَنُو إسْرَائِيل "يُذَبِّح أَبْنَاءَهُمْ" الْمَوْلُودِينَ "وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ" يَسْتَبْقِيهِنَّ أَحْيَاء لِقَوْلِ بَعْض الْكَهَنَة لَهُ : إنَّ مَوْلُودًا يُولَد فِي بَنِي إسْرَائِيل يَكُون سَبَب زَوَال مُلْكك "إنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ" بِالْقَتْلِ وَغَيْره
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَسورة القصص الآية رقم 5
"وَنُرِيد أَنْ نَمُنّ عَلَى الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْض وَنَجْعَلهُمْ أَئِمَّة" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة يَاء : يُقْتَدَى بِهِمْ فِي الْخَيْر "وَنَجْعَلهُمْ الْوَارِثِينَ" مَلِك فِرْعَوْن
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَسورة القصص الآية رقم 6
"وَنُمَكِّن لَهُمْ فِي الْأَرْض" أَرْض مِصْر وَالشَّام "وَنُرِيَ فِرْعَوْن وَهَامَان وَجُنُودهمَا" وَفِي قِرَاءَة وَيَرَى بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّة وَالرَّاء وَرَفْع الْأَسْمَاء الثَّلَاثَة "مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ" يَخَافُونَ مِنْ الْمَوْلُود الَّذِي يَذْهَب مُلْكهمْ عَلَى يَدَيْهِ
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَسورة القصص الآية رقم 7
"وَأَوْحَيْنَا" وَحْي إلْهَام أَوْ مَنَام "إلَى أُمّ مُوسَى" وَهُوَ الْمَوْلُود الْمَذْكُور وَلَمْ يَشْعُر بِوِلَادَتِهِ غَيْر أُخْته "أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْت عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمّ" الْبَحْر أَيْ النِّيل "وَلَا تَخَافِي" غَرَقه "وَلَا تَحْزَنِي" لِفِرَاقِهِ "إنَّا رَادُّوهُ إلَيْك وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ" فَأَرْضَعَتْهُ ثَلَاثَة أَشْهُر لَا يَبْكِي وَخَافَتْ عَلَيْهِ فَوَضَعَتْهُ فِي تَابُوت مَطْلِيّ بِالْقَارِ مِنْ الدَّاخِل مُمَهَّد لَهُ فِيهِ وَأَغْلَقَتْهُ وَأَلْقَتْهُ فِي بَحْر النِّيل لَيْلًا
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَسورة القصص الآية رقم 8
"فَالْتَقَطَهُ" بِالتَّابُوتِ صَبِيحَة اللَّيْل "آل" أَعْوَان "فِرْعَوْن" فَوَضَعُوهُ بَيْن يَدَيْهِ وَفُتِحَ وَأُخْرِجَ مُوسَى مِنْهُ وَهُوَ يَمُصّ مِنْ إبْهَامه لَبَنًا "لِيَكُونَ لَهُمْ" فِي عَاقِبَة الْأَمْر "عَدُوًّا" يَقْتُل رِجَالهمْ "وَحَزَنًا" يَسْتَعْبِد نِسَاءَهُمْ وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّ الْحَاء وَسُكُون الزَّاي لُغَتَانِ فِي الْمَصْدَر وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى اسْم الْفَاعِل مِنْ حَزَّنَهُ كَأَحْزَنَهُ "إنَّ فِرْعَوْن وَهَامَان" وَزِيره "وَجُنُودهمَا كَانُوا خَاطِئِينَ" مِنْ الْخَطِيئَة أَيْ عَاصِينَ فَعُوقِبُوا عَلَى يَدَيْهِ
وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَسورة القصص الآية رقم 9
"وَقَالَتْ امْرَأَة فِرْعَوْن" وَقَدْ هَمَّ مَعَ أَعْوَانه بِقَتْلِهِ هُوَ "قُرَّة عَيْن لِي وَلَك لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعنَا أَوْ نَتَّخِذهُ وَلَدًا" فَأَطَاعُوهَا "وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" بِعَاقِبَةِ أَمْرهمْ مَعَهُ
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَسورة القصص الآية رقم 10
"وَأَصْبَحَ فُؤَاد أُمّ مُوسَى" لَمَّا عَلِمَتْ بِالْتِقَاطِهِ "فَارِغًا" مِمَّا سِوَاهُ "إنْ" مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ إنَّهَا "كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ" أَيْ بِأَنَّهُ ابْنهَا "لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبهَا" بِالصَّبْرِ أَيْ سُكْنَاهُ "لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ" الْمُصَدِّقِينَ بِوَعْدِ اللَّه وَجَوَاب لَوْلَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلهَا
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَسورة القصص الآية رقم 11
"وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ" مَرْيَم "قُصِّيهِ" اتَّبِعِي أَثَره حَتَّى تَعْلَمِي خَبَره "فَبَصُرَتْ بِهِ" أَبْصَرَتْهُ "عَنْ جُنُب" مِنْ مَكَان بَعِيد اخْتِلَاسًا "وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" أَنَّهَا أُخْته وَأَنَّهَا تَرْقُبهُ
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَسورة القصص الآية رقم 12
"وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِع مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل رَدّه إلَى أُمّه أَيْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَبُول ثَدْي مُرْضِعَة غَيْر أُمّه فَلَمْ يَقْبَل ثَدْي وَاحِدَة مِنْ الْمَرَاضِع الْمُحْضَرَة لَهُ "فَقَالَتْ" أُخْته "هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْت" لَمَّا رَأَتْ حُنُوّهُمْ عَلَيْهِ "يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ" بِالْإِرْضَاعِ وَغَيْره "وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ" وَفَسَّرَتْ ضَمِير لَهُ بِالْمُلْكِ جَوَابًا لَهُمْ فَأُجِيبَتْ فَجَاءَتْ بِأُمِّهِ فَقَبَّلَ ثَدْيهَا وَأَجَابَتْهُمْ عَنْ قَبُوله بِأَنَّهَا طَيِّبَة الرِّيح طَيِّبَة اللَّبَن فَأَذِنَ لَهَا فِي إرْضَاعه فِي بَيْتهَا فَرَجَعَتْ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَسورة القصص الآية رقم 13
"فَرَدَدْنَاهُ إلَى أُمّه كَيْ تَقَرّ عَيْنهَا" بِلِقَائِهِ "وَلَا تَحْزَن" حِينَئِذٍ "وَلِتَعْلَم أَنَّ وَعْد اللَّه" بِرَدِّهِ إلَيْهَا "حَقّ وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ" أَيْ النَّاس "لَا يَعْلَمُونَ" بِهَذَا الْوَعْد وَلَا بِأَنَّ هَذِهِ أُخْته وَهَذِهِ أُمّه فَمَكَثَ عِنْدهَا إلَى أَنْ فَطَمَتْهُ وَأَجْرَى عَلَيْهَا أُجْرَتهَا لِكُلِّ يَوْم دِينَار وَأَخَذَتْهَا لِأَنَّهَا مَال حَرْبِيّ فَأَتَتْ بِهِ فِرْعَوْن فَتَرَبَّى عِنْده كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَنْهُ فِي سُورَة الشُّعَرَاء "أَلَمْ نُرَبِّك فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْت فِينَا مِنْ عُمُرك سِنِينَ"
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَسورة القصص الآية رقم 14
"وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدّهُ" وَهُوَ ثَلَاثُونَ سَنَة أَوْ وَثَلَاث "وَاسْتَوَى" أَيْ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَة "آتَيْنَاهُ حُكْمًا" حِكْمَة "وَعِلْمًا" فِقْهًا فِي الدِّين قَبْل أَنْ يَبْعَث نَبِيًّا "وَكَذَلِكَ" كَمَا جَزَيْنَاهُ "نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" لِأَنْفُسِهِمْ
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌسورة القصص الآية رقم 15
"وَدَخَلَ" مُوسَى "الْمَدِينَة" مَدِينَة فِرْعَوْن وَهِيَ مَنْف بَعْد أَنْ غَابَ عَنْهُ مُدَّة "عَلَى حِين غَفْلَة مِنْ أَهْلهَا" وَقْت الْقَيْلُولَة "فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَته" أَيْ إسْرَائِيلِيّ "وَهَذَا مِنْ عَدُوّهُ" أَيْ قِبْطِيّ يُسَخِّر إسْرَائِيلِيًّا لِيَحْمِل حَطَبًا إلَى مَطْبَخ فِرْعَوْن "فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَته عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوّهُ" فَقَالَ لَهُ مُوسَى خَلّ سَبِيله فَقِيلَ إنَّهُ قَالَ لِمُوسَى لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَحْمِلهُ عَلَيْك "فَوَكَزَهُ مُوسَى" أَيْ ضَرَبَهُ بِجَمْعِ كَفّه وَكَانَ شَدِيد الْقُوَّة وَالْبَطْش "فَقَضَى عَلَيْهِ" قَتَلَهُ وَلَمْ يَكُنْ قَصَدَ قَتْله وَدَفَنَهُ فِي الرَّمْل "قَالَ هَذَا" قَتْله "مِنْ عَمَل الشَّيْطَان" الْمُهَيِّج غَضَبِي "إنَّهُ عَدُوّ" لِابْنِ آدَم "مُضِلّ" لَهُ "مُبِين" بَيِّن الْإِضْلَال
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُسورة القصص الآية رقم 16
"قَالَ" نَادِمًا "رَبّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي" بِقَتْلِهِ "فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم" أَيْ الْمُتَّصِف بِهِمَا أَزَلًا وَأَبَدًا
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَسورة القصص الآية رقم 17
"قَالَ رَبّ بِمَا أَنْعَمْت" بِحَقِّ إنْعَامك "عَلَيَّ" بِالْمَغْفِرَةِ اعْصِمْنِي "فَلَنْ أَكُون ظَهِيرًا" عَوْنًا "لِلْمُجْرِمِينَ" الْكَافِرِينَ بَعْد هَذِهِ إنْ عَصَمْتنِي
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌسورة القصص الآية رقم 18
"فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَة خَائِفًا يَتَرَقَّب" يَنْتَظِر مَا يَنَالهُ مِنْ جِهَة الْقَتِيل "فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخهُ" يَسْتَغِيث بِهِ عَلَى قِبْطِيّ آخَر "قَالَ لَهُ مُوسَى إنَّك لَغَوِيّ مُبِين" بَيِّن الْغَوَايَة لِمَا فَعَلْته بِالْأَمْسِ وَالْيَوْم
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَسورة القصص الآية رقم 19
"فَلَمَّا أَنْ" زَائِدَة "أَرَادَ أَنْ يَبْطِش بِاَلَّذِي هُوَ عَدُوّ لَهُمَا" لِمُوسَى وَالْمُسْتَغِيث بِهِ "قَالَ" الْمُسْتَغِيث ظَانًّا أَنَّهُ يَبْطِش بِهِ لَمَّا قَالَ لَهُ "يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلنِي كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بِالْأَمْسِ إنْ" مَا "تُرِيد إلَّا أَنْ تَكُون جَبَّارًا فِي الْأَرْض وَمَا تُرِيد أَنْ تَكُون مِنْ الْمُصْلِحِينَ" فَسَمِعَ الْقِبْطِيّ ذَلِكَ فَعَلِمَ أَنَّ الْقَاتِل مُوسَى فَانْطَلَقَ إلَى فِرْعَوْن فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَ فِرْعَوْن الذَّبَّاحِينَ بِقَتْلِ مُوسَى فَأَخَذُوا فِي الطَّرِيق إلَيْهِ
وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَسورة القصص الآية رقم 20
"وَجَاءَ رَجُل" هُوَ مُؤْمِن آل فِرْعَوْن "مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة" آخِرهَا "يَسْعَى" يُسْرِع فِي مَشْيه مِنْ طَرِيق أَقْرَب مِنْ طَرِيقهمْ "قَالَ يَا مُوسَى إنَّ الْمَلَأ" مِنْ قَوْم فِرْعَوْن "يَأْتَمِرُونَ بِك" يَتَشَاوَرُونَ فِيك "لِيَقْتُلُوك فَاخْرُجْ" مِنْ الْمَدِينَة "إنِّي لَك مِنْ النَّاصِحِينَ" فِي الْأَمْر بِالْخُرُوجِ
فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة القصص الآية رقم 21
"فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّب" لُحُوق طَالِب أَوْ غَوْث اللَّه إيَّاهُ "قَالَ رَبّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ" قَوْم فِرْعَوْن
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِسورة القصص الآية رقم 22
"وَلَمَّا تَوَجَّهَ" قَصَدَ بِوَجْهِهِ "تِلْقَاء مَدْيَن" جِهَتهَا وَهِيَ قَرْيَة شُعَيْب مَسِيرَة ثَمَانِيَة أَيَّام مِنْ مِصْر سُمِّيَتْ بِمَدْيَن بْن إبْرَاهِيم وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِف طَرِيقهَا "قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِينِي سَوَاء السَّبِيل" أَيْ قَصْد الطَّرِيق أَيْ الطَّرِيق الْوَسَط إلَيْهَا فَأَرْسَلَ اللَّه مَلَكًا بِيَدِهِ عَنْزَة فَانْطَلَقَ بِهِ إلَيْهَا
وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌسورة القصص الآية رقم 23
"وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَن" بِئْر فِيهَا أَيْ وَصَلَ إلَيْهَا "وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّة" جَمَاعَة "مِنْ النَّاس يَسْقُونَ" مَوَاشِيهمْ "وَوَجَدَ مِنْ دُونهمْ" سِوَاهُمْ "امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ" تَمْنَعَانِ أَغْنَامهَا عَنْ الْمَاء "قَالَ" مُوسَى لَهُمَا "مَا خَطْبكُمَا" مَا شَأْنكُمَا لَا تَسْقِيَانِ "قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِر الرِّعَاء" جَمْع رَاعٍ أَيْ يَرْجِعُونَ مِنْ سَقْيهمْ خَوْف الزِّحَام فَنَسْقِي وَفِي قِرَاءَة يُصْدَر مِنْ الرُّبَاعِيّ أَيْ يَصْرِفُوا مَوَاشِيهمْ عَنْ الْمَاء "وَأَبُونَا شَيْخ كَبِير" لَا يَقْدِر أَنْ يَسْقِي
فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌسورة القصص الآية رقم 24
"فَسَقَى لَهُمَا" مِنْ بِئْر أُخْرَى بِقُرْبِهِمَا رَفَعَ حَجَرًا عَنْهَا لَا يَرْفَعهُ إلَّا عَشَرَة أَنْفُس "ثُمَّ تَوَلَّى" انْصَرَفَ "إلَى الظِّلّ" لِسَمُرَةَ مِنْ شِدَّة حَرّ الشَّمْس وَهُوَ جَائِع "فَقَالَ رَبّ إنِّي لِمَا أَنْزَلْت إلَيَّ مِنْ خَيْر" طَعَام "فَقِير" مُحْتَاج فَرَجَعَتَا إلَى أَبِيهِمَا فِي زَمَن أَقَلّ مِمَّا كَانَتَا تَرْجِعَانِ فِيهِ فَسَأَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَتَاهُ بِمَنْ سَقَى لَهُمَا فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا : اُدْعِيهِ لِي
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة القصص الآية رقم 25
"فَجَاءَتْهُ إحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء" أَيْ وَاضِعَة كُمّ دِرْعهَا عَلَى وَجْههَا حَيَاء مِنْهُ "قَالَتْ إنَّ أَبِي يَدْعُوك لِيَجْزِيَك أَجْر مَا سَقَيْت لَنَا" فَأَجَابَهَا مُنْكِرًا فِي نَفْسه أَخْذ الْأُجْرَة كَأَنَّهَا قَصَدَتْ الْمُكَافَأَة إنْ كَانَ مِمَّنْ يُرِيدهَا فَمَشَتْ بَيْن يَدَيْهِ فَجَعَلَتْ الرِّيح تَضْرِب ثَوْبهَا فَتَكْشِف سَاقَيْهَا فَقَالَ لَهَا : امْشِي خَلْفِي وَدُلِّينِي عَلَى الطَّرِيق فَفَعَلَتْ إلَى أَنْ جَاءَ أَبَاهَا وَهُوَ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام وَعِنْده عَشَاء فَقَالَ : اجْلِسْ فَتَعَشَّ وَقَالَ : أَخَاف أَنْ يَكُون عِوَضًا مِمَّا سَقَيْت لَهُمَا وَإِنَّا أَهْل بَيْت لَا نَطْلُب عَلَى عَمَل خَيْر عِوَضًا قَالَ : لَا عَادَتِي وَعَادَة آبَائِي نُقْرِي الضَّيْف وَنُطْعِم الطَّعَام فَأَكَلَ وَأَخْبَرَهُ بِحَالِهِ "فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَص" مَصْدَر بِمَعْنَى الْمَقْصُوص مِنْ قِتْله الْقِبْطِيّ وَقَصْدهمْ قَتْله وَخَوْفه مِنْ فِرْعَوْن "قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْت مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ" إذْ لَا سُلْطَان لِفِرْعَوْن عَلَى أَهْل مَدْيَن
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُسورة القصص الآية رقم 26
"قَالَتْ إحْدَاهُمَا" وَهِيَ الْمُرْسَلَة الْكُبْرَى أَوْ الصُّغْرَى "يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ" اتَّخِذْهُ أَجِيرًا يَرْعَى غَنَمنَا بَدَلنَا "إنَّ خَيْر مَنْ اسْتَأْجَرْت الْقَوِيّ الْأَمِين" أَيْ اسْتَأْجِرْهُ لِقُوَّتِهِ وَأَمَانَته فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رَفْعه حَجَر الْبِئْر وَمِنْ قَوْله لَهَا : امْشِي خَلْفِي وَزِيَادَة أَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْهُ وَعَلِمَ بِهَا صَوَّبَ رَأْسه فَلَمْ يَرْفَعهُ فَرَغِبَ فِي إنْكَاحه
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَسورة القصص الآية رقم 27
"قَالَ إنِّي أُرِيد أَنْ أُنْكِحك إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ" وَهِيَ الْكُبْرَى أَوْ الصُّغْرَى "عَلَى أَنْ تَأْجُرنِي" تَكُون أَجِيرًا لِي فِي رَعْي غَنَمِي "ثَمَانِيَة حِجَج" أَيْ سِنِينَ "فَإِنْ أَتْمَمْت عَشْرًا" أَيْ رَعْي عَشْر سِنِينَ "فَمِنْ عِنْدك" التَّمَام "وَمَا أُرِيد أَنْ أَشُقّ عَلَيْك" بِاشْتِرَاطِ الْعَشْر "سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّه" لِلتَّبَرُّكِ "مِنْ الصَّالِحِينَ" الْوَافِينَ بِالْعَهْدِ
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌسورة القصص الآية رقم 28
"قَالَ" مُوسَى "ذَلِكَ" الَّذِي قُلْته "بَيْنِي وَبَيْنك أَيّمَا الْأَجَلَيْنِ" الثَّمَان أَوْ الْعَشْر وَمَا زَائِدَة أَيْ رَعِيَّة "قَضَيْت" بِهِ أَيْ فَرَغْت مِنْهُ "فَلَا عُدْوَان عَلَيَّ" بِطَلَبِ الزِّيَادَة عَلَيْهِ "وَاَللَّه عَلَى مَا نَقُول" أَنَا وَأَنْتَ "وَكِيل" حَفِيظ أَوْ شَهِيد فَتَمَّ الْعَقْد بِذَلِكَ وَأَمَرَ شُعَيْب ابْنَته أَنْ تُعْطِي مُوسَى عَصَا يَدْفَع بِهَا السِّبَاع عَنْ غَنَمه وَكَانَتْ عِصِيّ الْأَنْبِيَاء عِنْده فَوَقَعَ فِي يَدهَا عَصَا آدَم مِنْ آس الْجَنَّة فَأَخَذَهَا مُوسَى بِعِلْمِ شُعَيْب
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَسورة القصص الآية رقم 29
"فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَل" أَيْ رَعْيه وَهِيَ ثَمَان أَوْ عَشْر سِنِينَ وَهُوَ الْمَظْنُون بِهِ "وَسَارَ بِأَهْلِهِ" زَوْجَته بِإِذْنِ أَبِيهَا نَحْو مِصْر "آنَسَ" أَبْصَرَ مِنْ بَعِيد "مِنْ جَانِب الطُّور" اسْم جَبَل "نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا" هُنَا "إنِّي آنَسْت نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ" عَنْ الطَّرِيق وَكَانَ قَدْ أَخَطَأَهَا "أَوْ جَذْوَة" بِتَثْلِيثِ الْجِيم قِطْعَة وَشُعْلَة "مِنْ النَّار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ" تَسْتَدْفِئُونَ وَالطَّاء بَدَل مِنْ تَاء الِافْتِعَال مِنْ صَلِيَ بِالنَّارِ بِكَسْرِ اللَّام وَفَتْحهَا
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَسورة القصص الآية رقم 30
"فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئ" جَانِب "الْوَادِي الْأَيْمَن" لِمُوسَى "فِي الْبُقْعَة الْمُبَارَكَة" لِمُوسَى لِسَمَاعِهِ كَلَام اللَّه فِيهَا "مِنْ الشَّجَرَة" بَدَل مِنْ شَاطِئ بِإِعَادَةِ الْجَار لِنَبَاتِهَا فِيهِ وَهِيَ شَجَرَة عُنَّاب أَوْ عَلِيق أَوْ عَوْسَج "أَنْ" مُفَسِّرَة لَا مُخَفَّفَة
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3