الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًاسورة الكهف الآية رقم 91
وَقَوْله " كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا " قَالَ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ : عِلْمًا أَيْ نَحْنُ مُطَّلِعُونَ عَلَى جَمِيع أَحْوَاله وَأَحْوَال جَيْشه لَا يَخْفَى عَلَيْنَا مِنْهَا شَيْء وَإِنْ تَفَرَّقَتْ أُمَمهمْ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَرْض فَإِنَّهُ تَعَالَى " لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء " .
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًاسورة الكهف الآية رقم 92
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ " ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا " أَيْ ثُمَّ سَلَكَ طَرِيقًا مِنْ مَشَارِق الْأَرْض .
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاسورة الكهف الآية رقم 93
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْن السَّدَّيْنِ وَهُمَا جَبَلَانِ مُتَنَاوِحَانِ بَيْنهمَا ثُغْرَة يَخْرُج مِنْهَا يَأْجُوج وَمَأْجُوج عَلَى بِلَاد التُّرْك فَيَعِيثُونَ فِيهَا فَسَادًا وَيُهْلِكُونَ الْحَرْث وَالنَّسْل وَيَأْجُوج وَمَأْجُوج مِنْ سُلَالَة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ " إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : يَا آدَم فَيَقُول لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك فَيَقُول اِبْعَثْ بَعْث النَّار فَيَقُول وَمَا بَعْث النَّار ؟ فَيَقُول مِنْ كُلّ أَلْف تِسْعمِائَةِ وَتِسْعَة وَتِسْعُونَ إِلَى النَّار وَوَاحِد إِلَى الْجَنَّة فَحِينَئِذٍ يَشِيب الصَّغِير وَتَضَع كُلّ ذَات حَمْل حَمْلهَا فَقَالَ إِنَّ فِيكُمْ أُمَّتَيْنِ مَا كَانَتَا فِي شَيْء إِلَّا كَثَّرَتَاهُ يَأْجُوج وَمَأْجُوج " وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّه فِي شَرْح مُسْلِم عَنْ بَعْض النَّاس أَنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج خُلِقُوا مِنْ مَنِيّ خَرَجَ مِنْ آدَم فَاخْتَلَطَ بِالتُّرَابِ فَخُلِقُوا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُونَ مَخْلُوقِينَ مِنْ آدَم وَلَيْسُوا مِنْ حَوَّاء وَهَذَا قَوْل غَرِيب جِدًّا لَا دَلِيل عَلَيْهِ لَا مِنْ عَقْل وَلَا مِنْ نَقْل وَلَا يَجُوز الِاعْتِمَاد هَاهُنَا عَلَى مَا يَحْكِيه بَعْض أَهْل الْكِتَاب لِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْأَحَادِيث الْمُفْتَعَلَة وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد عَنْ سَمُرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَلَد نُوح ثَلَاثَة : سَام أَبُو الْعَرَب وَحَام أَبُو السُّودَان وَيَافِث أَبُو التُّرْك " قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء هَؤُلَاءِ مِنْ نَسْل يَافِث أَبِي التُّرْك وَقَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ هَؤُلَاءِ تُرْكًا لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا مَنْ وَرَاء السَّدّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَة وَإِلَّا فَهُمْ أَقْرِبَاء أُولَئِكَ لَكِنْ كَانَ فِي أُولَئِكَ بَغْي وَفَسَاد وَجَرَاءَة وَقَدْ ذَكَرَ اِبْن جَرِير هَاهُنَا عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه أَثَرًا طَوِيلًا عَجِيبًا فِي سِيَر ذِي الْقَرْنَيْنِ وَبِنَائِهِ السَّدّ وَكَيْفِيَّة مَا جَرَى لَهُ وَفِيهِ طُول وَغَرَابَة وَنَكَارَة فِي أَشْكَالهمْ وَصِفَاتهمْ وَطُولهمْ وَقِصَر بَعْضهمْ وَآذَانهمْ وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ أَبِيهِ فِي ذَلِكَ أَحَادِيث غَرِيبَة لَا تَصِحّ أَسَانِيدهَا وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَوْله " وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا " أَيْ لِاسْتِعْجَامِ كَلَامهمْ وَبُعْدهمْ عَنْ النَّاس .
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّاسورة الكهف الآية رقم 94
" قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض فَهَلْ نَجْعَل لَك خَرْجًا " قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس أَجْرًا عَظِيمًا يَعْنِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا لَهُ مِنْ بَيْنهمْ مَالًا يُعْطُونَهُ إِيَّاهُ حَتَّى يَجْعَل بَيْنه وَبَيْنهمْ سَدًّا فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِعِفَّةٍ وَدِيَانَة وَصَلَاح وَقَصْد لِلْخَيْرِ .
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًاسورة الكهف الآية رقم 95
" مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْر " أَيْ إِنَّ الَّذِي أَعْطَانِي اللَّه مِنْ الْمُلْك وَالتَّمْكِين خَيْر لِي مِنْ الَّذِي تَجْمَعُونَهُ كَمَا قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام " أَتَمُدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللَّه خَيْر مِمَّا آتَاكُمْ " الْآيَة وَهَكَذَا قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ الَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْر مِنْ الَّذِي تَبْذُلُونَهُ وَلَكِنْ سَاعِدُونِي بِقُوَّةٍ أَيْ بِعَمَلِكُمْ وَآلَات الْبِنَاء .
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًاسورة الكهف الآية رقم 96
" أَجْعَل بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ رَدْمًا آتُونِي زُبُر الْحَدِيد " وَالزُّبُر جَمْع زُبْرَة وَهِيَ الْقِطْعَة مِنْهُ قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَهِيَ كَاللَّبِنَةِ يُقَال كُلّ لَبِنَة زِنَة قِنْطَار بِالدِّمَشْقِيِّ أَوْ تَزِيد عَلَيْهِ " حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْن الصَّدَفَيْنِ " أَيْ وَضَعَ بَعْضه عَلَى بَعْض مِنْ الْأَسَاس حَتَّى إِذَا حَاذَى بِهِ رُءُوس الْجَبَلَيْنِ طُولًا وَعَرْضًا وَاخْتَلَفُوا فِي مِسَاحَة عَرْضه وَطُوله عَلَى أَقْوَال " قَالَ اُنْفُخُوا " أَيْ أَجَّجَ عَلَيْهِ النَّار حَتَّى صَارَ كُلّه نَارًا " قَالَ آتُونِي أُفْرِغ عَلَيْهِ قِطْرًا " قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ هُوَ النُّحَاس زَادَ بَعْضهمْ الْمُذَاب وَيَسْتَشْهِد بِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْن الْقِطْر " وَلِهَذَا يُشَبَّه بِالْبَرَدِ الْمُحَبَّر قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا بِشْر بْن يَزِيد حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُول اللَّه قَدْ رَأَيْت سَدّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج قَالَ " اِنْعَتْهُ لِي " قَالَ كَالْبَرَدِ الْمُحَبَّر طَرِيقَة سَوْدَاء وَطَرِيقَة حَمْرَاء قَالَ " قَدْ رَأَيْته " هَذَا حَدِيث مُرْسَل . وَقَدْ بَعَثَ الْخَلِيفَة الْوَاثِق فِي دَوْلَته بَعْض أُمَرَائِهِ وَجَهَّزَ مَعَهُ جَيْشًا سَرِيَّة لِيَنْظُرُوا إِلَى السَّدّ وَيُعَايِنُوهُ وَيَنْعَتُوهُ لَهُ إِذَا رَجَعُوا فَتَوَصَّلُوا مِنْ بِلَاد إِلَى بِلَاد وَمِنْ مَلِك إِلَى مَلِك حَتَّى وَصَلُوا إِلَيْهِ وَرَأَوْا بِنَاءَهُ مِنْ الْحَدِيد وَمِنْ النُّحَاس وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا فِيهِ بَابًا عَظِيمًا وَعَلَيْهِ أَقْفَال عَظِيمَة وَرَأَوْا بَقِيَّة اللَّبِن وَالْعَمَل فِي بُرْج هُنَاكَ وَأَنَّ عِنْده حَرَسًا مِنْ الْمُلُوك الْمُتَاخِمَة لَهُ وَأَنَّهُ عَالٍ مُنِيف شَاهِق لَا يُسْتَطَاع وَلَا مَا حَوْله مِنْ الْجِبَال ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بِلَادهمْ وَكَانَتْ غَيْبَتهمْ أَكْثَر مِنْ سَنَتَيْنِ وَشَاهَدُوا أَهْوَالًا وَعَجَائِب ثُمَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى .
فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًاسورة الكهف الآية رقم 97
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج أَنَّهُمْ مَا قَدَرُوا عَلَى أَنْ يَصْعَدُوا مِنْ فَوْق هَذَا السَّدّ وَلَا قَدَرُوا عَلَى نَقْبه مِنْ أَسْفَله وَلَمَّا كَانَ الظُّهُور عَلَيْهِ أَسْهَل مِنْ نَقْبه قَابَلَ كُلًّا بِمَا يُنَاسِبهُ فَقَالَ " فَمَا اِسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اِسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا " وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى نَقْبه وَلَا عَلَى شَيْء مِنْهُ . فَأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا رَوْح حَدَّثَنَا سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة حَدَّثَنَا أَبُو رَافِع عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج لَيَحْفِرُونَ السَّدّ كُلّ يَوْم حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ كَأَشَدّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتهمْ وَأَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْعَثهُمْ عَلَى النَّاس حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّه فَيَسْتَثْنِي فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِين تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاس فَيُنَشِّفُونَ الْمِيَاه وَيَتَحَصَّن النَّاس مِنْهُمْ فِي حُصُونهمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاء فَتَرْجِع وَعَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الدَّم فَيَقُولُونَ قَهَرْنَا أَهْل الْأَرْض وَعَلَوْنَا أَهْل السَّمَاء فَيَبْعَث اللَّه عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي رِقَابهمْ فَيَقْتُلهُمْ بِهَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابّ الْأَرْض لَتَسْمَن وَتَشْكَر شَكَرًا مِنْ لُحُومهمْ وَدِمَائِهِمْ " وَرَوَاهُ أَحْمَد أَيْضًا عَنْ حَسَن هُوَ اِبْن مُوسَى الْأَشْهَب عَنْ سُفْيَان عَنْ قَتَادَة بِهِ وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَزْهَر بْن مَرْوَان عَنْ عَبْد الْأَعْلَى عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة قَالَ حَدَّثَ أَبُو رَافِع وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي عَوَانَة عَنْ قَتَادَة ثُمَّ قَالَ غَرِيب لَا يُعْرَف إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه وَإِسْنَاده جَيِّد قَوِيّ وَلَكِنَّ مَتْنه فِي رَفْعه نَكَارَة لِأَنَّ ظَاهِر الْآيَة يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ اِرْتِقَائِهِ وَلَا مِنْ نَقْبه لِإِحْكَامِ بِنَائِهِ وَصَلَابَته وَشِدَّته وَلَكِنَّ هَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْب الْأَحْبَار أَنَّهُمْ قَبْل خُرُوجهمْ يَأْتُونَهُ فَيَلْحَسُونَهُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل فَيَقُولُونَ غَدًا نَفْتَحهُ فَيَأْتُونَ مِنْ الْغَد وَقَدْ عَادَ كَمَا كَانَ فَيَلْحَسُونَهُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل فَيَقُولُونَ كَذَلِكَ فَيُصْبِحُونَ وَهُوَ كَمَا كَانَ فَيَلْحَسُونَهُ وَيَقُولُونَ غَدًا نَفْتَحهُ وَيُلْهَمُونَ أَنْ يَقُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّه فَيُصْبِحُونَ وَهُوَ كَمَا فَارَقُوهُ فَيَفْتَحُونَهُ وَهَذَا مُتَّجَه وَلَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَة تَلَقَّاهُ مِنْ كَعْب فَإِنَّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا كَانَ يُجَالِسهُ وَيُحَدِّثهُ فَحَدَّثَ بِهِ أَبُو هُرَيْرَة فَتَوَهَّمَ بَعْض الرُّوَاة عَنْهُ أَنَّهُ مَرْفُوع فَرَفَعَهُ وَاَللَّه أَعْلَم . وَيُؤَيِّد مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ نَقْبه وَلَا نَقْب شَيْء مِنْهُ وَمِنْ نَكَارَة هَذَا الْمَرْفُوع قَوْل الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة عَنْ حَبِيبَة بِنْت أُمّ حَبِيبَة بِنْت أَبِي سُفْيَان عَنْ أُمّهَا أُمّ حَبِيبَة عَنْ زَيْنَب بِنْت جَحْش زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ سُفْيَان أَرْبَع نِسْوَة - قَالَتْ : اِسْتَيْقَظَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَوْمه وَهُوَ مُحْمَرّ وَجْهه وَهُوَ يَقُول " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيْل لِلْعَرَبِ مِنْ شَرّ قَدْ اِقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْم مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مِثْل هَذَا " وَحَلَّقَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبِيث " هَذَا حَدِيث صَحِيح اِتَّفَقَ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَلَى إِخْرَاجه مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ وَلَكِنْ سَقَطَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ ذِكْر حَبِيبَة وَأَثْبَتَهَا مُسْلِم وَفِيهِ أَشْيَاء عَزِيزَة نَادِرَة قَلِيلَة الْوُقُوع فِي صِنَاعَة الْإِسْنَاد مِنْهَا رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة وَهُمَا تَابِعِيَّانِ وَمِنْهَا اِجْتِمَاع أَرْبَع نِسْوَة فِي سَنَده كُلّهنَّ يَرْوِي بَعْضهنَّ عَنْ بَعْض ثُمَّ كُلّ مِنْهُنَّ صَحَابِيَّة ثُمَّ ثِنْتَانِ رَبِيبَتَانِ وَثِنْتَانِ زَوْجَتَانِ وَقَدْ رُوِيَ نَحْو هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَيْضًا فَقَالَ الْبَزَّار حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَرْزُوق حَدَّثَنَا مُؤَمِّل بْن إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا وَهْب عَنْ اِبْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " فُتِحَ الْيَوْم مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مِثْل هَذَا " وَعَقَدَ التِّسْعِينَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ حَدِيث وَهْب بِهِ .
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّاسورة الكهف الآية رقم 98
وَقَوْله : " قَالَ هَذَا رَحْمَة مِنْ رَبِّي " أَيْ لِمَا بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ " قَالَ هَذَا رَحْمَة مِنْ رَبِّي " أَيْ بِالنَّاسِ حَيْثُ جَعَلَ بَيْنهمْ وَبَيْن يَأْجُوج وَمَأْجُوج حَائِلًا يَمْنَعهُمْ مِنْ الْعَبَث فِي الْأَرْض وَالْفَسَاد " فَإِذَا جَاءَ وَعْد رَبِّي " أَيْ إِذَا اِقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ " جَعَلَهُ دَكَّاء " أَيْ سَاوَاهُ بِالْأَرْضِ تَقُول الْعَرَب نَاقَة دَكَّاء إِذَا كَانَ ظَهْرهَا مُسْتَوِيًا لَا سَنَام لَهَا وَقَالَ تَعَالَى : " فَلَمَّا تَجَلَّى رَبّه لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا " أَيْ مُسَاوِيًا لِلْأَرْضِ وَقَالَ عِكْرِمَة فِي قَوْله : " فَإِذَا جَاءَ وَعْد رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء " قَالَ طَرِيقًا كَمَا كَانَ " وَكَانَ وَعْد رَبِّي حَقًّا " أَيْ كَائِنًا لَا مَحَالَة .
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًاسورة الكهف الآية رقم 99
وَقَوْله : " وَتَرَكْنَا بَعْضهمْ " أَيْ النَّاس يَوْمئِذٍ أَيْ يَوْم يُدَكّ هَذَا السَّدّ وَيَخْرُج هَؤُلَاءِ فَيَمُوجُونَ فِي النَّاس وَيُفْسِدُونَ عَلَى النَّاس أَمْوَالهمْ وَيُتْلِفُونَ أَشْيَاءَهُمْ وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيّ فِي قَوْله " وَتَرَكْنَا بَعْضهمْ يَوْمئِذٍ يَمُوج فِي بَعْض " قَالَ ذَاكَ حِين يَخْرُجُونَ عَلَى النَّاس وَهَذَا كُلّه قَبْل يَوْم الْقِيَامَة وَبَعْد الدَّجَّال كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه عِنْد قَوْله " حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ " الْآيَة وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا " وَتَرَكْنَا بَعْضهمْ يَوْمئِذٍ يَمُوج فِي بَعْض " قَالَ هَذَا أَوَّل يَوْم الْقِيَامَة ثُمَّ " نُفِخَ فِي الصُّور " عَلَى أَثَر ذَلِكَ " فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا " وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " وَتَرَكْنَا بَعْضهمْ يَوْمئِذٍ يَمُوج فِي بَعْض " قَالَ إِذَا مَاجَ الْجِنّ وَالْإِنْس يَوْم الْقِيَامَة يَخْتَلِط الْإِنْس وَالْجِنّ وَرَوَى اِبْن جَرِير عَنْ مُحَمَّد بْن حُمَيْد عَنْ يَعْقُوب الْقُمِّيّ عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة عَنْ شَيْخ مِنْ بَنِي فَزَارَة فِي قَوْله " وَتَرَكْنَا بَعْضهمْ يَوْمئِذٍ يَمُوج فِي بَعْض " قَالَ إِذَا مَاجَ الْإِنْس وَالْجِنّ قَالَ إِبْلِيس : أَنَا أَعْلَم لَكُمْ عِلْم هَذَا الْأَمْر فَيَظْعَن إِلَى الْمَشْرِق فَيَجِد الْمَلَائِكَة قَدْ قَطَعُوا الْأَرْض ثُمَّ يَظْعَن إِلَى الْمَغْرِب فَيَجِد الْمَلَائِكَة قَدْ بَطَنُوا الْأَرْض فَيَقُول مَا مِنْ مَحِيص ثُمَّ يَظْعَن يَمِينًا وَشِمَالًا إِلَى أَقْصَى الْأَرْض فَيَجِد الْمَلَائِكَة قَدْ بَطَنُوا الْأَرْض فَيَقُول مَا مِنْ مَحِيص فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ عَرَضَ لَهُ طَرِيق كَالشِّرَاكِ فَأَخَذَ عَلَيْهِ هُوَ وَذُرِّيَّته فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَيْهِ إِذْ هَجَمُوا عَلَى النَّار فَأَخْرَجَ اللَّه خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ النَّار فَقَالَ : يَا إِبْلِيس أَلَمْ تَكُنْ لَك الْمَنْزِلَة عِنْد رَبّك أَلَمْ تَكُنْ فِي الْجِنَان ؟ فَيَقُول لَيْسَ هَذَا يَوْم عِتَاب لَوْ أَنَّ اللَّه فَرَضَ عَلَيَّ فَرِيضَة لَعَبَدْته فِيهَا عِبَادَة لَمْ يَعْبُدهُ مِثْلهَا أَحَد مِنْ خَلْقه فَيَقُول : فَإِنَّ اللَّه قَدْ فَرَضَ عَلَيْك فَرِيضَة فَيَقُول مَا هِيَ فَيَقُول يَأْمُرك أَنْ تَدْخُل النَّار فَيَتَلَكَّأ عَلَيْهِ فَيَقُول بِهِ وَبِذُرِّيَّتِهِ بِجَنَاحَيْهِ فَيَقْذِفهُمْ فِي النَّار فَتَزْفِر النَّار زَفْرَة لَا يَبْقَى مَلَك مُقَرَّب وَلَا نَبِيّ مُرْسَل إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث يَعْقُوب الْقُمِّيّ بِهِ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ يَعْقُوب عَنْ هَارُون عَنْ عَنْتَرَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَتَرَكْنَا بَعْضهمْ يَوْمئِذٍ يَمُوج فِي بَعْض " قَالَ الْإِنْس وَالْجِنّ يَمُوج بَعْضهمْ فِي بَعْض . وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الْأَصْبَهَانِيّ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُود أَحْمَد بْن الْفُرَات حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَة بْن مُسْلِم عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ وَهْب بْن جَابِر عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج مِنْ وَلَد آدَم لَوْ أُرْسِلُوا لَأَفْسَدُوا عَلَى النَّاس مَعَايِشهمْ وَلَنْ يَمُوت مِنْهُمْ رَجُل إِلَّا تَرَكَ مِنْ ذُرِّيَّته أَلْفًا فَصَاعِدًا وَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِمْ ثَلَاث أُمَم تاويل وتايس ومنسك " هَذَا حَدِيث غَرِيب بَلْ مُنْكَر ضَعِيف وَرَوَى النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث شُعْبَة عَنْ النُّعْمَان بْن سَالِم عَنْ عَمْرو بْن أَوْس عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَوْس بْن أَبِي أَوْس مَرْفُوعًا " إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج لَهُمْ نِسَاء يُجَامِعُونَ مَا شَاءُوا وَشَجَر يُلَقِّحُونَ مَا شَاءُوا وَلَا يَمُوت مِنْهُمْ رَجُل إِلَّا تَرَكَ مِنْ ذُرِّيَّته أَلْفًا فَصَاعِدًا " وَقَوْله " وَنُفِخَ فِي الصُّور " وَالصُّور كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث قَرْن يُنْفَخ فِيهِ وَاَلَّذِي يَنْفُخ فِيهِ إِسْرَافِيل عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث بِطُولِهِ وَالْأَحَادِيث فِيهِ كَثِيرَة . وَفِي الْحَدِيث عَنْ عَطِيَّة عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي سَعِيد مَرْفُوعًا " كَيْف أَنْعَم وَصَاحِب الْقَرْن قَدْ اِلْتَقَمَ الْقَرْن وَحَنَى جَبْهَته وَاسْتَمَعَ مَتَى يُؤْمَر " قَالُوا كَيْف نَقُول قَالَ " قُولُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل عَلَى اللَّه تَوَكَّلْنَا " وَقَوْله " فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا " أَيْ أَحْضَرْنَا الْجَمِيع لِلْحِسَابِ " قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَات يَوْم مَعْلُوم " " وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِر مِنْهُمْ أَحَدًا " .
وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًاسورة الكهف الآية رقم 100
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّا يَفْعَلهُ بِالْكُفَّارِ يَوْم الْقِيَامَة أَنَّهُ يَعْرِض عَلَيْهِمْ جَهَنَّم أَيْ يُبْرِزهَا لَهُمْ وَيُظْهِرهَا لِيَرَوْا مَا فِيهَا مِنْ الْعَذَاب وَالنَّكَال قَبْل دُخُولهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغ فِي تَعْجِيل الْهَمّ وَالْحَزَن لَهُمْ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُؤْتَى بِجَهَنَّم تُقَاد يَوْم الْقِيَامَة بِسَبْعِينَ أَلْف زِمَام مَعَ كُلّ زِمَام سَبْعُونَ أَلْف مَلَك " ثُمَّ قَالَ مُخْبِرًا عَنْهُمْ .
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًاسورة الكهف الآية رقم 101
" الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنهمْ فِي غِطَاء عَنْ ذِكْرِي " أَيْ تَغَافَلُوا وَتَعَامَوْا وَتَصَامَمُوا عَنْ قَبُول الْهُدَى وَاتِّبَاع الْحَقّ كَمَا قَالَ : " وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْر الرَّحْمَن نُقَيِّض لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين " وَقَالَ هُنَا " وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا " أَيْ لَا يَعْقِلُونَ عَنْ اللَّه أَمْره وَنَهْيه .
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاسورة الكهف الآية رقم 102
ثُمَّ قَالَ : " أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاء " أَيْ اِعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ يَصْلُح لَهُمْ ذَلِكَ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ " كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا " وَلِهَذَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ قَدْ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة مَنْزِلًا .
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاسورة الكهف الآية رقم 103
قَالَ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ عَمْرو عَنْ مُصْعَب قَالَ : سَأَلْت أَبِي يَعْنِي سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص عَنْ قَوْل اللَّه " قُلْ هَلْ نُنَبِّئكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا " أَهُمْ الْحَرُورِيَّة قَالَ : لَا هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . أَمَّا الْيَهُود فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا النَّصَارَى فَكَفَرُوا بِالْجَنَّةِ وَقَالُوا لَا طَعَام فِيهَا وَلَا شَرَاب وَالْحَرُورِيَّة الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه مِنْ بَعْد مِيثَاقه فَكَانَ سَعْد يُسَمِّيهِمْ الْفَاسِقِينَ وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَالضَّحَّاك وَغَيْر وَاحِد : هُمْ الْحَرُورِيَّة وَمَعْنَى هَذَا عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة تَشْمَل الْحَرُورِيَّة كَمَا تَشْمَل الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَغَيْرهمْ لَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ عَلَى الْخُصُوص وَلَا هَؤُلَاءِ بَلْ هِيَ أَعَمّ مِنْ هَذَا فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَة مَكِّيَّة قَبْل خِطَاب الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَقَبْل وُجُود الْخَوَارِج بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا هِيَ عَامَّة فِي كُلّ مَنْ عَبَدَ اللَّه عَلَى غَيْر طَرِيقَة مَرْضِيَّة بِحَسَبِ أَنَّهُ مُصِيب فِيهَا وَأَنَّ عَمَله مَقْبُول وَهُوَ مُخْطِئ وَعَمَله مَرْدُود كَمَا قَالَ تَعَالَى " وُجُوه يَوْمئِذٍ خَاشِعَة عَامِلَة نَاصِبَة تَصْلَى نَارًا حَامِيَة " وَقَالَ تَعَالَى " وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا " وَقَالَ تَعَالَى " وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا " وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة " قُلْ هَلْ نُنَبِّئكُمْ " أَيْ نُخْبِركُمْ " بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا " ثُمَّ فَسَّرَهُمْ .
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًاسورة الكهف الآية رقم 104
فَقَالَ " الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيهمْ " فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " أَيْ عَمِلُوا أَعْمَالًا بَاطِلَة عَلَى غَيْر شَرِيعَة مَشْرُوعَة مَرْضِيَّة مَقْبُولَة " وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا " أَيْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء وَأَنَّهُمْ مَقْبُولُونَ مَحْبُوبُونَ .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًاسورة الكهف الآية رقم 105
وَقَوْله : " أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ وَلِقَائِهِ " أَيْ جَحَدُوا آيَات اللَّه فِي الدُّنْيَا وَبَرَاهِينه الَّتِي أَقَامَ عَلَى وَحْدَانِيّته وَصِدْق رُسُله وَكَذَّبُوا بِالدَّارِ الْآخِرَة " فَلَا نُقِيم لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَزْنًا " أَيْ لَا نُثْقِل مَوَازِينهمْ لِأَنَّهَا خَالِيَة عَنْ الْخَيْر قَالَ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَنَا سَعِيد بْن أَبِي مَرْيَم أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَة حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " لَيَأْتِي الرَّجُل الْعَظِيم السَّمِين يَوْم الْقِيَامَة لَا يَزِن عِنْد اللَّه جَنَاح بَعُوضَة - وَقَالَ - اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ " فَلَا نُقِيم لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَزْنًا " وَعَنْ يَحْيَى بْن بُكَيْر عَنْ مُغِيرَة بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي الزِّنَاد مِثْله هَكَذَا ذَكَرَهُ عَنْ يَحْيَى بْن بُكَيْر مُعَلَّقًا وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ يَحْيَى بْن بُكَيْر بِهِ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الزِّنَاد عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْأَكُول الشَّرُوب الْعَظِيم فَيُوزَن بِحَبَّةٍ فَلَا يَزِنهَا " قَالَ وَقَرَأَ " فَلَا نُقِيم لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَزْنًا " وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ أَبِي كُرَيْب عَنْ أَبِي الصَّلْت عَنْ أَبِي الزِّنَاد عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْبُخَارِيّ سَوَاء . وَقَالَ أَحْمَد بْن عَمْرو بْن عَبْد الْخَالِق الْبَزَّار حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا عَوْن بْن عُمَارَة حَدَّثَنَا هَاشِم بْن حَسَّان عَنْ وَاصِل عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رَجُل مِنْ قُرَيْش يَخْطِر فِي حُلَّة لَهُ فَلَمَّا قَامَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَا بُرَيْدَة هَذَا مِمَّنْ لَا يُقِيم اللَّه لَهُ يَوْم الْقِيَامَة وَزْنًا " ثُمَّ قَالَ تَفَرَّدَ بِهِ وَاصِل مَوْلَى أَبِي عَنْبَسَة وَعَوْن بْن عَمَّار وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ وَلَمْ يُتَابَع عَلَيْهِ . وَقَدْ قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ سَمُرَة عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ كَعْب قَالَ يُؤْتَى يَوْم الْقِيَامَة بِرَجُلٍ عَظِيم طَوِيل فَلَا يَزِن عِنْد اللَّه جَنَاح بَعُوضَة اِقْرَءُوا " فَلَا نُقِيم لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَزْنًا " .
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًاسورة الكهف الآية رقم 106
وَقَوْله : " ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّم بِمَا كَفَرُوا " أَيْ إِنَّمَا جَازَيْنَاهُمْ بِهَذَا الْجَزَاء بِسَبَبِ كُفْرهمْ وَاِتِّخَاذهمْ آيَات اللَّه وَرُسُله هُزُوًا اِسْتَهْزَءُوا بِهِمْ وَكَذَّبُوهُمْ أَشَدّ التَّكْذِيب .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاسورة الكهف الآية رقم 107
يُخْبِر تَعَالَى عَنْ عِبَاده السُّعَدَاء وَهُمْ الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ فِيمَا جَاءُوا بِهِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّات الْفِرْدَوْس قَالَ مُجَاهِد : الْفِرْدَوْس هُوَ الْبُسْتَان بِالرُّومِيَّةِ وَقَالَ كَعْب وَالسُّدِّيّ وَالضَّحَّاك هُوَ الْبُسْتَان الَّذِي فِيهِ شَجَر الْأَعْنَاب وَقَالَ أَبُو أُمَامَة : الْفِرْدَوْس سُرَّة الْجَنَّة وَقَالَ قَتَادَة : الْفِرْدَوْس رَبْوَة الْجَنَّة وَأَوْسَطهَا وَأَفْضَلهَا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْفِرْدَوْس رَبْوَة الْجَنَّة أَوْسَطهَا وَأَحْسَنهَا " وَهَكَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة مَرْفُوعًا وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس بْن مَالِك مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ رَوَى ذَلِكَ كُلّه اِبْن جَرِير رَحِمَهُ اللَّه وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " إِذَا سَأَلْتُمْ اللَّه الْجَنَّة فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْس فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّة وَأَوْسَط الْجَنَّة وَمِنْهُ تَفَجَّر أَنْهَار الْجَنَّة " وَقَوْله تَعَالَى " نُزُلًا " أَيْ ضِيَافَة فَإِنَّ النُّزُل الضِّيَافَة .
خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاسورة الكهف الآية رقم 108
وَقَوْله " خَالِدِينَ فِيهَا " أَيْ مُقِيمِينَ سَاكِنِينَ فِيهَا لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا أَبَدًا " لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا " أَيْ لَا يَخْتَارُونَ عَنْهَا غَيْرهَا وَلَا يُحِبُّونَ سِوَاهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَحَلَّتْ سُوَيْدَا الْقَلْب لَا أَنَا بَاغِيًا سِوَاهَا وَلَا عَنْ حُبّهَا أَتَحَوَّل وَفِي قَوْله " لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا " تَنْبِيه عَلَى رَغْبَتهمْ فِيهَا وَحُبّهمْ لَهَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّم فِيمَنْ هُوَ مُقِيم فِي الْمَكَان دَائِمًا أَنَّهُ قَدْ يَسْأَمهُ أَوْ يَمَلّهُ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ مَعَ هَذَا الدَّوَام وَالْخُلُود السَّرْمَدِيّ لَا يَخْتَارُونَ عَنْ مَقَامهمْ ذَلِكَ مُتَحَوَّلًا وَلَا اِنْتِقَالًا وَلَا ظَعْنًا وَلَا رِحْلَة وَلَا بَدَلًا .
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًاسورة الكهف الآية رقم 109
يَقُول تَعَالَى : قُلْ يَا مُحَمَّد لَوْ كَانَ مَاء الْبَحْر مِدَادًا لِلْقَلَمِ الَّذِي يُكْتَب بِهِ كَلِمَات اللَّه وَحُكْمه وَآيَاته الدَّالَّة لَنَفِدَ الْبَحْر قَبْل أَنْ يَفْرُغ كِتَابَة ذَلِكَ " وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ " أَيْ بِمِثْلِ الْبَحْر آخَر ثُمَّ آخَر وَهَلُمَّ جَرًّا بُحُور تَمُدّهُ وَيُكْتَب بِهَا لَمَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه إِنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم " وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس إِنَّ مِثْل عِلْم الْعِبَاد كُلّهمْ فِي عِلْم اللَّه كَقَطْرَةِ مِنْ مَاء الْبُحُور كُلّهَا وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه ذَلِكَ " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْر مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْر قَبْل أَنْ تَنْفَد كَلِمَات رَبِّي " يَقُول لَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْبُحُور مِدَادًا لِكَلِمَاتِ اللَّه وَالشَّجَر كُلّه أَقْلَام لَانْكَسَرَتْ الْأَقْلَام وَفَنِيَ مَاء الْبَحْر وَبَقِيَتْ كَلِمَات اللَّه قَائِمَة لَا يُفْنِيهَا شَيْء لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُقَدِّر قَدْره وَلَا يُثْنِي عَلَيْهِ كَمَا يَنْبَغِي حَتَّى يَكُون هُوَ الَّذِي يُثْنِي عَلَى نَفْسه إِنَّ رَبّنَا كَمَا يَقُول وَفَوْق مَا نَقُول إِنَّ مَثَل نَعِيم الدُّنْيَا أَوَّلهَا وَآخِرهَا فِي نَعِيم الْآخِرَة كَحَبَّةٍ مِنْ خَرْدَل فِي خِلَال الْأَرْض كُلّهَا .
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًاسورة الكهف الآية رقم 110
رَوَى الطَّبَرَانِيّ مِنْ طَرِيق هِشَام بْن عَمَّار عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ عَمْرو بْن قَيْس الْكُوفِيّ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان أَنَّهُ قَالَ هَذِهِ آخِر آيَة أُنْزِلَتْ يَقُول تَعَالَى لِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ " قُلْ " لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِرِسَالَتِك إِلَيْهِمْ " إِنَّمَا أَنَا بَشَر مِثْلكُمْ " فَمَنْ زَعَمَ أَنِّي كَاذِب فَلْيَأْتِ بِمِثْلِ مَا جِئْت بِهِ فَإِنِّي لَا أَعْلَم الْغَيْب فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ الْمَاضِي عَمَّا سَأَلْتُمْ مِنْ قِصَّة أَصْحَاب الْكَهْف وَخَبَر ذِي الْقَرْنَيْنِ مِمَّا هُوَ مُطَابِق فِي نَفْس الْأَمْر لَوْلَا مَا أَطْلَعَنِي اللَّه عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أُخْبِركُمْ " أَنَّمَا إِلَهكُمْ " الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَته " إِلَه وَاحِد " لَا شَرِيك لَهُ " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه " أَيْ ثَوَابه وَجَزَاءَهُ الصَّالِح " فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا " مَا كَانَ مُوَافِقًا لِشَرْعِ اللَّه " وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " وَهُوَ الَّذِي يُرَاد بِهِ وَجْه اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَهَذَانِ رُكْنَا الْعَمَل الْمُتَقَبَّل لَا بُدّ أَنْ يَكُون خَالِصًا لِلَّهِ صَوَابًا عَلَى شَرِيعَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث مَعْمَر عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ عَنْ طَاوُس قَالَ : قَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَقِف الْمَوَاقِف أُرِيد وَجْه اللَّه وَأُحِبّ أَنْ يَرَى مَوْطِنِي فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " وَهَكَذَا أَرْسَلَ هَذَا مُجَاهِد وَغَيْر وَاحِد وَقَالَ الْأَعْمَش : حَدَّثَنَا حَمْزَة أَبُو عُمَارَة مَوْلَى بَنِي هَاشِم عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ جَاءَ رَجُل إِلَى عُبَادَة بْن الصَّامِت فَقَالَ أَنْبِئْنِي عَمَّا أَسْأَلك عَنْهُ : أَرَأَيْت رَجُلًا يُصَلِّي يَبْتَغِي وَجْه اللَّه وَيُحِبّ أَنْ يُحْمَد وَيَصُوم يَبْتَغِي وَجْه اللَّه وَيُحِبّ أَنْ يُحْمَد وَيَتَصَدَّق يَبْتَغِي وَجْه اللَّه وَيُحِبّ أَنْ يُحْمَد وَيَحُجّ وَيَبْتَغِي وَجْه اللَّه وَيُحِبّ أَنْ يُحْمَد فَقَالَ عُبَادَة لَيْسَ لَهُ شَيْء إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : أَنَا خَيْر شَرِيك فَمَنْ كَانَ لَهُ مَعِي شَرِيك فَهُوَ لَهُ كُلّه لَا حَاجَة لِي فِيهِ وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر حَدَّثَنَا كَثِير بْن زَيْد عَنْ رُبَيْح بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ كُنَّا نَتَنَاوَب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَبِيت عِنْده تَكُون لَهُ الْحَاجَة أَوْ يَطْرُقهُ أَمْر مِنْ اللَّيْل فَيَبْعَثنَا فَكَثُرَ الْمَحْبُوسُونَ وَأَهْل النُّوَب فَكُنَّا نَتَحَدَّث فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " مَا هَذِهِ النَّجْوَى ؟ " قَالَ فَقُلْنَا تُبْنَا إِلَى اللَّه يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّمَا كُنَّا فِي ذِكْر الْمَسِيح وَفَرِقْنَا مِنْهُ فَقَالَ " أَلَا أُخْبِركُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَف عَلَيْكُمْ مِنْ الْمَسِيح عِنْدِي " ؟ قَالَ قُلْنَا بَلَى قَالَ " الشِّرْك الْخَفِيّ أَنْ يَقُوم الرَّجُل يُصَلِّي لِمَكَانِ الرَّجُل " . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد يَعْنِي اِبْن بَهْرَام قَالَ : قَالَ شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ اِبْن غَنْم لَمَّا دَخَلْنَا مَسْجِد الْجَابِيَة أَنَا وَأَبُو الدَّرْدَاء لَقِينَا عُبَادَة بْن الصَّامِت فَأَخَذَ يَمِينِي بِشِمَالِهِ وَشِمَال أَبِي الدَّرْدَاء بِيَمِينِهِ فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْننَا وَنَحْنُ نَتَنَاجَى وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا نَتَنَاجَى بِهِ فَقَالَ عُبَادَة بْن الصَّامِت : إِنْ طَالَ بِكُمَا عُمْر أَحَدكُمَا أَوْ كِلَيْكُمَا لَتُوشِكَانِ أَنْ تَرَيَا الرَّجُل مِنْ ثَبَج الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي مِنْ وَسَط قُرَّاء الْقُرْآن عَلَى لِسَان مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَادَهُ وَأَبْدَأهُ وَأَحَلَّ حَلَاله وَحَرَّمَ حَرَامه وَنَزَلَ عِنْد مَنَازِله لَا يَجُوز فِيكُمْ إِلَّا كَمَا يَجُوز رَأْس الْحِمَار الْمَيِّت . قَالَ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ شَدَّاد بْن أَوْس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَعَوْف بْن مَالِك فَجَلَسَا إِلَيْنَا فَقَالَ شَدَّاد إِنَّ أَخْوَف مَا أَخَاف عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس لَمَا سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " مِنْ الشَّهْوَة الْخَفِيَّة وَالشِّرْك " فَقَالَ عُبَادَة بْن الصَّامِت وَأَبُو الدَّرْدَاء : اللَّهُمَّ غَفْرًا أَلَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَدَّثَنَا أَنَّ الشَّيْطَان قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَد فِي جَزِيرَة الْعَرَب أَمَّا الشَّهْوَة الْخَفِيَّة فَقَدْ عَرَفْنَاهَا هِيَ شَهَوَات الدُّنْيَا مِنْ نِسَائِهَا وَشَهَوَاتهَا فَمَا هَذَا الشِّرْك الَّذِي تُخَوِّفنَا بِهِ يَا شَدَّاد ؟ فَقَالَ شَدَّاد : أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ رَأَيْتُمْ رَجُلًا يُصَلِّي لِرَجُلٍ أَوْ يَصُوم لِرَجُلٍ أَوْ يَتَصَدَّق أَتَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ أَشْرَكَ ؟ قَالُوا نَعَمْ وَاَللَّه إِنَّ مَنْ صَلَّى أَوْ صَامَ أَوْ تَصَدَّقَ لَهُ لَقَدْ أَشْرَكَ فَقَالَ شَدَّاد فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ صَلَّى يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ " قَالَ عَوْف بْن مَالِك عِنْد ذَلِكَ أَفَلَا يَعْمِد اللَّه إِلَى مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهه مِنْ ذَلِكَ الْعَمَل كُلّه فَيَقْبَل مَا خَلَصَ لَهُ وَيَدَع مَا أُشْرِكَ بِهِ فَقَالَ شَدَّاد عِنْد ذَلِكَ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " إِنَّ اللَّه يَقُول أَنَا خَيْر قَسِيم لِمَنْ أَشْرَكَ بِي مَنْ أَشْرَكَ بِي شَيْئًا فَإِنَّ عَمَله قَلِيله وَكَثِيره لِشَرِيكِهِ الَّذِي أَشْرَكَ بِهِ أَنَا عَنْهُ غَنِيّ " " طَرِيق أُخْرَى لِبَعْضِهِ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا زَيْد بْن الْحُبَاب حَدَّثَنِي عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد أَخْبَرَنَا عُبَادَة بْن نُسَيّ عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ بَكَى فَقِيلَ مَا يُبْكِيك ؟ قَالَ شَيْء سَمِعْته عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْكَانِي سَمِعْت رَسُول اللَّه يَقُول " أَتَخَوَّف عَلَى أُمَّتِي الشِّرْك وَالشَّهْوَة الْخَفِيَّة " قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَتُشْرِكُ أُمَّتك مِنْ بَعْدك ؟ قَالَ " نَعَمْ أَمَا إِنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا حَجَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنْ يُرَاءُونَ بِأَعْمَالِهِمْ ; وَالشَّهْوَة الْخَفِيَّة أَنْ يُصْبِح أَحَدهمْ صَائِمًا فَتَعْرِض لَهُ شَهْوَة مِنْ شَهَوَاته فَيَتْرُك صَوْمه " وَرَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث الْحَسَن بْن ذَكْوَان عَنْ عُبَادَة بْن نُسَيّ بِهِ وَعُبَادَة فِيهِ ضَعْف وَفِي سَمَاعه مِنْ شَدَّاد نَظَر " حَدِيث آخَر " قَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَزَّار : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن جَعْفَر الْأَحْمَر حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن ثَابِت حَدَّثَنَا قَيْس بْن أَبِي حُصَيْن عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَقُول اللَّه يَوْم الْقِيَامَة أَنَا خَيْر شَرِيك مَنْ أَشْرَكَ بِي أَحَدًا فَهُوَ لَهُ كُلّه " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة سَمِعْت الْعَلَاء يُحَدِّث عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيه عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ " أَنَا خَيْر الشُّرَكَاء فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا بَرِيء مِنْهُ وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ " تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْه " حَدِيث آخَر " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يُونُس حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ يَزِيد يَعْنِي اِبْن الْهَادِ عَنْ عَمْرو عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ أَخْوَف مَا أَخَاف عَلَيْكُمْ الشِّرْك الْأَصْغَر " قَالُوا وَمَا الشِّرْك الْأَصْغَر يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ " الرِّيَاء يَقُول اللَّه يَوْم الْقِيَامَة إِذَا جُزِيَ النَّاس بِأَعْمَالِهِمْ اِذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدهمْ جَزَاء " " حَدِيث آخَر " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بُكَيْر أَخْبَرَنَا عَبْد الْحَمِيد يَعْنِي اِبْن جَعْفَر أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ زِيَاد بْن مِينَاء عَنْ أَبِي سَعِيد بْن أَبِي فَضَالَة الْأَنْصَارِيّ وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " إِذَا جَمَعَ اللَّه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِيَوْمٍ لَا رَيْب فِيهِ نَادَى مُنَادٍ : مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَل عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابه مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه فَإِنَّ اللَّه أَغْنَى الشُّرَكَاء عَنْ الشِّرْك " وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد وَهُوَ الْبُرْسَانِيّ بِهِ " حَدِيث آخَر " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الْمَلِك حَدَّثَنَا بَكَّار حَدَّثَنِي أَبِي - يَعْنِي عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي بَكْرَة - عَنْ أَبِي بَكْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّه بِهِ وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّه بِهِ " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة حَدَّثَنَا شَيْبَان عَنْ فِرَاس عَنْ عَطِيَّة عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّه بِهِ وَمَنْ يُسَمِّع يُسَمِّع اللَّه بِهِ " " حَدِيث آخَر " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ شُعْبَة حَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُرَّة قَالَ سَمِعْت رَجُلًا فِي بَيْت أَبِي عُبَيْدَة أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يُحَدِّث اِبْن عُمَر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " مَنْ سَمَّعَ النَّاس بِعَمَلِهِ سَمَّعَ اللَّه بِهِ مَسَامِع خَلْقه وَصَغَّرَهُ وَحَقَّرَهُ " فَذَرَفَتْ عَيْنَا عَبْد اللَّه وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَزَّار : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن يَحْيَى الْأَيْلِيّ حَدَّثَنَا الْحَارِث بْن غَسَّان حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَان الْجَوْنِيّ عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تُعْرَض أَعْمَال بَنِي آدَم بَيْن يَدَيْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَوْم الْقِيَامَة فِي صُحُف مُخَتَّمَة فَيَقُول اللَّه أَلْقُوا هَذَا وَاقْبَلُوا هَذَا فَتَقُول الْمَلَائِكَة يَا رَبّ وَاَللَّه مَا رَأَيْنَا مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا فَيَقُول إِنَّ عَمَله كَانَ لِغَيْرِ وَجْهِي وَلَا أَقْبَل الْيَوْم مِنْ الْعَمَل إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهِي " ثُمَّ قَالَ : الْحَارِث بْن غَسَّان رُوِيَ عَنْهُ وَهُوَ ثِقَة بَصْرِيّ لَيْسَ بِهِ بَأْس وَقَالَ وَهْب : حَدَّثَنِي يَزِيد بْن عِيَاض عَنْ عَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَنْ عَبْد اللَّه بْن قَيْس الْخُزَاعِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَامَ رِيَاء وَسُمْعَة لَمْ يَزَلْ فِي مَقْت اللَّه حَتَّى يَجْلِس " وَقَالَ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن دِينَار عَنْ إِبْرَاهِيم الْهَجَرِيّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَص عَنْ عَوْف بْن مَالِك عَنْ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَحْسَنَ الصَّلَاة حَيْثُ يَرَاهُ النَّاس وَأَسَاءَهَا حَيْثُ يَخْلُو فَتِلْكَ اِسْتِهَانَة اِسْتَهَانَ بِهَا رَبّه عَزَّ وَجَلَّ " وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَبُو عَامِر إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو السَّكُونِيّ حَدَّثَنَا هِشَام بْن عَمَّار حَدَّثَنَا اِبْن عَيَّاش حَدَّثَنَا عَمْرو بْن قَيْس الْكِنْدِيّ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان تَلَا هَذِهِ الْآيَة " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه " الْآيَة وَقَالَ إِنَّهَا آخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ الْقُرْآن وَهَذَا أَثَر مُشْكِل فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَة آخِر سُورَة الْكَهْف وَالْكَهْف كُلّهَا مَكِّيَّة وَلَعَلَّ مُعَاوِيَة أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِل بَعْدهَا آيَة تَنْسَخهَا وَلَا تُغَيِّر حُكْمهَا بَلْ هِيَ مُثْبَتَة مُحْكَمَة فَاشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَى بَعْض الرُّوَاة فَرَوَى بِالْمَعْنَى عَلَى مَا فَهِمَهُ وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَزَّار : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق حَدَّثَنَا النَّضْر بْن شُمَيْل حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّة عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَة " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه " كَانَ لَهُ مِنْ النُّور مِنْ عَدَن أَبْيَن إِلَى مَكَّة حَشْو ذَلِكَ النُّور الْمَلَائِكَة " غَرِيب جِدًّا . آخِر تَفْسِير سُورَة الْكَهْف .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4