إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًاسورة الفتح الآية رقم 1
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } يَقُول : إِنَّا حَكَمْنَا لَك يَا مُحَمَّد حُكْمًا لِمَنْ سَمِعَهُ أَوْ بَلَغَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَك وَنَاصَبَك مِنْ كُفَّار قَوْمك , وَقَضَيْنَا لَك عَلَيْهِمْ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَر , لِتَشْكُر رَبّك , وَتَحْمَدهُ عَلَى نِعْمَته بِقَضَائِهِ لَك عَلَيْهِمْ , وَفَتْحه مَا فَتَحَ لَك , وَلِتُسَبِّحهُ وَتَسْتَغْفِرهُ , فَيَغْفِر لَك بِفِعَالِك ذَلِكَ رَبّك , مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك قَبْل فَتْحه لَك مَا فَتَحَ , وَمَا تَأَخَّرَ بَعْد فَتْحه لَك ذَلِكَ مَا شَكَرْته وَاسْتَغْفَرْته . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْل فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة لِدَلَالَةِ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه وَالْفَتْح , وَرَأَيْت النَّاس يَدْخُلُونَ فِي دِين اللَّه أَفْوَاجًا , فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } 110 1 : 3 . عَلَى صِحَّته , إِذْ أَمَرَهُ تَعَالَى ذِكْره أَنْ يُسَبِّح بِحَمْدِ رَبّه إِذَا جَاءَهُ نَصْر اللَّه وَفَتَحَ مَكَّة , وَأَنْ يَسْتَغْفِرهُ , وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ تَوَّاب عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ , فَفِي ذَلِكَ بَيَان وَاضِح أَنَّ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ } إِنَّمَا هُوَ خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنْ جَزَائِهِ لَهُ عَلَى شُكْره لَهُ , عَلَى النِّعْمَة إِلَتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ مِنْ إِظْهَاره لَهُ مَا فَتَحَ , لِأَنَّ جَزَاء اللَّه تَعَالَى عِبَاده عَلَى أَعْمَالهمْ دُون غَيْرهَا. وَبَعْد فَفِي صِحَّة الْخَبَر عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُوم حَتَّى تَرِم قَدِمَاهُ , فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُول اللَّه تَفْعَل هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ : " أَفَلَا أَكُون عَبْدًا شَكُورًا ؟ " , الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى أَنَّ الَّذِي قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل , وَأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى , إِنَّمَا وَعَدَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُفْرَان ذُنُوبه الْمُتَقَدِّمَة , فَتَحَ مَا فَتَحَ عَلَيْهِ , وَبَعْده عَلَى شُكْره لَهُ , عَلَى نِعَمه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّه وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي كُلّ يَوْم مِائَة مَرَّة " وَلَوْ كَانَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ خَبَر اللَّه تَعَالَى نَبِيّه أَنَّهُ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ عَلَى الْوَجْه الَّذِي ذَكَرْنَا , لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِهِ إِيَّاهُ بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْد هَذِهِ الْآيَة , وَلَا لِاسْتِغْفَارِ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبّه جَلَّ جَلَاله مِنْ ذُنُوبه بَعْدهَا مَعْنَى يَعْقِل , إِذْ الِاسْتِغْفَار مَعْنَاهُ : طَلَب الْعَبْد مِنْ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ غُفْرَان ذُنُوبه , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذُنُوب تُغْفَر لَمْ يَكُنْ لِمَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ غُفْرَانهَا مَعْنًى , لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحَال أَنْ يُقَال : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي ذَنْبًا لَمْ أَعْمَلهُ . وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْضهمْ بِمَعْنَى : لِيَغْفِر لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك قَبْل الرِّسَالَة , وَمَا تَأَخَّرَ إِلَى الْوَقْت الَّذِي قَالَ : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ } . وَأَمَّا الْفَتْح الَّذِي وَعَدَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْعِدَة عَلَى شُكْره إِيَّاهُ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ الْهُدْنَة الَّتِي جَرَتْ بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن مُشْرِكِي قُرَيْش بِالْحُدَيْبِيَةِ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَة أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرِفَة عَنْ الْحُدَيْبِيَة بَعْد الْهُدْنَة الَّتِي جَرَتْ بَيْنه وَبَيْن قَوْمه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24340 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ : قَضَيْنَا لَك قَضَاء مُبِينًا . * -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } وَالْفَتْح : الْقَضَاء . ذِكْر الرِّوَايَة عَمَّنْ قَالَ : هَذِهِ السُّورَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَقْت الَّذِي ذَكَرْت : 24341 -حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثَنَا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا دَاوُد , عَنْ عَامِر { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ : الْحُدَيْبِيَة . 24342 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ : نَحْره بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلْقه . 24343 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو بَحْر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , قَالَ : ثَنَا جَامِع بْن شَدَّاد , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ابْن أَبِي عَلْقَمَة , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَقُول : لَمَّا أَقْبَلْنَا مِنْ الْحُدَيْبِيَة أَعْرَسْنَا فَنِمْنَا , فَلَمْ نَسْتَيْقِظ إِلَّا بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ , فَاسْتَيْقَظْنَا وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِم , قَالَ : فَقُلْنَا أَيْقِظُوهُ , فَاسْتَيْقَظَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " اِفْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ , فَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ " قَالَ : وَفَقَدْنَا نَاقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدْنَاهَا قَدْ تَعَلَّقَ خِطَامهَا بِشَجَرَةٍ , فَأَتَيْته بِهَا , فَرَكِبَ فَبَيْنَا نَحْنُ نَسِير , إِذْ أَتَاهُ الْوَحْي , قَالَ : وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ اِشْتَدَّ عَلَيْهِ ; فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } . 24344 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : لَمَّا رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة , وَقَدْ حِيلَ بَيْننَا وَبَيْن نُسُكنَا , قَالَ : فَنَحْنُ بَيْن الْحُزْن وَالْكَآبَة , قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ , وَيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْك , وَيَهْدِيك صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } , أَوْ كَمَا شَاءَ اللَّه , فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَلَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَة أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا جَمِيعًا " . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد ابْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , فِي قَوْله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ : نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْجِعه مِنْ الْحُدَيْبِيَة , وَقَدْ حِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن نُسُكهمْ , فَنَحَرَ الْهَدْي بِالْحُدَيْبِيَةِ , وَأَصْحَابه مُخَالِطُو الْكَآبَة وَالْحُزْن , فَقَالَ : " لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَة أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا جَمِيعًا " , فَقَرَأَ { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا . لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ } . .. إِلَى قَوْله : { عَزِيزًا } فَقَالَ أَصْحَابه هَنِيئًا لَك يَا رَسُول اللَّه قَدْ بَيَّنَ اللَّه لَنَا مَاذَا يُفْعَل بِك , فَمَاذَا يُفْعَل بِنَا , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة بَعْدهَا { لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا } . .. إِلَى قَوْله : { وَكَانَ ذَلِكَ عِنْد اللَّه فَوْزًا عَظِيمًا } . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثَنَا هَمَّام , قَالَ : ثَنَا قَتَادَة , عَنْ أَنَس , قَالَ : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بِنَحْوِهِ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم : هَنِيئًا لَك مَرِيئًا يَا رَسُول اللَّه , وَقَالَ أَيْضًا : فَبَيَّنَ اللَّه مَاذَا يَفْعَل بِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَمَاذَا يَفْعَل بِهِمْ . 24345 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : " وَنَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ } مَرْجِعه مِنْ الْحُدَيْبِيَة , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَة أَحَبّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى الْأَرْض " , ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ , فَقَالُوا : هَنِيئًا مَرِيئًا يَا نَبِيّ اللَّه , قَدْ بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَك مَاذَا يَفْعَل بِك , فَمَاذَا يَفْعَل بِنَا ؟ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ : { لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } . .. إِلَى قَوْله : { فَوْزًا عَظِيمًا } " . 24346 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبَيِّنًا لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ , وَيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْك , وَيَهْدِيك صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } قَالُوا : هَنِيئًا مَرِيئًا لَك يَا رَسُول اللَّه , فَمَاذَا لَنَا ؟ فَنَزَلَتْ { لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا , وَيُكَفِّر عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ } . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث عَنْ أَنَس فِي هَذِهِ الْآيَة { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ : الْحُدَيْبِيَة. - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن حَمَّاد , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر قَالَ : مَا كُنَّا نَعُدّ فَتْح مَكَّة إِلَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة . 24348 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا يَعْلَى بْن عُبَيْد , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن سِيَاه , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : تَكَلَّمَ سَهْل بْن حُنَيْف يَوْم صِفِّين , فَقَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس اِتَّهِمُوا أَنْفُسكُمْ , لَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْم الْحُدَيْبِيَة , يَعْنِي الصُّلْح الَّذِي كَانَ بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْمُشْرِكِينَ , وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا , فَجَاءَ عُمَر إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَلَسْنَا عَلَى حَقّ وَهُمْ عَلَى بَاطِل ؟ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّار ؟ قَالَ : بَلَى " , قَالَ : فَفِيمَ نُعْطَى الدَّنِيَّة فِي دِيننَا , وَنَرْجِع وَلَمَّا يَحْكُم اللَّه بَيْننَا وَبَيْنهمْ ؟ فَقَالَ : " يَا ابْن الْخَطَّاب , إِنِّي رَسُول اللَّه , وَلَنْ يُضَيِّعنِي أَبَدًا " , قَالَ : فَرَجَعَ وَهُوَ مُتَغَيِّظ , فَلَمْ يَصْبِر حَتَّى أَتَى أَبَا بَكْر , فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْر أَلَسْنَا عَلَى حَقّ وَهُمْ عَلَى بَاطِل ؟ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة , وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّار ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : فَفِيمَ نُعْطَى الدَّنِيَّة فِي دِيننَا , وَنَرْجِع وَلَمَّا يَحْكُم اللَّه بَيْننَا وَبَيْنهمْ ؟ فَقَالَ : يَا ابْن الْخَطَّاب إِنَّهُ رَسُول اللَّه , لَنْ يُضَيِّعهُ اللَّه أَبَدًا , قَالَ : فَنَزَلَتْ سُورَة الْفَتْح , فَأَرْسَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُمَر , فَأَقْرَأهُ إِيَّاهَا , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَوَفَتْح هُوَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر , قَالَ : مَا كُنَّا نَعُدّ الْفَتْح إِلَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة . 24349 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : تَعُدُّونَ أَنْتُمْ الْفَتْح فَتْح مَكَّة , وَقَدْ كَانَ فَتْح مَكَّة فَتْحًا , وَنَحْنُ نَعُدّ الْفَتْح بَيْعَة الرِّضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة , كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْس عَشْرَة مِائَة , وَالْحُدَيْبِيَة : بِئْر . 24350 -حَدَّثَنِي مُوسَى بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , ثَنَا مُحَمَّد بْن عِيسَى , قَالَ : ثَنَا مُجَمِّع بْن يَعْقُوب الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث عَنْ عَمّه عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد , عَنْ عَمّه مُجَمِّع بْن جَارِيَة الْأَنْصَارِيّ , وَكَانَ أَحَد الْقُرَّاء الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآن , قَالَ : شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا اِنْصَرَفْنَا عَنْهَا , إِذَا النَّاس يَهُزُّونَ الْأَبَاعِر , فَقَالَ بَعْض النَّاس لِبَعْضٍ : مَا لِلنَّاسِ , قَالُوا : أُوحِيَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا , لِيَغْفِر لَك اللَّه } فَقَالَ رَجُل : أَوَفَتْح هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " نَعَمْ " , " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْح " , قَالَ : فَقُسِّمَتْ خَيْبَر عَلَى أَهْل الْحُدَيْبِيَة , لَمْ يَدْخُل مَعَهُمْ فِيهَا أَحَد إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة , وَكَانَ الْجَيْش أَلْفًا وَخَمْس مِائَة , فِيهِمْ ثَلَاث مِائَة فَارِس , فَقَسَمَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَمَانِيَة عَشَر سَهْمًا , فَأَعْطَى الْفَارِس سَهْمَيْنِ , وَأَعْطَى الرَّاجِل سَهْمًا . 24351 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : نَزَلَتْ { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } بِالْحُدَيْبِيَةِ , وَأَصَابَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَة مَا لَمْ يُصِبْهُ فِي غَزْوَة , أَصَابَ أَنْ بُويِعَ بَيْعَة الرِّضْوَان , وَغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ , وَظَهَرَتْ الرُّوم عَلَى فَارِس , وَبَلَغَ الْهَدْي مَحِلّه , وَأَطْعِمُوا نَخْل خَيْبَر , وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِظُهُورِ الرُّوم عَلَى فَارِس .
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًاسورة الفتح الآية رقم 2
يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } يَقُول : إِنَّا حَكَمْنَا لَك يَا مُحَمَّد حُكْمًا لِمَنْ سَمِعَهُ أَوْ بَلَغَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَك وَنَاصَبَك مِنْ كُفَّار قَوْمك , وَقَضَيْنَا لَك عَلَيْهِمْ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَر , لِتَشْكُر رَبّك , وَتَحْمَدهُ عَلَى نِعْمَته بِقَضَائِهِ لَك عَلَيْهِمْ , وَفَتْحه مَا فَتَحَ لَك , وَلِتُسَبِّحهُ وَتَسْتَغْفِرهُ , فَيَغْفِر لَك بِفِعَالِك ذَلِكَ رَبّك , مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك قَبْل فَتْحه لَك مَا فَتَحَ , وَمَا تَأَخَّرَ بَعْد فَتْحه لَك ذَلِكَ مَا شَكَرْته وَاسْتَغْفَرْته . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْل فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة لِدَلَالَةِ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه وَالْفَتْح , وَرَأَيْت النَّاس يَدْخُلُونَ فِي دِين اللَّه أَفْوَاجًا , فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } 110 1 : 3 . عَلَى صِحَّته , إِذْ أَمَرَهُ تَعَالَى ذِكْره أَنْ يُسَبِّح بِحَمْدِ رَبّه إِذَا جَاءَهُ نَصْر اللَّه وَفَتْح مَكَّة , وَأَنْ يَسْتَغْفِرهُ , وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ تَوَّاب عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ , فَفِي ذَلِكَ بَيَان وَاضِح أَنَّ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ } إِنَّمَا هُوَ خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنْ جَزَائِهِ لَهُ عَلَى شُكْره لَهُ , عَلَى النِّعْمَة الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ مِنْ إِظْهَاره لَهُ مَا فَتَحَ , لِأَنَّ جَزَاء اللَّه تَعَالَى عِبَاده عَلَى أَعْمَالهمْ دُون غَيْرهَا . وَبَعْد فَفِي صِحَّة الْخَبَر عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُوم حَتَّى تَرِم قَدَمَاهُ , فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُول اللَّه تَفْعَل هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ : " أَفَلَا أَكُون عَبْدًا شَكُورًا ؟ " , الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى أَنَّ الَّذِي قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل , وَأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى , إِنَّمَا وَعَدَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُفْرَان ذُنُوبه الْمُتَقَدِّمَة , فَتَحَ مَا فَتَحَ عَلَيْهِ , وَبَعْده عَلَى شُكْره لَهُ , عَلَى نِعَمه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّه وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي كُلّ يَوْم مِائَة مَرَّة " وَلَوْ كَانَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ خَبَر اللَّه تَعَالَى نَبِيّه أَنَّهُ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ عَلَى الْوَجْه الَّذِي ذَكَرْنَا , لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِهِ إِيَّاهُ بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْد هَذِهِ الْآيَة , وَلَا لِاسْتِغْفَارِ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبّه جَلَّ جَلَاله مِنْ ذُنُوبه بَعْدهَا مَعْنًى يُعْقَل , إِذْ الِاسْتِغْفَار مَعْنَاهُ : طَلَب الْعَبْد مِنْ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ غُفْرَان ذُنُوبه , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذُنُوب تُغْفَر لَمْ يَكُنْ لِمَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ غُفْرَانهَا مَعْنًى , لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحَال أَنْ يُقَال : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي ذَنْبًا لَمْ أَعْمَلهُ . وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْضهمْ بِمَعْنَى : لِيَغْفِر لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك قَبْل الرِّسَالَة , وَمَا تَأَخَّرَ إِلَى الْوَقْت الَّذِي قَالَ : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ } . وَأَمَّا الْفَتْح الَّذِي وَعَدَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْعِدَة عَلَى شُكْره إِيَّاهُ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ الْهُدْنَة الَّتِي جَرَتْ بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن مُشْرِكِي قُرَيْش بِالْحُدَيْبِيَةِ . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَة أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرِفَة عَنْ الْحُدَيْبِيَة بَعْد الْهُدْنَة الَّتِي جَرَتْ بَيْنه وَبَيْن قَوْمه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24340 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ : قَضَيْنَا لَك قَضَاء مُبِينًا . * -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } وَالْفَتْح : الْقَضَاء . ذِكْر الرِّوَايَة عَمَّنْ قَالَ : هَذِهِ السُّورَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَقْت الَّذِي ذَكَرْت : 24341 -حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثَنَا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا دَاوُد , عَنْ عَامِر { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ : الْحُدَيْبِيَة . 24342 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ : نَحْره بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلْقه . 24343 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو بَحْر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , قَالَ : ثَنَا جَامِع بْن شَدَّاد , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ابْن أَبِي عَلْقَمَة , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَقُول : لَمَّا أَقْبَلْنَا مِنْ الْحُدَيْبِيَة أَعْرَسْنَا فَنِمْنَا , فَلَمْ نَسْتَيْقِظ إِلَّا بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ , فَاسْتَيْقَظْنَا وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِم , قَالَ : فَقُلْنَا أَيْقِظُوهُ , فَاسْتَيْقَظَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " وَافْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ , فَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ " قَالَ : وَفَقَدْنَا نَاقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدْنَاهَا قَدْ تَعَلَّقَ خِطَامهَا بِشَجَرَةٍ , فَأَتَيْته بِهَا , فَرَكِبَ فَبَيْنَا نَحْنُ نَسِير , إِذْ أَتَاهُ الْوَحْي , قَالَ : وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ اِشْتَدَّ عَلَيْهِ ; فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } . 24344 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : لَمَّا رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة , وَقَدْ حِيلَ بَيْننَا وَبَيْن نُسُكنَا , قَالَ : فَنَحْنُ بَيْن الْحُزْن وَالْكَآبَة , قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ , وَيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْك , وَيَهْدِيك صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } , أَوْ كَمَا شَاءَ اللَّه , فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَة أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا جَمِيعًا " . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد ابْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , فِي قَوْله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ : نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْجِعه مِنْ الْحُدَيْبِيَة , وَقَدْ حِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن نُسُكهمْ , فَنَحَرَ الْهَدْي بِالْحُدَيْبِيَةِ , وَأَصْحَابه مُخَالِطُو الْكَآبَة وَالْحُزْن , فَقَالَ : " لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَة أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا جَمِيعًا " , فَقَرَأَ { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا . لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ } . .. إِلَى قَوْله : { عَزِيزًا } فَقَالَ أَصْحَابه هَنِيئًا لَك يَا رَسُول اللَّه قَدْ بَيَّنَ اللَّه لَنَا مَاذَا يَفْعَل بِك , فَمَاذَا يَفْعَل بِنَا , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة بَعْدهَا { لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا } . .. إِلَى قَوْله : { وَكَانَ ذَلِكَ عِنْد اللَّه فَوْزًا عَظِيمًا } . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثَنَا هَمَّام , قَالَ : ثَنَا قَتَادَة , عَنْ أَنَس , قَالَ : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بِنَحْوِهِ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم : هَنِيئًا لَك مَرِيئًا يَا رَسُول اللَّه , وَقَالَ أَيْضًا : فَبَيَّنَ اللَّه مَاذَا يَفْعَل بِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَمَاذَا يَفْعَل بِهِمْ . 24345 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : " وَنَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ } مَرْجِعه مِنْ الْحُدَيْبِيَة , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَة أَحَبّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى الْأَرْض " , ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ , فَقَالُوا : هَنِيئًا مَرِيئًا يَا نَبِيّ اللَّه , قَدْ بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَك مَاذَا يَفْعَل بِك , فَمَاذَا يَفْعَل بِنَا ؟ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ : { لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } . .. إِلَى قَوْله : { فَوْزًا عَظِيمًا } " . 24346 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ , وَيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْك , وَيَهْدِيك صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } قَالُوا : هَنِيئًا مَرِيئًا لَك يَا رَسُول اللَّه , فَمَاذَا لَنَا ؟ فَنَزَلَتْ { لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا , وَيُكَفِّر عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ } . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث عَنْ أَنَس فِي هَذِهِ الْآيَة { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } قَالَ : الْحُدَيْبِيَة . - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن حَمَّاد , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر قَالَ : مَا كُنَّا نَعُدّ فَتْح مَكَّة إِلَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة . 24348 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا يَعْلَى بْن عُبَيْد , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن سِيَاه , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : تَكَلَّمَ سَهْل بْن حُنَيْف يَوْم صِفِّين , فَقَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس اِتَّهِمُوا أَنْفُسكُمْ , لَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْم الْحُدَيْبِيَة , يَعْنِي الصُّلْح الَّذِي كَانَ بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْمُشْرِكِينَ , وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا , فَجَاءَ عُمَر إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَلَسْنَا عَلَى حَقّ وَهُمْ عَلَى بَاطِل ؟ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّار ؟ قَالَ : بَلَى " , قَالَ : فَفِيمَ نُعْطَى الدَّنِيَّة فِي دِيننَا , وَنَرْجِع وَلَمَّا يَحْكُم اللَّه بَيْننَا وَبَيْنهمْ ؟ فَقَالَ : " يَا ابْن الْخَطَّاب , إِنِّي رَسُول اللَّه , وَلَنْ يُضَيِّعنِي أَبَدًا " , قَالَ : فَرَجَعَ وَهُوَ مُتَغَيِّظ , فَلَمْ يَصْبِر حَتَّى أَتَى أَبَا بَكْر , فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْر أَلَسْنَا عَلَى حَقّ وَهُمْ عَلَى بَاطِل ؟ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة , وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّار ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : فَفِيمَ نُعْطَى الدَّنِيَّة فِي دِيننَا , وَنَرْجِع وَلَمَّا يَحْكُم اللَّه بَيْننَا وَبَيْنهمْ ؟ فَقَالَ : يَا ابْن الْخَطَّاب إِنَّهُ رَسُول اللَّه , لَنْ يُضَيِّعهُ اللَّه أَبَدًا , قَالَ : فَنَزَلَتْ سُورَة الْفَتْح , فَأَرْسَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُمَر , فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهَا , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَوَفَتْح هُوَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر , قَالَ : مَا كُنَّا نَعُدّ الْفَتْح إِلَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة. 24349 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : تَعُدُّونَ أَنْتُمْ الْفَتْح فَتْح مَكَّة , وَقَدْ كَانَ فَتْح مَكَّة فَتْحًا , وَنَحْنُ نَعُدّ الْفَتْح بَيْعَة الرِّضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة , كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْس عَشْرَة مِائَة , وَالْحُدَيْبِيَة : بِئْر . 24350 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , ثَنَا مُحَمَّد بْن عِيسَى , قَالَ : ثَنَا مُجَمِّع بْن يَعْقُوب الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث عَنْ عَمّه عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد , عَنْ عَمّه مُجَمِّع بْن جَارِيَة الْأَنْصَارِيّ , وَكَانَ أَحَد الْقُرَّاء الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآن , قَالَ : شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا اِنْصَرَفْنَا عَنْهَا , إِذَا النَّاس يَهُزُّونَ الْأَبَاعِر , فَقَالَ بَعْض النَّاس لِبَعْضٍ : مَا لِلنَّاسِ , قَالُوا : أُوحِيَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا , لِيَغْفِر لَك اللَّه } فَقَالَ رَجُل : أَوَفَتْح هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " نَعَمْ " , " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْح " , قَالَ : فَقُسِّمَتْ خَيْبَر عَلَى أَهْل الْحُدَيْبِيَة , لَمْ يَدْخُل مَعَهُمْ فِيهَا أَحَد إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة , وَكَانَ الْجَيْش أَلْفًا وَخَمْس مِائَة , فِيهِمْ ثَلَاث مِائَة فَارِس , فَقَسَمَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَمَانِيَة عَشَر سَهْمًا , فَأَعْطَى الْفَارِس سَهْمَيْنِ , وَأَعْطَى الرَّاجِل سَهْمًا . 24351 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : نَزَلَتْ { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } بِالْحُدَيْبِيَةِ , وَأَصَابَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَة مَا لَمْ يُصِبْهُ فِي غَزْوَة , أَصَابَ أَنْ بُويِعَ بَيْعَة الرِّضْوَان , وَغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ , وَظَهَرَتْ الرُّوم عَلَى فَارِس , وَبَلَغَ الْهَدْي مَحِلّه , وَأُطْعِمُوا نَخْل خَيْبَر , وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِظُهُورِ الرُّوم عَلَى فَارِس .

وَقَوْله تَعَالَى : { وَيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْك } بِإِظْهَارِهِ إِيَّاكَ عَلَى عَدُوّك , وَرَفْعه ذِكْرك فِي الدُّنْيَا , وَغُفْرَانه ذُنُوبك فِي الْآخِرَة .

يَقُول : وَيُرْشِدك طَرِيقًا مِنْ الدِّين لَا اِعْوِجَاج فِيهِ , يَسْتَقِيم بِك إِلَى رِضَا رَبّك .
وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًاسورة الفتح الآية رقم 3
يَقُول : وَيَنْصُرك عَلَى سَائِر أَعْدَائِك , وَمَنْ نَاوَأَك نَصْرًا , لَا يَغْلِبهُ غَالِب , وَلَا يَدْفَعهُ دَافِع , لِلْبَأْسِ الَّذِي يُؤَيِّدك اللَّه بِهِ , وَبِالظَّفَرِ الَّذِي يَمُدّك بِهِ.
هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًاسورة الفتح الآية رقم 4
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَة فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ } يَعْنِي جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ . { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَة فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ } اللَّه أَنْزَلَ السُّكُون وَالطُّمَأْنِينَة فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله إِلَى الْإِيمَان , وَالْحَقّ الَّذِي بَعَثَك اللَّه بِهِ يَا مُحَمَّد . وَقَدْ مَضَى ذِكْر اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى السَّكِينَة قَبْل , وَالصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ بِالشَّوَاهِدِ الْمُغْنِيَة , عَنْ إِعَادَتهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع .

يَقُول : لِيَزْدَادُوا بِتَصْدِيقِهِمْ بِمَا جَدَّدَ اللَّه مِنْ الْفَرَائِض الَّتِي أَلْزَمَهُمُوهَا , الَّتِي لَمْ تَكُنْ لَهُمْ لَازِمَة { إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهمْ } يَقُول : لِيَزْدَادُوا إِلَى إِيمَانهمْ بِالْفَرَائِضِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ لَازِمَة قَبْل ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24352 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَة فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : السَّكِينَة : الرَّحْمَة { لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهمْ } قَالَ : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَعَثَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمْ الصَّلَاة , فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمْ الصِّيَام , فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهِ زَادَهُمْ الزَّكَاة , فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمْ الصَّلَاة , ثُمَّ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينهمْ , فَقَالَ { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } 5 3 . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَأَوْثَق إِيمَان أَهْل الْأَرْض وَأَهْل السَّمَوَات وَأَصْدَقه وَأَكْمَله شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه.

وَقَوْله : { وَلِلَّهِ جُنُود السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلِلَّهِ جُنُود السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْصَار يَنْتَقِم بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاء مِنْ أَعْدَائِهِ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه ذَا عِلْم بِمَا هُوَ كَائِن قَبْل كَوْنه , وَمَا خَلْقه عَامِلُوهُ , حَكِيمًا فِي تَدْبِيره .
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الفتح الآية رقم 5
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّر عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا , لِتَشْكُر رَبّك , وَتَحْمَدهُ عَلَى ذَلِكَ , فَيَغْفِر لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ , وَلْيَحْمَدْ رَبّهمْ الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ , وَيَشْكُرُوهُ عَلَى إِنْعَامه عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَتْح الَّذِي فَتَحَهُ , وَقَضَاهُ بَيْنهمْ وَبَيْن أَعْدَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , بِإِظْهَارِهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِمْ , فَيُدْخِلهُمْ بِذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , مَاكِثِينَ فِيهَا إِلَى غَيْر نِهَايَة وَلْيُكَفِّرْ عَنْهُمْ سَيِّئ أَعْمَالهمْ بِالْحَسَنَاتِ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا شُكْرًا مِنْهُمْ لِرَبِّهِمْ عَلَى مَا قَضَى لَهُمْ , وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْر الرِّوَايَة أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ لَمَّا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ تَلَا عَلَيْهِمْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا . لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ } هَذَا لَك يَا رَسُول اللَّه , فَمَاذَا لَنَا ؟ تَبْيِينًا مِنْ اللَّه لَهُمْ مَا هُوَ فَاعِل بِهِمْ . 24353 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } . .. إِلَى قَوْله : { وَيُكَفِّر عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ } فَأَعْلَمَ اللَّه سُبْحَانه نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . وَقَوْله : { لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات } عَلَى اللَّام مِنْ قَوْله : { لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك } بِتَأْوِيلِ تَكْرِير الْكَلَام { إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِر لَك اللَّه } , إِنَّا فَتَحْنَا لَك لِيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , وَلِذَلِكَ لَمْ تَدْخُل الْوَاو الَّتِي تَدْخُل فِي الْكَلَام لِلْعَطْفِ , فَلَمْ يَقُلْ : وَلْيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ مَا وَعَدَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ هَذِهِ الْعِدَة , وَذَلِكَ إِدْخَالهمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , وَتَكْفِيره سَيِّئَاتهمْ بِحَسَنَاتِ أَعْمَالهمْ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا عِنْد اللَّه لَهُمْ

يَقُول : ظَفَرًا مِنْهُمْ بِمَا كَانُوا تَأَمَّلُوهُ وَيَسْعَوْنَ لَهُ , وَنَجَاة مِمَّا كَانُوا يَحْذَرُونَهُ مِنْ عَذَاب اللَّه عَظِيمًا .
وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًاسورة الفتح الآية رقم 6
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَات وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَات الظَّانِّينَ بِاَللَّهِ ظَنّ السَّوْء عَلَيْهِمْ دَائِرَة السَّوْء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِر لَك اللَّه , وَلْيُدْخِل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , وَلْيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَات , بِفَتْحِ اللَّه لَك يَا مُحَمَّد , مَا فَتَحَ لَك مِنْ نَصْرك عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْش , فَيُكْبَتُوا لِذَلِكَ وَيَحْزَنُوا , وَيَخِيب رَجَاؤُهُمْ الَّذِي كَانُوا يَرْجُونَ مِنْ رُؤْيَتهمْ فِي أَهْل الْإِيمَان بِك مِنْ الضَّعْف وَالْوَهْن وَالتَّوَلِّي عَنْك فِي عَاجِل الدُّنْيَا , وَصَلْي النَّار وَالْخُلُود فِيهَا فِي آجِل الْآخِرَة { وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَات } يَقُول : وَلْيُعَذِّب كَذَلِكَ أَيْضًا الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَات { الظَّانِّينَ بِاَللَّهِ } أَنَّهُ لَنْ يَنْصُرك , وَأَهْل الْإِيمَان بِك عَلَى أَعْدَائِك , وَلَنْ يُظْهِر كَلِمَته فَيَجْعَلهَا الْعُلْيَا عَلَى كَلِمَة الْكَافِرِينَ بِهِ , وَذَلِكَ كَانَ السَّوْء مِنْ ظُنُونهمْ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَات , وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَات الَّذِينَ ظَنُّوا هَذَا الظَّنّ دَائِرَة السَّوْء , يَعْنِي دَائِرَة الْعَذَاب تَدُور عَلَيْهِمْ بِهِ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة { دَائِرَة السَّوْء } بِفَتْحِ السِّين. وَقَرَأَ بَعْض قُرَّاء الْبَصْرَة " دَائِرَة السُّوء " بِضَمِّ السِّين . وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : الْفَتْح أَفْشَى فِي السِّين ; قَالَ : وَقَلَّمَا تَقُول الْعَرَب دَائِرَة السُّوء بِضَمِّ السِّين , وَالْفَتْح فِي السِّين أَعْجَب إِلَيَّ مِنْ الضَّمّ , لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : هُوَ رَجُل سَوْء , بِفَتْحِ السِّين ; وَلَا تَقُول : هُوَ رَجُل سُوء .

وَقَوْله : { وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ } يَقُول : وَنَالَهُمْ اللَّه بِغَضَبٍ مِنْهُ , وَلَعَنَهُمْ : يَقُول : وَأَبْعَدَهُمْ فَأَقْصَاهُمْ مِنْ رَحْمَته

{ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّم } يَقُول : وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّم يَصْلَوْنَهَا يَوْم الْقِيَامَة

يَقُول : وَسَاءَتْ جَهَنَّم مَنْزِلًا يَصِير إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات , وَالْمُشْرِكُونَ وَالْمُشْرِكَات .
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًاسورة الفتح الآية رقم 7
وَقَوْله : { وَلِلَّهِ جُنُود السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلِلَّهِ جُنُود السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَنْصَارًا عَلَى أَعْدَائِهِ , إِنْ أَمَرَهُمْ بِإِهْلَاكِهِمْ أَهْلَكُوهُمْ , وَسَارَعُوا إِلَى ذَلِكَ بِالطَّاعَةِ مِنْهُمْ لَهُ


يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه ذَا عِزَّة , لَا يَغْلِبهُ غَالِب , وَلَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ مِمَّا أَرَادَهُ بِهِ مُمْتَنِع , لِعِظَمِ سُلْطَانه وَقُدْرَته , حَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه .
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًاسورة الفتح الآية رقم 8
يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إِنَّا أَرْسَلْنَاك } يَا مُحَمَّد { شَاهِدًا } عَلَى أُمَّتك بِمَا أَجَابُوك فِيمَا دَعَوْتهمْ إِلَيْهِ , مِمَّا أَرْسَلْتُك بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ الرِّسَالَة , { وَمُبَشِّرًا } لَهُمْ بِالْجَنَّةِ إِنْ أَجَابُوك إِلَى مَا دَعَوْتهمْ إِلَيْهِ مِنْ الدِّين الْقَيِّم , وَنَذِيرًا لَهُمْ عَذَاب اللَّه إِنْ هُمْ تَوَلَّوْا عَمَّا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24354 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } يَقُول : شَاهِدًا عَلَى أُمَّته عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمْ وَمُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّه , وَنَذِيرًا مِنْ النَّار .
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاسورة الفتح الآية رقم 9
ثُمَّ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { لِتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ } فَقَرَأَ جَمِيع ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار خَلَا أَبِي جَعْفَر الْمَدَنِيّ وَأَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء , بِالتَّاءِ { لِتُؤْمِنُوا , وَتُعَزِّرُوهُ , وَتُوَقِّرُوهُ , وَتُسَبِّحُوهُ } بِمَعْنَى : لِتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاس . وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر وَأَبُو عَمْرو كُلّه بِالْيَاءِ " لِيُؤْمِنُوا , و يُعَزِّرُوهُ , وَيُوَقِّرُوهُ , وَيُسَبِّحُوهُ " بِمَعْنَى : إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا إِلَى الْخَلْق لِيُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَيُعَزِّرُوهُ. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَقَوْله : { وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : تُجِلُّوهُ , وَتُعَظِّمُوهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24355 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَيُعَزِّرُوهُ } يَعْنِي : الْإِجْلَال { وَيُوَقِّرُوهُ } يَعْنِي : التَّعْظِيم . 24356 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَيُعَزِّرُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ } كُلّ هَذَا تَعْظِيم وَإِجْلَال . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَيُعَزِّرُوهُ } : وَيَنْصُرُوهُ , وَمَعْنَى { وَيُوَقِّرُوهُ } وَيُفَخِّمُوهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24357 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَيُعَزِّرُوهُ } : يَنْصُرُوهُ { وَيُوَقِّرُوهُ } أَمَرَ اللَّه بِتَسْوِيدِهِ وَتَفْخِيمه . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَيُعَزِّرُوهُ } قَالَ : يَنْصُرُوهُ , وَيُوَقِّرُوهُ : أَيْ لِيُعَظِّمُوهُ. 24358 - حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَة الضُّبَعِيّ , قَالَ : ثَنَا حَرَمِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , جَعْفَر بْن أَبِي وَحْشِيَّة , عَنْ عِكْرِمَة { وَيُعَزِّرُوهُ } قَالَ : يُقَاتِلُونَ مَعَهُ بِالسَّيْفِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنِي هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . * -حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثَنَا عُثْمَان بْن عُمَر , عَنْ سَعِيد , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ عِكْرِمَة , بِنَحْوِهِ . * -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَا : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَيُعَظِّمُوهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24359 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَيُعَزِّرُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ } قَالَ : الطَّاعَة لِلَّهِ . وَهَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَات الْمَعْنَى , وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظ أَهْلهَا بِهَا . وَمَعْنَى التَّعْزِير فِي هَذَا الْمَوْضِع : التَّقْوِيَة بِالنُّصْرَةِ وَالْمَعُونَة , وَلَا يَكُون ذَلِكَ إِلَّا بِالطَّاعَةِ وَالتَّعْظِيم وَالْإِجْلَال . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَأَمَّا التَّوْقِير : فَهُوَ التَّعْظِيم وَالْإِجْلَال وَالتَّفْخِيم . وَقَوْله : { وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَة وَأَصِيلًا } يَقُول : وَتُصَلُّوا لَهُ يَعْنِي لِلَّهِ بِالْغَدَوَاتِ وَالْعَشِيَّات . وَالْهَاء فِي قَوْله : { وَتُسَبِّحُوهُ } مِنْ ذِكْر اللَّه وَحْده دُون الرَّسُول . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي بَعْض الْقِرَاءَات : " وَيُسَبِّحُوا اللَّه بُكْرَة وَأَصِيلًا " . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24360 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة " وَيُسَبِّحُوهُ بُكْرَة وَأَصِيلًا " فِي بَعْض الْقِرَاءَة " وَيُسَبِّحُوا اللَّه بُكْرَة وَأَصِيلًا " . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي بَعْض الْحُرُوف " وَيُسَبِّحُوا اللَّه بُكْرَة وَأَصِيلًا " . 24361 - حُدِّثْنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : " وَيُسَبِّحُوهُ بُكْرَة وَأَصِيلًا " يَقُول : يُسَبِّحُونَ اللَّه رَجَعَ إِلَى نَفْسه .
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًاسورة الفتح الآية رقم 10
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك } بِالْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَصْحَابك عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا عِنْد لِقَاء الْعَدُوّ , وَلَا يُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَار { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه } يَقُول : إِنَّمَا يُبَايِعُونَ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّاكَ اللَّه , لِأَنَّ اللَّه ضَمِنَ لَهُمْ الْجَنَّة بِوَفَائِهِمْ لَهُ بِذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24362 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك } قَالَ : يَوْم الْحُدَيْبِيَة. 24363 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه يَد اللَّه فَوْق أَيْدِيهمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُث عَلَى نَفْسه } وَهُمْ الَّذِينَ بَايَعُوا يَوْم الْحُدَيْبِيَة .

وَفِي قَوْله : { يَد اللَّه فَوْق أَيْدِيهمْ } وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا : يَد اللَّه فَوْق أَيْدِيهمْ عِنْد الْبَيْعَة , لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَايِعُونَ اللَّه بِبَيْعَتِهِمْ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَالْآخَر : قُوَّة اللَّه فَوْق قُوَّتهمْ فِي نُصْرَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نُصْرَته عَلَى الْعَدُوّ .

وَقَوْله : { فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُث عَلَى نَفْسه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ نَكَثَ بَيْعَته إِيَّاكَ يَا مُحَمَّد , وَنَقَضَهَا فَلَمْ يَنْصُرك عَلَى أَعْدَائِك , وَخَالَفَ مَا وَعَدَ رَبّه { فَإِنَّمَا يَنْكُث عَلَى نَفْسه } يَقُول : فَإِنَّمَا يَنْقُض بَيْعَته , لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ يَخْرُج مِمَّنْ وَعَدَهُ اللَّه الْجَنَّة بِوَفَائِهِ بِالْبَيْعَةِ , فَلَمْ يَضُرّ بِنَكْثِهِ غَيْر نَفْسه , وَلَمْ يَنْكُث إِلَّا عَلَيْهَا , فَأَمَّا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَاصِره عَلَى أَعْدَائِهِ , نَكَثَ النَّاكِث مِنْهُمْ , أَوْ وَفَّى بِبَيْعَتِهِ .

وَقَوْله : { وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّه } . .. الْآيَة , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الصَّبْر عِنْد لِقَاء الْعَدُوّ فِي سَبِيل اللَّه وَنُصْرَة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَعْدَائِهِ

يَقُول : فَسَيُعْطِيهِ اللَّه ثَوَابًا عَظِيمًا , وَذَلِكَ أَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة جَزَاء لَهُ عَلَى وَفَائِهِ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّه , وَوَثَّقَ لِرَسُولِهِ عَلَى الصَّبْر مَعَهُ عِنْد الْبَأْس بِالْمُؤَكِّدَةِ مِنْ الْأَيْمَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24364 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } وَهِيَ الْجَنَّة .
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًاسورة الفتح الآية رقم 11
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيَقُولُ لَك الْمُخَلَّفُونَ مِنْ الْأَعْرَاب شَغَلَتْنَا أَمْوَالنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَيَقُولُ لَك يَا مُحَمَّد الَّذِينَ خَلَّفَهُمْ اللَّه فِي أَهْلِيهِمْ عَنْ صُحْبَتك , وَالْخُرُوج مَعَك فِي سَفَرك الَّذِي سَافَرْت , وَمَسِيرك الَّذِي سِرْت إِلَى مَكَّة مُعْتَمِرًا , زَائِرًا بَيْت اللَّه الْحَرَام إِذَا اِنْصَرَفْت إِلَيْهِمْ , فَعَاتَبْتهمْ عَلَى التَّخَلُّف عَنْك , شَغَلَتْنَا عَنْ الْخُرُوج مَعَك مُعَالَجَة أَمْوَالنَا , وَإِصْلَاح مَعَايِشنَا وَأَهْلُونَا , فَاسْتَغْفِرْ لَنَا رَبّنَا لِتَخَلُّفِنَا عَنْك , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ حِين أَرَادَ الْمَسِير إِلَى مَكَّة عَام الْحُدَيْبِيَة مُعْتَمِرًا اِسْتَنْفَرَ الْعَرَب وَمَنْ حَوْل مَدِينَته مِنْ أَهْل الْبَوَادِي وَالْأَعْرَاب لِيَخْرُجُوا مَعَهُ حَذَرًا مِنْ قَوْمه قُرَيْش أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ الْحَرْب , أَوْ يَصُدُّوهُ عَنْ الْبَيْت , وَأَحْرَمَ هُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ , وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْي , لِيُعْلِم النَّاس أَنَّهُ لَا يُرِيد حَرْبًا , فَتَثَاقَلَ عَنْهُ كَثِير مِنْ الْأَعْرَاب , وَتَخَلَّفُوا خِلَافه فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ : { سَيَقُولُ لَك الْمُخَلَّفُونَ مِنْ الْأَعْرَاب شَغَلَتْنَا أَمْوَالنَا وَأَهْلُونَا } . .. الْآيَة . وَكَاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل الْعِلْم بِسِيَرِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَغَازِيه , مِنْهُمْ اِبْن إِسْحَاق . 24365 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة عَنْ اِبْن إِسْحَاق بِذَلِكَ . 24366 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { سَيَقُولُ لَك الْمُخَلَّفُونَ مِنْ الْأَعْرَاب شَغَلَتْنَا أَمْوَالنَا وَأَهْلُونَا } قَالَ : أَعْرَاب الْمَدِينَة : جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة , اِسْتَتْبَعَهُمْ لِخُرُوجِهِ إِلَى مَكَّة , قَالُوا : نَذْهَب مَعَهُ إِلَى قَوْم قَدْ جَاءُوهُ , فَقَتَلُوا أَصْحَابه فَنُقَاتِلهُمْ ! فَاعْتَلُّوا بِالشُّغْلِ .

قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُكَذِّبهمْ فِي قِيلهمْ ذَلِكَ : يَقُول هَؤُلَاءِ الْأَعْرَاب الْمُخَلَّفُونَ عَنْك بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهمْ , وَذَلِكَ مَسْأَلَتهمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِغْفَار لَهُمْ , يَقُول : يَسْأَلُونَهُ بِغَيْرِ تَوْبَة مِنْهُمْ وَلَا نَدَم عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه فِي تَخَلُّفهمْ عَنْ صُحْبَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسِير مَعَهُ

{ قُلْ فَمَنْ يَمْلِك مِنْ اللَّه شَيْئًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَاب الَّذِينَ يَسْأَلُونَك أَنْ تَسْتَغْفِر لَهُمْ لِتَخَلُّفِهِمْ عَنْك : إِنْ أَنَا اِسْتَغْفَرْت لَكُمْ أَيّهَا الْقَوْم , ثُمَّ أَرَادَ اللَّه هَلَاككُمْ أَوْ هَلَاك أَمْوَالكُمْ وَأَهْلِيكُمْ , أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بِتَثْمِيرِهِ أَمْوَالكُمْ وَإِصْلَاحه لَكُمْ أَهْلِيكُمْ , فَمَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِر عَلَى دَفْع مَا أَرَادَ اللَّه بِكُمْ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ , وَاَللَّه لَا يُعَازّهِ أَحَد , وَلَا يُغَالِبهُ غَالِب . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا } فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفَة { ضَرًّا } بِفَتْحِ الضَّاد , بِمَعْنَى : الضُّرّ الَّذِي هُوَ خِلَاف النَّفْع . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ " ضُرًّا " بِضَمِّ الضَّاد , بِمَعْنَى الْبُؤْس وَالسَّقَم . وَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ الْفَتْح فِي الضَّاد فِي هَذَا الْمَوْضِع بِقَوْلِهِ : { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا } , فَمَعْلُوم أَنَّ خِلَاف النَّفْع الضُّرّ , وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى صَحِيحًا مَعْنَاهَا .

وَقَوْله : { بَلْ كَانَ اللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا الْأَمْر كَمَا يَظُنّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مِنْ الْأَعْرَاب أَنَّ اللَّه لَا يَعْلَم مَا هُمْ عَلَيْهَا مُنْطَوُونَ مِنْ النِّفَاق , بَلْ لَمْ يَزَلْ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مِنْ خَيْر وَشَرّ خَبِيرًا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَال خَلْقه , سِرّهَا وَعَلَانِيَتهَا , وَهُوَ مُحْصِيهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُجَازِيهِمْ بِهَا .
بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًاسورة الفتح الآية رقم 12
{ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِب الرَّسُول وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنّ السَّوْء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَاب الْمُعْتَذِرِينَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد مُنْصَرَفه مِنْ سَفَره إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ : { شَغَلَتْنَا أَمْوَالنَا وَأَهْلُونَا } مَا تَخَلَّفْتُمْ خِلَاف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين شَخَصَ عَنْكُمْ , وَقَعَدْتُمْ عَنْ صُحْبَته مِنْ أَجْل شُغْلكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ , بَلْ تَخَلَّفْتُمْ بَعْده فِي مَنَازِلكُمْ , ظَنًّا مِنْكُمْ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابه سَيَهْلَكُونَ , فَلَا يَرْجِعُونَ إِلَيْكُمْ أَبَدًا بِاسْتِئْصَالِ الْعَدُوّ إِيَّاهُمْ وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبكُمْ , وَحَسَّنَ الشَّيْطَان ذَلِكَ فِي قُلُوبكُمْ , وَصَحَّحَهُ عِنْدكُمْ حَتَّى حَسُنَ عِنْدكُمْ التَّخَلُّف عَنْهُ , فَقَعَدْتُمْ عَنْ صُحْبَته { وَظَنَنْتُمْ ظَنّ السَّوْء } يَقُول : وَظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّه لَنْ يَنْصُر مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ , وَأَنَّ الْعَدُوّ سَيَقْهَرُونَهُمْ وَيَغْلِبُونَهُمْ فَيَقْتُلُونَهُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24367 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { سَيَقُولُ لَك الْمُخَلَّفُونَ مِنْ الْأَعْرَاب } . .. إِلَى قَوْله : { وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا } قَالَ : ظَنُّوا بِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه أَنَّهُمْ لَنْ يَرْجِعُوا مِنْ وَجْههمْ ذَلِكَ , وَأَنَّهُمْ سَيَهْلَكُونَ , فَذَلِكَ الَّذِي خَلَّفَهُمْ عَنْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَقَوْله : { وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا } يَقُول : وَكُنْتُمْ قَوْمًا هَلْكَى لَا يَصْلُحُونَ لِشَيْءٍ مِنْ الْخَبَر . وَقِيلَ : إِنَّ الْبُور فِي لُغَة أَذْرِعَات : الْفَاسِد ; فَأَمَّا عِنْد الْعَرَب فَإِنَّهُ لَا شَيْء . وَمِنْهُ قَوْل أَبِي الدَّرْدَاء : فَأَصْبَحَ مَا جَمَعُوا بُورًا أَيْ ذَاهِبًا قَدْ صَارَ بَاطِلًا لَا شَيْء مِنْهُ ; وَمِنْهُ قَوْل حَسَّان بْن ثَابِت : لَا يَنْفَع الطُّول مِنْ نُوك الْقُلُوب وَقَدْ يَهْدِي الْإِلَه سَبِيل الْمَعْشَر الْبُور وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : * -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا } قَالَ : فَاسِدِينَ . 24368 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا } قَالَ : الْبُور الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْخَيْر شَيْء . 24369 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا } قَالَ : هَالِكِينَ .
وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًاسورة الفتح الآية رقم 13
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَرَسُوله فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَعْرَاب , وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن أَيّهَا الْأَعْرَاب بِاَللَّهِ وَرَسُوله مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْركُمْ , فَيُصَدِّقهُ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ , وَيُقِرّ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْحَقّ مِنْ عِنْد رَبّه , فَإِنَّا أَعْدَدْنَا لَهُمْ جَمِيعًا سَعِيرًا مِنْ النَّار تَسْتَعِر عَلَيْهِمْ فِي جَهَنَّم إِذَا وَرَدُوهَا يَوْم الْقِيَامَة ; يُقَال مِنْ ذَلِكَ : سَعَّرْت النَّار : إِذَا أَوْقَدْتهَا , فَأَنَا أُسَعِّرهَا سَعْرًا ; وَيُقَال : سَعَّرْتهَا أَيْضًا إِذَا حَرَّكْتهَا . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمِسْعَرِ مِسْعَر , لِأَنَّهُ يُحَرَّك بِهِ النَّار , وَمِنْهُ قَوْلهمْ : إِنَّهُ لَمِسْعَر حَرْب : يُرَاد بِهِ مُوقِدهَا وَمُهَيِّجهَا .
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًاسورة الفتح الآية رقم 14
وَقَوْله : { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلِلَّهِ سُلْطَان السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَلَا أَحَد يَقْدِر أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ عَلَى دَفْعه عَمَّا أَرَادَ بِكُمْ مِنْ تَعْذِيب عَلَى نِفَاقكُمْ إِنْ أَصْرَرْتُمْ عَلَيْهِ أَوْ مَنْعه مِنْ عَفْوه عَنْكُمْ إِنْ عَفَا , إِنْ أَنْتُمْ تُبْتُمْ مِنْ نِفَاقكُمْ وَكُفْركُمْ , وَهَذَا مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَثّ لِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَاب الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّوْبَة وَالْمُرَاجَعَة إِلَى أَمْر اللَّه فِي طَاعَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول لَهُمْ : بَادِرُوا بِالتَّوْبَةِ مِنْ تَخَلُّفكُمْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّ اللَّه يَغْفِر لِلتَّائِبِينَ

يَقُول : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه ذَا عَفْو عَنْ عُقُوبَة التَّائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبهمْ وَمَعَاصِيهمْ مِنْ عِبَاده , وَذَا رَحْمَة بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبهُمْ عَلَى ذُنُوبهمْ بَعْد تَوْبَتهمْ مِنْهَا .
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاسورة الفتح الآية رقم 15
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا اِنْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِم لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَام اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَيَقُولُ يَا مُحَمَّد الْمُخَلَّفُونَ فِي أَهْلِيهِمْ عَنْ صُحْبَتك إِذَا سِرْت مُعْتَمِرًا تُرِيد بَيْت اللَّه الْحَرَام , إِذَا اِنْطَلَقْت أَنْتَ وَمَنْ صَحِبَك فِي سَفَرك ذَلِكَ إِلَى مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ مِنْ الْغَنِيمَة { لِتَأْخُذُوهَا } وَذَلِكَ مَا كَانَ اللَّه وَعَدَ أَهْل الْحُدَيْبِيَة مِنْ غَنَائِم خَيْبَر { ذَرُونَا نَتَّبِعكُمْ } إِلَى خَيْبَر , فَنَشْهَد مَعَكُمْ قِتَال أَهْلهَا { يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَام اللَّه } يَقُول : يُرِيدُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا وَعْد اللَّه الَّذِي وَعَدَ أَهْل الْحُدَيْبِيَة , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَعَلَ غَنَائِم خَيْبَر لَهُمْ , وَوَعَدَهُمْ ذَلِكَ عِوَضًا مِنْ غَنَائِم أَهْل مَكَّة إِذَا اِنْصَرَفُوا عَنْهُمْ عَلَى صُلْح , وَلَمْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ شَيْئًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24370 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : رَجَعَ , يَعْنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَكَّة , فَوَعَدَهُ اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة , فَعُجِّلَتْ لَهُ خَيْبَر , فَقَالَ الْمُخَلَّفُونَ { ذَرُونَا نَتَّبِعكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَام اللَّه } وَهِيَ الْمَغَانِم لِيَأْخُذُوهَا , الَّتِي قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِذَا اِنْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِم لِتَأْخُذُوهَا } وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ قِتَال قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد . 24371 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَابه , عَنْ مِقْسَم قَالَ : لَمَّا وَعَدَهُمْ اللَّه أَنْ يَفْتَح عَلَيْهِمْ خَيْبَر , وَكَانَ اللَّه قَدْ وَعَدَهَا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة لَمْ يُعْطِ أَحَدًا غَيْرهمْ مِنْهَا شَيْئًا , فَلَمَّا عَلِمَ الْمُنَافِقُونَ أَنَّهَا الْغَنِيمَة قَالُوا : { ذَرُونَا نَتَّبِعكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَام اللَّه } يَقُول : مَا وَعَدَهُمْ . 24372 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا اِنْطَلَقْتُمْ } . ... الْآيَة , وَهُمْ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَة . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا صَدُّوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَة عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْهَدْي , قَالَ الْمِقْدَاد : يَا نَبِيّ اللَّه , إِنَّا وَاَللَّه لَا نَقُول كَالْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } 5 24 . وَلَكِنْ نَقُول : اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ ; فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَصْحَاب نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَايَعُوا عَلَى مَا قَالَ ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ قُرَيْشًا , وَرَجَعَ مِنْ عَامه ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَام اللَّه } إِرَادَتهمْ الْخُرُوج مَعَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوه , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا } 9 83 ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24373 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا اِنْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِم لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعكُمْ } ... الْآيَة , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حِين رَجَعَ مِنْ غَزْوه , { فَاسْتَأْذَنُوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا } 9 83 . الْآيَة يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَام اللَّه : أَرَادُوا أَنْ يُغَيِّرُوا كَلَام اللَّه الَّذِي قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَخْرُجُوا مَعَهُ , وَأَبَى اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَنَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ اِبْن زَيْد قَوْل لَا وَجْه لَهُ , لِأَنَّ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { فَاسْتَأْذَنُوك لِلْخُرُوجِ , فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا } 5 83 . إِنَّمَا نَزَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرِفه مِنْ تَبُوك , وَعُنِيَ بِهِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْهُ حِين تَوَجَّهَ إِلَى تَبُوك لِغَزْوِ الرُّوم , وَلَا اِخْتِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم بِمَغَازِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَبُوك كَانَتْ بَعْد فَتْح خَيْبَر وَبَعْد فَتْح مَكَّة أَيْضًا , فَكَيْف يَجُوز أَنْ يَكُون الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا مَعْنِيًّا بِقَوْلِ اللَّه : { يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَام اللَّه } وَهُوَ خَبَر عَنْ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْمَسِير مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذْ شَخْص مُعْتَمِرًا يُرِيد الْبَيْت , فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْبَيْت , الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْهُ فِي غَزْوَة تَبُوك , وَغَزْوَة تَبُوك لَمْ تَكُنْ كَانَتْ يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , وَلَا كَانَ أُوحِيَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْله : { فَاسْتَأْذَنُوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا } . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : مَا قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَام اللَّه } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة , وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفَة { كَلَام اللَّه } عَلَى وَجْه الْمَصْدَر , بِإِثْبَاتِ الْأَلِف . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة " كَلَام اللَّه " بِغَيْرِ أَلِف , بِمَعْنَى جَمْع كَلِمَة , وَهُمَا عِنْدنَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , وَإِنْ كُنْت إِلَى قِرَاءَته بِالْأَلِفِ أَمْيَل.

وَقَوْله : { قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُخَلَّفِينَ عَنْ الْمَسِير مَعَك يَا مُحَمَّد : لَنْ تَتَّبِعُونَا إِلَى خَيْبَر إِذَا أَرَدْنَا السَّيْر إِلَيْهِمْ لِقِتَالِهِمْ .

يَقُول : هَكَذَا قَالَ اللَّه لَنَا مِنْ قَبْل مَرْجِعنَا إِلَيْكُمْ , إِنَّ غَنِيمَة خَيْبَر لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة مَعَنَا , وَلَسْتُمْ مِمَّنْ شَهِدَهَا , فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونَا إِلَى خَيْبَر , لِأَنَّ غَنِيمَتهَا لِغَيْرِكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24374 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { كَذَلِكَ قَالَ اللَّه مِنْ قَبْل } أَيْ إِنَّمَا جُعِلَتْ الْغَنِيمَة لِأَهْلِ الْجِهَاد , وَإِنَّمَا كَانَتْ غَنِيمَة خَيْبَر لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فِيهَا نَصِيب .

وَقَوْله : { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا } أَنْ نُصِيب مَعَكُمْ مَغْنَمًا إِنْ نَحْنُ شَهِدْنَا مَعَكُمْ , فَلِذَلِكَ تَمْنَعُونَنَا مِنْ الْخُرُوج مَعَكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24375 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا } أَنْ نُصِيب مَعَكُمْ غَنَائِم .

وَقَوْله : { بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه : مَا الْأَمْر كَمَا يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مِنْ الْأَعْرَاب مِنْ أَنَّكُمْ إِنَّمَا تَمْنَعُونَهُمْ مِنْ اِتِّبَاعكُمْ حَسَدًا مِنْكُمْ لَهُمْ عَلَى أَنْ يُصِيبُوا مَعَكُمْ مِنْ الْعَدُوّ مَغْنَمًا , بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ عَنْ اللَّه مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنْ أَمْر الدِّين إِلَّا قَلِيلًا يَسِيرًا , وَلَوْ عَقَلُوا ذَلِكَ مَا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , وَقَدْ أَخْبَرُوهُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ حَرَمَهُمْ غَنَائِم خَيْبَر , إِنَّمَا تَمْنَعُونَنَا مِنْ صُحْبَتكُمْ إِلَيْهَا لِأَنَّكُمْ تَحْسُدُونَنَا .
قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًاسورة الفتح الآية رقم 16
{ قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الْأَعْرَاب سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد { لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الْأَعْرَاب } عَنْ الْمَسِير مَعَك , { سَتُدْعَوْنَ إِلَى } قِتَال { قَوْم أُولِي بَأْس } فِي الْقِتَال { شَدِيد } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُخَلَّفِينَ مِنْ الْأَعْرَاب يُدْعَوْنَ إِلَى قِتَالهمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ أَهْل فَارِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24376 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنْ اِبْن عَبَّاس { أُولِي بَأْس شَدِيد } أَهْل فَارِس . 24377 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى الْفَزَارِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن الزِّبْرِقَان , عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ابْن أَبِي لَيْلَى , فِي قَوْله : { سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد } قَالَ : فَارِس وَالرُّوم . 24378 - قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ سَعِيد , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ الْحَسَن , فِي قَوْله : { سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد } قَالَ : هُمْ فَارِس وَالرُّوم . 24379 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أُولِي بَأْس شَدِيد } قَالَ : هُمْ فَارِس . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد } قَالَ : قَالَ الْحَسَن : دُعُوا إِلَى فَارِس وَالرُّوم . 24380 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد } قَالَ : فَارِس وَالرُّوم . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ هَوَازِن بِحُنَيْن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24381 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة , فِي قَوْله : { سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد } قَالَ : هَوَازِن . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة فِي هَذِهِ الْآيَة { سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد } قَالَ : هَوَازِن وَثَقِيف . 24382 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { أُولِي بَأْس شَدِيد تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } قَالَ : هِيَ هَوَازِن وَغَطَفَان يَوْم حُنَيْن . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الْأَعْرَاب سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد } فَدُعُوا يَوْم حُنَيْن إِلَى هَوَازِن وَثَقِيف فَمِنْهُمْ مَنْ أَحْسَنَ الْإِجَابَة وَرَغِبَ فِي الْجِهَاد. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ بَنُو حَنِيفَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24383 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ { أُولِي بَأْس شَدِيد } قَالَ بَنُو حَنِيفَة مَعَ مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب . 24384 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة أَنَّهُمَا كَانَا يَزِيدَانِ فِيهِ هَوَازِن وَبَنِي حَنِيفَة . وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ تَأْتِ هَذِهِ الْآيَة بَعْد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24385 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة { سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد } لَمْ تَأْتِ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ الرُّوم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24386 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَة , قَالَ : ثَنَا صَفْوَان بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا الْفَرَج بْن مُحَمَّد الْكُلَاعِيّ , عَنْ كَعْب , قَالَ : { أُولِي بَأْس شَدِيد } قَالَ : الرُّوم . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُخَلَّفِينَ مِنْ الْأَعْرَاب أَنَّهُمْ سَيُدْعَوْنَ إِلَى قِتَال قَوْم أُولِي بَأْس فِي الْقِتَال , وَنَجْدَة فِي الْحُرُوب , وَلَمْ يُوضَع لَنَا الدَّلِيل مِنْ خَبَر وَلَا عَقْل عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيّ بِذَلِكَ هَوَازِن , وَلَا بَنُو حَنِيفَة وَلَا فَارِس وَلَا الرُّوم , وَلَا أَعْيَان بِأَعْيَانِهِمْ , وَجَائِز أَنْ يَكُون عُنِيَ بِذَلِكَ بَعْض هَذِهِ الْأَجْنَاس , وَجَائِز أَنْ يَكُون عُنِيَ بِهِمْ غَيْرهمْ , وَلَا قَوْل فِيهِ أَصَحّ مِنْ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّهُمْ سَيُدْعَوْنَ إِلَى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد .

وَقَوْله : { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الْأَعْرَاب تُقَاتِلُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُدْعَوْنَ إِلَى قِتَالهمْ , أَوْ يُسْلِمُونَ مِنْ غَيْر حَرْب وَلَا قِتَال . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي بَعْض الْقِرَاءَات " تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُوا " , وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة وَإِنْ كَانَتْ عَلَى خِلَاف مَصَاحِف أَهْل الْأَمْصَار , وَخِلَافًا لِمَا عَلَيْهِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء , وَغَيْر جَائِز عِنْدِي الْقِرَاءَة بِهَا لِذَلِكَ تَأْوِيل ذَلِكَ : تُقَاتِلُونَهُمْ أَبَدًا إِلَّا أَنْ يُسْلِمُوا , أَوْ حَتَّى يُسْلِمُوا .

وَقَوْله : { فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمْ اللَّه أَجْرًا حَسَنًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره فَإِنْ تُطِيعُوا اللَّه فِي إِجَابَتكُمْ إِيَّاهُ إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى قِتَال هَؤُلَاءِ الْقَوْم الْأُولِي الْبَأْس الشَّدِيد , فَتُجِيبُوا إِلَى قِتَالهمْ وَالْجِهَاد مَعَ الْمُؤْمِنِينَ { يُؤْتِكُمْ اللَّه أَجْرًا حَسَنًا } يَقُول : يُعْطِكُمْ اللَّه عَلَى إِجَابَتكُمْ إِيَّاهُ إِلَى حَرْبهمْ الْجَنَّة , وَهِيَ الْأَجْر الْحَسَن .


يَقُول : وَإِنْ تَعْصُوا رَبّكُمْ فَتُدْبِرُوا عَنْ طَاعَته وَتُخَالِفُوا أَمْره , فَتَتْرُكُوا قِتَال الْأُولِي الْبَأْس الشَّدِيد إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى قِتَالهمْ { كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْل } يَقُول : كَمَا عَصَيْتُمُوهُ فِي أَمْره إِيَّاكُمْ بِالْمَسِيرِ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة , مِنْ قَبْل أَنْ تُدْعَوْا إِلَى قِتَال أُولِي الْبَأْس الشَّدِيد

{ يُعَذِّبكُمْ اللَّه عَذَابًا أَلِيمًا } يَعْنِي : وَجِيعًا , وَذَلِكَ عَذَاب النَّار عَلَى عِصْيَانكُمْ إِيَّاهُ , وَتَرْككُمْ جِهَادهمْ وَقِتَالهمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ .
لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًاسورة الفتح الآية رقم 17
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَج وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَج } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى مِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس ضِيق , وَلَا عَلَى الْأَعْرَج ضِيق , وَلَا عَلَى الْمَرِيض ضِيق أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ الْجِهَاد مَعَ الْمُؤْمِنِينَ , وَشُهُود الْحَرْب مَعَهُمْ إِذَا هُمْ لَقُوا عَدُوّهُمْ , لِلْعِلَلِ الَّتِي بِهِمْ , وَالْأَسْبَاب الَّتِي تَمْنَعهُمْ مِنْ شُهُودهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24387 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَج وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَج } قَالَ : هَذَا كُلّه فِي الْجِهَاد . 24388 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ثُمَّ عَذَرَ اللَّه أَهْل الْعُذْر مِنْ النَّاس , فَقَالَ : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَج وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَج } . 24389 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَج وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَج } قَالَ : فِي الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه . 24390 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج } . .. الْآيَة , يَعْنِي فِي الْقِتَال .


وَقَوْله : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَرَسُوله يُدْخِلهُ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَرَسُوله فَيُجِيب إِلَى حَرْب أَعْدَاء اللَّه مِنْ أَهْل الشِّرْك , وَإِلَى الْقِتَال مَعَ الْمُؤْمِنِينَ اِبْتِغَاء وَجْه اللَّه إِذَا دُعِيَ إِلَى ذَلِكَ , يُدْخِلهُ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار .


يَقُول : وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُوله , فَيَتَخَلَّف عَنْ قِتَال أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ إِذَا دُعِيَ إِلَيْهِ , وَلَمْ يَسْتَجِبْ لِدُعَاءِ اللَّه وَرَسُوله يُعَذِّبهُ عَذَابًا مُوجِعًا , وَذَلِكَ عَذَاب جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة .
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًاسورة الفتح الآية رقم 18
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّه عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَك تَحْت الشَّجَرَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ رَضِيَ اللَّه يَا مُحَمَّد عَنْ الْمُؤْمِنِينَ { إِذْ يُبَايِعُونَك تَحْت الشَّجَرَة } يَعْنِي بَيْعَة أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُول اللَّه بِالْحُدَيْبِيَةِ حِين بَايَعُوهُ عَلَى مُنَاجَزَة قُرَيْش الْحَرْب , وَعَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا , وَلَا يُوَلُّوهُمْ الدُّبُر تَحْت الشَّجَرَة , وَكَانَتْ بَيْعَتهمْ إِيَّاهُ هُنَالِكَ فِيمَا ذُكِرَ تَحْت شَجَرَة . وَكَانَ سَبَب هَذِهِ الْبَيْعَة مَا قِيلَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَرْسَلَ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِرِسَالَتِهِ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ قُرَيْش , فَأَبْطَأَ عُثْمَان عَلَيْهِ بَعْض الْإِبْطَاء , فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ , فَدَعَا أَصْحَابه إِلَى تَجْدِيد الْبَيْعَة عَلَى حَرْبهمْ عَلَى مَا وَصَفْت , فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ , وَهَذِهِ الْبَيْعَة الَّتِي تُسَمَّى بَيْعَة الرِّضْوَان , وَكَانَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ هَذِهِ الْبَيْعَة فِيمَا ذُكِرَ فِي قَوْل بَعْضهمْ : أَلْفًا وَأَرْبَع مِائَة , وَفِي قَوْل بَعْضهمْ : أَلْفًا وَخَمْس مِائَة , وَفِي قَوْل بَعْضهمْ : أَلْفًا وَثَلَاث مِائَة . ذِكْر الرِّوَايَة بِمَا وَصَفْنَا مِنْ سَبَب هَذِهِ الْبَيْعَة : 24391 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنِي بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا خِرَاش بْن أُمَيَّة الْخُزَاعِيّ , فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْش بِمَكَّة , وَحَمَلَهُ عَلَى جَمَل لَهُ يُقَال لَهُ الثَّعْلَب , لِيَبْلُغ أَشْرَافهمْ عَنْهُ مَا جَاءَ لَهُ , وَذَلِكَ حِين نَزَلَ الْحُدَيْبِيَة , فَعَقَرُوا بِهِ جَمَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَرَادُوا قَتْله , فَمَنَعَهُ الْأَحَابِيش فَخَلَّوْا سَبِيله , حَتَّى أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 24392 - قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : فَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِم , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عُمَر بْن الْخَطَّاب لِيَبْعَثهُ إِلَى مَكَّة , فَيُبَلِّغ عَنْهُ أَشْرَاف قُرَيْش مَا جَاءَ لَهُ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَخَاف قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي , وَلَيْسَ بِمَكَّة مِنْ بَنِي عَدِيّ بْن كَعْب أَحَد يَمْنَعنِي , وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْش عَدَاوَتِي إِيَّاهَا , وَغِلْظَتِي عَلَيْهِمْ , وَلَكِنِّي أَدُلّك عَلَى رَجُل هُوَ أَعَزّ بِهَا مِنِّي عُثْمَان بْن عَفَّان , فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَان , فَبَعَثَهُ إِلَى أَبِي سُفْيَان وَأَشْرَاف قُرَيْش يُخْبِرهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبٍ , وَإِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْت , مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ , فَخَرَجَ عُثْمَان إِلَى مَكَّة , فَلَقِيَهُ أَبَان بْن سَعِيد بْن الْعَاص حِين دَخَلَ مَكَّة أَوْ قَبْل أَنْ يَدْخُلهَا , فَنَزَلَ عَنْ دَابَّته , فَحَمَلَهُ بَيْن يَدَيْهِ , ثُمَّ رَدَفَهُ وَأَجَارَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَانْطَلَقَ عُثْمَان حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَان وَعُظَمَاء قُرَيْش , فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ , فَقَالُوا لِعُثْمَان حِين فَرَغَ مِنْ رِسَالَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ شِئْت أَنْ تَطُوف بِالْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ , قَالَ : مَا كُنْت لِأَفْعَل حَتَّى يَطُوف بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْش عِنْدهَا , فَبَلَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّ عُثْمَان قَدْ قُتِلَ . 24393 - قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : فَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّه ابْن أَبِي بَكْر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَان قَدْ قُتِلَ , قَالَ : " لَا نَبْرَح حَتَّى نُنَاجِز الْقَوْم " , وَدَعَا النَّاس إِلَى الْبَيْعَة , فَكَانَتْ بَيْعَة الرِّضْوَان تَحْت الشَّجَرَة , فَكَانَ النَّاس يَقُولُونَ : بَايَعَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَوْت فَكَانَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَايِعنَا عَلَى الْمَوْت , وَلَكِنَّهُ بَايَعَنَا عَلَى أَنْ لَا نَفِرّ , فَبَايَعَ رَسُول اللَّه النَّاس , وَلَمْ يَتَخَلَّف عَنْهُ أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا إِلَّا الْجَدّ بْن قَيْس أَخُو بَنِي سَلَمَة , كَانَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : لَكَأَنِّي أَنْظُر إِلَيْهِ لَاصِقًا بِإِبِطِ نَاقَته , قَدْ اِخْتَبَأَ إِلَيْهَا , يَسْتَتِر بِهَا مِنْ النَّاس , ثُمَّ أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْر عُثْمَان بَاطِل . 24394 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ إِيَاس بْن سَلَمَة , قَالَ : قَالَ سَلَمَة : بَيْنَمَا نَحْنُ قَائِلُونَ زَمَن الْحُدَيْبِيَة , نَادَى مُنَادِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيّهَا النَّاس الْبَيْعَة الْبَيْعَة , نَزَلَ رُوح الْقُدُس صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , قَالَ : فَثُرْنَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ تَحْت شَجَرَة سَمُرَة , قَالَ : فَبَايَعْنَاهُ , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّه عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَك تَحْت الشَّجَرَة } . 24395 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان الْيَشْكُرِيّ , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ عَامِر , قَالَ : كَانَ أَوَّل مَنْ بَايَعَ بَيْعَة الرِّضْوَان رَجُل مِنْ بَنِي أَسَد يُقَال لَهُ أَبُو سِنَان ابْن وَهْب . 24396 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن حَمَّاد , قَالَ : ثَنَا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : كَانَ جَدِّي يُقَال لَهُ حَزْن , وَكَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْت الشَّجَرَة , فَأَتَيْنَاهَا مِنْ قَابِل , فَعُمِّيَتْ عَلَيْنَا . 24397 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن حَمَّاد , قَالَ : ثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ بُكَيْر بْن الْأَشَجّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّاس بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَوْت , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَعَلَى مَا اِسْتَطَعْتُمْ " . وَالشَّجَرَة الَّتِي بُويِعَ تَحْتهَا بِفَجٍّ نَحْو مَكَّة , وَزَعَمُوا أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَرَّ بِذَلِكَ الْمَكَان بَعْد أَنْ ذَهَبَتْ الشَّجَرَة , فَقَالَ : أَيْنَ كَانَتْ , فَجَعَلَ بَعْضهمْ يَقُول هُنَا , وَبَعْضهمْ يَقُول : هَهُنَا , فَلَمَّا كَثُرَ اِخْتِلَافهمْ قَالَ : سِيرُوا هَذَا التَّكَلُّف فَذَهَبَتْ الشَّجَرَة وَكَانَتْ سَمُرَة إِمَّا ذَهَبَ بِهَا سَيْل , وَإِمَّا شَيْء سِوَى ذَلِكَ . ذِكْر عَدَد الَّذِينَ بَايَعُوا هَذِهِ الْبَيْعَة : وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي عَدَدهمْ , وَنَذْكُر الرِّوَايَات عَنْ قَائِلِي الْمَقَالَات الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . ذِكْر مَنْ قَالَ : عَدَدهمْ أَلْف وَأَرْبَع مِائَة : 24398 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر , قَالَ : كُنَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَلْفًا وَأَرْبَع مِائَة , فَبَايَعْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا نَفِرّ , وَلَمْ نُبَايِعهُ عَلَى الْمَوْت , قَالَ : فَبَايَعْنَاهُ كُلّنَا إِلَّا الْجَدّ بْن قَيْس اِخْتَبَأَ تَحْت إِبِط نَاقَته . 24399 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , أَخْبَرَنِي الْقَاسِم بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه " أَنَّهُمْ كَانُوا يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَرْبَع عَشْرَة مِائَة , فَبَايَعْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَر آخِذ بِيَدِهِ تَحْت الشَّجَرَة , وَهِيَ سَمُرَة , فَبَايَعْنَا غَيْر الْجَدّ بْن قَيْس الْأَنْصَارِيّ , اِخْتَبَأَ تَحْت إِبِط بَعِيره , قَالَ جَابِر : بَايَعْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا نَفِرّ وَلَمْ نُبَايِعهُ عَلَى الْمَوْت " . * - حَدَّثَنَا يُوسُف بْن مُوسَى الْقَطَّان , قَالَ : ثَنَا هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك وَسَعِيد بْن شُرَحْبِيل الْمِصْرِيّ , قَالَا : ثَنَا لَيْث بْن سَعْد الْمِصْرِيّ قَالَ : ثَنَا أَبُو الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر , قَالَ : كُنَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَلْفًا وَأَرْبَع مِائَة , فَبَايَعْنَاهُ وَعُمَر آخِذ بِيَدِهِ تَحْت الشَّجَرَة وَهِيَ سَمُرَة , فَبَايَعْنَاهُ لِي أَنْ لَا نَفِرّ , وَلَمْ نُبَايِعهُ عَلَى الْمَوْت , يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 24400 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إِنَّ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : إِنَّ أَصْحَاب الشَّجَرَة كَانُوا أَلْفًا وَخَمْس مِائَة , قَالَ سَعِيد : نَسِيَ جَابِر هُوَ قَالَ لِي كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَع مِائَة . * -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر قَالَ : كُنَّا أَصْحَاب الْحُدَيْبِيَة أَرْبَع عَشْرَة مِائَة . ذِكْر مَنْ قَالَ : كَانَ عِدَّتهمْ أَلْفًا وَخَمْس مِائَة وَخَمْسَة وَعِشْرِينَ : 24401 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { لَقَدْ رَضِيَ اللَّه عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَك تَحْت الشَّجَرَة } قَالَ : كَانَ أَهْل الْبَيْعَة تَحْت الشَّجَرَة أَلْفًا وَخَمْس مِائَة وَخَمْسَة وَعِشْرِينَ . 24402 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْت الشَّجَرَة , فَجُعِلَتْ لَهُمْ مَغَانِم خَيْبَر كَانُوا يَوْمئِذٍ خَمْس عَشْرَة مِائَة , وَبَايَعُوا عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا عَنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ : كَانُوا أَلْفًا وَثَلَاث مِائَة : 24403 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه ابْن أَبِي أَوْفَى يَقُول : كَانُوا يَوْم الشَّجَرَة أَلْفًا وَثَلَاث مِائَة , وَكَانَتْ أَسْلَم يَوْمئِذٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ .

وَقَوْله : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَعَلِمَ رَبّك يَا مُحَمَّد مَا فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابك إِذْ يُبَايِعُونَك تَحْت الشَّجَرَة , مِنْ صِدْق النِّيَّة , وَالْوَفَاء بِمَا يُبَايِعُونَك عَلَيْهِ , وَالصَّبْر مَعَك

يَقُول : فَأَنْزَلَ الطُّمَأْنِينَة , وَالثَّبَات عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ دِينهمْ وَحُسْن بَصِيرَتهمْ بِالْحَقِّ الَّذِي هَدَاهُمْ اللَّه لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24404 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبهمْ , فَأَنْزَلَ السَّكِينَة عَلَيْهِمْ } : أَيْ الصَّبْر وَالْوَقَار .

وَقَوْله : { وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } يَقُول : وَعَوَّضَهُمْ فِي الْعَاجِل مِمَّا رَجَوْا الظَّفَر بِهِ مِنْ غَنَائِم أَهْل مَكَّة بِقِتَالِهِمْ أَهْلهَا فَتْحًا قَرِيبًا , وَذَلِكَ فِيمَا قِيلَ : فَتْح خَيْبَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24405 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى { وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } قَالَ : خَيْبَر . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } وَهِيَ خَيْبَر . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهَا خَيْبَر .
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًاسورة الفتح الآية رقم 19
وَقَوْله : { وَمَغَانِم كَثِيرَة يَأْخُذُونَهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَثَابَ اللَّه هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْت الشَّجَرَة , مَعَ مَا أَكْرَمَهُمْ بِهِ مِنْ رِضَاهُ عَنْهُمْ , وَإِنْزَاله السَّكِينَة عَلَيْهِمْ , وَإِثَابَته إِيَّاهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا , مَعَهُ مَغَانِم كَثِيرَة يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَمْوَال يَهُود خَيْبَر , فَإِنَّ اللَّه جَعَلَ ذَلِكَ خَاصَّة لِأَهْلِ بَيْعَة الرِّضْوَان دُون غَيْرهمْ .


وَقَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا } يَقُول : وَكَانَ اللَّه ذَا عِزَّة فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ اِنْتَقَمَ مِنْ أَعْدَائِهِ , حَكِيمًا فِي تَدْبِيره خَلْقه وَتَصْرِيفه إِيَّاهُمْ فِيمَا شَاءَ مِنْ قَضَائِهِ .
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًاسورة الفتح الآية رقم 20
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَدَكُمْ اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة تَأْخُذُونَهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِأَهْلِ بَيْعَة الرِّضْوَان : { وَعَدَكُمْ اللَّه } أَيّهَا الْقَوْم { مَغَانِم كَثِيرَة تَأْخُذُونَهَا } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَذِهِ الْمَغَانِم الَّتِي ذَكَرَ اللَّه أَنَّهُ وَعَدَهَا هَؤُلَاءِ الْقَوْم أَيْ الْمَغَانِم هِيَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ كُلّ مَغْنَم غَنَّمَهَا اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَمْوَال أَهْل الشِّرْك مِنْ لَدُنْ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَة عَلَى لِسَان نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَعَدَكُمْ اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة تَأْخُذُونَهَا } قَالَ : الْمَغَانِم الْكَثِيرَة الَّتِي وُعِدُوا : مَا يَأْخُذُونَهَا إِلَى الْيَوْم . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَحْتَمِل الْكَلَام أَنْ يَكُون مُرَادًا بِالْمَغَانِمِ الثَّانِيَة الْمَغَانِم الْأُولَى , وَيَكُون مَعْنَاهُ عِنْد ذَلِكَ , فَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا , وَمَغَانِم كَثِيرَة يَأْخُذُونَهَا , وَعَدَكُمْ اللَّه أَيّهَا الْقَوْم هَذِهِ الْمَغَانِم الَّتِي تَأْخُذُونَهَا , وَأَنْتُمْ إِلَيْهَا وَاصِلُونَ عِدَّة , فَجَعَلَ لَكُمْ الْفَتْح الْقَرِيب مِنْ فَتْح خَيْبَر . وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون الثَّانِيَة غَيْر الْأُولَى , وَتَكُون الْأُولَى مِنْ غَنَائِم خَيْبَر , وَالْغَنَائِم الثَّانِيَة الَّتِي وَعَدَهُمُوهَا مِنْ غَنَائِم سَائِر أَهْل الشِّرْك سِوَاهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : هَذِهِ الْمَغَانِم الَّتِي وَعَدَ اللَّه هَؤُلَاءِ الْقَوْم هِيَ مَغَانِم خَيْبَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24407 - يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَعَدَكُمْ اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة تَأْخُذُونَهَا } قَالَ : يَوْم خَيْبَر , قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُول ذَلِكَ .

وَقَوْله : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّتِي عُجِّلَتْ لَهُمْ , فَقَالَ جَمَاعَة : غَنَائِم خَيْبَر وَالْمُؤَخَّرَة سَائِر فُتُوح الْمُسْلِمِينَ بَعْد ذَلِكَ الْوَقْت إِلَى قِيَام السَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24408 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } قَالَ : عَجَّلَ لَكُمْ خَيْبَر . 24409 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } وَهِيَ خَيْبَر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الصُّلْح الَّذِي كَانَ بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن قُرَيْش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24410 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } قَالَ : الصُّلْح . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ مُجَاهِد , وَهُوَ أَنَّ الَّذِي أَثَابَهُمْ اللَّه مِنْ مَسِيرهمْ ذَلِكَ مَعَ الْفَتْح الْقَرِيب الْمَغَانِم الْكَثِيرَة مِنْ مَغَانِم خَيْبَر , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَغْنَمُوا بَعْد الْحُدَيْبِيَة غَنِيمَة , وَلَمْ يَفْتَحُوا فَتْحًا أَقْرَب مِنْ بَيْعَتهمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ إِلَيْهَا مِنْ فَتْح خَيْبَر وَغَنَائِمهَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَعَدَكُمْ اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة } فَهِيَ سَائِر الْمَغَانِم الَّتِي غَنَّمَهُمُوهَا اللَّه بَعْد خَيْبَر , كَغَنَائِم هَوَازِن , وَغَطَفَان , وَفَارِس , وَالرُّوم . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ كَذَلِكَ دُون غَنَائِم خَيْبَر ; لِأَنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّهُ عَجَّلَ لَهُمْ هَذِهِ الَّتِي أَثَابَهُمْ مِنْ مَسِيرهمْ الَّذِي سَارُوهُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة , وَلِمَا عَلِمَ مِنْ صِحَّة نِيَّتهمْ فِي قِتَال أَهْلهَا , إِذْ بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا عَنْهُ , وَلَا شَكّ أَنَّ الَّتِي عُجِّلَتْ لَهُمْ غَيْر الَّتِي لَمْ تُعَجَّل لَهُمْ .

وَقَوْله : { وَكَفَّ أَيْدِي النَّاس عَنْكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِأَهْلِ بَيْعَة الرِّضْوَان : وَكَفَّ اللَّه أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ عَنْكُمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ كُفَّتْ أَيْدِيهمْ عَنْهُمْ مَنْ هُمْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ الْيَهُود كَفَّ اللَّه أَيْدِيهمْ عَنْ عِيَال الَّذِينَ سَارُوا مِنْ الْمَدِينَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24411 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَكَفَّ أَيْدِي النَّاس عَنْكُمْ } : عَنْ بُيُوتهمْ , وَعَنْ عِيَالهمْ بِالْمَدِينَةِ حِين سَارُوا إِلَى الْحُدَيْبِيَة وَإِلَى خَيْبَر , وَكَانَتْ خَيْبَر فِي ذَلِكَ الْوَجْه . * -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَكَفَّ أَيْدِي النَّاس عَنْكُمْ } قَالَ : كَفَّ أَيْدِي النَّاس عَنْ عِيَالهمْ بِالْمَدِينَةِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَيْدِي قُرَيْش إِذْ حَبَسَهُمْ اللَّه عَنْهُمْ , فَلَمْ يَقْدِرُوهُ عَلَى مَكْرُوه . وَاَلَّذِي قَالَهُ قَتَادَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة , وَذَلِكَ أَنَّ كَفّ اللَّه أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل مَكَّة عَنْ أَهْل الْحُدَيْبِيَة قَدْ ذَكَرَهُ اللَّه بَعْد هَذِهِ الْآيَة فِي قَوْله : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّة } 48 24 . فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْكَفّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي قَوْله : { وَكَفَّ أَيْدِي النَّاس عَنْكُمْ } غَيْر الْكَفّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه بَعْد هَذِهِ الْآيَة فِي قَوْله : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ , وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّة } .

وَقَوْله : { وَلِتَكُونَ آيَة لِلْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَلِيَكُونَ كَفّه تَعَالَى ذِكْره أَيْدِيهمْ عَنْ عِيَالهمْ آيَة وَعِبْرَة لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ فَيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه هُوَ الْمُتَوَلِّي حِيَاطَتهمْ وَكِلَاءَتهمْ فِي مَشْهَدهمْ وَمَغِيبهمْ , وَيَتَّقُوا اللَّه فِي أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ وَأَهْلِيهِمْ بِالْحِفْظِ وَحُسْن الْوِلَايَة مَا كَانُوا مُقِيمِينَ عَلَى طَاعَته , مُنْتَهِينَ إِلَى أَمْره وَنَهْيه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24412 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَلِتَكُونَ آيَة لِلْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَذَلِكَ آيَة لِلْمُؤْمِنِينَ , كَفَّ أَيْدِي النَّاس عَنْ عِيَالهمْ

{ وَيَهْدِيكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } يَقُول : وَيُسَدِّدكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ طَرِيقًا وَاضِحًا لَا اِعْوِجَاج فِيهِ , فَيُبَيِّنهُ لَكُمْ , وَهُوَ أَنْ تَثِقُوا فِي أُمُوركُمْ كُلّهَا بِرَبِّكُمْ , فَتَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ فِي جَمِيعهَا , لِيُحَوِّطكُمْ حِيَاطَته إِيَّاكُمْ فِي مَسِيركُمْ إِلَى مَكَّة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْفُسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ وَأَمْوَالكُمْ , فَقَدْ رَأَيْتُمْ أَثَر فِعْل اللَّه بِكُمْ , إِذْ وَثِقْتُمْ فِي مَسِيركُمْ هَذَا .
وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًاسورة الفتح الآية رقم 21
وَقَوْله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره وَوَعَدَكُمْ أَيّهَا الْقَوْم رَبّكُمْ فَتْح بَلْدَة أُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى فَتْحهَا , قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا لَكُمْ حَتَّى يَفْتَحهَا لَكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَذِهِ الْبَلْدَة الْأُخْرَى , وَالْقَرْيَة الْأُخْرَى الَّتِي وَعَدَهُمْ فَتْحهَا , الَّتِي أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مُحِيط بِهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ أَرْض فَارِس وَالرُّوم , وَمَا يَفْتَحهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْبِلَاد إِلَى قِيَام السَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24413 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك الْحَنَفِيّ , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } فَارِس وَالرُّوم . 24414 - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } قَالَ : فَارِس وَالرُّوم . * - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن حُبَاب , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة بْن الْحَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ابْن أَبِي لَيْلَى مِثْله . 24415 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا } قَالَ : حُدِّثَ عَنْ الْحَسَن , قَالَ : هِيَ فَارِس وَالرُّوم . 24416 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن . قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } مَا فَتَحُوا حَتَّى الْيَوْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ابْن أَبِي لَيْلَى , فِي قَوْله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } قَالَ : فَارِس وَالرُّوم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ خَيْبَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24417 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } . .. الْآيَة , قَالَ : هِيَ خَيْبَر . 24418 -حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , يَقُول فِي قَوْله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا } يَعْنِي خَيْبَر , بَعَثَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ , فَقَالَ : " وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَغُلُّوا , وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا " . 24419 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا } قَالَ : خَيْبَر , قَالَ : لَمْ يَكُونُوا يَذْكُرُونَهَا وَلَا يَرْجُونَهَا حَتَّى أَخْبَرَهُمْ اللَّه بِهَا . 24420 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } يَعْنِي أَهْل خَيْبَر. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ مَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24421 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا } كُنَّا نُحَدَّث أَنَّهَا مَكَّة . * - اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّهَا مَكَّة. وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة أَشْبَه بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه أَخْبَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْت الشَّجَرَة , أَنَّهُ مُحِيط بِقَرْيَةٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا , وَمَعْقُول أَنَّهُ لَا يُقَال لِقَوْمٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى هَذِهِ الْمَدِينَة , إِلَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ رَامُوهَا فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمْ , فَأَمَّا وَهُمْ لَمْ يَرُومُوهَا فَتَتَعَذَّر عَلَيْهِمْ فَلَا يُقَال : إِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصِد قَبْل نُزُول هَذِهِ الْآيَة عَلَيْهِ خَيْبَر لِحَرْبٍ , وَلَا وَجْه إِلَيْهَا لِقِتَالِ أَهْلهَا جَيْشًا وَلَا سَرِيَّة , عُلِمَ أَنَّ الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } غَيْرهَا , وَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَدْ عَالَجَهَا وَرَامَهَا , فَتَعَذَّرَتْ فَكَانَتْ مَكَّة وَأَهْلهَا كَذَلِكَ , وَأَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ أَحَاطَ بِهَا وَبِأَهْلِهَا , وَأَنَّهُ فَاتِحهَا عَلَيْهِمْ , وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ مَا يَشَاء مِنْ الْأَشْيَاء ذَا قُدْرَة , لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ شَيْء شَاءَهُ .
وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًاسورة الفتح الآية رقم 22
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الْأَدْبَار ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَهْل بَيْعَة الرِّضْوَان : { وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } بِاَللَّهِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمَكَّة { لَوَلَّوْا الْأَدْبَار } يَقُول : لَانْهَزَمُوا عَنْكُمْ , فَوَلَّوْكُمْ أَعْجَازهمْ , وَكَذَلِكَ يَفْعَل الْمُنْهَزِم مِنْ قِرْنه فِي الْحَرْب { ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } يَقُول : ثُمَّ لَا يَجِد هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الْمُنْهَزِمُونَ عَنْكُمْ , الْمُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَار , وَلِيًّا يُوَالِيهِمْ عَلَى حَرْبكُمْ , وَلَا نَصِيرًا يَنْصُرهُمْ عَلَيْكُمْ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره مَعَكُمْ , وَلَنْ يَغْلِب حِزْب اللَّه نَاصِره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24422 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الْأَدْبَار } يَعْنِي كُفَّار قُرَيْش , قَالَ اللَّه : { ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } يَنْصُرهُمْ مِنْ اللَّه .
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاسورة الفتح الآية رقم 23
وَقَوْله : { سُنَّة اللَّه الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَوْ قَاتَلَكُمْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ قُرَيْش , لَخَذَلَهُمْ اللَّه حَتَّى يَهْزِمهُمْ عَنْكُمْ خِذْلَانه أَمْثَالهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ , الَّذِينَ قَاتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ مِنْ الْأُمَم الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلهمْ . وَأَخْرَجَ قَوْله : { سُنَّة اللَّه } نَصْبًا مِنْ غَيْر لَفْظه , وَذَلِكَ أَنَّ فِي قَوْله : { لَوَلَّوْا الْأَدْبَار مَضَوْا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } مَعْنَى سَنَنْت فِيهِمْ الْهَزِيمَة وَالْخِذْلَان , فَلِذَلِكَ قِيلَ : { سُنَّة اللَّه } مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَى الْكَلَام لَا مِنْ لَفْظه , وَقَدْ يَجُوز أَنْ تَكُون تَفْسِيرًا لِمَا قَبْلهَا مِنْ الْكَلَام .

وَقَوْله : { وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه تَبْدِيلًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَنْ تَجِد يَا مُحَمَّد لِسُنَّةِ اللَّه الَّتِي سَنَّهَا فِي خَلْقه تَغْيِيرًا , بَلْ ذَلِكَ دَائِم لِلْإِحْسَانِ جَزَاؤُهُ مِنْ الْإِحْسَان , وَلِلْإِسَاءَةِ وَالْكُفْر الْعِقَاب وَالنَّكَال
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًاسورة الفتح الآية رقم 24
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّة مِنْ بَعْد أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاَلَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَة الرِّضْوَان , { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ } يَعْنِي أَنَّ اللَّه كَفَّ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا خَرَجُوا عَلَى عَسْكَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِالْحُدَيْبِيَةِ يَلْتَمِسُونَ غِرَّتهمْ لِيُصِيبُوا مِنْهُمْ , فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِهِمْ أَسْرَى , فَخَلَّى عَنْهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَنَّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَقْتُلهُمْ فَقَالَ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ : وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَنْكُمْ , وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّة , مِنْ بَعْد أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتْ الْآثَار ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 24423 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَقُول : أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , قَالَ : ثَنِي ثَابِت الْبُنَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا فِي أَصْل شَجَرَة بِالْحُدَيْبِيَةِ , وَعَلَى ظَهْره غُصْن مِنْ أَغْصَان الشَّجَرَة فَرَفَعْتهَا عَنْ ظَهْره , وَعَلِيّ ابْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَيْن يَدَيْهِ وَسُهَيْل بْن عَمْرو , وَهُوَ صَاحِب الْمُشْرِكِينَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ : " اُكْتُبْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " , فَأَمْسَكَ سُهَيْل بِيَدِهِ , فَقَالَ : مَا نَعْرِف الرَّحْمَن , اُكْتُبْ فِي قَضِيَّتنَا مَا نَعْرِف . فَقَالَ رَسُول اللَّه : " اُكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ " , فَكَتَبَ , فَقَالَ : " هَذَا مَا صَالَحَ مُحَمَّد رَسُول اللَّه أَهْل مَكَّة " , فَأَمْسَكَ سُهَيْل بِيَدِهِ , فَقَالَ : لَقَدْ ظَلَمْنَاك إِنْ كُنْت رَسُولًا , اُكْتُبْ فِي قَضِيَّتنَا مَا نَعْرِف قَالَ : " وَاكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْمُطَّلِب وَأَنَا رَسُول اللَّه " , فَخَرَجَ عَلَيْنَا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِمْ السِّلَاح , فَثَارُوا فِي وُجُوهنَا , فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخَذَ اللَّه بِأَبْصَارِهِمْ , فَقُمْنَا إِلَيْهِمْ فَأَخَذْنَاهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلْ خَرَجْتُمْ فِي أَمَان أَحَد " , قَالَ : فَخَلَّى عَنْهُمْ , قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّة مِنْ بَعْد أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } . * -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ ثَابِت , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل , قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَصْل الشَّجَرَة الَّتِي قَالَ اللَّه فِي الْقُرْآن , وَكَانَ غُصْن مِنْ أَغْصَان تِلْكَ الشَّجَرَة عَلَى ظَهْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَفَعْته عَنْ ظَهْره , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث مُحَمَّد بْن عَلِيّ , عَنْ أَبِيهِ . 24424 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق قَالَ : ثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِم - عَنْ عِكْرِمَة , مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , أَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا بَعَثُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَوْ خَمْسِينَ , وَأَمَرُوهُمْ أَنْ يُطِيفُوا بِعَسْكَرِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِيُصِيبُوا مِنْ أَصْحَابه أَحَدًا , فَأَخَذُوا أَخْذًا , فَأُتِيَ بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَخَلَّى سَبِيلهمْ , وَقَدْ كَانُوا رُمُوا فِي عَسْكَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَارَةِ وَالنَّبْل . قَالَ اِبْن حُمَيْد , قَالَ سَلَمَة , قَالَ اِبْن إِسْحَاق : فَفِي ذَلِكَ قَالَ : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ } . .. الْآيَة . 24425 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَقْبَلَ مُعْتَمِرًا نَبِيّ اللَّه , فَأَخَذَ أَصْحَابه نَاسًا مِنْ أَهْل الْحَرَم غَافِلِينَ , فَأَرْسَلَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَلِكَ الْإِظْفَار بِبَطْنِ مَكَّة . 24426 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه اِبْن عَائِشَة , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ ثَابِت , عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْل مَكَّة , هَبَطُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِنْ جَبَل التَّنْعِيم عِنْد صَلَاة الْفَجْر لِيَقْتُلُوهُمْ , فَأَخَذَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهُمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ } ... إِلَى آخِر الْآيَة . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 24427 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ } . .. الْآيَة , قَالَ : بَطْن مَكَّة الْحُدَيْبِيَة يُقَال لَهُ رُهْم : اِطَّلَعَ الثَّنِيَّة مِنْ الْحُدَيْبِيَة , فَرَمَاهُ الْمُشْرِكُونَ بِسَهْمٍ فَقَتَلُوهُ , فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا , فَأَتَوْهُ بِاثْنَيْ عَشَر فَارِسًا مِنْ الْكُفَّار , فَقَالَ لَهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلْ لَكُمْ عَلَيَّ عَهْد ؟ هَلْ لَكُمْ عَلَيَّ ذِمَّة " , قَالُوا : لَا فَأَرْسَلَهُمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ الْقُرْآن { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ } . .. إِلَى قَوْله : { بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا } . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 24428 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر , عَنْ اِبْن أَبْزَى , قَالَ : لَمَّا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَدْيِ , وَانْتَهَى إِلَى ذِي الْحُلَيْفَة , قَالَ لَهُ عُمَر : يَا نَبِيّ اللَّه , تَدْخُل عَلَى قَوْم لَك حَرْب بِغَيْرِ سِلَاح وَلَا كُرَاع , قَالَ : فَبَعَثَ إِلَى الْمَدِينَة فَلَمْ يَدَع بِهَا كُرَاعًا وَلَا سِلَاحًا إِلَّا حَمَلَهُ ; فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَكَّة مَنَعُوهُ أَنْ يَدْخُل , فَسَارَ حَتَّى أَتَى مِنًى , فَنَزَلَ بِمِنًى , فَأَتَاهُ عَيْنه أَنَّ عِكْرِمَة ابْن أَبِي جَهْل قَدْ خَرَجَ عَلَيْنَا فِي خَمْس مِائَة , فَقَالَ لِخَالِدِ بْن الْوَلِيد : " يَا خَالِد هَذَا اِبْن عَمّك قَدْ أَتَاك فِي الْخَيْل " , فَقَالَ خَالِد : أَنَا سَيْف اللَّه وَسَيْف رَسُوله , فَيَوْمئِذٍ سُمِّيَ سَيْف اللَّه , يَا رَسُول اللَّه , اِرْمِ بِي حَيْثُ شِئْت , فَبَعَثَهُ عَلَى خَيْل , فَلَقِيَ عِكْرِمَة فِي الشِّعْب فَهَزَمَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَان مَكَّة , ثُمَّ عَادَ فِي الثَّانِيَة فَهَزَمَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَان مَكَّة , ثُمَّ عَادَ فِي الثَّالِثَة حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَان مَكَّة , فَأَنْزَلَ اللَّه { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ } . .. إِلَى قَوْله { عَذَابًا أَلِيمًا } قَالَ : فَكَفَّ اللَّه النَّبِيّ عَنْهُمْ مِنْ بَعْد أَنْ أَظْفَرَهُ عَلَيْهِمْ لِبَقَايَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا بَقُوا فِيهَا مِنْ بَعْد أَنْ أَظْفَرَهُ عَلَيْهِمْ كَرَاهِيَة أَنْ تَطَأهُمْ الْخَيْل بِغَيْرِ عِلْم .

وَقَوْله : { وَكَانَ اللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ اللَّه بِأَعْمَالِكُمْ وَأَعْمَالهمْ بَصِيرًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء .
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًاسورة الفتح الآية رقم 25
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْهَدْي مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش هُمْ الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه , وَصَدُّوكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ عَنْ دُخُول الْمَسْجِد الْحَرَام , وَصَدُّوا الْهَدْي مَعْكُوفًا : يَقُول : مَحْبُوسًا عَنْ أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه . فَمَوْضِع " أَنْ " نَصْب لِتَعَلُّقِهِ إِنْ شِئْت بِمَعْكُوفٍ , وَإِنْ شِئْت بِصَدُّوا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول فِي ذَلِكَ : وَصَدُّوا الْهَدْي مَعْكُوفًا كَرَاهِيَة أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه . وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه } أَنْ يَبْلُغ مَحِلّ نَحْره , وَذَلِكَ دُخُول الْحَرَم , وَالْمَوْضِع الَّذِي إِذَا صَارَ إِلَيْهِ حَلَّ نَحْره , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَ مَعَهُ حِين خَرَجَ إِلَى مَكَّة فِي سَفَرَته تِلْكَ سَبْعِينَ بَدَنَة . 24429 -اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَنْ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة وَمَرْوَان بْن الْحَكَم أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ , قَالَا : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْحُدَيْبِيَة يُرِيد زِيَارَة الْبَيْت , لَا يُرِيد قِتَالًا , وَسَاقَ الْهَدْي مَعَهُ سَبْعِينَ بَدَنَة وَكَانَ النَّاس سَبْع مِائَة رَجُل , فَكَانَتْ كُلّ بَدَنَة عَنْ عَشْرَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَالْهَدْي مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24430 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْهَدْي مَعْكُوفًا } : أَيْ مَحْبُوسًا { أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه } وَأَقْبَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مُعْتَمِرِينَ فِي ذِي الْقَعْدَة , وَمَعَهُمْ الْهَدْي , حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ , صَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ , فَصَالَحَهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَرْجِع مِنْ عَامه ذَلِكَ , ثُمَّ يَرْجِع مِنْ الْعَام الْمُقْبِل , فَيَكُون بِمَكَّة ثَلَاث لَيَالٍ , وَلَا يَدْخُلهَا إِلَّا بِسِلَاحِ الرَّاكِب , وَلَا يَخْرُج بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلهَا , فَنَحَرُوا الْهَدْي , وَحَلَقُوا , وَقَصَّرُوا , حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ الْعَام الْمُقْبِل , أَقْبَلَ نَبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه حَتَّى دَخَلُوا مَكَّة مُعْتَمِرِينَ فِي ذِي الْقَعْدَة , فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاث لَيَالٍ , وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ فَجَرُوا عَلَيْهِ حِين رَدُّوهُ , فَأَقَصَّهُ اللَّه مِنْهُمْ فَأَدْخَلَهُ مَكَّة فِي ذَلِكَ الشَّهْر الَّذِي كَانُوا رَدُّوهُ فِيهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } 2 194 24431 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ وَأَحْمَد بْن مَنْصُور الرَّمَادِيّ , وَاللَّفْظ لِابْنِ عُمَارَة , قَالَا : حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ إِيَاس بْن سَلَمَة بْن الْأَكْوَع , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : بَعَثَتْ قُرَيْش سُهَيْل بْن عَمْرو , وَحُوَيْطِب بْن عَبْد الْعُزَّى , وَحَفْص بْن فُلَان إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَالِحُوهُ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سُهَيْل بْن عَمْرو , قَالَ : " قَدْ سَهَّلَ اللَّه لَكُمْ مِنْ أَمْركُمْ , الْقَوْم مَاتُّونَ إِلَيْكُمْ بِأَرْحَامِهِمْ وَسَائِلُوكُمْ الصُّلْح , فَابْعَثُوا الْهَدْي , وَأَظْهِرُوا التَّلْبِيَة , لَعَلَّ ذَلِكَ يُلِين قُلُوبهمْ " , فَلَبَّوْا مِنْ نَوَاحِي الْعَسْكَر حَتَّى اِرْتَجَّتْ أَصْوَاتهمْ بِالتَّلْبِيَةِ , فَجَاءُوا فَسَأَلُوهُ الصُّلْح ; قَالَ : فَبَيْنَمَا النَّاس قَدْ تَوَادَعُوا وَفِي الْمُسْلِمِينَ نَاس مِنْ الْمُشْرِكِينَ , قَالَ : فَقِيلَ بِهِ أَبُو سُفْيَان ; قَالَ : وَإِذَا الْوَادِي يَسِيل بِالرِّجَالِ ; قَالَ : قَالَ إِيَاس , قَالَ سَلَمَة : فَجِئْت بِسِتَّةٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُتَسَلِّحِينَ أَسُوقهُمْ , لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا , فَأَتَيْت بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَسْلُب وَلَمْ يَقْتُل وَعَفَا ; قَالَ : فَشَدَدْنَا عَلَى مَنْ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ مِنَّا , فَمَا تَرَكْنَا فِي أَيْدِيهمْ مِنَّا رَجُلًا إِلَّا اِسْتَنْقَذْنَاهُ ; قَالَ : وَغَلَبْنَا عَلَى مَنْ فِي أَيْدِينَا مِنْهُمْ ; ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا سُهَيْل بْن عَمْرو , وَحُوَيْطِبًا , فَوَلَّوْا صُلْحهمْ , وَبَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا مُحَمَّد فِي صُلْحه ; فَكَتَبَ عَلِيّ بَيْنهمْ : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا , صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا إِهْلَال وَلَا اِمْتِلَال , وَعَلَى أَنَّهُ مَنْ قَدِمَ مَكَّة مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا , أَوْ يَبْتَغِي مِنْ فَضْل اللَّه , فَهُوَ آمِن عَلَى دَمه وَمَاله ; وَمَنْ قَدِمَ الْمَدِينَة مِنْ قُرَيْش مُجْتَازًا إِلَى مِصْر أَوْ إِلَى الشَّام يَبْتَغِي مِنْ فَضْل اللَّه , فَهُوَ آمِن عَلَى دَمه وَمَاله ; وَعَلَى أَنَّهُ مَنْ جَاءَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْش فَهُوَ إِلَيْهِمْ رَدّ , وَمَنْ جَاءَهُمْ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد فَهُوَ لَهُمْ . فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ جَاءَهُمْ مِنَّا فَأَبْعَدَهُ اللَّه , وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ فَرَدَدْنَاهُ إِلَيْهِمْ فَعَلِمَ اللَّه الْإِسْلَام مِنْ نَفْسه , جَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا " . فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَمِر فِي عَام قَابِل فِي هَذَا الشَّهْر , لَا يَدْخُل عَلَيْنَا بِخَيْلٍ وَلَا سِلَاح , إِلَّا مَا يَحْمِل الْمُسَافِر فِي قِرَابه , يَثْوِي فِينَا ثَلَاث لَيَالٍ , وَعَلَى أَنَّ هَذَا الْهَدْي حَيْثُمَا حَبَسْنَاهُ مَحِلّه لَا يُقَدِّمهُ عَلَيْنَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَحْنُ نَسُوقهُ وَأَنْتُمْ تَرُدُّونَ وُجُوهه " , فَسَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْهَدْي وَسَارَ النَّاس . 24432 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُوسَى , قَالَهُ : أَخْبَرَنِي أَبُو مُرَّة مَوْلَى أُمّ هَانِئ , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : وَكَانَ الْهَدْي دُون الْجِبَال الَّتِي تَطْلُع عَلَى وَادِي الثَّنِيَّة عَرَضَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ , فَرَدُّوا وُجُوهه ; قَالَ : فَنَحَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْي حِين حَبَسُوهُ , وَهِيَ الْحُدَيْبِيَة , وَحَلَقَ , وَتَأَسَّى بِهِ أُنَاس حِين رَأَوْهُ حَلَقَ , وَتَرَبَّص آخَرُونَ , فَقَالُوا : لَعَلَّنَا نَطُوف بِالْبَيْتِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه : " وَرَحِمَ اللَّه الْمُحَلِّقِينَ " , قِيلَ : وَالْمُقَصِّرِينَ , قَالَ " رَحِمَ اللَّه الْمُحَلِّقِينَ " , قِيلَ : وَالْمُقَصِّرِينَ , قَالَ : " وَالْمُقَصِّرِينَ " . 24433 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثَنَا عُمَر بْن ذَرّ الْهَمْدَانِيّ , عَنْ مُجَاهِد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتَمَرَ ثَلَاث عُمَر , كُلّهَا فِي ذِي الْقَعْدَة , يَرْجِع فِي كُلّهَا إِلَى الْمَدِينَة , مِنْهَا الْعُمْرَة الَّتِي صُدَّ فِيهَا الْهَدْي , فَنَحَرَهُ فِي مَحِلّه , عِنْد الشَّجَرَة , وَشَارَطُوهُ أَنْ يَأْتِي فِي الْعَام الْمُقْبِل مُعْتَمِرًا , فَيَدْخُل مَكَّة , فَيَطُوف بِالْبَيْتِ ثَلَاثَة أَيَّام , ثُمَّ يَخْرُج , وَلَا يَحْبِسُونَ عَنْهُ أَحَدًا قَدِمَ مَعَهُ , وَلَا يَخْرُج مِنْ مَكَّة بِأَحَدٍ كَانَ فِيهَا قَبْل قُدُومه مِنْ الْمُسْلِمِينَ ; فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْعَام الْمُقْبِل دَخَلَ مَكَّة , فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا يَطُوف بِالْبَيْتِ ; فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث قَرِيبًا مِنْ الظُّهْر , أَرْسَلُوا إِلَيْهِ : إِنَّ قَوْمك قَدْ آذَاهُمْ مَقَامك , فَنُودِيَ فِي النَّاس : لَا تَغْرُب الشَّمْس وَفِيهَا أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدِمَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 24434 -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَنْ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة , قَالَ : خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَن الْحُدَيْبِيَة فِي بِضْع عَشْرَة مِائَة مِنْ أَصْحَابه , حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَة قَلَّدَ الْهَدْي وَأَشْعَرَهُ , وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ , وَبَعَثَ بَيْن يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَة يُخْبِرهُ عَنْ قُرَيْش , وَسَارَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاط قَرِيبًا مِنْ قُعَيْقِعَان , أَتَاهُ عَيْنه الْخُزَاعِيّ , فَقَالَ . إِنِّي تَرَكْت كَعْب بْن لُؤَيّ وَعَامِر بْن لُؤَيّ قَدْ جَمَعُوا لَك الْأَحَابِيش , وَجَمَعُوا لَك جُمُوعًا , وَهُمْ مُقَاتِلُوك وَصَادُّوك عَنْ الْبَيْت , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَشِيرُوا عَلَيَّ , أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيل عَلَى ذَرَارِيّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَيُصِيبهُمْ , فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْزُونِينَ وَإِنْ لَحُّوا تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّه ؟ أَمْ تَرَوْنَ أَنَّا نَؤُمّ الْبَيْت , فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ ؟ " فَقَامَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه : إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَد , وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْننَا وَبَيْن الْبَيْت قَاتَلْنَاهُ ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَرَوِّحُوا إِذًا " ; وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول : مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَر مُشَاوَرَة لِأَصْحَابِهِ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيق , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ خَالِد بْن الْوَلِيد بِالْغَمِيم فِي خَيْل لِقُرَيْشٍ طَلِيعَة , فَخُذُوا ذَات الْيَمِين " , فَوَاَللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِد حَتَّى إِذَا هُوَ بِفَتْرَةِ الْجَيْش , فَانْطَلَقَ يَرْكُض نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ , وَسَارَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِط عَلَيْهِمْ مِنْهَا , بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَته ; فَقَالَ النَّاس : حَلْ حَلْ , فَقَالَ : مَا حَلْ ؟ فَقَالُوا : خَلَأَتْ الْقَصْوَاء , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا خَلَأَتْ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ , وَلَكِنَّهَا حَبَسَهَا حَابِس الْفِيل " , ثُمَّ قَالَ : " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلنِي خُطَّة يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَات اللَّه إِلَّا أَعْطَيْتهمْ إِيَّاهَا " , ثُمَّ زُجِرَتْ فَوَثَبَتْ فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَة عَلَى ثَمَد قَلِيل الْمَاء , إِنَّمَا يَتَبَرَّضهُ النَّاس تَبَرُّضًا , فَلَمْ يَلْبَث النَّاس أَنْ نَزَحُوهُ , فَشُكِيَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَش , فَنَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَته , ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ , فَوَاَللَّهِ مَا زَالَ يَجِيش لَهُمْ بِالرَّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ جَاءَ بُدَيْل بْن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ فِي نَفَر مِنْ خُزَاعَة , وَكَانُوا عَيْبَة نُصْح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْل تِهَامَة , فَقَالَ : إِنِّي تَرَكْت كَعْب بْن لُؤَيّ , وَعَامِر بْن لُؤَيّ , قَدْ نَزَلُوا أَعْدَاد مِيَاه الْحُدَيْبِيَة مَعَهُمْ الْعَوْذ الْمَطَافِيل , وَهُمْ مُقَاتِلُوك وَصَادُّوك عَنْ الْبَيْت , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَد , وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ , وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهَكَتْهُمْ الْحَرْب , وَأَضَرَّتْ بِهِمْ , فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْنَاهُمْ مُدَّة , وَيُخْلُوا بَيْنِي وَبَيْن النَّاس , فَإِنْ أَظْهَرَ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاس فَعَلُوا , وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِد سَالِفَتِي , أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللَّه أَمْره فَقَالَ بُدَيْل : سَنُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُول , فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا , فَقَالَ : إِنَّا جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْد هَذَا الرَّجُل , وَسَمِعْنَاهُ يَقُول قَوْلًا فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا ; قَالَ سُفَهَاؤُهُمْ : لَا حَاجَة لَنَا فِي أَنْ تُحَدِّثنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ , وَقَالَ ذَوُو الرَّأْي مِنْهُمْ ; هَاتِ مَا سَمِعْته ; يَقُول : قَالَ سَمِعْته يَقُول كَذَا وَكَذَا , فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَامَ عُرْوَة بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ , فَقَالَ : أَيْ قَوْم , أَلَسْتُمْ بِالْوَلَدِ ؟ قَالُوا : بَلَى ; قَالَ : أَوْلَسْت بِالْوَالِدِ ؟ قَالُوا : بَلَى , قَالَ : فَهَلْ أَنْتُمْ تَتَّهِمُونِي ؟ قَالُوا : لَا ; قَالَ : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اِسْتَنْفَرْت أَهْل عُكَاظ , فَلَمَّا بَلَحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي ؟ قَالُوا : بَلَى ; قَالَ : فَإِنَّ هَذَا الرَّجُل قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّة رُشْد فَاقْبَلُوهَا , وَدَعُونِي آتِهِ ; فَقَالُوا : اِئْتِهِ , فَأَتَاهُ , فَجَعَلَ يُكَلِّم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ مَقَالَته لِبُدَيْل ; فَقَالَ عُرْوَة عِنْد ذَلِكَ : أَيْ مُحَمَّد , أَرَأَيْت إِنْ اِسْتَأْصَلْت قَوْمك , فَهَلْ سَمِعْت بِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَب اِجْتَاحَ أَصْله قَبْلك وَإِنْ تَكُنْ الْأُخْرَى فَوَاَللَّهِ إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا وَأَوْبَاشًا مِنْ النَّاس خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدْعُوك , فَقَالَ أَبُو بَكْر : اِمْصُصْ بَظْر اللَّات , وَاللَّات : طَاغِيَة ثَقِيف الَّذِي كَانُوا يَعْبُدُونَ , أَنَحْنُ نَفِرّ وَنَدَعهُ ؟ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : أَبُو بَكْر , فَقَالَ : أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَد كَانَتْ لَك عِنْدِي لَمْ أَجْزِك بِهَا لَأَجَبْتُك ; وَجَعَلَ يُكَلِّم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ , وَالْمُغِيرَة بْن شُعْبَة قَائِم عَلَى رَأْس النَّبِيّ وَمَعَهُ السَّيْف , وَعَلَيْهِ الْمِغْفَر ; فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَة إِلَى لِحْيَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ضَرَبَ يَده بِنَصْلِ السَّيْف , وَقَالَ : أَخِّرْ يَدك عَنْ لِحْيَته , فَرَفَعَ رَأْسه فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة , قَالَ : أَيْ غُدَر أَوَلَسْت أَسْعَى فِي غَدْرَتك . وَكَانَ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّة , فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالهمْ , ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَّا الْإِسْلَام فَقَدْ قَبِلْنَاهُ , وَأَمَّا الْمَال فَإِنَّهُ مَال غَدْر لَا حَاجَة لَنَا فِيهِ " . وَإِنَّ عُرْوَة جَعَلَ يَرْمُق أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِهِ , فَوَاَللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَة إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفّ رَجُل مِنْهُمْ , فَدَلَّك بِهَا وَجْهه وَجِلْده , وَإِذَا أَمَرَهُمْ اِبْتَدَرُوا أَمْره , وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ , وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتهمْ عِنْده , وَمَا يَحُدُّونَ النَّظَر إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ , فَرَجَعَ عُرْوَة إِلَى أَصْحَابه , فَقَالَ أَيْ قَوْم , وَاَللَّه لَقَدْ وَفَدْت عَلَى الْمُلُوك , وَوَفَدْت عَلَى قَيْصَر وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيّ , وَاَللَّه مَا رَأَيْت مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمهُ أَصْحَابه مَا يُعَظِّم أَصْحَاب مُحَمَّد مُحَمَّدًا ; وَاَللَّه إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَة إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفّ رَجُل مِنْهُمْ فَدَلَّك بِهَا وَجْهه وَجِلْده , وَإِذَا أَمَرَهُمْ اِبْتَدَرُوا أَمْره , وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ , وَإِذَا تَكَلَّمُوا عِنْده خَفَضُوا أَصْوَاتهمْ , وَمَا يَحُدُّونَ النَّظَر إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ , وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّة رُشْد فَاقْبَلُوهَا . فَقَالَ رَجُل مِنْ كِنَانَة : دَعُونِي آتِهِ , فَقَالُوا : اِئْتِهِ ; فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذَا فُلَان , وَهُوَ مِنْ قَوْم يُعَظِّمُونَ الْبُدْن , فَابْعَثُوهَا لَهُ " , فَبُعِثَتْ لَهُ , وَاسْتَقْبَلَهُ قَوْم يُلَبُّونَ ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ سُبْحَان اللَّه , مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَصُدُّوا عَنْ الْبَيْت , فَقَامَ رَجُل مِنْهُمْ يُقَال لَهُ مِكْرَز بْن حَفْص , فَقَالَ : دَعُونِي آتِهِ , فَقَالُوا اِئْتِهِ , فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَهَذَا مِكْرَز بْن حَفْص , وَهُوَ رَجُل فَاجِر " فَجَاءَ فَجَعَلَ يُكَلِّم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمهُ , إِذْ جَاءَ سُهَيْل بْن عَمْرو , قَالَ أَيُّوب , قَالَ عِكْرِمَة : إِنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْل , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ سَهَّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْركُمْ " . قَالَا الزُّهْرِيّ . فَجَاءَ سُهَيْل بْن عَمْرو , فَقَالَ : هَاتِ نَكْتُب بَيْننَا وَبَيْنك كِتَابًا ; فَدَعَا الْكَاتِب فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اُكْتُبْ : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " , فَقَالَ : مَا الرَّحْمَن ؟ فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ , وَلَكِنْ اُكْتُبْ : بِاسْمِك اللَّهُمَّ كَمَا كُنْت تَكْتُب , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : وَاَللَّه لَا نَكْتُبهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اُكْتُبْ : بِاسْمِك اللَّهُمَّ " ثُمَّ قَالَ : " اُكْتُبْ : هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّه " , فَقَالَ سُهَيْل : وَاَللَّه لَوْ كُنَّا نَعْلَم أَنَّك رَسُول اللَّه مَا صَدَدْنَاك عَنْ الْبَيْت , وَلَا قَاتَلْنَاك , وَلَكِنْ اُكْتُبْ : مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاَللَّه إِنِّي لَرَسُول اللَّه وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي , وَلَكِنْ اُكْتُبْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه " ; قَالَ الزُّهْرِيّ : وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ : " وَاَللَّه لَا يَسْأَلُونِي خُطَّة يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَات اللَّه إِلَّا أَعْطَيْتهمْ إِيَّاهَا " ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْننَا وَبَيْن الْبَيْت , فَنَطُوف بِهِ " ; قَالَ سُهَيْل : وَاَللَّه لَا تَتَحَدَّث الْعَرَب أَنَّا أُخِذْنَا ضَغْطَة , وَلَكِنْ لَك مِنْ الْعَام الْمُقْبِل , فَكَتَبَ فَقَالَ سُهَيْل , وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيك مِنَّا رَجُل إِنْ كَانَ عَلَى دِينك إِلَّا رَدَدْته إِلَيْنَا , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : سُبْحَان اللَّه , وَكَيْف يُرَدّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا ؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ , إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَل ابْن سُهَيْل بْن عَمْرو يَرْسُف فِي قُيُوده , قَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَل مَكَّة حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْن أَظْهُر الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ سُهَيْل : هَذَا يَا مُحَمَّد أَوَّل مَنْ أُقَاضِيك عَلَيْهِ أَنْ تَرُدّهُ إِلَيْنَا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَأَجِرْهُ لِي " , فَقَالَ : مَا أَنَا بِمُجِيرهُ لَك , قَالَ : " بَلَى فَافْعَلْ " , قَالَ : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ ; قَالَ صَاحِبه مِكْرَز وَسُهَيْل إِلَى جَنْبه : قَدْ أَجَرْنَاهُ لَك ; فَقَالَ أَبُو جَنْدَل أَيْ مَعَاشِر الْمُسْلِمِينَ , أَأُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْت مُسْلِمًا ؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيت ؟ كَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّه . قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : وَاَللَّه مَا شَكَكْت مُنْذُ أَسْلَمْت إِلَّا يَوْمئِذٍ , فَأَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْت : أَلَسْنَا عَلَى الْحَقّ وَعَدُوّنَا عَلَى الْبَاطِل ؟ قَالَ : " بَلَى " , قُلْت : فَلِمَ نُعْطَى الدَّنِيَّة فِي دِيننَا إِذَنْ ؟ قَالَ : " وَإِنِّي رَسُول اللَّه , وَلَسْت أَعْصِيه وَهُوَ نَاصِرِي " , قُلْت : أَلَسْت تُحَدِّثنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْت , فَنَطُوف بِهِ ؟ قَالَ : " بَلَى " , قَالَ : " فَأَخْبَرْتُك أَنَّك تَأْتِيه الْعَام " ؟ قُلْت : لَا قَالَ : " فَإِنَّك آتِيه وَمُتَطَوِّف بِهِ " ; قَالَ : ثُمَّ أَتَيْت أَبَا بَكْر , فَقُلْت : أَلَيْسَ هَذَا نَبِيّ اللَّه حَقًّا ؟ قَالَ : بَلَى , قُلْت : أَلَسْنَا عَلَى الْحَقّ وَعَدُوّنَا عَلَى الْبَاطِل ؟ قَالَ : بَلَى , قُلْت : فَلِمَ نُعْطَى الدَّنِيَّة فِي دِيننَا إِذًا ؟ قَالَ أَيّهَا الرَّجُل إِنَّهُ رَسُول اللَّه , وَلَيْسَ يَعْصِي رَبّه , فَاسْتَمْسَكَ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوت , فَوَاَللَّهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقّ ; قُلْت : أَوَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْت وَنَطُوف بِهِ ؟ قَالَ : بَلَى , أَفَأَخْبَرَك أَنَّك تَأْتِيه الْعَام ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : فَإِنَّك آتِيه وَمُتَطَوِّف بِهِ . قَالَ الزُّهْرِيّ : قَالَ عُمَر : فَعَمِلْت لِذَلِكَ أَعْمَالًا ; فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِصَّته , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : " قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ اِحْلِقُوا " , قَالَ : فَوَاَللَّهِ مَا قَامَ مِنَّا رَجُل حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاث مَرَّات ; فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَد , قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمّ سَلَمَة , فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاس , فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَة : يَا رَسُول اللَّه أَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ اُخْرُجْ , ثُمَّ لَا تُكَلِّم أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَة حَتَّى تَنْحَر بُدْنك , وَتَدْعُو حَالِقك فَيَحْلُقك , فَقَامَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّم أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَة , حَتَّى نَحَرَ بُدْنه , وَدَعَا حَالِقه فَحَلَقَهُ ; فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا , وَجَعَلَ بَعْضهمْ يَحْلِق بَعْضًا , حَتَّى كَادَ بَعْضهمْ يَقْتُل بَعْضًا غَمًّا ; ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَة مُؤْمِنَات , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَات مُهَاجِرَات } حَتَّى بَلَغَ { بِعِصَمِ الْكَوَافِر } 60 10 قَالَ : فَطَلَّقَ عُمَر يَوْمئِذٍ اِمْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْك ; قَالَ : فَنَهَاهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُنَّ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الصَّدَاق حِينَئِذٍ ; قَالَ رَجُل لِلزُّهْرِيِّ : أَمِنْ أَجْل الْفُرُوج ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَة ابْن أَبِي سُفْيَان , وَالْأُخْرَى صَفْوَان بْن أُمَيَّة , ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة , فَجَاءَهُ أَبُو بَصِير , رَجُل مِنْ قُرَيْش , وَهُوَ مُسْلِم , فَأَرْسَلَ فِي طَلَبه رَجُلَانِ , فَقَالَا : الْعَهْد الَّذِي جَعَلْت لَنَا , فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ , فَخَرَجَا بِهِ , حَتَّى إِذَا بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَة , فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْر لَهُمْ , فَقَالَ أَبُو بَصِير لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ : وَاَللَّه إِنِّي لَأَرَى سَيْفك هَذَا يَا فُلَان جَيِّدًا , فَاسْتَلَّهُ الْآخَر فَقَالَ : وَاَللَّه إِنَّهُ لَجَيِّد , لَقَدْ جَرَّبْت بِهِ وَجَرَّبْت ; فَقَالَ أَبُو بَصِير : أَرِنِي أَنْظُر إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ , فَضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الْآخَر حَتَّى أَتَى الْمَدِينَة , فَدَخَلَ الْمَسْجِد يَعْدُو , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَأَى هَذَا ذُعْرًا " , فَقَالَ : وَاَللَّه قُتِلَ صَاحِبِي , وَإِنِّي وَاَللَّه لَمَقْتُول , فَجَاءَ أَبُو بَصِير فَقَالَ : قَدْ وَاَللَّه أَوْفَى اللَّه ذِمَّتك وَرَدَدْتنِي إِلَيْهِمْ , ثُمَّ أَغَاثَنِي اللَّه مِنْهُمْ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل أُمّه مِسْعَر حَرْب لَوْ كَانَ لَهُ أَحَد " فَلَمَّا سَمِعَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ ; قَالَ : فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْف الْبَحْر , وَتَفَلَّتَ أَبُو جَنْدَل ابْن سُهَيْل بْن عَمْرو , فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِير , فَجَعَلَ لَا يَخْرُج مِنْ قُرَيْش رَجُل قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِير , حَتَّى اِجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَة , فَوَاَللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّام إِلَّا اِعْتَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ , وَأَخَذُوا أَمْوَالهمْ , فَأَرْسَلَتْ قُرَيْش إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ اللَّه وَالرَّحِم لَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ , فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِن فَأَنْزَلَ اللَّه { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ } حَتَّى بَلَغَ حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة وَكَانَتْ حَمِيَّتهمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيّ , وَلَمْ يُقِرُّوا بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , وَحَالُوا بَيْنهمْ وَبَيْن الْبَيْت . 24435 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة , عَنْ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة , وَمَرْوَان بْن الْحَكَم , قَالَا : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَن الْحُدَيْبِيَة فِي بِضْع عَشْرَة مِائَة , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه , قَالَ الزُّهْرِيّ , فَحَدَّثَنِي الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : فَأَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْت : أَلَسْت بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : " بَلَى " , قَالَ أَيْضًا : وَخَرَجَ أَبُو بَصِير وَاَلَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ الَّذِينَ رَدَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقُوا بِالسَّاحِلِ عَلَى طَرِيق غَيْر قُرَيْش , فَقَتَلُوا مَنْ فِيهَا مِنْ الْكُفَّار وَتَغَنَّمُوهَا ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ كُفَّار قُرَيْش , رَكِبَ نَفَر مِنْهُمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا لَهُ : إِنَّهَا لَا تُغْنِي مُدَّتك شَيْئًا , وَنَحْنُ نُقْتَل وَتُنْهَب أَمْوَالنَا , وَإِنَّا نَسْأَلك أَنْ تُدْخِل هَؤُلَاءِ فِي الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنَّا فِي صُلْحك وَتَمْنَعهُمْ , وَتَحْجِز عَنَّا قِتَالهمْ , فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ } , ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيث إِلَى آخِره , نَحْو حَدِيث اِبْن عَبْد الْأَعْلَى . - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن شِهَاب الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَنْ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة , وَمَرْوَان بْن الْحَكَم أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ , قَالَا : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْحُدَيْبِيَة , يُرِيد زِيَارَة الْبَيْت , لَا يُرِيد قِتَالًا , وَسَاقَ مَعَهُ هَدْيه سَبْعِينَ بَدَنَة , حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَان لَقِيَهُ بِشْر بْن سُفْيَان الْكَعْبِيّ , فَقَالَ لَهُ : يَا رَسُول اللَّه هَذِهِ قُرَيْش قَدْ سَمِعْت بِمَسِيرِك , فَخَرَجُوا مَعَهُمْ الْعَوْذ الْمَطَافِيل قَدْ لَبِسُوا جُلُود النُّمُور , وَنَزَلُوا بِذِي طُوَى يُعَاهِدُونَ اللَّه , لَا تَدْخُلهَا عَلَيْهِمْ أَبَدًا , وَهَذَا خَالِد بْن الْوَلِيد فِي خَيْلهمْ , قَدْ قَدِمُوهَا إِلَى كُرَاع الْغَمِيم ; قَالَ : فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا وَيْح قُرَيْش لَقَدْ أَهْلَكْتهمْ الْحَرْب , مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْن سَائِر الْعَرَب فَإِنْ هُمْ أَصَابُونِي كَانَ ذَلِكَ الَّذِي أَرَادُوا , وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللَّه عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَام دَاخِرِينَ " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث مَعْمَر بِزِيَادَاتٍ فِيهِ كَثِيرَة , عَلَى حَدِيث مَعْمَر تَرَكْت ذِكْرهَا . 24436 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : " وَالْهَدْي مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه " قَالَ : كَانَ الْهَدْي بِذِي طُوَى , وَالْحُدَيْبِيَة خَارِجَة مِنْ الْحَرَم , نَزَلَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين غَوَّرَتْ قُرَيْش عَلَيْهِ الْمَاء.

وَقَوْله : { وَلَوْلَا رِجَال مُؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّة بِغَيْرِ عِلْم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْلَا رِجَال مِنْ أَهْل الْإِيمَان وَنِسَاء مِنْهُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ أَنْ تَطَئُوهُمْ بِخَيْلِكُمْ وَرَجْلكُمْ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ بِمَكَّة , وَقَدْ حَبَسَهُمْ الْمُشْرِكُونَ بِهَا عَنْكُمْ , فَلَا يَسْتَطِيعُونَ مِنْ أَجْل ذَلِكَ الْخُرُوج إِلَيْكُمْ فَتَقْتُلُوهُمْ . كَمَا : 24437 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَوْلَا رِجَال مُؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات } . .. حَتَّى بَلَغَ { بِغَيْرِ عِلْم } هَذَا حِين رُدَّ مُحَمَّد وَأَصْحَابه أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّة , فَكَانَ بِهَا رِجَال مُؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات , فَكَرِهَ اللَّه أَنْ يُؤْذَوْا أَوْ يُوطَئُوا بِغَيْرِ عِلْم , فَتُصِيبكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّة بِغَيْرِ عِلْم . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعَرَّة الَّتِي عَنَاهَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا الْإِثْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24438 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَوْلَا رِجَال مُؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّة بِغَيْرِ عِلْم } قَالَ : إِثْم بِغَيْرِ عِلْم . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِهَا غُرْم الدِّيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24439 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق { فَتُصِيبكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّة بِغَيْرِ عِلْم } فَتُخْرِجُوا دِيَته , فَأَمَّا إِثْم فَلَمْ يَحْسِبهُ عَلَيْهِمْ . وَالْمَعَرَّة : هِيَ الْمَفْعَلَة مِنْ الْعَرّ , وَهُوَ الْجَرَب وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : فَتُصِيبكُمْ مِنْ قِبَلهمْ مَعَرَّة تُعَرَّوْنَ بِهَا , يَلْزَمكُمْ مِنْ أَجْلهَا كَفَّارَة قَتْل الْخَطَأ , وَذَلِكَ عِتْق رَقَبَة مُؤْمِنَة , مَنْ أَطَاقَ ذَلِكَ , وَمَنْ لَمْ يُطِقْ فَصِيَام شَهْرَيْنِ . وَإِنَّمَا اِخْتَرْت هَذَا الْقَوْل دُون الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ اِبْن إِسْحَاق ; لِأَنَّ اللَّه إِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى قَاتِل الْمُؤْمِن فِي دَار الْحَرْب إِذَا لَمْ يَكُنْ هَاجَرَ مِنْهَا , وَلَمْ يَكُنْ قَاتِله عَلِمَ إِيمَانه الْكَفَّارَة دُون الدِّيَة , فَقَالَ : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن , فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } 4 92 لَمْ يُوجِب عَلَى قَاتِله خَطَأ دِيَته , فَلِذَلِكَ قُلْنَا : عُنِيَ بِالْمَعَرَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْكَفَّارَة , و { أَنْ } مِنْ قَوْله : { أَنْ تَطَؤُهُمْ } فِي مَوْضِع رَفْع رَدًّا عَلَى الرِّجَال ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَلَوْلَا أَنْ تَطَئُوا رِجَالًا مُؤْمِنِينَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات لَمْ تَعْلَمُوهُمْ , فَتُصِيبكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّة بِغَيْرِ عِلْم لَأَذِنَ اللَّه لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي دُخُول مَكَّة , وَلَكِنَّهُ حَالَ بَيْنكُمْ وَبَيْن ذَلِكَ

يَقُول : لِيُدْخِل اللَّه فِي الْإِسْلَام مِنْ أَهْل مَكَّة مَنْ يَشَاء قَبْل أَنْ تَدْخُلُوهَا , وَحَذَفَ جَوَاب لَوْلَا اِسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ .

وَقَوْله : { لَوْ تَزَيَّلُوا } يَقُول : لَوْ تَمَيَّزَ الَّذِينَ فِي مُشْرِكِي مَكَّة مِنْ الرِّجَال الْمُؤْمِنِينَ وَالنِّسَاء الْمُؤْمِنَات الَّذِينَ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ مِنْهُمْ , فَفَارَقُوهُمْ وَخَرَجُوا مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ

يَقُول : لَقَتَلْنَا مَنْ بَقِيَ فِيهَا بِالسَّيْفِ , أَوْ لَأَهْلَكْنَاهُمْ بِبَعْضِ مَا يُؤْلِمهُمْ مِنْ عَذَابنَا الْعَاجِل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24440 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَوْ تَزَيَّلُوا } . .. الْآيَة , إِنَّ اللَّه يَدْفَع بِالْمُؤْمِنِينَ عَنْ الْكُفَّار . 24441 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعَ الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ } يَعْنِي أَهْل مَكَّة كَانَ فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ مُسْتَضْعَفُونَ : يَقُول اللَّه لَوْلَا أُولَئِكَ الْمُسْتَضْعَفُونَ لَوْ قَدْ تَزَيَّلُوا , لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . 24442 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { لَوْ تَزَيَّلُوا } لَوْ تَفَرَّقُوا , فَتَفَرَّقَ الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر , لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا .
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًاسورة الفتح الآية رقم 26
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبهمْ الْحَمِيَّة حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبهمْ الْحَمِيَّة حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة } حِين جَعَلَ سُهَيْل بْن عَمْرو فِي قَلْبه الْحَمِيَّة , فَامْتَنَعَ أَنْ يَكْتُب فِي كِتَاب الْمُقَاضَاة الَّذِي كُتِبَ بَيْن يَدَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , وَأَنْ يَكْتُب فِيهِ : مُحَمَّد رَسُول اللَّه , وَامْتَنَعَ هُوَ وَقَوْمه مِنْ دُخُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامه ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24443 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : كَانَتْ حَمِيَّتهمْ الَّتِي ذَكَرَ اللَّه , إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبهمْ الْحَمِيَّة , حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة , أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَحَالُوا بَيْنهمْ وَبَيْن الْبَيْت . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ بِنَحْوِهِ . 24444 -حَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعُثْمَانِيّ , قَالَ : ثَنَا إِسْمَاعِيل ابْن أَبِي أُوَيْس , قَالَ : ثَنِي أَخِي , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَمَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا إِلَّا اللَّه فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَاله وَنَفْسه إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابه عَلَى اللَّه " . وَأَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه , فَذَكَرَ قَوْمًا اِسْتَكْبَرُوا فَقَالَ : { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَسْتَكْبِرُونَ } 37 35 وَقَالَ اللَّه : { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبهمْ الْحَمِيَّة حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقّ بِهَا وَأَهْلهَا } وَهِيَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه , اِسْتَكْبَرَ عَنْهَا الْمُشْرِكُونَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة , يَوْم كَاتَبَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَضِيَّة الْمُدَّة . و " إِذْ " مِنْ قَوْله : { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا } مِنْ صِلَة قَوْله : لَعَذَّبْنَا . وَتَأْوِيل الْكَلَام : لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا , حِين جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبهمْ الْحَمِيَّة , وَالْحَمِيَّة فَعِيلَة مِنْ قَوْل الْقَائِل : حَمَى فُلَان أَنْفه حَمِيَّة وَمَحْمِيَّة ; وَمِنْهُ قَوْل الْمُتَلَمِّس : أَلَا إِنَّنِي مِنْهُمْ وَعِرْضِي عِرْضهمْ كَذَا الرَّأْس يَحْمِي أَنْفه أَنْ يُكَمَّشَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " وَيَحْمِي " : يَمْنَع . وَقَالَ { حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة } لِأَنَّ الَّذِي فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ كَانَ جَمِيعه مِنْ أَخْلَاق أَهْل الْكُفْر , وَلَمْ يَكُنْ شَيْء مِنْهُ مِمَّا أَذِنَ اللَّه لَهُمْ بِهِ , وَلَا أَحَد مِنْ رُسُله .

وَقَوْله : { فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره فَأَنْزَلَ اللَّه الصَّبْر وَالطُّمَأْنِينَة وَالْوَقَار عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ , إِذْ حَمَى الَّذِينَ كَفَرُوا حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة , وَمَنَعُوهُمْ مِنْ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ , وَأَبَوْا أَنْ يَكْتُبُوا فِي الْكِتَاب بَيْنه وَبَيْنهمْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , وَمُحَمَّد رَسُول اللَّه

يُقَال : أَلْزَمَهُمْ قَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه الَّتِي يَتَّقُونَ بِهَا النَّار , وَأَلِيم الْعَذَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ , وَرُوِيَ بِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر قَائِلِي ذَلِكَ بِمَا قُلْنَا فِيهِ , وَالْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 24445 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن قَزَعَة الْبَاهِلِيّ , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان بْن حَبِيب , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ ثَوْر ابْن أَبِي فَاخِتَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الطُّفَيْل , عَنْ أَبِيهِ , سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " . 24446 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَالِد بْن خِدَاش الْعَتَكِيّ , قَالَ : سَمِعْت سَالِمًا , سَمِعَ شُعْبَة , سَمِعَ سَلَمَة بْن كُهَيْل , سَمِعَ عَبَايَة , سَمِعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي قَوْله : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه. * - حَدَّثَنِي اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة , عَنْ عَبَايَة بْن رِبْعِيّ , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فِي قَوْله : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَاَللَّه أَكْبَر . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامْغَانِيّ , قَالَ ثَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان وَشُعْبَة , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ رَجُل , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَاَللَّه أَكْبَر . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا وَهْب بْن جَرِير , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سَلَمَة , عَنْ عَبَايَة , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 24447 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ ثَنَا أَبُو صَالِح . قَالَ ثَنَا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } يَقُول : شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَهِيَ كَلِمَة التَّقْوَى , يَقُول : فَهِيَ رَأْس التَّقْوَى . 24448 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا إِسْحَاق , يُحَدِّث عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِيسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , قَالَ : أَخْبَرَنِي سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 24449 -حَدَّثَنَا اِبْن سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه. 24450 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } وَهِيَ : شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 24451 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : هِيَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 24452 -حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } هِيَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 24453 - حَدَّثَنِي سَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثَنَا حَفْص بْن عُمَر , قَالَ : ثَنَا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 24454 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثَنَا عَمْرو ابْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه . 24455 - حَدَّثَنِي الصَّوَارِيّ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن سَوَّار , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي خَالِد الْمَكِّيّ , عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ , قَالَ : كُنْت مَعَ اِبْن عُمَر بَيْن مَكَّة وَمِنَى بِالْمَأْزِمَيْنِ , فَسَمِعَ النَّاس يَقُولُونَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَاَللَّه أَكْبَر , فَقَالَ : هِيَ هِيَ , فَقُلْت : مَا هِيَ ؟ قَالَ : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } الْإِخْلَاص { وَكَانُوا أَحَقّ بِهَا وَأَهْلهَا } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ : هِيَ كَلِمَة التَّقْوَى , الْإِخْلَاص . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24456 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : الْإِخْلَاص . * -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { كَلِمَة التَّقْوَى } كَلِمَة الْإِخْلَاص . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ قَوْله : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24457 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِيسَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , فِي قَوْله : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ قَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24458 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى } قَالَ : أَحَدهمَا الْإِخْلَاص , وَقَالَ الْآخَر : كَلِمَة التَّقْوَى : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير .

وَقَوْله : { وَكَانُوا أَحَقّ بِهَا وَأَهْلهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالْمُؤْمِنُونَ أَحَقّ بِكَلِمَةِ التَّقْوَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلهَا : يَقُول : وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ أَهْل كَلِمَة التَّقْوَى دُون الْمُشْرِكِينَ . وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " وَكَانُوا أَهْلهَا وَأَحَقّ بِهَا " . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24459 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَكَانُوا أَحَقّ بِهَا وَأَهْلهَا } وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَحَقّ بِهَا , وَكَانُوا أَهْلهَا : أَيْ التَّوْحِيد , وَشَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله .

وَقَوْله : { وَكَانَ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه بِكُلِّ شَيْء ذَا عِلْم , يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء هُوَ كَائِن , وَلِعِلْمِهِ أَيّهَا النَّاس بِمَا يَحْدُث مِنْ دُخُولكُمْ مَكَّة وَبِهَا رِجَال مُؤْمِنُونَ , وَنِسَاء مُؤْمِنَات لَمْ تَعْلَمُوهُمْ , لَمْ يَأْذَن لَكُمْ بِدُخُولِكُمْ مَكَّة فِي سَفَرَتكُمْ هَذِهِ .
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًاسورة الفتح الآية رقم 27
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام إِنْ شَاءَ اللَّه آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله مُحَمَّدًا رُؤْيَاهُ الَّتِي أَرَاهَا إِيَّاهُ أَنَّهُ يَدْخُل هُوَ وَأَصْحَابه بَيْت اللَّه الْحَرَام آمِنِينَ , لَا يَخَافُونَ أَهْل الشِّرْك , مُقَصِّرًا بَعْضهمْ رَأْسه , وَمُحَلِّقًا بَعْضهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24460 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام إِنْ شَاءَ اللَّه آمِنِينَ } قَالَ هُوَ دُخُول مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْت وَالْمُؤْمِنُونَ , مُحَلِّقِينَ رُءُوسهمْ وَمُقَصِّرِينَ . 24461 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ } قَالَ : أُرِيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُ يَدْخُل مَكَّة وَأَصْحَابه مُحَلِّقِينَ , فَقَالَ أَصْحَابه حِين نَحَرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ : أَيْنَ رُؤْيَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 24462 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ } قَالَ : رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَطُوف بِالْبَيْتِ وَأَصْحَابه , فَصَدَّقَ اللَّه رُؤْيَاهُ , فَقَالَ : { لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام إِنْ شَاءَ اللَّه آمِنِينَ }. .. حَتَّى بَلَغَ { لَا تَخَافُونَ } . 24463 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ } قَالَ : أُرِيَ فِي الْمَنَام أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَأَنَّهُمْ آمِنُونَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسهمْ وَمُقَصِّرِينَ . 24464 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ } . . إِلَى آخِر الْآيَة . قَالَ : قَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي قَدْ رَأَيْت أَنَّكُمْ سَتَدْخُلُونَ الْمَسْجِد الْحَرَام مُحَلِّقِينَ رُءُوسكُمْ وَمُقَصِّرِينَ " فَلَمَّا نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَدْخُل ذَلِكَ الْعَام طَعَنَ الْمُنَافِقُونَ فِي ذَلِكَ , فَقَالُوا : أَيْنَ رُؤْيَاهُ ؟ فَقَالَ اللَّه { لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ { وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ } إِنِّي لَمْ أَرَهُ يَدْخُلهَا هَذَا الْعَام , وَلَيَكُونَنَّ ذَلِكَ . 24465 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق { لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ } . .. إِلَى قَوْله : { إِنْ شَاءَ اللَّه آمِنِينَ } لِرُؤْيَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أُرِيَهَا أَنَّهُ سَيَدْخُلُ مَكَّة آمِنًا لَا يَخَاف , يَقُول : مُحَلِّقِينَ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ .

وَقَوْله : { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَعَلِمَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا لَمْ تَعْلَمُوا , وَذَلِكَ عِلْمه تَعَالَى ذِكْره بِمَا بِمَكَّة مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء الْمُؤْمِنِينَ , الَّذِينَ لَمْ يَعْلَمهُمْ الْمُؤْمِنُونَ , وَلَوْ دَخَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْعَام لَوَطِئُوهُمْ بِالْخَيْلِ وَالرَّجِل , فَأَصَابَتْهُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّة بِغَيْرِ عِلْم , فَرَدَّهُمْ اللَّه عَنْ مَكَّة مِنْ أَجْل ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24466 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا } قَالَ : رَدَّهُ لِمَكَانٍ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات , وَأَخَّرَهُ لِيُدْخِل اللَّه فِي رَحْمَته مَنْ يَشَاء مَنْ يُرِيد أَنْ يَهْدِيه .

وَقَوْله : { فَجَعَلَ مِنْ دُون ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْفَتْح الْقَرِيب , الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ دُون دُخُولهمْ الْمَسْجِد الْحَرَام مُحَلِّقِينَ رُءُوسهمْ وَمُقَصِّرِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الصُّلْح الَّذِي جَرَى بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن مُشْرِكِي قُرَيْش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24467 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مِنْ دُون ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } قَالَ : النَّحْر بِالْحُدَيْبِيَةِ , وَرَجَعُوا فَافْتَتَحُوا خَيْبَر , ثُمَّ اِعْتَمَرَ بَعْد ذَلِكَ , فَكَانَ تَصْدِيق رُؤْيَاهُ فِي السَّنَة الْقَابِلَة . 24468 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَوْله : { فَجَعَلَ مِنْ دُون ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } يَعْنِي : صُلْح الْحُدَيْبِيَة , وَمَا فُتِحَ فِي الْإِسْلَام فَتْح كَانَ أَعْظَم مِنْهُ , إِنَّمَا كَانَ الْقِتَال حَيْثُ اِلْتَقَى النَّاس ; فَلَمَّا كَانَتْ الْهُدْنَة وَضَعْت الْحَرْب , وَأَمِنَ النَّاس كُلّهمْ بَعْضهمْ بَعْضًا , فَالْتَقَوْا فَتَفَاوَضُوا فِي الْحَدِيث وَالْمُنَازَعَة , فَلَمْ يُكَلَّم أَحَد بِالْإِسْلَامِ يَعْقِل شَيْئًا إِلَّا دَخَلَ فِيهِ , فَلَقَدْ دَخَلَ فِي تَيْنِكَ السَّنَتَيْنِ فِي الْإِسْلَام مِثْل مَنْ كَانَ فِي الْإِسْلَام قَبْل ذَلِكَ وَأَكْثَر . 24469 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق { فَجَعَلَ مِنْ دُون ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } قَالَ : صُلْح الْحُدَيْبِيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِالْفَتْحِ الْقَرِيب فِي هَذَا الْمَوْضِع : فَتْح خَيْبَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24470 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَجَعَلَ مِنْ دُون ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } قَالَ : خَيْبَر حِين رَجَعُوا مِنْ الْحُدَيْبِيَة , فَتَحَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ , فَقَسَمَهَا عَلَى أَهْل الْحُدَيْبِيَة كُلّهمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ الْأَنْصَار , يُقَال لَهُ : أَبُو دُجَانَة سِمَاك بْن خَرْشَة , كَانَ قَدْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة وَغَابَ عَنْ خَيْبَر . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ لِرَسُولِهِ وَاَلَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنْ أَهْل بَيْعَة الرِّضْوَان فَتْحًا قَرِيبًا مِنْ دُون دُخُولهمْ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَدُون تَصْدِيقه رُؤْيَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ صُلْح الْحُدَيْبِيَة وَفَتْح خَيْبَر دُون ذَلِكَ , وَلَمْ يُخَصِّص اللَّه تَعَالَى ذِكْره خَبَره ذَلِكَ عَنْ فَتْح مِنْ ذَلِكَ دُون فَتْح , بَلْ عَمَّ ذَلِكَ , وَذَلِكَ كُلّه فَتْح جَعَلَهُ اللَّه مِنْ دُون ذَلِكَ . وَالصَّوَاب أَنْ يَعُمّهُ كَمَا عَمَّهُ , فَيُقَال : جَعَلَ اللَّه مِنْ دُون تَصْدِيقه رُؤْيَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُخُولِهِ وَأَصْحَابه الْمَسْجِد الْحَرَام مُحَلِّقِينَ رُءُوسهمْ وَمُقَصِّرِينَ , لَا يَخَافُونَ الْمُشْرِكِينَ صُلْح الْحُدَيْبِيَة وَفَتْح خَيْبَر .
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًاسورة الفتح الآية رقم 28
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ } الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيَانِ الْوَاضِح , وَدِين الْحَقّ , وَهُوَ الْإِسْلَام ; الَّذِي أَرْسَلَهُ دَاعِيًا خَلْقه إِلَيْهِ

يَقُول : لِيُبْطِل بِهِ الْمِلَل كُلّهَا , حَتَّى لَا يَكُون دِين سِوَاهُ , وَذَلِكَ كَانَ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْزِل عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَيَقْتُل الدَّجَّال , فَحِينَئِذٍ تَبْطُل الْأَدْيَان كُلّهَا , غَيْر دِين اللَّه الَّذِي بَعَثَ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُظْهِر الْإِسْلَام عَلَى الْأَدْيَان كُلّهَا .

وَقَوْله : { وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَشْهَدَك يَا مُحَمَّد رَبّك عَلَى نَفْسه , أَنَّهُ سَيُظْهِرُ الدِّين الَّذِي بَعَثَك بِهِ { وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا } يَقُول : وَحَسْبك بِهِ شَاهِدًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24471 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ . ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ الْحَسَن { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا } يَقُول : أَشْهَد لَك عَلَى نَفْسه أَنَّهُ سَيُظْهِرُ دِينك عَلَى الدِّين كُلّه , وَهَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاَلَّذِينَ كَرِهُوا الصُّلْح يَوْم الْحُدَيْبِيَة مِنْ أَصْحَابه , أَنَّ اللَّه فَاتِح عَلَيْهِمْ مَكَّة وَغَيْرهَا مِنْ الْبُلْدَان , مُسَلِّيهمْ بِذَلِكَ عَمَّا نَالَهُمْ مِنْ الْكَآبَة وَالْحُزْن , بِانْصِرَافِهِمْ عَنْ مَكَّة قَبْل دُخُولِهُمُوهَا , وَقَبْل طَوَافهمْ بِالْبَيْتِ .
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًاسورة الفتح الآية رقم 29
وَقَوْله : { مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار رُحَمَاء بَيْنهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَأَتْبَاعه مِنْ أَصْحَابه الَّذِينَ هُمْ مَعَهُ عَلَى دِينه , أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار , غَلِيظَة عَلَيْهِمْ قُلُوبهمْ , قَلِيلَة بِهِمْ رَحْمَتهمْ { رُحَمَاء بَيْنهمْ } يَقُول : رَقِيقَة قُلُوب بَعْضهمْ لِبَعْضٍ , لَيِّنَة أَنْفُسهمْ لَهُمْ , هَيِّنَة عَلَيْهِمْ لَهُمْ . كَمَا : 24472 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { رُحَمَاء بَيْنهمْ } أَلْقَى اللَّه فِي قُلُوبهمْ الرَّحْمَة , بَعْضهمْ لِبَعْضٍ

يَقُول : تَرَاهُمْ رُكَّعًا أَحْيَانًا لِلَّهِ فِي صَلَاتهمْ سُجَّدًا أَحْيَانًا

يَقُول : يَلْتَمِسُونَ بِرُكُوعِهِمْ وَسُجُودهمْ وَشِدَّتهمْ عَلَى الْكُفَّار وَرَحْمَة بَعْضهمْ بَعْضًا , فَضْلًا مِنْ اللَّه , وَذَلِكَ رَحْمَته إِيَّاهُمْ , بِأَنْ يَتَفَضَّل عَلَيْهِمْ , فَيُدْخِلهُمْ جَنَّته

يَقُول : وَأَنْ يَرْضَى عَنْهُمْ رَبّهمْ .

وَقَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } يَقُول : عَلَامَتهمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود فِي صَلَاتهمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السِّيمَا الَّذِي عَنَاهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ عَلَامَة يَجْعَلهَا اللَّه فِي وُجُوه الْمُؤْمِنِينَ يَوْم الْقِيَامَة , يُعْرَفُونَ بِهَا لِمَا كَانَ مِنْ سُجُودهمْ لَهُ فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24473 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : صَلَاتهمْ تَبْدُو فِي وُجُوههمْ يَوْم الْقِيَامَة. 24474 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه الْعَتَكِيّ , عَنْ خَالِد الْحَنَفِيّ , قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : يُعْرَف ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر سُجُودهمْ فِي الدُّنْيَا , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { تَعْرِف فِي وُجُوههمْ نَضْرَة النَّعِيم } 83 24 . 24475 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن أَسْبَاط بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة , فِي قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : مَوَاضِع السُّجُود مِنْ وُجُوههمْ يَوْم الْقِيَامَة أَشَدّ وُجُوههمْ بَيَاضًا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن فُضَيْل , عَنْ فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة , بِنَحْوِهِ . * -حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثَنَا اِبْن فُضَيْل , عَنْ فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة , مِثْله . 24476 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت شُبَيْبًا يَقُول عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان , قَالَ : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : النُّور يَوْم الْقِيَامَة . 24477 - حَدَّثَنَا اِبْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثَنَا هَارُون بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : قَالَ عَلِيّ بْن الْمُبَارَك : سَمِعْت غَيْر وَاحِد عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : بَيَاضًا فِي وُجُوههمْ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ سِيمَا الْإِسْلَام وَسَمْته وَخُشُوعه , وَعَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ يُرَى مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24478 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ } قَالَ : السَّمْت الْحَسَن . 24479 - قَالَ : ثَنَا مُجَاهِد , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن بْن مُعَاوِيَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِاَلَّذِي تَرَوْنَ , وَلَكِنَّهُ سِيمَا الْإِسْلَام وَسَحْنَته وَسَمْته وَخُشُوعه . 24480 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : الْخُشُوع وَالتَّوَاضُع . * -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُؤَمَّل , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - قَالَ : ثَنَا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : الْخُشُوع . 24481 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , فِي هَذِهِ الْآيَة { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : السَّحْنَة . 24482 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : هُوَ الْخُشُوع , فَقُلْت : هُوَ أَثَر السُّجُود , فَقَالَ : إِنَّهُ يَكُون بَيْن عَيْنَيْهِ مِثْل رُكْبَة الْعَنْز , وَهُوَ كَمَا شَاءَ اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ أَثَر يَكُون فِي وُجُوه الْمُصَلِّينَ , مِثْل أَثَر السَّهَر , الَّذِي يَظْهَر فِي الْوَجْه مِثْل الْكَلَف وَالتَّهَيُّج وَالصُّفْرَة , وَأَشْبَه ذَلِكَ مِمَّا يُظْهِرهُ السَّهَر وَالتَّعَب فِي الْوَجْه , وَوَجَّهُوا التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ سِيَمًا فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24483 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : الصُّفْرَة . 24484 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : زَعَمَ الشَّيْخ الَّذِي كَانَ يَقُصّ فِي عُسْر , وَقَرَأَ { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } فَزَعَمَ أَنَّهُ السَّهَر يُرَى فِي وُجُوههمْ. 24485 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ حَفْص , عَنْ شَمِر بْن عَطِيَّة , فِي قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ } قَالَ : تَهَيُّج فِي الْوَجْه مِنْ سَهَر اللَّيْل . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ آثَار تُرَى فِي الْوَجْه مِنْ ثَرَى الْأَرْض , أَوْ نَدَى الطَّهُور . ذِكْر مِنْ قَالَ ذَلِكَ : 24486 -حَدَّثَنَا حَوْثَرَة بْن مُحَمَّد الْمِنْقَرِيّ , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد بْن مَسْعَدَة ; وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير جَمِيعًا عَنْ ثَعْلَبَة بْن سُهَيْل , عَنْ جَعْفَر ابْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : ثَرَى الْأَرْض , وَنَدَى الطَّهُور . 24487 - حَدَّثَنَا اِبْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثَنَا هَارُون بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثَنَا عَلِيّ بْن الْمُبَارَك , قَالَ : ثَنَا مَالِك بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ : هُوَ أَثَر التُّرَاب . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَنَا أَنَّ سِيمَا هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود , وَلَمْ يَخُصّ ذَلِكَ عَلَى وَقْت دُون وَقْت . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَذَلِكَ عَلَى كُلّ الْأَوْقَات , فَكَانَ سِيمَاهُمْ الَّذِي كَانُوا يُعْرَفُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَثَر الْإِسْلَام , وَذَلِكَ خُشُوعه وَهَدْيه وَزُهْده وَسَمْته , وَآثَار أَدَاء فَرَائِضه وَتَطَوُّعه , وَفِي الْآخِرَة مَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُعْرَفُونَ بِهِ , وَذَلِكَ الْغُرَّة فِي الْوَجْه وَالتَّحْجِيل فِي الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل مِنْ أَثَر الْوُضُوء , وَبَيَاض الْوُجُوه مِنْ أَثَر السُّجُود . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى السِّيمَا قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24488 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } يَقُول : عَلَامَتهمْ أَوْ أَعْلَمَتْهُمْ الصَّلَاة .

وَقَوْله : { ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة } يَقُول : هَذِهِ الصِّفَة الَّتِي وَصَفْت لَكُمْ مِنْ صِفَة أَتْبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ مَعَهُ صِفَتهمْ فِي التَّوْرَاة .

وَقَوْله : { وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } يَقُول : وَصِفَتهمْ فِي إِنْجِيل عِيسَى صِفَة زَرْع أَخْرَجَ شَطْأَهُ , وَهُوَ فِرَاخه , يُقَال مِنْهُ : قَدْ أَشْطَأَ الزَّرْع : إِذَا فَرَّخَ فَهُوَ يُشْطِئ إِشْطَاء , وَإِنَّمَا مَثَّلَهُمْ بِالزَّرْعِ الْمُشْطِئ ; لِأَنَّهُمْ اِبْتَدَءُوا فِي الدُّخُول فِي الْإِسْلَام , وَهُمْ عَدَد قَلِيلُونَ , ثُمَّ جَعَلُوا يَتَزَايَدُونَ , وَيَدْخُل فِيهِ الْجَمَاعَة بَعْدهمْ , ثُمَّ الْجَمَاعَة بَعْد الْجَمَاعَة , حَتَّى كَثُرَ عَدَدهمْ , كَمَا يَحْدُث فِي أَصْل الزَّرْع الْفَرْخ مِنْهُ , ثُمَّ الْفَرْخ بَعْده حَتَّى يَكْثُر وَيُنَمَّى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24489 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنَا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَاَلَّذِينَ مَعَهُ } أَصْحَابه مِثْلهمْ , يَعْنِي نَعْتهمْ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَوَات وَالْأَرْض . 24490 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك { مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار } . .. إِلَى قَوْله : { ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة } ثُمَّ قَالَ : { وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } . .. الْآيَة . 24491 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ذَلِكَ { مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة } : أَيْ هَذَا الْمَثَل فِي التَّوْرَاة { وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } فَهَذَا مَثَل أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِنْجِيل . 24492 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } قَالَ { ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } . 24493 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة } يَعْنِي السِّيمَا فِي الْوُجُوه مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة , وَلَيْسَ بِمَثَلِهِمْ فِي الْإِنْجِيل , ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } . .. الْآيَة , هَذَا مَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل . 24494 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } . 24495 -حَدَّثَنِي عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثَنَا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْل اللَّه : { مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَاَلَّذِينَ مَعَهُ } . .. الْآيَة , قَالَ : هَذَا مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة , وَمَثَل آخَر فِي الْإِنْجِيل { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ } الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَانِ الْمَثَلَانِ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مَثَلهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24496 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة } وَالْإِنْجِيل وَاحِد . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة , غَيْر مَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل , وَإِنَّ الْخَبَر عَنْ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة مُتَنَاهٍ عِنْد قَوْله : { ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة } وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْل لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَاحِد , لَكَانَ التَّنْزِيل : وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل , وَكَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ , فَكَانَ تَمْثِيلهمْ بِالزَّرْعِ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههمْ مِنْ أَثَر السُّجُود } حَتَّى يَكُون ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ أَنَّ ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَفِي مَجِيء الْكَلَام بِغَيْرِ وَاو فِي قَوْله : { كَزَرْعٍ } دَلِيل بَيِّن عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا , وَأَنَّ قَوْلهمْ { وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل } خَبَر مُبْتَدَأ عَنْ صِفَتهمْ الَّتِي هِيَ فِي الْإِنْجِيل دُون مَا فِي التَّوْرَاة مِنْهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24497 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ خَيْثَمَة , قَالَ : بَيْنَا عَبْد اللَّه يُقْرِئ رَجُلًا عِنْد غُرُوب الشَّمْس , إِذْ مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَة { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قَالَ : أَنْتُمْ الزَّرْع , وَقَدْ دَنَا حَصَادكُمْ . 24498 - قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ حُمَيْد الطَّوِيل , قَالَ : قَرَأَ أَنَس بْن مَالِك : { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ } قَالَ : تَدْرُونَ مَا شَطْأَهُ ؟ قَالَ : نَبَاته . 24499 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قَالَ : سُنْبُله حِين يَتَسَلَّع نَبَاته عَنْ حَبَّاته . 244500 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قَالَ : هَذَا مَثَل أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِنْجِيل , قِيلَ لَهُمْ : إِنَّهُ سَيَخْرُجُ قَوْم يَنْبُتُونَ نَبَات الزَّرْع , مِنْهُمْ قَوْم يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ , وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر . 24501 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَالزُّهْرِيّ { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قَالَا : أَخْرَجَ نَبَاته. 24502 - حُدِّثْنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } يَعْنِي : أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَكُونُونَ قَلِيلًا , ثُمَّ يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ وَيَسْتَغْلِظُونَ . 24503 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } أَوْلَاده , ثُمَّ كَثُرَتْ أَوْلَاده . 24504 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قَالَ : مَا يَخْرُج بِجَنْبِ الْحَقْلَة فَيَتِمّ وَيُنَمَّى .

وَقَوْله : { فَآزَرَهُ } يَقُول : فَقَوَّاهُ : أَيْ قَوَّى الزَّرْع شَطْأَهُ وَأَعَانَهُ , وَهُوَ مِنْ الْمُؤَازَرَة الَّتِي بِمَعْنَى الْمُعَاوَنَة { فَاسْتَغْلَظَ } يَقُول : فَغَلُظَ الزَّرْع { فَاسْتَوَى عَلَى سُوقه } وَالسُّوق : جَمْع سَاق , وَسَاق الزَّرْع وَالشَّجَر : حَامِلَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24505 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { فَآزَرَهُ } يَقُول : نَبَاته مَعَ اِلْتِفَافه حِين يُسَنْبِل { ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل } فَهُوَ مَثَل ضَرَبَهُ لِأَهْلِ الْكِتَاب إِذَا خَرَجَ قَوْم يَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُت الزَّرْع فَيَبْلُغ فِيهِمْ رِجَال يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ , وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر , ثُمَّ يَغْلُظُونَ , فَهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمْ . وَهُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : بَعَثَ اللَّه النَّبِيّ وَحْده , ثُمَّ اِجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاس قَلِيل يُؤْمِنُونَ بِهِ , ثُمَّ يَكُون الْقَلِيل كَثِيرًا , وَيَسْتَغْلِظُونَ , وَيَغِيظ اللَّه بِهِمْ الْكُفَّار . 24506 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { فَآزَرَهُ } قَالَ : فَشَدَّهُ وَأَعَانَهُ . وَقَوْله : { عَلَى سُوقه } قَالَ : أُصُوله . 24507 -حَدَّثَنِي اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَالزُّهْرِيّ { فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقه } يَقُول : فَتَلَاحَقَ . 24508 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَآزَرَهُ } اِجْتَمَعَ ذَلِكَ فَالْتَفَّ ; قَالَ : وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ خَرَجُوا وَهُمْ قَلِيل ضُعَفَاء , فَلَمْ يَزَلْ اللَّه يَزِيد فِيهِمْ , وَيُؤَيِّدهُمْ بِالْإِسْلَامِ , كَمَا أَيَّدَ هَذَا الزَّرْع بِأَوْلَادِهِ , فَآزَرَهُ , فَكَانَ مَثَلًا لِلْمُؤْمِنِينَ . 24509 -حَدَّثَنِي عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثَنَا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقه } يَقُول : حَبّ بُرّ نُثِرَ مُتَفَرِّقًا , فَتُنْبِت كُلّ حَبَّة وَاحِدَة , ثُمَّ أَنْبَتَتْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهَا , حَتَّى اِسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقه ; قَالَ : يَقُول : كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلِيلًا , ثُمَّ كَثُرُوا , ثُمَّ اِسْتَغْلَظُوا { لِيَغِيظَ } اللَّه { بِهِمْ الْكُفَّار } .

وَقَوْله : { يُعْجِب الزُّرَّاع لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُعْجِب هَذَا الزَّرْع الَّذِي اِسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقه فِي تَمَامه وَحُسْن نَبَاته , وَبُلُوغه وَانْتِهَائِهِ الَّذِينَ زَرَعُوهُ { لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّار } يَقُول : فَكَذَلِكَ مَثَل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , وَاجْتِمَاع عَدَدهمْ حَتَّى كَثُرُوا وَنَمَوْا , وَغَلُظَ أَمْرهمْ كَهَذَا الزَّرْع الَّذِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَته , ثُمَّ قَالَ : { لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّار } فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَتْرُوك مِنْ الْكَلَام , وَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى فَعَلَ ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّار. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24510 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّار } يَقُول اللَّه : مَثَلهمْ كَمَثَلِ زَرْع أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ , فَاسْتَغْلَظَ , فَاسْتَوَى عَلَى سُوقه , حَتَّى بَلَغَ أَحْسَن النَّبَات , يُعْجِب الزُّرَّاع مِنْ كَثْرَته , وَحُسْن نَبَاته . 24511 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يُعْجِب الزُّرَّاع } قَالَ : يُعْجِب الزُّرَّاع حُسْنه { لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّار } بِالْمُؤْمِنِينَ , لِكَثْرَتِهِمْ , فَهَذَا مَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل.

وَقَوْله : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله { وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَقُول : وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ فَرَائِضه الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْهِمْ .

وَقَوْله : { مِنْهُمْ } يَعْنِي : مِنْ الشَّطْء الَّذِي أَخْرَجَهُ الزَّرْع , وَهُمْ الدَّاخِلُونَ فِي الْإِسْلَام بَعْد الزَّرْع الَّذِي وَصَفَ رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى صِفَته . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله { مِنْهُمْ } عَائِدَة عَلَى مَعْنَى الشَّطْء لَا عَلَى لَفْظه , وَلِذَلِكَ جُمِعَ فَقِيلَ : " مِنْهُمْ " , وَلَمْ يُقَلْ " مِنْهُ " . وَإِنَّمَا جُمِعَ الشَّطْء لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَنْ يَدْخُل فِي دِين مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بَعْد الْجَمَاعَة الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ بِقَوْلِهِ : { وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار رُحَمَاء بَيْنهمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا } .

وَقَوْله { مَغْفِرَة } يَعْنِي : عَفْوًا عَمَّا مَضَى مِنْ ذُنُوبهمْ , وَسَيِّئ أَعْمَالهمْ بِحُسْنِهَا .

وَقَوْله : { وَأَجْرًا عَظِيمًا } يَعْنِي : وَثَوَابًا جَزِيلًا , وَذَلِكَ الْجَنَّة .